مسرحية «بالنسبة لبكرا شو» تدخل اللبنانيين آلة الزمن مع زياد الرحباني

فكرة إعادة مسرحيات زياد الرحباني إلى الجمهور العريض، لم تكن لتخطر على بال، خاصة وأن الأجيال المتلاحقة التي لم تكتب لها فرصة مشاهدتها، اكتفت بسماعها، واستعادة نصوصها وأغنياتها، بمتعة وإعجاب. لكن التكنولوجيا، باتت تسمح بأشياء كثيرة، لم تكن ممكنة قبل سنوات قليلة فقط. وبدءًا من 21 من الشهر الحالي، سيكون بمقدور الجميع اقتطاع تذكرة سينمائية ودخول آلة الزمن والإبحار، وهم جالسون على مقاعدهم، باتجاه عام 1978، أي بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية اللعينة بثلاث سنوات، ومشاهدة مسرحية زياد الرحباني الشهيرة «بالنسبة لبكرا شو» على الشاشة الكبيرة، تمامًا كما قدمت حينها.
مقاطع غير واضحة، في زمن الـ«3 دي»، مشاهد مقطعة، لقطات غير محترفة، وصوت غير نقي بالقدر الكافي، لكن عبقرية المسرحية لا تزال جذابة ونابضة. الاحتفال بصدور هذا الشريط، كان كبيرًا منذ أيام، في «سينما سيتي» وسط بيروت، بحضور جمع من الإعلاميين والفنانين والسياسيين، وغياب كامل للمعنيين أي زياد الرحباني، وآل بيته الأقربين.
ويرجح من الآن، أن يكون الاحتفاء من قبل الجمهور العريض كبيرًا أيضا. النص لا يزال محافظًا على ألقه، عبقرية زياد الرؤيوية، تشعرك أن المسرحية طازجة حتى بعد أكثر من 37 سنة، بقاء الوضع على حاله، لا بل ترديه إلى الأسوأ، يجعل العودة إلى مسرحيات زياد، حاجة أكثر من أي وقت مضى. هذا العمل تحديدًا الذي بقي يعرض يومها لثمانية أشهر، هو من بين أكثر مسرحيات زياد أهمية. ممثلوه تحولوا إلى فنانين لهم عشاقهم الكثر. جوزيف صقر صاحب الأغنية الشهيرة «عهدير البوسطة» و«عايشي وحدا بلاك» و«اسمع يا رضا» نسمعه يهدر في الشريط، وسامي حواط الذي لا تزال بوهيميته وأغنياته التي تساند الضعفاء والمظلومين تصنع جمهوره لا بد سيحب الجمهور رؤيته كما كان في ذلك الوقت، أما زياد الرحباني فلا بد أن إطلالته وحدها، تجيش جمهورًا عريضًا، فما بالك حين يتعلق الأمر بإحدى مسرحياته الأثيرة، وبأدائه يوم كان لا يزال شابًا صغيرًا.
استدعى الوصول إلى النتيجة الفنية المتواضعة التي سيراها الجمهور، جهدًا كبيرًا من الجهة المنتجة، «إم ميديا» التابعة لمجموعة «كوانتوم» التي أخذت على عاتقها، جمع الأعمال الثقافية اللبنانية، من موسيقى وكتب ومسرحيات وأفلام، وإعادة الحياة إليها، ووضعها على موقعها الإلكتروني. كان لا بد من مفاوضات طويلة كي يفرج زياد الرحباني عن هذه النسخة المصورة، غير المحترفة، التي سجلتها له أخته الراحلة ليال، أثناء التمارين (بحسب ما قيل) كي يتمكن من ضبط أدائه كونه الممثل والمخرج في وقت واحد، ومن ثم حفظت بين يدي أخته الثانية ريما الرحباني، أمينة سر العائلة. واحتاج الأمر أيضًا إلى معالجة دقيقة في أميركا، ومن ثم معالجة أخرى أطول للصوت في ألمانيا، كي يمكن الوصول إلى النتيجة التي سيراها المتفرج. تكاليف لا بد عالية للجهة المنتجة التي تتوقع أن يكون الإقبال كبيرًا بحجم الحنين اللبناني إلى الماضي، حتى حين يكون حربيًا، وحبهم لمسرحيات زياد الرحباني.
أولئك الذين كان لهم حظ رؤية المسرحية يوم عرضها لن يكتشفوا جديدًا يذكر، لكنهم بالتأكيد سيشعرون بأنهم يقبضون على زمن ولّى، أما الجيل الجديد، الذي لم يتح له سوى الاستماع إلى التسجيلات، فسيكون الشريط المصور بالنسبة له اكتشافًا حقيقيًا، لجزء نابض من الحياة المسرحية اللبنانية التي كان لها دوي أثناء الحرب، وتركت بصمات لا تنسى.
المسرحية تحكي قصة «البار مان» زكريا (زياد الرحباني) وزوجته ثريا (نبيلة زيتونة) اللذين يأتيان من الضيعة إلى بيروت، ليجدا نفسيهما يعملان في حانة، يتردد عليها أناس من طبقات وأمزجة مختلفة. ووسط طموح الزوجين لتحسين وضعهما المالي، تذهب ثريا لتزجية الوقت مع الزبائن لكسب بعض المال، وينتهي الزوج إلى جريمة وخيمة.
في كل الأحوال استعادة «بالنسبة لبكرا شو» كما عرضت لحظة ولادتها، وكان يظن أنها تبخرت، هي مكسب كبير لأرشيف لبنان الفني الغني بإنجازاته. خطوة مهمة قامت بها الشركة صاحبة المشروع والمنتج إيلي خوري، ليس فقط للتسلية وتمضية الوقت وتأجيج الحنين، وإنما أيضًا لاكتشاف الحرفية العالية التي نفذت بها المسرحية إن كان لجهة النص المعروف أصلا، وحفظه البعض عن ظهر قلب، أو لناحية الأداء والرقص والمشهديات البديعة. قد تكون هذه المسرحية فاتحة لرؤية أعمال أخرى ظن أنها فقدت بصريًا، لزياد الرحباني، إذ أن مسرحية «فيلم أميركي طويل» الشهيرة هي الأخرى، في طريقها فعلاً إلى السينما، ويبقى الأمل أن تستتبعها، وهذا ليس مما يحضر له بعد، «نزل السرور» و«شي فاشل» و«بخوص الكرامة والشعب العنيد» و«سهرية».