أوكرانيا.. من يدفع الثمن؟

خيارات أميركا وأوروبا في التعامل مع طموحات {الدب} الروسي

أوكرانيا.. من يدفع الثمن؟
TT

أوكرانيا.. من يدفع الثمن؟

أوكرانيا.. من يدفع الثمن؟

لا أحد يعرف كيف يمكن أن تتطور الأزمة الأوكرانية، المتفائلون يعزفون على وتر الحلول الدبلوماسية والضغوط الأميركية والأوروبية ومجموعة العقوبات الاقتصادية التي يمكن أن تكون رادعا قويا لرد طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتجبره على التراجع عن مزيد من التحركات العسكرية وإشاعة الإضرابات في أوكرانيا.
والمتشائمون يرون أن الأزمة التي تعد الأسوأ أوروبيا، منذ حرب البوسنة والهرسك، يمكن أن تعيد مرة أخرى أجواء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا، بل يمكن أن تشعل لهيب حرب بين البلدين قد تتصاعد لحرب نووية حيث يملك كل من الولايات المتحدة وروسيا نحو 16.700 سلاح نووي.
وفي نظر المتشائمين يمكن أن تؤدي حرب نووية بين البلدين إلى نهاية العالم وانقراض الجنس البشري. لكن من غير المرجح أن ينتهي الأمر بحرب نووية أو تقليدية كما يقول أصحاب الرأي الوسط، لكن بزيادة جرعة التعاون بين روسيا وأوروبا والولايات المتحدة لتحقيق السلام في المنطقة.
ووسط هذه الأجواء تشتعل حرب التصريحات المتبادلة بين الجانبين والتهديدات والتأهب العسكري واستعراض القوة العسكرية، والتلويح بإجراءات رادعة، وكلها أمور تفتح الباب أمام سيناريوهات سيئة.
الأمر المؤكد حاليا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يجيد اللعب بأوراق التاريخ والجغرافيا والسياسة بطرق تضمن له تحقيق أطماعه التوسعية وضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا. فهو يتحكم إلى حد كبير في قواعد اللعبة، فالتصويت المقرر في السادس عشر من مارس (آذار) الجاري من المرجح أن يأتي لصالح ضم القرم لروسيا حيث يسيطر نواب من أصول روسية على نسبة كبيرة من البرلمان في شبه جزيرة القرم.
ومن المرجح أيضا أن يتلاعب بوتين في النتيجة لصالح ضم القرم إلى روسيا، والتي كانت جزءا من روسيا حتى نقل رئيس الوزراء السوفياتي (الأوكراني الأصل) نيكيتا خروتشوف تبعيتها لأوكرانيا عام 1954.
وتتوقع واشنطن هذه التطورات واستبقتها بعدة تصريحات عن مسؤولين أميركيين بأن التصويت لن يكون شرعيا بموجب القانون الدولي. وهدد الرئيس أوباما بأن أي تصويت بانفصال القرم من أوكرانيا والانضمام إلى روسيا سيكون خرقا للقانون الدولي.
والسؤال ماذا ستفعل واشنطن إذا صوت برلمان القرم لصالح الانضمام لروسيا، هل سيكون لواشنطن خيارات عسكرية تدرسها، وكيف تقنع بها الرأي العام والكونغرس. من جانب آخر فإن القيام بخطوة عسكرية أميركية من شأنه تعزيز ادعاءات بوتين - الذي يحظى بشعبية كبيرة بين القوميات الروسية في أوكرانيا - أنه يدافع عنهم ضد التدخل الغربي.
* المخاوف الأميركية الأوروبية
من المهم تحديد الهدف في التعامل مع الأزمة الأوكرانية، كما يرى خبراء السياسة، لأن استفزازات بوتين يمكن أن تؤدي إلى تقسيم أوكرانيا كحل لإنهاء الصراع حيث تخضع الأجزاء الشرقية لأوكرانيا (الموالية لروسيا) لسيطرة روسيا وتخضع الأجزاء الغربية (الموالية لأوروبا) للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، لكن مخاطر هذا السيناريو كارثية حيث يعيد مشهد مواجهة بين القوات الأميركية والروسية عند حدود تم تقسيمها بفرض الأمر الواقع.
يبدو أن بوتين يختبر تحركات واشنطن في رقعة شطرنج يملك فيها اليد العليا، وإذا نجحت خطته في السيطرة على شبه جزيرة القرم فإنه من المرجح أن يتحرك نحو أجزاء أخرى من أوكرانيا. وقد سبق لروسيا القيام بنفس التصرفات في جورجيا عام 2008 ووقتها قامت إدارة الرئيس بوش بإرسال البوارج الأميركية إلى البحر الأسود ومنعت موسكو من تحقيق أهدافها بالإحاطة بالحكومة المنتخبة في جورجيا.
مهلا.. يشير المحللون في واشنطن إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي يملكون الكثير من أوراق اللعب لكن عليهم أولا الاتفاق على استراتيجية للتعامل مع هذه الأوراق. أولى تلك الأوراق هي الترسانة الأميركية المتنامية في إمدادات الطاقة والتي من المتوقع أن تجعل الولايات المتحدة أكبر مصدر للطاقة بحلول عام 2020. وبالاتفاق على خطة لتخفيض اعتماد الدول الأوروبية وبصفة خاصة أوكرانيا على الغاز الروسي فإن النفوذ الروسي سيتلاشى كما سيتأثر الاقتصاد الروسي بانخفاضات أسعار النفط والغاز إذا تبدل اعتماد أوروبا على استيراد الطاقة من الولايات المتحدة.
ويصف المحللون ورقة الطاقة بأنها ستقلب المائدة على بوتين الذي يستخدم ورقة الطاقة كسلاح للضغط على الدول الأوروبية وبصفة خاصة ألمانيا.
ويشير الخبراء إلى أوراق ضغط أخرى مثل فرض عزلة دبلوماسية على روسيا وتجميد الأصول وفرض قيود على منح تأشيرات سفر لطبقة رجال الأعمال الروس الذين يملكون مشاريع واستثمارات ضخمة في أوروبا
ويشير بعض المحللين إلى ضرورة أن تتماشى خطط العقوبات مع خطط لمساعدة أوكرانيا اقتصاديا، وخطط لإجراء مناورات عسكرية تعزيز الدفاع الجوي مع دول البلطيق.
وفي مقابلة تلفزيونية ببرنامج «واجه الصحافة» شدد ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي السابق على ضرورة قيام إدارة أوباما بالإبقاء على الخيارات العسكرية على الطاولة ردا على غزو روسيا لشبه جزيرة القرم. وقال «أشعر بالقلق عندما نبدأ في التعامل مع الأزمات وأول شيء نقوم به هو إسقاط خيارات من على الطاولة». وأضاف «عندما يقول (أوباما) لا خيار عسكريا في أوكرانيا فإن هناك خيارات عسكرية لا تنطوي على وضع قوات على الأرض في شبه جزيرة القرم».
واقترح تشيني استئناف العمل على أنظمة دفاع صاروخية في بولندا وجمهورية التشيك التي بدأتها إدارة الرئيس السابق جورج بوش، وأوقفتها إدارة أوباما منذ بضع سنوات، والقيام بمناورات عسكرية مشتركة في المنطقة وتوفير التدريب والمعدات للقوات الأوكرانية.
وأشار تشيني إلى قدرة الولايات المتحدة على مد أنابيب الغاز «كيستون اكي إل» دون تكلفة كبيرة مما يدعم صادرات الغاز الأميركي إلى أوروبا ويخفض من اعتماد الدول الأوروبية على الغاز الروسي.
وحذر نائب الرئيس الأميركي السابق من أن تردد إدارة أوباما في التعامل مع الأزمة السورية جعل الحلفاء أكثر تشككا في القدرة على الاعتماد على الولايات المتحدة والمشاركة معها في جهود دولية، وقال تشيني «لقد خلقنا صورة من الضعف والتردد (لأميركا) في جميع أنحاء العالم وليس فقط أمام الروس».
يقول الأستاذ بجامعة ميتشغان ملفين ليفيتسكي الدبلوماسي الأميركي السابق والخبير في العلاقات الأميركية الروسية إن روسيا انتهكت التزاماتها وفقا لميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر توجيه ضربات عسكرية من جانب واحد، وانتهكت اتفاق عام 1994 مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الذي يحظر استخدام القوة في أوكرانيا مقابل تخلي أوكرانيا عن الأسلحة النووية السوفياتية.
وحول السياسة التي يمكن للولايات المتحدة اتباعها يقول ليفيتسكي «أعتقد أن الروس لديهم موقف أفضل من أوروبا الغربية والولايات المتحدة خاصة وهم ينظرون إلى الولايات المتحدة بعد أن خاضت حربين في العراق وأفغانستان ولا تريد خوض حر أخرى وقد بدا ذلك واضحا في الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس أوباما بشأن سوريا. ويعتقد الروس أنهم يمكنهم الإفلات».
ويضيف «تستند الإجراءات التي اتخذها بوتين إلى إحساس خاطئ بالفخر والانتصار واستعادة أمجاد روسيا ويجب أن تأخذ واشنطن ذلك في حسبانها خاصة أن تطورات الأحداث تعرض حلفاء مثل جورجيا ومولدوفا والحكومة الأوكرانية الجديدة لمزيد من المخاطر ويجب أن تكون تلك الدول على استعداد للمواجهة، وتعتمد الحكومة الروسية على استراتيجية استفزاز لزيادة وتيرة التوتر العرقي في أوكرانيا، وإذا صعدت الولايات المتحدة الموقف بإرسال سفن حربية إلى البحر الأسود، أو وضعت خطا أحمر فإن تورطها في هذا الصراع سيصبح واجبا وليس مجرد خطوات استراتيجية».
وتشير الباحثة بالشؤون الأوروبية جودي ديمبسي بمعهد كارنيجي إلى أن قادة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عاجزون عن وقف روسيا ودفعها للتفاوض مع الحكومة المؤقتة في كييف خاصة بعد أن تجاهلت روسيا كافة الجهود الدبلوماسية الأوروبية.
وتقول «إن بوتين يسعى لكسب مزيد من الوقت لترسيخ قبضته على شبه جزيرة القرم والتمادي إلى ما هو أكثر من ذلك؛ إلى بولندا ودول البلطيق والسويد، ويمكن للاتحاد الأوروبي مقاطعة قمة دول الثماني وفرض قيود على تأشيرات السفر للمسؤولين الروس، وهي في أحسن الأحوال تدابير رمزية لكنها لن تغير الحقائق على أرض الواقع، والأفضل هو تجميد الأصول الروسية في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة».
وتؤكد الباحثة على ضرورة النظر بجدية لمثل هذه العقوبات وتحرك القادة الأوروبيين لتطبيقها بسرعة قبل أن تضيع شبه جزيرة القرم.
وفي مقال بصحيفة «واشنطن بوست» قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر (1973 - 1977) «كل المناقشات حول أزمة أوكرانيا تركز على المواجهة، لكننا لا نعرف أين نحن ذاهبون، وقد رأيت في حياتي أربع حروب بدأت بحماسة كبيرة وتأييد شعبي وجميعها لم نكن نعرف كيف ننهيها، وثلاث حروب منها انسحبنا من جانب واحد، والاختبار الحقيقي للسياسة هو الخاتمة وليس البداية».
يقول كيسنجر إن النقاش ليس هل تنضم أوكرانيا إلى الشرق أم إلى الغرب وإنما كيف يمكن بقاء أوكرانيا على قيد الحياة وأن تكون جسرا بين الشرق والغرب، مشيرا إلى أن أوكرانيا كانت جزءا من روسيا لعدة قرون وتملك تاريخا معقدا وتركيبة سكانية متعددة اللغات وأي محاولة من جناح واحد من أوكرانيا السيطرة على الآخرين من شأنها أن تؤدي إلى حرب أهلية وتعرقل أي احتمال لجلب روسيا والغرب إلى نظام دولي تعاوني.
ويضيف كيسنجر «على بوتين أن يدرك أن سياسة الإملاءات العسكرية من شأنها أن تنتج الحرب الباردة مرة أخرى وعلى واشنطن التعامل بصبر لفرض القواعد».
واقترح كيسنجر خطة يكون لأوكرانيا فيها حق الانضمام بحرية إلى التجمعات الاقتصادية والسياسية وحرية تشكيل حكومة يتوافق عليها الشعب الأوكراني تحقق سياسة المصالحة بين مختلف أجزاء البلاد، والضغط على روسيا للاعتراف بسيادة أوكرانيا على شبه جزيرة القرم، وإزالة أي غموض حول أسطولها في البحر الأسود. ورفض كيسنجر انضمام أوكرانيا لحلف الناتو.
ويرى زيباغو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق (1977 - 1981) أن مصير الأزمة الأوكرانية يعتمد على ما سيفعله فلاديمير بوتين في الأيام المقبلة، وتقديراته لما سيقوم به حلف الناتو والولايات المتحدة، وحساباته لرد فعل الشعب الأوكراني ضد تكرار أي عدوان روسي، وأيضا مدى ثقة الأوكرانيين في الاعتماد على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
ويقول بريجنسكي إن نجاح بوتين في ضم شبه جزيرة القرم قد يغريه بالتقدم أكثر في أوكرانيا واستغلال الاضطرابات السياسية في تحقيق مزيد من التقدم للقوات الروسية لقلب نظام الحكم في كييف، وستكون نتيجة مماثلة لما قام به هتلر في ميونيخ عام 1938 واحتلال براغ وتشيكوسلوفاكيا أوائل عام 1939.
ويؤكد مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق أن الأمر يتوقع على قدرة الغرب في إقناع «ديكتاتور الكرملين» أن حلف الناتو لا يمكن أن يقف صامتا إذا اندلعت حرب في أوروبا، لكن هذا لا يعني أن الغرب أو الولايات المتحدة ينبغي أن تهدد بالحرب لكن ينبغي الضغط على روسيا لكي تعترف بالحكومة الحالية لأوكرانيا وعلى الغرب مساعدة الجيش الأوكراني بما يعزز قدراته الدفاعية وألا يكون هناك مجال للشك أن أي هجوم روسي ضد أوكرانيا سيؤدي إلى اشتباك طويل ومكلف.
ويطالب بريجنسكي حلف شمال الأطلسي بالاستعداد بخطط طوارئ، ورفع حالة التأهب وإقامة جسور جوية لوحدات أميركية لأوروبا مما سيكون له مغزى سياسيا وعسكريا، وألا يكون هناك أي غموض لدى الكرملين أن أي تحرك سيكون مغامرة باستخدام القوة في وسط أوروبا، على أن يتوازى ذلك بجهود لتفادي أي حسابات خاطئة يمكن أن تؤدي إلى حرب والتأكيد على رغبة الغرب في إقامة علاقات هادئة مع روسيا ومساعدة أوكرانيا على التعافي اقتصاديا واستعادة الاستقرار سياسيا وطمأنة روسيا أن الغرب لا يسعى لضم أوكرانيا إلى الناتو أو تحويلها ضد روسيا.
وأعلن الناتو أول من أمس، إرسال طائرات استطلاع من نوع «أواكس» للقيام بمهمات استكشافية في أجواء بولندا ورومانيا، في إطار «مراقبة» الأزمة في أوكرانيا.
ويقول مسؤول في الحلف في بروكسل إن مجلس الحلف الأطلسي الذي يضم سفراء الدول الـ28 الأعضاء «قرر القيام بطلعات استطلاعية لطائرات (أواكس) فوق بولندا ورومانيا.. ستعزز قدرة الحلف على مراقبة الوضع» في أوكرانيا. و«ستجري فقط فوق أراضي» الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي، وبالتالي لن تحلق فوق أوكرانيا.
ويشعر الاتحاد الأوروبي بالقلق إزاء التطورات المتسارعة للأزمة في أوكرانيا، وما تقوم به روسيا وخاصة فيما يحدث حاليا في شبه جزيرة القرم.
وهناك أسباب كثيرة لهذا القلق، منها ما يتعلق بعوامل اقتصادية أو أمنية أو سياسية أو اجتماعية، ولكن في الوقت نفسه لا يزال يراهن التكتل الأوروبي الموحد على إمكانية إيجاد حل دبلوماسي للأزمة من خلال عملية تفاوضية سواء عبر التفاوض الثنائي بين روسيا وأوكرانيا أو من خلال آلية متعددة الأطراف.
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» تقول مايا كوسيانتيش المتحدثة باسم منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي «نحن لا نزال نشعر بالقلق وسط تزايد التصعيد على الأرض، وتزايد الحشود الروسية العسكرية في شبه جزيرة القرم».
وتضيف «هناك تقارير تشير إلى عمليات ضرب واعتقالات وخطف لصحافيين وناشطين مدنيين وأيضا قطع قنوات التلفزة الأوكرانية من البث المباشر، إلى جانب عرقلة وصول مراقبين عسكريين غير مسلحين إلى شبه جزيرة القرم». وحول التعامل الأوروبي مع تلك التطورات تقول المتحدثة باسم كاثرين أشتون، إن هناك إصرارا على الحاجة إلى دخول روسيا في حوار مع أوكرانيا من أجل التفاوض بشأن حلول للخروج من الأزمة في ظل الاحترام الكامل للقانون الدولي وسلامة الأراضي الأوكرانية سواء كانت تلك المفاوضات في إطار ثنائي أو في إطار متعدد الأطراف. و«نحن في أوروبا مستعدون للمشاركة في هذه الآليات من أجل تحقيق نتائج ملموسة وتهدئة الوضع».
وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس حذر بفرض عقوبات جديدة على روسيا قد تبدأ خلال الأسبوع الحالي، في حال عدم تجاوب القيادة الروسية مع الاقتراحات الغربية لوقف التصعيد الأوكراني، ومن أبرزها إلغاء الاستفتاء على انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا والمقرر له يوم الأحد المقبل.
فابيوس قال متحدثا لإذاعة «فرانس إنتر» «أرسلنا عبر (وزير الخارجية الأميركي) جون كيري اقتراحا للروس من أجل (وقف التصعيد) في أوكرانيا»، دون أن يوضح تفاصيل هذا المقترح. وتابع أن الروس «لم يردوا بعد وإن ردوا إيجابا، فسوف يتوجه جون كيري إلى موسكو، وعندها لن تكون العقوبات فورية. وإذا لم تحدث استجابة أو كان الرد سلبيا، فستكون هناك مجموعة عقوبات قد يجري فرضها اعتبارا من هذا الأسبوع».
وقال إن هذه العقوبات «ستتضمن تجميد أموال شخصية بحق روس وأوكرانيين وعقوبات تستهدف التنقلات على صعيد تأشيرات الدخول».
من جهتها تقول روسيا إن السلطات الأوكرانية الجديدة وصلت إلى الحكم بانقلاب على السلطة الشرعية، وإن واشنطن لم تبد الاستعداد للانضمام إلى المساعي الدبلوماسية التي من شأنها فتح قنوات حوار مباشر بين كييف وموسكو.
وتقول ألمانيا إن عدم استعداد الحكومة الروسية لتقديم تنازلات بخصوص الأزمة الأوكرانية سيؤدي إلى فرض مزيد من العقوبات ضد موسكو.
وذكر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير في تصريح صحافي أن «روسيا إذا لم تكن مستعدة لتقديم تنازلات في الأزمة الأوكرانية فإن ذلك سيؤدي بالتأكيد إلى الوصول إلى مرحلة العقوبات». وأشار شتاينماير إلى أن العقوبات ستشمل قرارات بحظر السفر على شخصيات سياسية متورطة في الأزمة الأوكرانية بالإضافة إلى تجميد حسابات بنكية لهؤلاء الأشخاص.
ويرى الكثير من المراقبين والمحللين في بروكسل أن أوروبا تريد أن تظهر بصورة المراقب للموقف من بعيد وأنها لم تلعب أي دور في الأحداث فيما عدا دور الوساطة.
في غضون ذلك تواصل القوات الموالية لروسيا تعزيز سيطرتها على شبه جزيرة القرم الأوكرانية دون أي مقاومة، ويواصل الغرب والولايات المتحدة تحقيق التقارب مع حكام أوكرانيا الجدد، من خلال لقاء مرتقب لرئيس الوزراء الأوكراني الجديد أرسيني ياتسينيوك اليوم الأربعاء مع الرئيس باراك أوباما تلبية لدعوة من البيت الأبيض، دعوة تقول واشنطن إنها اعتراف بالدور المسؤول الذي لعبته الحكومة الجديدة في أوكرانيا.
وما زال الرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش يؤكد أنه الرئيس الشرعي لأوكرانيا والقائد الأعلى للقوات المسلحة، قائلا إنه يعتقد أنه سيتمكن من العودة قريبا إلى كييف.
ولا تبدي بعض المصادر الأوروبية الكثير من التفاؤل بإمكانية تراجع موسكو عن مواقفها، «هناك من يعتقد في أوروبا أن موسكو ستبذل كل جهدها لمنع أي تقارب مستقبلي لأوكرانيا سواء مع الاتحاد الأوروبي أو مع حلف شمال الأطلسي»، وعبرت عن قناعتها بأن الروس قد يلجأون إلى كافة الوسائل لتحقيق غرضهم، ولو كان ذلك على حساب وحدة أراضي أوكرانيا.

* احتجاجات أوكرانيا
* اندلعت المظاهرات في نوفمبر (تشرين الثاني) بدءا من كييف، بعدما رفض الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش اتفاقية تؤمن المزيد من التقارب الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي لصالح التقارب مع روسيا. لكن للأزمة جذورها، فأوكرانيا بلد متعدد الإثنيات والأعراق والأديان واللغات. وهو منقسم بين شرق يتكلم سكانه الروسية ويرون في روسيا بلدهم الأم، ويانوكوفيتش واحد من هؤلاء، وبين غرب يتكلم اللغة الأوكرانية ويدعو إلى الانضمام لأوروبا.
الانقسام إذن سياسي ثقافي اقتصادي ويجد عمقه في أزمة الهوية التي يعيشها البلد الذي نال استقلاله في عام 1991 بعد سقوط الاتحاد السوفياتي السابق.
ماذا لو اجتاحت روسيا أوكرانيا؟
من الصعب التكهن بما ستؤول إليه الأمور.. ولكن الحقائق على الأرض تقول الآتي:
* تَمد روسيا بـ31 في المائة من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز، 27 في المائة من واردات البترول الخام، 24 في المائة من واردات الفحم، و30 في المائة من واردات اليورانيوم. كما أن روسيا ثالث أهم مزود كهرباء للاتحاد الأوروبي.
* لكن هذه المعطيات لا تدل على تبعية اقتصادية أوروبية بحتة، حيث إن الاتحاد الأوروبي ليس فقط أكبر شريك اقتصادي لروسيا، بل يمثل كذلك سوقا استهلاكية لـ88 في المائة من الصادرات الروسية للبترول ولـ70 في المائة من صادراتها الغازية ولـ50 في المائة من صادرات الفحم.
* فضلا عن ذلك فإن صادرات الطاقة للاتحاد الأوروبي تشكل ما يجاوز 40 في المائة من ميزانية روسيا.
* نظرا للترابط الاقتصادي القوي بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، فمن الأرجح أن يعاني كلا الطرفين من خسائر اقتصادية جسيمة في حال ما تهورت روسيا وكثفت من وجودها العسكري في أوكرانيا، أو أسوأ من ذلك، إن قررت اجتياحها.
* لكن روسيا، عكس نظيراتها من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، ستعاني، بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية، من عزلة في المجتمع الدولي، بدأت علاماتها تظهر من خلال تعليق تحضيرات قمة مجموعة الثماني التي كان من المرتقب أن تنعقد بسوتشي في حزيران (يونيو) المقبل.
* وجدير بالذكر أن بورصة موسكو هبطت بما يعادل 10 في المائة خلال أول يوم مداولات بعد تحركاتها العسكرية التي حدثت في الحدود مع أوكرانيا الأسبوع الماضي.
* ستُعد أي محاولة لاجتياح الأراضي الأوكرانية بمثابة اعتداء إمبريالي بحت سيؤدي إلى عزل روسيا من طرف المجتمع الدولي.
* عواقب اجتياح أوكرانيا قد تنعكس سوءا على المصالح الروسية بالداخل كذلك؛ حيث إن انتهاكها لسيادة أوكرانيا الجغرافية قد يشجع أقلياتها العرقية في مناطق مثل سيبيريا الشرقية، الغنية بمواردها المعدنية وأراضيها الزراعية الخصبة، على المطالبة باستقلالها.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.