ديالى.. صراع الجغرافية والتاريخ والهوية

المحافظة المختلطة التي باتت مؤشرًا لمستقبل العراق

ديالى.. صراع الجغرافية والتاريخ والهوية
TT

ديالى.. صراع الجغرافية والتاريخ والهوية

ديالى.. صراع الجغرافية والتاريخ والهوية

المجازر البشعة التي ارتكبتها ميليشيات متطرّفة تدعمها إيران بحق مواطنين من المسلمين السنة في مدينة المقدادية بمحافظة ديالى العراقية، في أعقاب تفجيرات استهدفت عددا من المساجد السنّية ادعى تنظيم داعش مسؤوليته عنها، سلطت الضوء على المحنة التي تعيشها محافظة ديالى المختلطة عرقيًا وطائفيًا. ويرى المراقبون أن ما حدث ويحدث وسيحدث، في هذه المحافظة بالذات، من شأنه إعطاء فكرة عنى مسار الأمور في «عراق ما بعد 2003»، وما إذا كان الكيان العراقي الذي أبصر النور في مطلع عشرينات القرن الماضي ما زال قابلاً للحياة أم لا.
في محافظة ديالى الواقعة شرق مدينة بغداد العاصمة بمسافة لا تزيد على الـ57 كلم يتصارع التاريخ والجغرافية على نحو فريد، الأمر الذي خلق أحد أكثر صراعات الهوية في هذا البلد المختلف على هويته الوطنية بعد سقوط الدولة العراقية المركزية يوم التاسع من أبريل (نيسان) عام 2003.
ورغم أن إشكالية الهوية الوطنية طغت على ما عداها من إشكاليات كبرى في «عراق ما بعد الاحتلال»، فإن المحافظات المختلطة سكانيا على صعيد عرقي (عرب - أكراد - تركمان) مثل كركوك، أو عرقي - طائفي (عرب - أكراد - شيعة - سنة) مثل ديالى، دفعت ولا تزال وربما سوف تبقى تدفع، ثمنا باهظا لهذا لاختلاط أو التنوّع.
هذا الاختلاط تحوّل من نموذج كان يحتذى به طوال عمر الدولة العراقية الحديثة (1921 - 2003) بحيث كانت التسمية الدارجة لها هي أنها «عراق مصغر» إلى عبرة مؤلمة ونموذج للنزاعات السياسية العميقة. فهناك خلاف كبير حول «العائدية» (أي لمن تعود) بالنسبة لكركوك المحكومة كلها بالمادة 140 من الدستور العراقي، كونها منطقة متنازع عليها بين العرب - بقطع النظر عن الانتماء المذهبي سنة أم شيعة - والكرد. إذ بينما يصر الكرد على أن كركوك «كردية» ويجب أن تلحق بإقليم كردستان الذاتي الحكم يرى العرب أنها عراقية ويجب أن تبقى مرتبطة بالمركز. أما بالنسبة لمحافظة ديالى فالأمر لا يتعلق بـ«العائدية» إلا لبعض أقضيتها مثل خانقين وجلولاء التي يرى الكرد أنها يجب أن تلتحق بكردستان وتخضع الآن لنفوذ الأحزاب الكردية وميليشيا البيشمركة الكردية بل يتعلق الأمر بالنفوذ.
وبسبب استمرار المشاكل على كل الأصعدة في العاصمة العراقية بغداد بسبب «نظام المحاصصة العرقية والطائفية» الذي بُنيت عليه العملية السياسية على حساب الهوية الوطنية الواحدة المتلاشية أمام الهويات الفرعية، تفاقم الوضع في محافظة ديالى.
* إشكالية «العائدية»
ديالى، في الحقيقة، تعاني أساسًا إشكالية مزدوجة لـ«العائدية» والنفوذ نتج فيها فراغ سلطة تنازعت على ملئه ثلاث جهات، هي: أولاً، تنظيم القاعدة منذ عام 2004 وحتى ظهور تنظيم داعش عام 2014، وثانيًا الميليشيات والفصائل الشيعية التي تستمد غالبيتها نفوذها من إيران التي تقع ديالى على أقرب نقطة حدودية لها عن العاصمة بغداد بحيث لا تبعد أكثر من 120 كلم. وثالثًا، البيشمركة الكردية التي تبسط نفوذها على المناطق والأقضية ذات الأغلبية السكانية الكردية. وفي إطار هذا الفسيفساء السكاني (الخليط العرقي من العرب والكرد وبعض التركمان، والطائفي السني الشيعي) سرعان ما انزلقت ديالى إلى إشكالية مذهبية وصراع طائفي. وزحفت الجغرافية التي تتميز بها المحافظة لكي تغتال تاريخها الذي كان مبعث فخر بالتعايش السلمي. ولكي نعطي تصورا حقيقيا عن هذا الجانب فلا بد من النظر إلى خريطة هذه المحافظة التي جعلها في القطب من الصراع السياسي الذي يعاني منه العراق اليوم نظرا للأهمية الآنية والمستقبلية لها.
* لمحة جغرافية
تقع ديالى في القسم الشرقي من وسط العراق. وهي من المحافظات التي لها حدود دولية، وتحديدًا مع إيران من الشرق. بينما يحدها من الشمال محافظة السليمانية وجزء من محافظة صلاح الدين، ومن الغرب محافظتا بغداد وصلاح الدين، ومن الجنوب محافظة واسط. وتبلغ مساحة ديالى 17774 كلم، وهي تشكل ما نسبته 4.1 في المائة من مساحة العراق البالغة 434128 كلم. وهي ذات شكل طولي يمتد طولاً إلى أكثر من 200 كلم طول، بينما يصل أقصى عرض للمحافظة إلى 155 كلم. وتشتهر ديالى بالزراعة، وبالأخص زراعة الحمضيات، ولا سيما البرتقال، والرمّان بحيث تعد «سلة العراق الغذائية» الرئيسية في هذا المجال، إذ يجود فيها البرتقال، بينما يشتهر بالرمّان بالذات قضاء المقدادية الذي استحال اليوم بسبب صراع النفوذ إلى صاعق تفجير يمكن أن تنتشر شظاياه إلى كل العراق. بل إن الحالة الخطيرة التي انحدرت إليها ديالى من الصعب حله إلا بعودة سلطة الدولة وهيبتها.
* نماذج تعدّدية
الوضع السكاني المتعدّد مذهبيًا وعرقيًا في العراق قد يجد له نماذج مصغرة في أكثر من محافظة أو مدينة مثل بغداد العاصمة نفسها أو محافظة البصرة التي تعد عاصمتها كبرى حواضر الجنوب. بغداد، من جهتها، سبق لها أن عانت الأمرين خلال فترة العنف الطائفي عامي 2006 - 2007. ومن ثم وجدت «الحل النسبي» في نشوء شبه «كانتونات» معزولة يسكن هذه الشيعة وتلك السنة من دون اختلاط. أما بالنسبة لمحافظة البصرة فإن السنة فيها يشكلون أقلية تقطن قضاء الزبير لكنها تعاني في كثير من الأحيان من الفراغ الذي سرعان ما تسعى الميليشيات إلى ملئه رغم المشاكل والخلافات العنيفة بينها، بالإضافة إلى تفجّر صراعات عشائرية من لون واحد (شيعية - شيعية).
وبالتالي، ما يجعل من محافظة ديالى حالة مختلفة عن نموذجي بغداد والبصرة كون صراع الهوية هناك يكاد له أن يتطور في بعض جوانبه إلى صراع وجود وإلغاء. ذلك أن الأقضية التي يسكنها الأكراد مثل جلولاء وخانقين يخطط حركيو هؤلاء لسلخها جغرافيًا وإداريًا عن ديالى من أجل ضمها إلى كيان كردستان من منطلق الأحلام التاريخية للكرد. في حين أن الأقضية التي يسكنها العرب فإنهم عاشوا فيها متعايشين ومتصاهرين على مرّ التاريخ، وأبرزهم: عشائر العزّة وعشائر كنانة وعشيرة العبيد وعشيرة الجبور وعشائر بني قيس وعشائر الدُّلَيم والسعيد والعسكري وطيئ وبنو تميم وبنو سعد وبنو خالد وبنو حرب وبنو زيد وعشائر شمر والأجود وعتبة والبومحمد وغيرهم. كل هذه العشائر وجدت نفسها ضحية لما بات يعرف بعد عام 2003 بـ«الطائفية السياسية» حيث ظهرت الهوية المذهبية (الشيعية - السنية) وبسبب تمدّد تنظيمي القاعدة ومن ثم «داعش» المحسوبين على السنة والميليشيات المدعومة إيرانيًا المحسوبة على الشيعة تفاقم العداء وصراع النفوذ، وصار أكبر تجسيد له احتلال ديالى من قبل «داعش» عام 2014 ومن ثم طرد التنظيم منها عام 2015.
* التطهير المذهبي والديموغرافي
وفي حين ترتب على ذلك الاحتلال نزوح كبير لسكان المناطق المحتلة، فإنه حين جرت عملية استعادتها من سيطرة «داعش» بدأت الميليشيات والفصائل الشيعية المدعومة من إيران عملية التهجير القسري والتغيير الديموغرافي الممنهج وتمثل بتجاوزات طائفية ومنع النازحين السنة من العودة إلى مدنهم وقراهم، وهذا مع العلم أن الغالبية السكانية لمحافظة ديالى من العرب السنة.
وفي هذا السياق يقول الشيخ مازن حبيب الخيزران، شيخ عشائر العزّة في ديالى، خلال حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «السنة في ديالى ورغم كونهم الغالبية فإنهم يعانون من طرفَي النفوذ هنا في المحافظة، حيث يستهدفهم (داعش)، رغم أن التنظيم محسوب على السنة ظلمًا وعدوانًا، وكذلك تستهدفهم في المقابل الميليشيات الشيعية.. وهو ما يعني إن العشائر السنية تحديدا تقع بين مطرقة (داعش) وسندان الميليشيات الشيعية (الإيرانية الدعم)». ويتابع: «الفارق يكمن في أن الجميع هنا أعداء لداعش، لكن الميليشيات تملك سطوة وتمارس سطوتها باسم سلطة الدولة أحيانًا، الأمر الذي يجعلنا ضحية للطرفين في ظل انعدام الحماية من الحكومة رغم الوعود الكثيرة. هذا الوضع يؤدي إلى تكرار المآسي التي نتعرض لها مع أننا كعشائر سواء كانت شيعية أم سنية لا نشعر أن بيننا أي خلاف من أي نوع».
الصورة لا تختلف كثيرًا بالنسبة لمحمد الخالدي، وهو أيضًا أحد شيوخ عشائر ديالى بجانب كونه قياديا بارزًا في كتلة «متحدون للإصلاح»، ولا يختلف كثيرا عن الصورة التي رسمها الخيزران للوضع في ديالى. ومن ثم يوضح الخالدي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «أهل السنة في ديالى دفعوا وسيبقون يدفعون أثمانا باهظة في حال بقي السلاح بيد الميليشيات والفصائل المسلحة، وفي حال بقي حال آلاف العوائل النازحة على ما هو عليه، إذ لا يمكن تحقيق الاستقرار في ظل عجز الدولة عن ضبط السلاح والسيطرة على حامليه». ويضيف الخالدي أن «نحو 40 ألف عائلة تعرضت للتهجير من ديالى بعد سيطرة (داعش)، ولكن رغم تحرير المحافظة منذ أكثر من سنة فإن عدد العوائل العائدة لا يتعدى الـ1500 عائلة، وهو ما يعني بقاء أكثر من 38 ألف عائلة في مخيمات النازحين. ومع ذلك كله، يجري تفجير المساجد العائدة للسنة فضلاً عن عمليات التغيير الديموغرافي التي يقوم بها الكرد في المناطق التي يدّعون إنها عائدة لهم وهي جلولاء وخانقين، وتستغل الميليشيات الشيعية في المناطق الأخرى عجز الدولة أو تراخيها على فرض حالات من الأمر الواقع على الأرض».
* الشق الكردي للأزمة
وفي خضم صراع الجغرافية والتاريخ داخل حدود محافظة ديالى يزداد الطين بلة مع البعد الكردي للمحنة. فالأكراد، كما سبقت الإشارة، يسعون إلى ضم الأقضية والمناطق ذات الغالبية السكانية الكردية فيها كجلولاء وخانقين ومندلي إلى إقليم كردستان الذاتي الحكم، وذلك بالاستفادة من الفوضى التي تشهدها هذه المحافظة نتيجة الحرب القائمة منذ أكثر من عقد من السنين بين التنظيمات الإرهابية كـ«القاعدة» و«داعش» والميليشيات الشيعية المدعومة إيرانيًا، الأمر الذي يؤدي باستمرار إلى فراغ سلطة في الحكومة المحلية. وللعلم، سجل على هذا الصعيد اغتيال أكثر من محافظ وعضو مجلس محافظة أو قيادي بارز في المحافظة تابع لهذا الطرف أو ذاك، فضلا عن استمرار التغيير في مناصب الحكومة المحلية التي تطال في الغالب منصب المحافظ المختلف عليه بين الشيعة والسنة.
وفي حين يتهم الميليشياويون الشيعة جيرانهم السنة في المحافظة بدعم التنظيمات الإرهابية المسلحة أو التعامل معها - وحقًا دفعت قوات «الصحوات» ثمنا باهظا بسبب اتهامات سابقة بانتمائها إلى «القاعدة» -، يثير إصرار قادة المظاهرات في المحافظات الغربية طوال عام 2013 على التعامل مع ديالى بوصفها إحدى المحافظات الست الغربية - أي المحافظات ذات الغالبية السنّية - غضبًا وسخطًا عند الشيعة.
ثم أن ثمة مراقبين يرون أن إيران تقف خلف الضغوط بشأن توسيع نفوذ الميليشيات المرتبطة بها من أجل تأسيس «منطقة آمنة» لهاـ كون ديالى محافظة حدودية كما أن فيها، النقطة الأقرب ليس إلى بغداد فحسب، بل إلى محافظة صلاح الدين أيضًا، حيث أصبح لإيران نفوذ كبير فيها من خلال «الحشد الشعبي» بمساعدة بعض العشائر السنية في المحافظة. وبالتالي، فإن ديالى باتت هي المنطقة الواصلة بين إيران وسوريا عبر محافظة صلاح الدين.
تراث محمود العزاوي، المتحدث السابق باسم محافظة ديالى، قال لـ«الشرق الأوسط» في حوار معه إن «من أبرز ما واجهه السنة في ديالى هو ثنائية الهيمنة الشيعية - الكردية على المحافظة بما ذلك المفاصل الإدارية والسياسية، الأمر الذي أدى إلى تهميش السنة برغم كونهم الغالبية السكانية في المحافظة». وأردف العزاوي أن «تشكيل قوات (الصحوات) السنّية قبل سنوات من أجل محاربة القاعدة والإمساك بالأرض ترتب عليه مخاوف مختلفة، سرعان ما أصبحت تلك (الصحوات) ضحية لها فهي باتت هدفا لـ(القاعدة) التي تحاربها بحجة أنها عميلة للحكومة الشيعية - مثلما ترى -، بينما رفضت الحكومة الوقوف معها، بل شنت عليها حربًا، إلى الحد الذي لم تصرف لها رواتبها تحت تبريرات مختلفة، رغم الأدوار التي أدتها في استقرار المحافظة في فترة من الفترات».
وهنا يقول العزاوي «إن الحكومة بدلا من أن تستوعب (الصحوات) وتضمها إلى المنظومة الأمنية حوّلتها إلى خصم، وهذا ما انعكس سلبيًا على وضع العرب السنة في المحافظة، الذين بدأوا يتذمرون ويبحثون عن أي قوة يمكن أن تخلصهم من هذا الواقع المزري. المسؤولية مسؤولية الحكومة العراقية السابقة التي كان يرأسها نوري المالكي التي تتحمل الوزر الأكبر للأخطاء والمحن التي يعانيها أبناء ديالى اليوم». ويستطرد فيقول إن «داعش تمكن من التغلغل تحت هذه الذريعة، لكن سرعان ما بدأ يفتك بالجميع، وأولهم السنة، الذين دفعوا ولا يزالون يدفعون ثمن ولائهم لعراق واحد خال من الميليشيات والمجاميع المسلحة، يمثله جيش واحد هو الجيش العراقي من دون تمييز».

المقدادية.. مدينة المساجد المحترقة

المقدادية، واسمها الأصلي الذي كانت تعرف به هو «شهربان»، وهي كلمة كردية، مدينة ذات غالبية سنّية في محافظة ديالى والعاصمة الإدارية لقضاء يحمل اسمها. وهو ثاني أكبر قضاء فيها بعد مركز المحافظة مدينة بعقوبة. سميت المقدادية بهذا الاسم نسبة إلى العالم الصوفي المقداد بن محمد الرفاعي، وهي على مسافة 40 كلم شمال شرقي بعقوبة ونحو 90 كلم إلى الشمال الشرقي من مدينة بغداد. تمتد المقدادية على أرض زراعية خصبة تزيد مساحتها على 200 ألف دونم وتشتهر بالبساتين، وخاصة النخيل والرمّان والبرتقال. ويخترقها نهر وهو أحد روافد نهر ديالى ويسمى بنهر المقدادية.
يبلغ عدد سكان مدينة المقدادية نحو 280 ألف نسمة عام 2005م، ونسبة ما بين 80 - 90 في المائة من السكان هم من العرب، و5 في المائة من الأكراد، وما بين 3 في المائة و4 في المائة من التركمان، بالإضافة إلى أقلية من الشيشان الذين قدموا إلى المنطقة قبل أكثر من 150 سنة من بلاد القوقاز هاربين من البطش القيصري الروسي أيام ثورة الإمام شامل الداغستاني.
أصبحت المقدادية رسميًا بمستوى ناحية عام 1920م، ثم تحوّلت بإرادة ملكية عام 1950م، لتصبح قضاءً باسم قضاء المقدادية.
ما يميز مدينة المقدادية هو كثرة مساجدها ولا سيما المساجد القديمة، ولعل أشهرها جامع المقدادية الكبير، وجامع الأورفلي، وجامع نازنده خاتون في الحي العصري، وجامع حي المعلمين، وجامع الحرية، وجامع حذيفة بن اليمان، وجامع أبو ذر الغفاري، وجامع الشهيد خليل عبد الكريم الصالح، وجامع الشهيد علي المهداوي. وفي المقدادية يقع معسكر المنصورية، وهو من أهم مواقع الجيش العراقي، ومنه انطلق منه الزعيم عبد الكريم قاسم، آمر اللواء 19. في ثورة 14 يوليو (تموز) عام 1958 التي أعلنت الحكم الجمهوري في العراق. ويعد معسكر المنصورية اليوم من أكبر مخازن أعتدة الجيش العراقي المحصنّة تحت سلسلة جبل حمرين.
المقدادية كانت في قلب الأحداث أخيرًا بعد تعرّضها لهجوم غاشم شنه «الحشد الشعبي» وميليشيات شيعية أخرى أقدمت خلاله الميليشيات على إحراق وتفجير 9 مساجد من مساجد المقدادية التي يعود تاريخ تأسيس بعضها إلى عدة مئات من السنين، وارتكاب مجازر بحق المدنيين. وحسب المعلومات المتوافرة، سبق الهجوم على المقدادية العملية التي قام بها تنظيم داعش في حي بغداد الجديدة بالعاصمة بغداد، وتمثلت باقتحام «مول الجوهرة» ما أدى إلى قتل وجرح العشرات من المواطنين. وتزامنت عملية «داعش» في بغداد مع عملية تفجير بالقرب من مكان سيطرة لـ«الحشد الشعبي» في إحدى مناطق بعقوبة بالإضافة إلى تفجير بحزام ناسف.
على أثر ذلك وقع ذلك الهجوم، مع العلم، أنه سبقت هذه الحملة ولا سيما حرق مساجد السنة في ديالى حملة مماثلة لحرق ثلاثة مساجد سنّية في محافظة بابل (100 كلم جنوب بغداد) على أثر إعدام المعارض السعودي نمر النمر. غير أن ما جرى في المقدادية فجّر صراعا سياسيا حادًا تمثل في مقاطعة «تحالف القوى العراقية» جلسات مجلسي النواب والوزراء احتجاجا على ما جرى هناك.
كذلك تضاربت المواقف حتى عندما زار كل من رئيس البرلمان سليم الجبوري - الذي ينتمي إلى مدينة المقدادية ويتزعم كتلة «ديالى هويتنا» البرلمانية - ورئيس الوزراء حيدر العبادي، المدينة. فالتصريحات التي أدلى بها كل من الجبوري (سنّي) والعبادي (شيعي) في المقدادية عكست عمق الخلاف بين الطرفين. إذ أكد العبادي سيطرة الدولة على الوضع وتجول في الأسواق والأحياء الشعبية إيحاءً بعودة الأمن والأمان فيها، بينما أخرج الجبوري ورقة من جيبه قال إنها تتضمن أسماء المتورّطين في أحداث العنف الذين لم تعمل الحكومة شيئا لتوقيفهم ومعاقبتهم. وذهب الجبوري من ثم إلى ما هو أبعد حين تحدى العبادي أن «يقدم الأدلة العملية» على محاسبته حارقي مساجد المقدادية.
والمعروف أن الهجوم على المقدادية لم يقتصر على حرق المساجد، بل شمل إعدامات ومجازر وحشية بحق شبان من السنة داخل المدينة. ومع استمرار عمليات القتل والقتل المضاد والتي طالت حتى الإعلاميين (اغتيال مراسل قناة «الشرقية» ومصورها عند إحدى السيطرات) فإن المساعي السياسية الهادفة إلى البحث عن حل لما جرى في المقدادية تصطدم بها مساع مضادة من أجل تدويل أزمة ديالى وطلب حماية دولية للسنة، وخاصة بعدما أثبتت الحكومة فشلها في تأمين الحماية للمواطنين.
 



«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.