«لست شارلي».. سقطات «إيبدو» وازدواجية المعايير

خبراء لـ«الشرق الأوسط»: خطابها انتقائي وبات يغذي «الإسلاموفوبيا» في فرنسا اليوم

«لست شارلي».. سقطات «إيبدو» وازدواجية المعايير
TT

«لست شارلي».. سقطات «إيبدو» وازدواجية المعايير

«لست شارلي».. سقطات «إيبدو» وازدواجية المعايير

بعد مرور عام على الاعتداء الإرهابي الذي طال مبنى الصحيفة الفرنسية الساخرة «شارلي إيبدو»، انتشر وسما «أنا شارلي» و«لست شارلي» على مواقع التواصل الاجتماعي، تأكيدا على أن الانقسام لا يزال واضحا بين متضامن مع سياسة تحرير الصحيفة التي تعتبر نفسها رافعة لراية حرية التعبير، ومندد بمحتوى «إيبدو» الانتقائي الذي بات يعكس مناخ الإسلاموفوبيا في فرنسا اليوم، أو حتى يعمل على تغذيته.
وللكشف عن نهج الصحيفة المثير للجدل نرصد تاريخها منذ انطلاقها لتحل مكان مطبوعة حظرت في سبعينات القرن الماضي، مرورا بأمثلة تؤكد ازدواجية المعايير في التعامل مع المواضيع الشائكة، وانتهاء بالاطلاع على مطبوعات الصحيفة الأسبوعية بعد عام من الهجمات، حيث باتت تستقطب قراء اليمين المتطرف. ومن خلال حديث مع خبير في شؤون التطرف وباحثة في شؤون الجالية المسلمة في فرنسا، نكشف أن الوضع في فرنسا بات معاديا للأقلية المسلمة فيها، وأسلوب «شارلي إيبدو» الانتقائي - خصوصا بعدما صور آخر عدد لها الطفل الغريق السوري إيلان كردي على متحرش جنسي - بات يسهم في نشر الإسلاموفوبيا وعدم تقبل الآخر، الأمر الذي يتنافى مع حرية التعبير التي تنشدها الصحيفة.

اجتاحت موجة من الغضب مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الأسبوع الماضي، بعد أن نشرت صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية الأسبوعية الساخرة رسما كاريكاتيريا يصور الطفل السوري إيلان كردي (ثلاث سنوات) الذي عثر على جثته على شاطئ تركي العام الماضي وقد تحول إلى متحرش جنسي في الكبر. ويصور الكاريكاتير اثنين من الذكور يجريان خلف امرأة مذعورة، ويقول التعليق على الصورة «ما هو مصير الشاب إيلان لو كان قد كبر؟.. متحرش في ألمانيا».
ونشر الكاريكاتير بعد مرور أسبوع على ذكرى الهجمات على مقر الصحيفة الأسبوعية في باريس والتي أسفرت عن مقتل 12 شخصا في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي. وحينها تبنى مستخدمو الإنترنت عبارة «أنا شارلي» لإبداء التعاطف مع الصحيفة.
لكن هذه المرة قال كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي إن الكاريكاتير مسيء، بينما قال آخرون إن «شارلي إيبدو» تواصل أسلوبها الاستفزازي المعتاد لإثارة النقاش حول المواقف الأوروبية من أزمة المهاجرين.
منذ تأسيسها عام 1970، رفعت الصحيفة لواء «حرية التعبير» وسخرت من كل ما يُسمى اللباقة السياسية. وتعود أصول الصحيفة إلى مطبوعة ساخرة أخرى اسمها «هارا كيري» نجحت في صنع اسم كبير لها في الستينات من القرن الماضي، ثم جرى حظرها بسبب محتواها الذي اعتبرته السلطات الفرنسية عدائيا للغاية حينئذ. إذ كانت الأخبار آنذاك تدور حول خبرين أساسيين هما اندلاع حريق أدى إلى مصرع أكثر من 100 شخص في ملهى ليلي، ووفاة الرئيس الأسبق الجنرال شارل ديغول.
وعلى صدى ذلك، صدرت مطبوعة «هارا كيري» لتحمل عنوانا يسخر من وفاة الجنرال ديغول يقول: «رقصة مأساوية في كولومبي - مقر إقامة ديغول - تسفر عن مقتل شخص واحد». وأدى ذلك إلى حظر مطبوعة «هارا كيري». فسارع محرروها بإصدار «شارلي إيبدو» عام 1970 لتحمل راية «هارا كيري».
وحول ذلك، تقول مخرجة الأفلام الوثائقية انيس دي فيو والباحثة بشؤون الجالية المسلمة في فرنسا، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «في تلك الفترة، كانت الرقابة على الإعلام شديدة في فرنسا، فاستطاعت الحكومة حظر المطبوعة». وتضيف المخرجة الفرنسية: «لكن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران رفع الحظر والتشديدات؛ الأمر الذي استنزفته (شارلي إيبدو) بعدها».
مع تغيرات المناخ السياسي العالمي بنهاية الحرب الباردة، كان على الصحيفة اليسارية أن تجابه عاصفة داخلية، بدأت بموجة من الاستقالات وانتهت بخروج كل المؤسّسين من «شارلي إيبدو». وأصبحت المجلة بالتالي بين يدي جيل جديد على رأسه رسّام الكاريكاتير شارل فولنسكي. وبعد تخبط إداري عادت للصدور أسبوعيا سنة 1992. كانت صورة الغلاف كاريكاتيرا للرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران، يظهر فيها وقد وضع أمامه ملفات خطيرة مثل الأمن والتدهور الاقتصادي والتغوّل الأميركي، وهو يقول: «وإلى جانب كل ذلك، عادت (شارلي إيبدو)».
وخلال السنوات، تناولت رسومات الصحيفة الكاريكاتيرية مواضيع شائكة وصادمة مثل رسم لرجال شرطة يحملون رأس مهاجر يقطر دما، وآخر يسيء لبابا الفاتيكان والمسيحية، أو حتى رسوما تنتقد اليمين الفرنسي بشدة. وكانت الصحيفة مثار جدل في فبراير (شباط) 2006 حين أعادت نشر اثنين من الرسوم الدنماركية المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهي رسوم كانت قد أدت إلى أعمال احتجاج قاتلة قبل ذلك. إلى ذلك، قدمت مجموعة من الجمعيات الإسلامية شكوى في المحكمة ضد الصحيفة بسبب هذه القضية التي باعت على أثرها نحو نصف مليون نسخة، وهو رقم أكثر بكثير من عدد نسخها المتداولة أسبوعيا الذي يتراوح بين 55 و75 ألف نسخة.
لكن المحكمة الفرنسية انحازت إلى جانب الصحيفة، معتبرةً أن الرسوم الكاريكاتيرية استهدفت «الإرهابيين» وليس المسلمين. ومن حينها، لم تنفك «شارلي إيبدو» عن نشر صور تستهزئ بالإسلام وتسيء للمسلمين. ففي ينير (كانون الثاني) 2013، نشرت الصحيفة إصدارا مؤلفا من 64 صفحة مخصصا فقط للإساءة للدين الإسلامي. وعلق رئيس تحرير الصحيفة ستيفان شاربونييه حينذاك، قائلا إنه إذا أراد الناس الشعور بالصدمة فإنهم سيشعرون بالصدمة عند تصفح هذا الإصدار من الصحيفة. إلى ذلك، تشير انيس فيو إلى أن «الأمر الأهم للصحيفة هو الاستهزاء من كل ما يحدث حولها من دون أن تكون لرسوماتها عواقب». وتضيف: «لكن للأسف، انغمست الصحيفة اليوم في تغذية الفكر السائد بفرنسا الذي يحاول تغريم المسلمين».
اللافت في الموضوع أنه في الوقت الذي تدعي فيه الصحيفة حرية التعبير المطلقة والاستهزاء من أي كيان أو فكر كان، تكشف حادثة طرد الرسام الفرنسي موريس سيني عام 2008 ازدواجية في المعايير التي تتبعها «شارلي إيبدو». ففي تلك الحادثة، أقالت الصحيفة الرسام سيني بتهمة معاداة السامية، عندما كتب في عموده إن ابن الرئيس السابق نيكولاس ساركوزي يرغب في اعتناق اليهودية قبيل زواجه من خطيبته اليهودية، وريثة أحد مؤسسي إحدى الشركات المتخصصة في الأجهزة المنزلية والمعلوماتية؛ مستطردا أن هذا الزواج سيمكّن «ابن ساركوزي» من بناء مسارٍ ناجح في الحياة - في إشارة إلى الفكر العنصري السائد أن اليهود طماعون وحريصون على أموالهم. ومع أن المحكمة قضت بتعويض سيني بمبلغ 40 ألف يورو بقضية رفعها ضد «شارلي إيبدو»، فإن الصحيفة لم تتراجع عن قرار الطرد، ولم تسحب اعتذارها لساركوزي.
وعن تلك الحادثة، أكد الباحث البريطاني مسؤول التوعية لدى مؤسسة «كويليام» لمكافحة التطرف ومقرها لندن آدم دين، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن «هذه معايير مزدوجة»، موضحا أن «صحيفة (شارلي إيبدو) تحاول أن تصور أنه ليس هنالك أي شيء مقدس، وأن الشيء الوحيد المقدس هو حرية التعبير، إلا أن تلك الحادثة تبطل هذه الرسالة». وأضاف دين «باعتقادي أن (شارلي إيبدو) تشن حملة ضد الدين إلى درجة أن الصحيفة تعاني من (فوبيا) الأديان. وذلك يضعف مكانة رسالتها التي تدعو لحرية التعبير وتؤكد معايير (إيبدو) المزدوجة».
على موقعها الإلكتروني كتبت «إيبدو» تحت قسم «من نحن»: «نوفر جانبا مختلفا للأخبار ونتعمق في المسائل الساخنة أكثر من وسائل الإعلام الأخرى من خلال السخرية والفكاهة»، ويضيف الموقع: «(شارلي إيبدو) مطبوعة لجميع الناس ونحن ضد الكراهية والحروب». وعن ذلك قال الباحث البريطاني آدم دين: «أسلوب (شارلي إيبدو) صنع ليذهل أو يصدم القراء». وأضاف: «في هذا السياق، الصحيفة مدانة بصنع ونشر التطرف؛ عكس ما تناشده برسالتها على صفحتها الإلكترونية». وهنا تلح الحاجة للتمعن بالخط الرفيع الذي يكمن بين حرية التعبير وخطاب الكراهية. وعن ذلك، قال دين: «ما يعتبر إساءة لمعايير حرية التعبير هو نشر مواد ذات طابع اضطهادي أو هجومي أو بغرض إهانة طرف معين». وشرح بقوله مؤكدا أنه «عندها، تتحول حرية التعبير إلى خطاب كراهية. ويعتمد ذلك أيضا على المناخ السياسي وأنظمة القوى المعنية». ويستطرد: «في هذا السياق بات المسلمون تحت خطر وتهديد في خضم ارتفاع جرائم الإسلاموفوبيا، وبرأيي رسومات الصحيفة مهينة لأنها توجه خطابا يهاجم أقلية حساسة تتعرض للهجوم حاليا والتهديد. لذلك، يصبح خطاب (شارلي إيبدو) قريبا لخطاب الكراهية».
في مقال تحليلي نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية الأسبوع الماضي، أكدت زيادة خطاب الكراهية المعادي للإسلام في فرنسا اليوم، الذي يؤول لارتفاع ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في البلاد. وأشارت الصحيفة إلى أن ذلك الخطاب يحور ويستغل لأغراض سياسية. إذ يتيح المجال لزعماء اليمين لإظهار كراهية علنية وعنصرية ضد المجتمع الإسلامي في فرنسا، وعلى رأسهم زعيمة حزب الجبهة الوطنية السياسي الفرنسي اليميني ماريان لوبن. فهذه المرأة أعلنت مؤخرا إشادتها بالنهج السويسري الذي عارض الهجرة الجماعية، وإغلاق الباب في وجه المهاجرين السوريين والعراقيين. ودعت إلى التضييق على بناء المساجد، كما أنه تمت منذ فترة محاكمتها بتهمة تشبيه صلاة العيد للمسلمين في فرنسا بالاحتلال النازي. وفي الوقت الذي تزداد فيه شعبية اليمين المتطرف في فرنسا، تصبح رسومات هذه الصحيفة انعكاسا لمناخ التعصب في البلاد. إذ قالت فيو إن «فرنسا شهدت حملة ضد المسلمين منذ الهجوم على مقر الصحيفة وزيادة غير مسبوقة لمبيعات نسخها الأسبوعية». وأضافت: «لكن نوع القراء اختلف اليوم؛ ففي الوقت الذي كانت تعتبر فيه (شارلي إيبدو) صحيفة يسارية، باتت شريحة كبيرة من قرائها تنتمي لليمين المتطرف المعادي للإسلام».
وكما ندد العالم بالهجوم الدامي على مقر الصحيفة العام الماضي، وكما اعتبره الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند عملا «همجيا» أو «بربريا» متطرفا، أكد أيضا أنه من صنع المتطرفين. وفي حينها، دان العالم العربي والإسلامي الهجوم معتبرا العنف أمرا يرفضه الإسلام، ومؤكدا أن ما حصل هو اعتداء إرهابي متطرف. لكن عقب الهجمات، ازداد هجوم الصحيفة على الأقلية المسلمة في البلاد من خلال رسوماتها الأسبوعية. وتعليقا على سياسة «إيبدو» خلال العام بعد الهجمات قال الباحث آدم دين: «الرسومات الكاريكاتيرية لا تعتبر نموذجا من العنف، لكنها مثيرة للاشمئزاز، والغاية منها تغذية الإسلاموفوبيا والتمييز ضد المسلمين في فرنسا واضطهادهم».
ورصدت الفرنسية دي فيو التغيير في غرض «شارلي ايبدو» بقولها: «كان قراء الصحيفة قبل الاعتداء شبابا يساريين، ولم يقرأها المجتمع اليميني المعادي للمسلمين». وأوضحت: «لكن بعد الاعتداء باتت الصحيفة مقروءة من قبل متبني فكر الإسلاموفوبيا؛ وأصبحت وسيلة لانتقاد الإسلام والمسلمين». وأخيرا، يوضح آدم دين أن تلك الظاهرة باتت تغذي الإسلاموفوبيا بالمجتمع الفرنسي اليوم. وأشار إلى أنه «لو كان المنظور للأقلية المسلمة في فرنسا على أنها تتساوى مع باقي الشعب (لكن ليست هذه هي الحقيقة على الأرض)، لما كانت اشتعلت هذه الظاهرة». وأضاف: «الوضع في فرنسا بات معادٍ للجالية المسلمة والمسلمين هناك، و(شارلي إيبدو) تنشط بخطابها في مناخ مضطهد للمسلمين؛ مما يزيد من ذلك الاضطهاد ويسهم في نشر الإسلاموفوبيا، وهذا يتنافى مع حرية التعبير».
في الذكرى السنويّة الأولى للاعتداء على الصحيفة، استعاد العالم الافتراضي الانقسام حول الحادثة، محللا ظهور وسم «لست شارلي» على موقع «تويتر»، مقابل وسم «أنا شارلي»، الذي حصد نحو 3.5 مليون تغريدة، وكان من بين الأكثر تداولا على الموقع خلال عام 2015. وبدوره، عمل الباحث رومان بادوار على الدراسة بعنوان «لست شارلي: تعدد المواقف على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي». وبحسب تقرير لموقع «سلايت»، تظهر الدراسة أنّ معظم مستخدمي وسم «لست شارلي»، ليسوا من المروّجين لنظريّات المؤامرة، أو الاعتذاريين عن الإرهاب. وتؤكّد أيضا أنّ معظم مستخدمي الوسم يدينون الجريمة معتبرين إياها إرهابية، لكنّهم يرفضون إظهار دعمهم وتماهيهم مع إدارة تحرير الأسبوعية الساخرة المروجة للكراهية. وبذلك، تشير الدراسة إلى أن عدم تبني فكر الصحيفة التي جرى الإثبات أنها متطرفة بدورها أيضا، لا يعني الامتناع عن إدانة الهجوم الإرهابي الدامي، بل قد تكون معاداة خطاب الكراهية الذي باتت تنشره الصحيفة وسيلة للقضاء على التطرف، وإعادة إحياء قيم التعايش.



مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
TT

مشهد الحرب طغى على شاشات المحطات اللبنانية

انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)
انفجار أجهزة البايجر أدّى الى تصاعد الحرب (أ.ف.ب)

طغى مشهد الحرب على أحداث لبنان لسنة 2024، لا سيما في الأشهر الأخيرة من العام، وهي أشهر أمضاها اللبنانيون يترقّبون بقلق مصير بلدهم غير آبهين بأي مستجدات أخرى تحصل على أرضهم أو في دول مجاورة. وشكّلت محطات التلفزة الخبز اليومي للمشاهدين، فتسمروا أمام شاشاتها يتابعون أحداث القصف والتدمير والموت.

توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شكّل مفاجأة للبنانيين

المشهد الإعلامي: بداية سلسة ونهاية ساخنة

عند اندلاع ما أُطلق عليها «حرب الإسناد» في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم يتأثر المشهد الإعلامي في لبنان، فقد أبقى أصحاب المحطات المحلية مع بداية عام 2024 على برامجهم المعتادة، وخاضت التلفزيونات موسم رمضان بشكل عادي، متنافسة على تقديم الأفضل للمشاهد. لم تتبدل أجندة البرامج في محطات «إل بي سي آي»، و«الجديد»، و«إم تي في». وتابع اللبنانيون برامج الترفيه والحوارات السياسية والألعاب والتسلية، وكأن لا شيء غير عادي يحدث. وفي موسم الصيف، ركنت المحطات كعادتها إلى إعادات درامية وحلقات من برامج ترفيهية. فهذا الموسم يتسم عادة بالركود، كون المُشاهد عموماً يتحوّل إلى نشاطات أخرى يمارسها بعيداً عن الشاشة الصغيرة.

لكن منذ أن جرى تفجير أجهزة الاستدعاء (البيجر) بعناصر «حزب الله»، في 17 سبتمبر (أيلول) من العام الحالي، انقلب المشهد الإعلامي رأساً على عقب. وضعت جميع المحطات مراسليها ومقدمي نشرات الأخبار لديها في حالة استنفار، وصار المشهد السائد على الشاشة الصغيرة، من حينها، يتألّف من نقل مباشر وحوارات سياسية متواصلة.

حالة استنفار عام سادت محطات التلفزة لمواكبة أحداث الحرب

مقتل صحافيين خلال الحرب

لم توفر الحرب الدائرة في لبنان منذ بداياتها الجسم الإعلامي الذي خسر عدداً من مراسليه على الأرض. وُصف استهدافهم بـ«جريمة حرب» هزّت المشهد واستدعت استنكاراً واسعاً.

ولعل الحدث الأبرز في هذا المجال هو الذي جرى في أكتوبر 2024 في بلدة حاصبيا الجنوبية.

فقد استهدفت غارة إسرائيلية فندقاً كان قد تحول إلى مقر إقامة للصحافيين الذين يغطون أخبار الحرب؛ مما أسفر عن مقتل 3 منهم وإصابة آخرين. قُتل من قناة «الميادين» المصوّر غسان نجار، ومهندس البث محمد رضا، كما قُتل المصوّر وسام قاسم من قناة «المنار». ونجا عدد آخر من الصحافيين الذين يعملون في قناة «الجديد»، ووسائل إعلامية أخرى.

وضع لبنان على اللائحة الرمادية (لينكد إن)

تمديد أوقات البث المباشر

أحداث الحرب المتسارعة التي تخلّلها اغتيالات، وقصف عنيف على لبنان، سادت المشهد الإعلامي. وشهدت محطات التلفزة، للمرة الأولى، تمديد أوقات البث المباشر ليتجاوز 18 ساعة يومياً.

وجنّدت محطات التلفزة مراسليها للقيام بمهمات يومية ينقلون خلالها الأحداث على الأرض. وتنافست تلك المحطات بشكل ملحوظ كي تحقّق السبق الصحافي قبل غيرها، فقد مدّدت محطة «إم تي في»، وكذلك «الجديد» و«إل بي سي آي»، أوقات البث المباشر ليغطّي أي مستجد حتى ساعات الفجر الأولى.

وحصلت حالة استنفار عامة لدى تلك المحطات. فكان مراسلوها يصلون الليل بالنهار لنقل أحداث الساعة.

برامج التحليلات السياسية والعسكرية نجمة الشاشة

أخذت محطات التلفزة على عاتقها، طيلة أيام الحرب في لبنان، تخصيص برامج حوارية تتعلّق بهذا الحدث. وكثّفت اللقاءات التلفزيونية مع محللين سياسيين وعسكريين. وبسبب طول مدة الحرب استعانت المحطات بوجوه جديدة لم يكن يعرفها اللبناني من قبل. نوع من الفوضى المنظمة ولّدتها تلك اللقاءات. فاحتار المشاهد اللبناني أي تحليل يتبناه أمام هذا الكم من الآراء. وتم إطلاق عناوين محددة على تلك الفقرات الحية. سمّتها محطة الجديد «عدوان أيلول». وتحت عنوان «تحليل مختلف»، قدّمت قناة «إل بي سي آي» فقرة خاصة بالميدان العسكري وتطوراته. في حين أطلقت «إم تي في» اسم «لبنان تحت العدوان» على الفقرات الخاصة بالحرب.

أفيخاي أدرعي نجماً فرضته الحرب

انتشرت خلال الحرب الأخبار الكاذبة، وخصّصت بعض المحطات مثل قناة «الجديد» فقرات خاصة للكشف عنها. وبين ليلة وضحاها برزت على الساحة الإعلامية مواقع إلكترونية جديدة، وكانت مُتابعة من قِبل وسائل الإعلام وكذلك من قِبل اللبنانيين. ومن بينها «ارتكاز نيوز» اللبناني. كما برز دور «وكالة الإعلام الوطنية»، لمرة جديدة، على الساحة الإعلامية؛ إذ حققت نجاحاً ملحوظاً في متابعة أخبار الحرب في لبنان. وشهدت محطات تلفزة فضائية، مثل: «العربية» و«الجزيرة» و«الحدث»، متابعة كثيفة لشاشاتها ومواقعها الإلكترونية.

أما الحدث الأبرز فكان متابعة اللبنانيين للمتحدث الإعلامي للجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. فالحرب فرضته على اللبنانيين لتوليه مهمة الكشف عن أسماء قادة الحزب الذين يتمّ اغتيالهم. كما كان يطل في أوقات متكررة، عبر حسابه على «إكس»، يطالب سكان مناطق محددة بمغادرة منازلهم. فيحدد لهم الوقت والساعة والمساحة التي يجب أن يلتزموا بها، كي ينجوا من قصف يستهدف أماكن سكنهم.

عودة صحيفة إلى الصدور

في خضم مشهد الحرب الطاغي على الساحة اللبنانية، برز خبر إيجابي في الإعلام المقروء. فقد أعلنت صحيفة «نداء الوطن»، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، استئناف صدورها، ولكن بإدارة جديدة. فقد سبق أن أعلن القيمون عليها في فترة سابقة عن توقفها. وكان ذلك في شهر مايو (أيار) من العام نفسه.

توقيف حاكم مصرف لبنان يتصدّر نشرات الأخبار

سبق انشغال الإعلام اللبناني بمشهد الحرب خبر توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. كان الخبر الأبرز في نشرات الأخبار المتلفزة. لم يتوقع اللبنانيون في 3 سبتمبر من عام 2024 أن يستيقظوا على خبر شكّل مفاجأة لهم. ففي هذا اليوم تم توقيف رياض سلامة على ذمة التحقيق، وذلك بتهم تتعلّق بغسل أموال واحتيال واختلاس. جاءت هذه الخطوة في إطار تحقيق يتعلّق بشركة الوساطة المالية اللبنانية «أبتيموم إنفيست»، وقبل أسابيع قليلة من تصنيف لبنان ضمن «القائمة الرمادية» لمجموعة العمل المالي «فاتف» (FATF)؛ مما يهدّد النظام المالي اللبناني المتأزم.

اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله تصدّر مشهد الحرب

أخبار تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024

تصدّرت المشهد الإعلامي لعام 2024 سلسلة من الأحداث. شملت أخبار اغتيالات قادة «حزب الله»، وفي مقدمهم أمينه العام حسن نصر الله في 27 سبتمبر. كما انشغلت نشرات الأخبار المتلفزة بالحديث عن وضع لبنان على «القائمة الرمادية»، وهو تصنيف من شأنه أن يفاقم معاناة البلاد اقتصادياً في ظل الأزمة المالية المستمرة منذ عام 2019. أما أحدث الأخبار التي تناقلتها محطات التلفزة فهو قرار الإفراج عن المعتقل السياسي جورج إبراهيم عبد الله بعد قضائه نحو 40 عاماً في السجون الفرنسية.

وقف إطلاق النار يبدّل المشهد المرئي

في 27 نوفمبر أُعلن وقف إطلاق النار، بعد توقيع اتفاق مع إسرائيل. فتنفّست محطات التلفزة الصعداء. وانطلقت في استعادة مشهديتها الإعلامية المعتادة استعداداً لاستقبال الأعياد وبرمجة موسم الشتاء.