احتدام الجدل بين مرشحي الحزب الجمهوري قبل بدء الانتخابات التمهيدية في أميركا

ترامب يرفض خلال المناظرة التلفزيونية سحب تصريحاته المسيئة للمسلمين

دونالد ترامب مع غريمه السياسي تيد كروز خلال المناظرة التلفزيونية التي أقيمت في نورث شارستون ليلة أول من أمس (أ.ف.ب)
دونالد ترامب مع غريمه السياسي تيد كروز خلال المناظرة التلفزيونية التي أقيمت في نورث شارستون ليلة أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

احتدام الجدل بين مرشحي الحزب الجمهوري قبل بدء الانتخابات التمهيدية في أميركا

دونالد ترامب مع غريمه السياسي تيد كروز خلال المناظرة التلفزيونية التي أقيمت في نورث شارستون ليلة أول من أمس (أ.ف.ب)
دونالد ترامب مع غريمه السياسي تيد كروز خلال المناظرة التلفزيونية التي أقيمت في نورث شارستون ليلة أول من أمس (أ.ف.ب)

خلال نقاش مرشحي الحزب الجمهوري لرئاسة الجمهورية ليلة أول من أمس في شارلستون (ولاية ساوث كارولاينا) حول المسلمين داخل وخارج الولايات المتحدة، قال دونالد ترامب الذي دعا قبل شهرين إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، إنهم يمكن أن يكونوا مثل «حصان طروادة.. كما يمكن أن يقوموا بعمليات تدمير كبيرة جدا جدا» داخل الولايات المتحدة.
وانتقد ترامب الرئيس باراك أوباما بحجة أنه دعا طبيبا سوريا لجأ إلى الولايات المتحدة ليشهد خطابه حول حالة الاتحاد من داخل مبنى الكونغرس الثلاثاء الماضي، وقال بنبرة تأليبية «تكفينا المشاكل التي نعاني منها.. فنحن نواجه البطالة، وديوننا وصلت إلى 19 تريليون دولار.. تكفينا هذه المشاكل. ولذلك يجب ألا نسمح لأولئك الناس أن يأتوا إلى هنا ويدمروا وطننا». وعندما قالت له صحافية اشتركت في إجراء المناظرة «إن كلامك عن المسلمين خلق عاصفة كبيرة في الداخل والخارج، فهل تريد تغيير رأيك؟» فأجاب متحديا «لا.. لا.. يجب أن نضع حدا للتهذيب السياسي، ويجب أن نقول بصراحة إن وطننا لا بد أن يواجه أمثال هؤلاء الذين يخطفون طائرات ويضربون بها مركز التجارة العالمي في نيويورك، وأمثال الذين يقتلون الناس في سان بيرنادينو (ولاية كاليفورنيا)، والذين يسببون المشاكل في كل العالم»، مضيفا أنه سيمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة «لفترة مؤقتة، وليس إلى ما لا نهاية»، وأن عددا من أصدقائه المقربين من المسلمين، وأن «بعضهم اتصلوا به وشكروه، وقالوا له: أنت تتحدث عن مشكلة يجب ألا نتجاهلها».
من جهته، انتقد جيب بوش تصريحات ترامب عن المسلمين، وقال إن لأميركا أصدقاء كثيرين من المسلمين، مثل الأكراد الذين يساعدونها في الحرب ضد تنظيم داعش، ثم سأل ترامب متهكما: «هل ستمنع الأكراد إذن من دخول الولايات المتحدة؟»، قبل أن يطلب من ترامب إعادة النظر في رأيه حول دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، ويصفه بأنه معتوه.
وهيمن المرشحان الجمهوريان المحتملان، دونالد ترامب وتيد كروز اللذان يتصدران سباق مرشحي الحزب لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية القادمة، على المناظرة التي جرت الليلة الماضية في معظم الوقت. أما المرشحون المحتملون، الذين يمثلون التيار الجمهوري الرئيسي، مثل حاكم فلوريدا السابق جيب بوش، وحاكم نيوجيرسي كريس كريستي، وحاكم أوهايو جون كاسيتش، والسيناتور ماركو روبيو من فلوريدا، فقد كان أداؤهم باهتا نوعا ما.
وخلال المناظرة اختلف ترامب كثيرا مع غريمه كروز بشأن عدد من النقاط في مسعى لتعزيز وضعهما المتقدم، ولم يتركا مجالا لباقي المنافسين الذين حاولوا تضييق الفارق، قبل أن يبدأ فعليا الاقتراع لانتخاب مرشح الحزب، الذي سيخوض الانتخابات الرئاسية التي تجري في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وقد أثار هذا الوضع قلق بعض الجمهوريين من أن الوقت المتاح لمنع ترامب أو كروز من تحقيق مكاسب في سباق الترشح للرئاسة بدأ ينفد، ومن أن بقية مرشحي الحزب لا يقدمون شيئا يذكر لتحجيم تقدم الاثنين.
وركز المرشحون السبعة المتفقون على انتقاد السياسة الخارجية للرئيس الأميركي باراك أوباما هجماتهم على هيلاري كلينتون، المرشحة الأوفر حظا في المعسكر الديمقراطي، إذ اعتبر جيب بوش نجل وشقيق رئيسين أسبقين أن وزيرة الخارجية السابقة ستكون «كارثة» للأمن القومي الأميركي، فيما قال روبيو إن «كلينتون لم تعد مؤهلة لتكون القائد الأعلى». لكن المناظرة شهدت قبل ذلك تبادلا للهجمات الحادة، حيث أخذ دونالد ترامب على كروز ولادته في كندا، وقال إن ذلك يحرمه من الحق في تولي الرئاسة.
وقبل المناظرة، خرق قادة الحزب الجمهوري هذا الأسبوع الحياد النسبي الذي كانوا يلزمونه حيال المرشحين، مع اختيارهم نيكي هايلي، أصغر حاكمة ولاية في البلاد (43 عاما عن كارولاينا الجنوبية) لإلقاء خطاب الحزب، ردا على كلمة الرئيس باراك أوباما السنوية حول حال الاتحاد.
وكانت هايلي قد قالت في إشارة واضحة إلى ترامب «أيظن البعض أنه يكفي أن يكون الشخص الأكثر صخبا من أجل تغيير الأمور»، مضيفة «أن أفضل ما يمكن القيام به في غالب الأحيان هو خفض الصوت».
ويرى محللون أن السبب الفعلي لرفض مسؤولي الحزب الجمهوري لدونالد ترامب هو أنهم يعتبرون أنه ليس أفضل مرشح لرص صفوف اليمين والوسط في الانتخابات ضد هيلاري كلينتون، التي تعد الأوفر حظا لنيل ترشيح الحزب الديمقراطي. كما أنهم يخشون حصول الأمر نفسه بالنسبة للانتخابات التشريعية التي ستجري بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية، وعلى نفس بطاقة الاقتراع. ويقوم الناخبون عادة باختيار كل المرشحين الجمهوريين المدرجين على بطاقة الاقتراع في حال كان اسم المرشح للانتخابات الرئاسية في أعلى البطاقة يروق لهم.
لكن سياسيا، يساهم لجوء مسؤولي الحزب إلى مثل هذه الوسائل ضد ترامب، في تعزيز صورته كمرشح معارض للمؤسسات.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.