بالتزامن مع الجولة الخليجية التي يقوم بها عمدة حي المال والأعمال في لندن اللورد جيفري ماونت - إفنز وتشمل السعودية والكويت والإمارات على رأس وفد اقتصادي بريطاني رفيع، مستهدفا تشجيع الاستثمارات الخليجية في العقار البريطاني، كشفت تقارير بحثية بريطانية خلال الأيام الماضية أن مستثمري قطر والإمارات والكويت تصدروا قائمة المستثمرين الأجانب من حيث شراء أشهر عقارات العاصمة البريطانية خلال العام الماضي، بحجم استثمارات يصل إلى نحو 6 مليارات جنيه إسترليني (نحو 9 مليارات دولار)، وذلك رغم المخاوف التي تسود وسط قطاع المحللين من حدوث هبوط حاد بأسعار السوق العقارية البريطانية عقب طفرتها التي استمرت على مدار السنوات السابقة.
وأوضح اللورد ماونت - إفنز في تصريحات نقلتها «الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي أنه سيزور الخليج على رأس وفد مكون من نحو 35 اقتصاديا بريطانيا، وذلك بهدف تعزيز العلاقات بين بريطانيا والدول الخليجية، وحماية المصالح البريطانية وتشجيع تواصل الاستثمارات الخليجية في العقار البريطاني، والبنى التحتية وغيرها من المجالات الاقتصادية المحورية.
* استثمار خليجي بارز
وبالتزامن مع ذلك، أشارت تقارير تحليلية إلى أن الاستثمارات الخليجية العقارية، وخصوصا القطرية والإماراتية والكويتية، في بريطانيا تجاوزت 9 مليارات دولار (5.6 مليار إسترليني) في خلال الأحد عشر شهرا الأولى من عام 2015، مقارنة بنحو 7.2 مليار دولار فقط (4.8 مليار إسترليني) خلال عام 2014.
وأظهرت بيانات «ريال كابيتال أنالاتيكس»، التي تغطي المعاملات والصفقات العقارية التي تزيد قيمتها على مليوني جنيه إسترليني، وجرى تحليل نتائجها من قبل وكالة «سافيلس» العقارية البريطانية، أن المستثمرين الخليجيين سعوا لإبرام صفقات مدرة للدخل في لندن والمناطق المختلفة الأخرى في بريطانيا، لتعويض الخسائر الناجمة عن تراجع أسواق المال وأسعار النفط العالمية.
وأوضحت التحليلات أن هذه الاستثمارات تنتمي لأفراد من القطاع الخاص، ومؤسسات مثل صناديق الثروة السيادية. مشيرة إلى أن الصندوق القطري استحوذ على فندقي «بيركلي» و«كلاريدج» في العاصمة البريطانية بمبلغ يزيد على 600 مليون جنيه إسترليني (900 مليون دولار) في أبريل (نيسان) الماضي، وذلك بعد شراء الصندوق ذاته لمجمع ناطحة السحاب في ضاحية «كناري وورف» بشرق لندن، في مشروع مشترك مع شركة «بروكفيلد الكندية» بمبلغ 2.6 مليار جنيه إسترليني (3.9 مليار دولار). كما اشترت قطر مبنى تجاريا بقيمة 72.5 مليون جنيه إسترليني في منطقة يوستون وسط لندن في شهر مايو (أيار) الماضي، بالإضافة إلى عدة عقارات سكنية في مناطق راقية في لندن.
وأوضح تقرير تناول الموضوع ذاته في صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، قبل أيام قليلة، أن العقارات التجارية في بريطانيا حققت متوسط عائدات إجماليا بنسبة 14.3 في المائة على أساس سنوي في نوفمبر (تشرين الثاني). وقد أكد رشيد حسن، مدير الاستثمار عبر الحدود في وكالة «سافيلس» العقارية، أن بريطانيا موقع جيد لتلبية رغبات المستثمرين الخليجيين، لأنها تتضمن إيجارات آمنة طويلة الأجل لا يمكن إيجادها في أجزاء كثيرة من العالم.
* الضواحي محور الاهتمام
وأوضحت نتائج التحليلات أن المستثمرين القطريين، الذين عرف عنهم الاهتمام باقتناء أشهر وأرقى العقارات في العاصمة البريطانية لندن، قد توجهوا خلال العام الماضي أيضا إلى الضواحي، وسعوا إلى اقتناء العقارات والأبنية في المناطق التي تعتبر في الدرجة الثانية في سوق العقارات، سعيا منهم لتنويع محافظهم الاستثمارية في العقارات البريطانية. وأشار البحث إلى أن المستثمرين القطريين بجانب مستثمرين من الكويت والإمارات وغيرها من دول الشرق الأوسط تزايدوا خلال العام الماضي، متقدمين على المستثمرين من كل من الولايات المتحدة وآسيا من حيث اقتنائهم وسعيهم إلى شراء عقارات بريطانية.
* مخاوف متنامية
لكن تحليلات اقتصادية بريطانية أخرى أظهرت مخاوف من اتجاه أسعار العقارات في بريطانيا وكثير من دول العالم إلى الهبوط خلال الفترة المقبلة، وذلك بعد أن سجلت مستويات قياسية سابقًا، حقق من خلالها القطاع العقاري طفرة كبرى على مدار السنوات الماضية بدعم من مشتريات الأجانب، وبخاصة العرب.
واستعرض تحليل نشرته جريدة «ديلي تلغراف» البريطانية مطلع الأسبوع الحالي جملة من الظروف والأسباب التي تدفع إلى الاعتقاد بأن أسعار العقارات في بريطانيا والعالم تتجه للهبوط خلال الفترة المقبلة، وتحديدًا خلال عام من الآن.
وبحسب التحليل، فإن الأصول في العالم شهدت خلال الفترة الماضية هبوطًا عامًا في الأسعار، وهو الأمر الذي سينسحب على قطاع العقارات البريطاني الذي لا يزال متماسكًا حتى الآن.
* أسباب متعددة للقلق
ويقول المحلل الاقتصادي جون فيسنس إن أسعار الأصول في العالم، بما فيها العقارات، شهدت ارتفاعًا في أعقاب برنامج التيسير الكمي الذي تبناه الفيدرالي الأميركي قبل سنوات، وهو البرنامج الذي ضخت بموجبه الولايات المتحدة سيولة ضخمة في الأسواق أدت إلى ارتفاع الأسعار.. لكن البرنامج بدأ بالتوقف التدريجي اعتبارًا من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2014، وهو ما أدى إلى عودة الهبوط في أسعار الأصول.
ويستدل فيسنس على احتمالات هبوط العقارات بالتراجع في أسعار النفط وأسعار أغلب السلع المقومة بالدولار الأميركي، مشيرًا إلى أن توقف ضخ السيولة في الأسواق هو الذي يؤدي إلى التراجع. ويضيف قائلا في التقرير: «ما نشهده الآن على شاشات التداول هو نتيجة لعصر التيسير الكمي، وأسعار العقارات لن تفلت من هذا الهبوط».
ويؤكد فيسنس أنه «دون عودة ضخ السيولة الأميركية في الأسواق، فإن الأسعار سوف تواصل الهبوط الحاد»، مشيرًا إلى أن أسعار النفط بدأت مشوار الهبوط الحاد اعتبارًا من أواخر عام 2014، بالتزامن مع توقف برنامج التيسير الكمي، ووصلت إلى المستويات المتدنية الحالية، والتي لم نشهد لها مثيلاً منذ 12 عامًا.
ويرى فيسنس أن المرحلة القادمة للهبوط، في أعقاب النفط والذهب والسلع، ستكون تهاوي أسعار الأسهم وتراجع حاد في البورصات، ثم يلي ذلك هبوط في القطاع العقاري الذي لطالما ظل ملاذًا آمنًا في الماضي.
ومن بين الأسباب التي استعرضتها «ديلي تلغراف»، والتي تدفع إلى الاعتقاد السائد بأن أسعار العقارات في بريطانيا ذاهبة إلى هبوط حاد وربما إلى انهيار هو «انتهاء عصر الشراء من أجل التأجير» نتيجة القيود الحكومية التي وضعت مؤخرًا على هذا النوع من التمويلات البنكية في المملكة المتحدة.
أما السبب الآخر الذي تشير له الصحيفة البريطانية، فهو أن الصين وضعت قيودًا على تحويل أموال مواطنيها إلى الخارج، حيث لم يعد بمقدور أي مواطن صيني تحويل أكثر من 50 ألف دولار إلى الخارج سنويًا، في الوقت الذي يمثل فيه الصينيون أكبر المشترين لعقارات بريطانيا، التي كانت طوال السنوات الماضية ملاذًا لأثرياء الصين وروسيا، وهم أكبر المشترين لها.
* ارتفاعات قياسية
ويشار إلى أن أسعار العقارات في بريطانيا تسجل ارتفاعًا قياسيًا في الوقت الراهن، إذ يتجاوز متوسط سعر المنزل السكني في لندن مستوى الـ500 ألف جنيه إسترليني (نحو 750 ألف دولار)، أما متوسط سعر العقار السكني على مستوى المملكة المتحدة فيبلغ حاليًا نحو 280 ألف جنيه إسترليني (أكثر من 420 ألف دولار).
ويتوقع كثير من المحللين في السوق البريطانية ألا تتمكن سوق العقارات البريطانية من تفادي التوجه العالمي المتمثل في انهيار قيمة الأصول، وأن تشهد هبوطا سريعا وكبيرا في أسعار العقارات قبل نهاية العام الحالي.
وأوضح التقرير أن هناك عدة عوامل تجعل السوق العقارية البريطانية عرضة لعملية تصحيح كبرى في الأسعار، التي تواصل الارتفاع متحدية توجها عالميا بتراجع قيمة الأصول.
ورغم أن القطاع العقاري يشهد نقصا في العرض، يجعل الأسعار متماسكة وتأخذ في الارتفاع، فإن الضغوط على الطلب قد تكون بداية التصحيح. ومع قرارات الحكومة البريطانية بتشديد القيود المالية والضرائبية على شراء البيوت لتأجيرها يتوقع أن يخرج كثير من المستثمرين من السوق العقارية، مما يعني زيادة العرض من البيوت التي كانت تشترى للتأجير كاستثمار.
كما أن رفع الولايات المتحدة لسعر الفائدة سيجعل بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) على خطى رفع الفائدة في غضون أشهر، مما سيعني زيادة تكلفة قروض الرهن العقاري وبالتالي تراجع الطلب.
* ضمانات الإقراض
كما تزداد المخاوف في بريطانيا مع ارتفاع عدد الشركات «الوسيطة» التي تقدم القروض العقارية للراغبين في شراء منازل، ولكنهم لا يملكون الضمانات المناسبة. وتكمن أبرز هذه المخاوف في أن الشركات الوسيطة، التي تمارس هذا الأسلوب كانت من بين أهم الأسباب في الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في العامين 2007 و2008.
ووفقا لصحيفة «الغارديان»، فإن هناك زيادة كبيرة ومفاجئة في عدد هذه الشركات المقدمة للقروض، بل إن شركات مالية من الخارج بدأت تقتحم السوق البريطانية، مثل شركة «بلوستون للقروض المالية» وهي الذراع المقرضة لأكبر بنك استثماري أسترالي. وتثير هذه الزيادة في قطاع المؤسسة المالية الوسيطة مخاوف من العودة إلى الممارسات الماضية التي تسبب بالأزمة الاقتصادية العالمية، والتي بدأت جراء تقديم قروض كبيرة لأفراد لا يستطيعون السداد ومن دون ضمانات.
وحذر رئيس قسم السياسات في مؤسسة الإقراض «ستيب تشاينغ» بيتر توتون من أن الأمور بلغت المرحلة الأخيرة قبل الانهيار، مشيرا إلى وجود ممارسات إقراض سيئة. كما أشارت «الغارديان» إلى أنه في عام 2000 شهدت بريطانيا حالة مماثلة بالنسبة للزيادة في شركات ومؤسسات الإقراض المالي الوسيطة التي كانت تقدم القروض لمن لا يستطيعون السداد.
وفي يونيو (حزيران) 2014، أطلق مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا المركزي، أقوى تحذير له حتى الآن بشأن مخاطر ظهور «فقاعة» في سوق العقارات البريطانية، وذلك بسبب النقص الكبير في مشروعات البناء.
الخليجيون على رأس الاستثمار العقاري في لندن رغم «مخاوف الفقاعة»
أصولهم فاقت 9 مليارات دولار خلال عام 2015.. وتخطت روسيا والصين
الخليجيون على رأس الاستثمار العقاري في لندن رغم «مخاوف الفقاعة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة