تحالف عون ـ جعجع يعيد تموضع القوى السياسية خارج فريقي 8 و14 آذار

تداعيات تطال خريطة تمثيل القوى بالبرلمان بعد الانتخابات النيابية المقبلة

ميشال عون  ... سمير جعجع
ميشال عون ... سمير جعجع
TT

تحالف عون ـ جعجع يعيد تموضع القوى السياسية خارج فريقي 8 و14 آذار

ميشال عون  ... سمير جعجع
ميشال عون ... سمير جعجع

لا تقتصر تداعيات ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لرئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، على التكتلات السياسية القائمة منذ عشر سنوات تحت مسمى قوى 8 و14 آذار. فهذا التحالف الجديد بين عون وجعجع، وهما أكبر ممثلين للقوى السياسية المسيحية في لبنان، من شأنه أن يبدّل في خريطة التوازنات السياسية بعد الانتخابات الرئاسية، ويصيب خريطة تمثيل القوى بالبرلمان بعد الانتخابات النيابية المقبلة، حيث سيتضاعف عدد نواب عون وجعجع إلى 44، بدلاً من 25 في الوقت الحالي.
في الشكل، يؤثر هذا الاتفاق، إلى حد كبير، على تحالف 14 آذار، إثر تغريد «القوات» خارج سربه، في مقابل تعزيز الحلف الآخر القائم على التفاهمات بين تيار «المستقبل» و«حركة أمل» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، والحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط.
ويمثل حزب الله، تلقائيًا، جزءًا من حلف عون - جعجع، على ضوء الحلف بين الحزب وعون. وينفي نائب رئيس مجلس النواب الأسبق ايلي الفرزلي، الاصطفاف الطائفي جراء بروز الحلف الجديد تحت اسم «حلف مسيحي»، مؤكدًا أن المعيار الطائفي «غير مطروح». وإذ أشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذا التحالف «يمثل 90 في المائة من المسيحيين»، قال إن معايير توزع القوى في لبنان، «لا تدلل على انقسام طائفي»، مشددًا على أن «المطالب التي تليت في الورقة التي تلاها جعجع مساء الاثنين، تضمنت تأكيدًا على اتفاق الطائف والعلاقة الجيدة مع الدول العربية والعيش المشترك وغيرها».
وقال: «هذا الاتفاق يعيد إلى المسيحيين حقوقهم بدلاً من الشرذمة التي اختبروها، ويؤكد أن المسيحيين يريدون اتفاق الطائف ويصرون على تنفيذه وحمايته»، معتبرًا أن «أي إشارة إلى أنه حلف طائفي، هو غير صحيح، ولعب بوحدة البلد». وأضاف: «قوس الأزمات في المنطقة لن تقتصر تداعيات على سوريا والعراق في ظل نظام إقليمي جديد قادم، وعليه، لنا مصلحة بالحفاظ على وحدة البلد والعيش المشترك، وعلينا ألا ندفع بالأقليات في لبنان ليحذوا حذو الأكراد أو الأقليات الأخرى للتأكيد على كياناتها».
ورغم أن هذا التحالف يمثل أغلبية المسيحيين على صعيد القاعدة الشعبية، فإنه عاجز عن إيصال عون إلى سدة الرئاسة في الجلسة النيابية المقبلة لانتخاب الرئيس في 8 فبراير (شباط) المقبل. ذلك إن أصوات هذا الحلف في البرلمان، لا تؤمن نسبة «النصف + واحد») من أصوات نواب البرلمان. وبحسب الترجيحات، فإن كتلة عون (19 نائبا) مع كتلة جعجع (8 نواب) وحزب الله (13 نائبا) وحلفائهم (10 أصوات) في البرلمان، لا تتضمن أكثر من 50 صوتًا على أعلى تقدير، مقابل أصوات كتلة المستقبل (36 نائبا) (وبري (13 نائبا) وجنبلاط (11 نائبا) وتيار «المردة» بزعامة سليمان فرنجية (4 نواب) ومستقلين (8 نواب)، إضافة إلى حزب الكتائب (5 نواب) الذي لم يحسم قراره بعد بالتصويت لعون أو منافسه سليمان فرنجية.
غير أن الاعتماد على التصويت في البرلمان، لا يبدو أنه قرار يمكن أن تمضي به الكتل النيابية، لأنه غير مضمون أولاً بإيصال عون، كما أنه يخالف العرف السياسي القائم في لبنان، الذي يتسم بالتوافق بين الأطراف على كل القضايا، والتسويات التي تتضمنه.
يقول الفرزلي: «بعد خطوة ترشيح عون، ثم محاولة لإجراء مفاوضات تحت الطاولة بين كل فريق سياسي مع عون على حدة، لتأمين حصتهم من العهد القادم»، لكنه لا يجزم بأن الجميع المنضوين في حلف خارج سياق حلق جعجع - عون، سيوافق على إيصاله للرئاسة، أو يستمر بالرفض. وقال: «ستستمر المفاوضات مع عون لحفظ حقوقهم، لأن ذلك هو العرف القائم في لبنان».
وعن التعويض الذي يمكن أن يقدمه للأطراف ضمن الاتفاقات، رجّح الفرزلي أن يقدم للحريري «ضمانة بتسميته لرئاسة الحكومة»، علما بأن «عون من أشد المتحمسين ليكون الحريري رئيسًا للحكومة، وتم إيصال (الرئيس الحال) تمام سلام إلى الرئاسة بعد توافق بين عون والحريري»، مشيرًا إلى أن عون يمكن أن يقدم لبري «ضمانة بإعادة انتخابه لرئاسة البرلمان». أما عن حصة جنبلاط، فيقول الفرزلي أن «حصته تتأمن ضمن الصفقة الشاملة سواء على صعيد حصته من الوزارات أو غيرها». غير أن التحالف الجديد، من شأنه أن يصيب خريطة التمثيل في مجلس النواب، حيث سيرتفع عدد النواب المسيحيين المنضوين تحت لواء التحالف الجديد وفق القانون الانتخابي الحالي، إلى 44 نائبا، بدلاً من 25 نائبا ينضوون تحت كتلة عون وكتلة القوات في الوقت الحالي، بحسب ما يقول الخبير الانتخابي ومدير عام شركة «ستاتيستيكس ليبانون» ربيع الهبر لـ«الشرق الأوسط»، مشيرًا إلى أن هذه الكتلة في البرلمان المقبل «سيكون لها تأثير كبير داخل البرلمان».
وقال الهبر إن المتضررين من تحالف مشابه، سيكونون النواب المسيحيين المستقلين، مثل الوزر بطرس حرب أو النائب نقولا فتوش، إضافة إلى النواب المسيحيين في كتلتي «المستقبل» و«اللقاء الديمقراطي» التي يرأسها النائب وليد جنبلاط، إضافة إلى كتلة «حزب الكتائب»، التي رأى الهبر «إنها ستنضم حكمًا، آجلاً أو عاجلاً، إلى هذا التحالف المسيحي لأن حزب الكتائب يبقى له موقعه وحيثيته المسيحية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.