{سلمان العرب}.. «انتفاضة وجدان» عبّرت عن النخوة العربية

نقاد سعوديون لـ«الشرق الأوسط»: البدر يمتشق سيف البهجة متوشحًا برداء الوطن

{سلمان العرب}.. «انتفاضة وجدان» عبّرت عن النخوة العربية
TT

{سلمان العرب}.. «انتفاضة وجدان» عبّرت عن النخوة العربية

{سلمان العرب}.. «انتفاضة وجدان» عبّرت عن النخوة العربية

اعتبر نقاد وشعراء سعوديون قصيدة {سلمان العرب} للأمير بدر بن عبد المحسن بن عبد العزيز، والتي صاغها بمناسبة مرور عام على مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ملكا للبلاد، «انتفاضة وجدان» عبّرت بشفافية عن النخوة العربية، وأن هذا النص مليء بالمعاني العميقة والصور المشرقة، وتراوحت مفرداته بين الشدة في مواطن الفخر والجزالة في مواطن المديح.
الشاعر عبد الله سالم الحميد عضو مجلس الإدارة في نادي الرياض الأدبي ورئيس بيت الشعر بالنادي قال لـ«الشرق الأوسط»: هذه القصيدة للشاعر المبدع بدر بن عبد المحسن تعدّ «انتفاضة وجدان» فهو يعبّر بشفافية عن النخوة العربية، والشهامة النابضة التي انتصرت للإنسانية التي رآها أمامه تُنتهك بنوازع ورغائب عنترية زائفة.
تحاول أن تقتحم القيم وتصادر الحق بالقوة التي يسندها عملاء من الخارج لتفريق شمل البيت الواحد، وتشويه أواصر الأخوة ووشائجها.
يعلنها الملك سلمان عواصف تشتت مزاعم المخربين ونوايا العبث والحقد والميليشيات الواهمة.
لا بد من العزيمة والإقدام والحزم من الرجال الذين اعتادوا على نصرة الحق وردع الظالمين العابثين.
من جهته قال الناقد يونس البدر، المحاضر في كلية الآداب بجامعة الملك فيصل، وعضو النادي الأدبي بالأحساء، شرقي السعودية بعد قراءتي للنص الذي كتبه الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن مرتين يمكنني القول: إنه نص مليء بالمعاني العميقة والصور المشرقة، مفرداته تراوحت بين الشدة في مواطن الفخر والجزالة في مواطن المديح، انتظمت معانيه لتنشئ فعلاً شعريًا ممزوجًا بسردية يمتاز بها الشاعر بدر بن عبد المحسن ويجعل لنصوصه من خلالها حبكة مميزة.
ومضى الناقد البدر يقول: استعمل الأمير الشاعر في صياغة هذا النص كل إمكاناته الإبداعية من صور استعارية كالبيتين الخامس والسابع؛ وألوان بديعية كما في البيتين الثاني والسابع؛ وتجديد في المعنى كما في الأبيات من التاسع إلى الثالث عشر حيث مثلت هذه الأبيات الأربعة في منتصف القصيدة بؤرة جمالية تشع منها جماليات القصيدة كلها.
أما الشاعر عبد العزيز العجلان، فقال لـ«الشرق الأوسط» بأن هذه القصيدة «عقد يليق، ومناسبة تليق بها أجمل العقود وأبهاها».
وأضاف: «الصور الجمالية المتراكمة بعطر الوطن المستحيل على التجافي، الممتد في وجه الريح بقيادة سلمان العزيمة والحزم... كعادة الجمال المستثار يطل البدر طليقا حاضنًا في كفه ألوانه العتيقة، وفرادة الصور، والتقاط التعابير السهلة في نسق بهيج».
وأضاف: «لم تكن المرة الأولى التي يضرب فيها البدر بسيف البهجة وقد توشح برداء الوطن الوهاج تتلفت الذاكرة إلى {هام السحب}. و{توحيد ووحدة}.. والكثير من الإضاءات الجمالية في مسيرة الشاعر المليئة بالطيوب لتلتقي (بشبب) الترحيب بالسلام وأهله، والصمود المسلول نصلا حاسما في وجه البغي والعدوان».
وقال: «نص مثير، تعلو نبرته بجلال المناسبة ولكنها لا تلبث أن تسلس قيادها للشعر وحضوره الجميل».
وتحدث لـ«الشرق الأوسط» الناقد المعروف عبد الله بن عبد الرحمن الزيد، فقال عن هذا النص الشعري: لا بد من التنويه والإشارة إلى أنني من متابعي تجليات هذا الشاعر المتفوق، وذلك من خلال ثلاث قنوات مميزة: الفنان الراحل الكبير طلال مداح، والصحافة الأدبية والفنية، وعملي في الإذاعة.. ولا يمكن أن أنسى في هذا الصدد عندما بدأت خطواتي الأولى من حياتي الجامعية واستمعت إلى أغنية (عطني المحبة) فتحولت إلى تعويذة فنية لا تفارقني، واستوطنني حينها شعور جارف بأن الأغنية السعودية أمسكت بمنعطف حقيقي باتجاه الحداثة والتطور وجمال الكلمة واللحن والأداء.
وأضاف: من خلال هذه المتابعة والإعجاب أستطيع القول وأنا أتلقى هذا النص بأنه {أي هذا النص} تتويج إبداعي لمسيرة هذا الشاعر الفنان.. بمعنى أنه ما زال ممسكا بجمرة التفوق والإضافة في تمثله لمضامين قصائده وفي الصياغة وطريقة الأداء الفني والأسلوب.. تشعر وتدرك وأنت تقرأ هذا النص بأن هذا هو بدر بن عبد المحسن الذي أبدع {عطني المحبة} و{لا تردين الرسايل} و{والله البادي} و{مين جرحك؟}.
وعن هذا النص قال: طبعا.. نحن هنا أمام نص وطني مثله مثل (الله البادي) و(فوق هام السحب) لا بد أن يختلف في مضامينه وأسلوبه وقوة الكلمة والعبارات والإسناد عن النصوص العاطفية.
ومضى يقول: المحور الجوهري كما في وطنيات الشاعر يستند إلى ثلاث قيم كبيرة:
الأرض.. الإنسان.. الانتماء..
فالشاعر في طريقة تناوله يمزج ببن هذه القيم بطريقة فريدة يكاد أن ينماز بها بين الشعراء، كما أن لدى هذا الشاعر قدرة واستطاعة من خلال التشكيل والأداء والصور أن يمتلك لب المتلقي من بداية النص إلى نهايته، وأن يستحوذ على إعجابه وانفعاله بشكل عجيب؛ والسر في تقديري أن ذلك منبعث من استغراق الشاعر في تجربته، ومن ثقافته الفنية، ومن عبقريته في الخلق الشعري.
وأضاف: أستطيع أن أثبت أن هذا النص اختصار بديع لقدرة هذا الشاعر وأسلوبه الشخصي في الإفصاح عن عالمه الذاتي ومعاناته وصدق انتمائه.
وأستطيع كذلك في معرض تقييم تجربته أن أضع هذا النص في قلب الوسام الذي نكرمه به شاعرا وطنيا لا يشق له غبار.

* تنشر «الشرق الأوسط» نصا شعريا للأمير بدر بن عبد المحسن بن عبد العزيز، بمناسبة مرور عام على مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ملكا للبلاد، والقصيدة تحمل عنوان {سلمان العرب}



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.