«زحمة» أنشطة في مهرجان القرين الثقافي الـ22

خصصت للناشئة برامج كثيرة تغطي مساحة واسعة من خريطته

من فعاليات المهرجان في دورة سابقة
من فعاليات المهرجان في دورة سابقة
TT

«زحمة» أنشطة في مهرجان القرين الثقافي الـ22

من فعاليات المهرجان في دورة سابقة
من فعاليات المهرجان في دورة سابقة

مهرجان القرين الثقافي الذي يقيمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت بدورته الثانية والعشرين، يأتي هذا العام «مزدحمًا» بعدة احتفاليات في احتفالية واحدة، فقد اندمجت معًا الفعاليات الثقافية المعتادة في هذا المهرجان، مع احتفالية الكويت عاصمة للثقافة الإسلامية، هذا إلى جانب الأنشطة الرئيسية الأخرى مثل حفل توزيع جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية، وتكريم الفنان عبد الحسين عبد الرضا الذي يقام حفل افتتاح المهرجان على مسرح يحمل اسمه، وذلك يوم الثامن عشر من يناير (كانون الثاني) ويستمر لغاية السادس من شهر فبراير (شباط).
اختار المهرجان شخصية هذا العام، الشيخ أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، ووقع الاختيار على فنانين اثنين ليكونا «منارة» المهرجان هما: الفنان الراحل عبد الله الفضالة (1900 - 1967) وهو أحد أبرز وجوه الغناء القديم، وملحن وشاعر، والراحلة عاشة إبراهيم (1944 - 1992) وهي ممثلة من الرعيل المؤسس للحركة الفنية في دولة الكويت.
ولكن هذا الازدحام الذي يتمثل أيضًا في ندوات وورش وعروض تشكيلية ومسرحية ومعارض كتب، سيكون له وجهان أحدهما يعكس غنى الأنشطة وغزارتها، بما يعني أن المجلس بذل جهودًا كبيرة، والوجه الثاني قد يشكل إرباكًا للجمهور ويجعله أمام خيارات قد يضحي بإحداها لأجل الباقية، أضف إلى ذلك حرمان بعضها من أخذ حقها الإعلامي كما يليق بقوة عنوانها.
فعلى الجمهور أن يدخل في سباق ماراثوني مع أكثر من خمسين فعالية تقريبًا خلال عشرين يومًا، خصوصًا وأن بعض هذه الفعاليات «دسمة» وتحتاج إلى نشاط مستقل بحد ذاتها، مثل الندوة الرئيسية: «ﻣﻬﺮﺟﺎن اﻟﻘﺮﻳﻦ اﻟﺸﺒﺎب وأدوات اﻟﺘﻮاﺻﻞ لاﺟﺘﻤﺎﻋﻲ.. اﻟﻔﺮص واﻟﻤﺨﺎﻃﺮ»، والتي جاءت إلى جانب ندوة أخرى بعنوان مهم أيضًا وكبير مثل: ندوة «أدب اﻟﻤﺮأة ﻓﻲ دول اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮﺑﻲ» ﺑﺎﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ راﺑﻄﺔ الأدﺑﺎء، وفي فلك العنوان الثاني، تدور ندوة أخرى أيضًا ولكنها مستقلة عن الثانية وهي بعنوان: «دور المرأة المعاصرة في المجتمعات الإسلامية». وكل هذه الندات بما تحمله من عناوين غنية، تصلح أيضًا لأن تكون ندوات رئيسية، وصحيح أن المرأة قد حظيت بندوتين في هذا المهرجان، إلا أن وجودهما في مهرجان واحد مزدحم قد يقلل من إلقاء الضوء عليهما كون الندوتين ستتوهان في زخم هذه الأنشطة المتلاحقة، في الوقت الذي تستحق كل ندوة من هذه الندوات نشاطًا مستقلاً، خصوصًا وأن احتفالية الكويت عاصمة للثقافة الإسلامية مستمرة على مدار العام، وكان من الممكن تأجيل الندوة الثانية عن دور المرأة المعاصرة في المجتمعات الإسلامية إلى وقت آخر كي تأخذ حقها الكامل والمستقل عن فعاليات المهرجان. ومن الأمسيات اللافتة في مهرجان هذه السنة أمسية أدبية بعنوان «ذاﻛﺮة اﻟﻤﻜﺎن» ﻟﻠﺮواﺋﻲ إبراهيم ﻧﺼﺮ الله.
النجاح الذي حققته الورش التدريبية المكثفة في المهرجانات السابقة، ربما أعطى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب دافعًا لزيادة عدد هذه الورش، وذلك بدءًا من ورش المكياج المسرحي وصولاً إلى السرد القصصي، فالمسرح وحده حظي بورشتين، واحدة عن المكياج والأخرى عن مسرح العرائس والدمى في مسرح الأطفال، وورشات عن الفن التشكيلي واللغة العربية وموضوع الأخيرة لافت هذه المرة، ويتعلق بكتابة الهمزات في اللغة العربية.
يشهد مهرجان هذا العام أيضًا زخمًا في المحاضرات ذات الطابع التاريخي في غالبيتها، فإلى جانب المحاضرات التي ستقدم عن الكويت وتاريخها، ارتأى القائمون على المهرجان أن تتمدد هذه المحاضرات جغرافيًا، فجاء بعضها عن قلاع سلطنة عمان، وآخر عن عصر المماليك في مصر، وحتى من خارج الوطن العربي هناك ﻣﺤﺎﺿﺮة ﻋﻦ ﻛﺘﺎب اﻟﻘﺰوﻳﻨﻲ ﻟﻠﺒﺮوﻓﺴﻮر روي ﺑﺎرﻓﻴﺰ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻫﺎرﻓﺎرد ﻣﻦ اﻟﻮﻻﻳﺎت المتحدة الأميركية.
وفي الفن التشكيلي أيضًا، يوجد مزيج من كويتيين وأجانب، مثل اﻟﻤﻌﺮض اﻟﻔﻨﻲ اﻟﻤﺸﺘﺮك (ﻧﺎﻧﻮ آرت) للفنانتين نجلة اﻟﺮﺷﻴﺪي ودكتورة أوﻟﻐﺎ ﻛﻴﺴﻴﻠﻔﻲ وتتجه بوصلة المهرجان نحو آسيا، فهناك فرقة Cookin Nanta الكورية، وفرقة «تشينغ يانغ» اﻟﺼﻴﻨﻴﺔ اللتان دعيتا لإحياء حفلين فنيين. وكذلك هناك تراث عربي فلسطيني ومصري. وهناك ﻟﻴﺎل ﺳﻴﻨﻤﺎﺋﻴﺔ يتم من خلالها ﻋﺮض اﻟﻔﻴﻠﻢ الفلسطيني «أرض اﻟﺤﻜﺎﻳﺔ» ﻟﻠﻤﺨﺮج رﺷﻴﺪ ﻣﺸﻬﺮاوي وندوة سينمائية نقدية ﺗﺴﺒﻖ اﻟﻔﻴﻠﻢ، وعروض مسرحية.
من الواضح أن مهرجان هذا العام، يركز بشكل كبير على الطفل، فقد خصص المهرجان للناشئة برامج كثيرة تغطي مساحة واسعة من خريطة المهرجان، ولم تقتصر أنشطة الطفل على النواحي التقليدية كالرسم والخط والكتابة أو ما سماه المهرجان «اليوم العائلي»، بل أخذ المهرجان بيد الطفل نحو مادة تخصصية تتمثل في كيفية ترميم الآثار، وربما جاء ذلك منسجمًا مع اختيار الكويت عاصمة للثقافة الإسلامية، أو على سبيل ذاكرة الأطفال بتاريخهم وحثهم على الاعتناء به من خلال فكرة ترميم القطع الأثرية.
ومع كل هذا الزخم من الأنشطة التشكيلية والسينمائية والمسرحية والتاريخية والسردية، فإن الغائب الأكبر هذه المرة عن المهرجان، هو الشعر، الذي لم يأخذ حيزًا في هذه الفعاليات.



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.