اعتداءات جاكرتا تكشف وجود {داعش} في جنوب شرقي آسيا

عناصر «كتيبة نوسانتارا» التابعة للتنظيم يقاتلون في سوريا

اعتداءات جاكرتا تكشف وجود {داعش} في جنوب شرقي آسيا
TT

اعتداءات جاكرتا تكشف وجود {داعش} في جنوب شرقي آسيا

اعتداءات جاكرتا تكشف وجود {داعش} في جنوب شرقي آسيا

غداة الهجمات الدامية في جاكرتا والمستلهمة دون شك من اعتداءات باريس، ينصب الاهتمام بشكل أساسي على مجموعة صغيرة من المتطرفين من جنوب شرقي آسيا على ارتباط بتنظيم داعش، كانت توعدت بموجة تفجيرات في المنطقة.
ونظرا للضغوط المتزايدة من ضربات قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في الأراضي التي يسيطر عليها في العراق وسوريا، يعمل التنظيم الإرهابي على توسيع ضرباته إلى مناطق جديدة. ويسعى التنظيم الذي يحظى بجماعات تبايعه في ليبيا ونيجيريا، إلى تكوين خلايا في بلدان أخرى مثل اليمن والصومال وأفغانستان، باستخدام وسائله فائقة العنف لجذب المقاتلين الذين أصيبوا بخيبة أمل إزاء الجماعات الإرهابية الأخرى، مثل طالبان.
وأعلن التنظيم الإرهابي مسؤوليته عن التفجيرات الانتحارية والهجمات الدامية الخميس الماضي في وسط العاصمة الإندونيسية، التي أسفرت عن مقتل اثنين من المدنيين والمهاجمين الخمسة، ويبدو أنه وجد موطئ قدم في جنوب شرقي آسيا. وقال رئيس شرطة جاكرتا، تيتو كرنافيان، المدير السابق لقسم مكافحة الإرهاب، إن «تنظيم داعش يغير استراتيجيته». وأضاف للصحافيين أن «التنظيم أقام شبكات حول العالم، في فرنسا وأوروبا وأفريقيا وتركيا وجنوب آسيا».
وأشارت الشرطة الإندونيسية إلى «كتيبة نوسانتارا»، وهي مجموعة صغيرة من الإرهابيين التابعين للتنظيم المتطرف يتحدث أفرادها المالاي ويقاتلون في سوريا. وحتى الآن، لم تعلن هذه المجموعة الصغيرة مسؤوليتها بشكل مباشر، في حين أنها تسعى إلى إقامة الخلافة في جنوب شرقي آسيا، بحسب عدد من الخبراء.
واكتسب عناصر هذه المجموعة الصغيرة، خصوصا من إندونيسيا وماليزيا متحدين من خلال اللغة والثقافة المشتركة، أهمية في عام 2015 بعد تميزها ميدانيا في سوريا والعراق، من خلال مساعدتها تنظيم داعش السيطرة على الأراضي في هذين البلدين. وقد شكل نجاحها دعاية للتنظيم المتطرف الذي أشاد بها عبر شبكات التواصل الاجتماعية بلغة المالاي، محاولا مخاطبة المرشحين للقتال في المنطقة. وقالت الشرطة الإندونيسية إن كتيبة نوسانتارا يقودها بحر النعيم، الذي يقاتل في سوريا ربما وهو متهم بتدبير تفجيرات الخميس من خلال إصدار تعليمات للناشطين في جنوب شرق آسيا. وقد أكدت بعض وسائل الإعلام أنه موظف سابق في مقهى للإنترنت.
وقال محللون إن بحر النعيم سجن لفترة قصيرة في إندونيسيا لتورطه المفترض في أعمال إرهابية، وعلاقاته بجماعات متطرفة أخرى في السابق.
وأوضح جوزيف ليو تشين يون، خبير الشؤون الإسلامية في كلية الدراسات الدولية في سنغافورة، لوكالة الصحافة الفرنسية أنه «عنصر نشيط»، مضيفًا أنه «يملك موقعا إلكترونيا يمجد التنظيم المتطرف ونجاحاته، وبشكل أكثر تحديدا، احتفل باعتداءات باريس».
يذكر أن إندونيسيا استهدفت بهجمات على نطاق واسع من قبل المتطرفين بين عامي 2000 و2009، لكن خطوات مكافحة الإرهاب سمحت في وقت لاحق بإضعاف الشبكات المتطرفة.
وإذا كانت كتيبة نوسانترا مسؤولة عن هجمات الخميس، فستكون الأولى لها بهذا الحجم في بلدها، كما أنها تشكل تحديا للسلطات الإندونيسية التي ستحاول مرة أخرى إبعاد خطر التطرف. من جهتها، قالت سيدني جونز الخبيرة في شؤون الإرهاب الإقليمي في مقالة صدرت مؤخرا حول كتيبة نوسانترا إن «أحد العوامل التي أنقذت إندونيسيا في السنوات الخمس الماضية هو انعدام الرؤية لدى الإرهابيين المحليين». وأضافت: «لكن لدى بحر النعيم وبعض أصدقائه رؤية أوسع للأمور».
ويرى محللون أن بعض المقاتلين من جنوب شرقي آسيا عادوا من الشرق الأوسط بخيبة أمل كبيرة، إما بسبب قلة الاحترام أو عدم إسناد أي مسؤوليات لهم. لكن اللغة والثقافة المشتركة لدى أفراد كتيبة نوسانتارا يمكن أن تؤدي إلى هجمات منسقة جديدة في جنوب شرقي آسيا وتضاعف عمليات تجنيد المقاتلين للتوجه إلى سوريا، وفقًا لعدد من الخبراء. وبالنسبة لجوزيف تشين يون، فإن «تنظيم داعش متطور جدا ومهني في أنشطته بكل معنى الكلمة. يبدو أنه قادر حقًا على جذب انتباه كثير من الأشخاص في هذا الجزء من العالم».



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»