رياض حجاب يدعو من باريس للفصل بين المسارين الأمني والإنساني في المفاوضات

هولاند عبّر عن دعم فرنسا الكامل للتفاوض على أساس «أجندة دقيقة»

قوات الدفاع المدني في دوما بريف دمشق يبحثون عن ناجين وسط ركام المبنى الذي تعرض لغارة من الطيران أول من أمس (أ.ف.ب)
قوات الدفاع المدني في دوما بريف دمشق يبحثون عن ناجين وسط ركام المبنى الذي تعرض لغارة من الطيران أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

رياض حجاب يدعو من باريس للفصل بين المسارين الأمني والإنساني في المفاوضات

قوات الدفاع المدني في دوما بريف دمشق يبحثون عن ناجين وسط ركام المبنى الذي تعرض لغارة من الطيران أول من أمس (أ.ف.ب)
قوات الدفاع المدني في دوما بريف دمشق يبحثون عن ناجين وسط ركام المبنى الذي تعرض لغارة من الطيران أول من أمس (أ.ف.ب)

اغتنم رياض حجاب المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات مع النظام السوري مناسبة الزيارة التي يقوم بها إلى باريس ولقاءه أمس وزير الخارجية ولوران فابيوس ورئيس الجمهورية فرنسوا هولاند، لشرح موقف المعارضة السورية من الجهود المبذولة لإطلاق جولة جديدة من المفاوضات في جنيف المنتظر أن تنطلق في 25 الشهر الحالي بحسب المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا. وكان الأخير موجودا في باريس أيضًا، حيث التقى الوزير فابيوس بعد الظهر بالتوازي مع المشاورات إلى يجريها حجاب. كذلك اتصل فابيوس بنظيره الأميركي جون كيري لتقويم الموقف والنظر في الظروف التي يمكن أن تنطلق محادثات جنيف في ظلها.
وأصدر قصر الإليزيه بيانا جاء فيه أن الرئيس هولاند شدد خلال لقائه مع حجاب على ضرورة التنفيذ السريع لمضمون القرار الدولي رقم 2254 الداعي إلى قيام مرحلة انتقالية سياسية تقوم على أساس بيان جنيف، مشيرا إلى أن بشار الأسد «لا يمكن أن يلعب أي دور في سوريا الغد».
وأعرب هولاند عن دعم فرنسا «الكامل» لما صدر عن مؤتمر الرياض للمعارضة السورية وعن ارتياحه لاستعدادها للعودة إلى التفاوض في جنيف، ولكن على أساس «أجندة دقيقة»، داعيا في الوقت نفسه لتنفيذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الإنسانية، خصوصا في المناطق المحاصرة، وأولها مضايا، وتوفير الشروط لإعلان وقف لإطلاق النار تتوافر له الصدقية.
كذلك اعتبر هولاند أن تقويم رغبة النظام بالتفاوض ستقاس بمدى التزامه بوقف عمليات القصف العشوائي وسياسة تجويع المدن، الأمر الذي ينتهك بشكل صارخ القانون الدولي.
وقالت مصادر فرنسية دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» عند تقويمها لحصيلة مشاورات أمس إن حجاب الذي جاء إلى باريس بدعوة من وزارة الخارجية «يريد تلافي أن تدفع المعارضة إلى رفض المشاركة في مفاوضات جنيف المرتقبة التي ترغب في السير فيها، ولكن مع توافر حد أدنى من الشروط والظروف التي تسمح بتحقيق شيء ما». وتفيد تصريحات الوزير فابيوس خلال لقائه الصحافة الفرنسية والدولية أمس بمناسبة بدء العام الجديد وكلام حجاب عقب لقائه الرئيس هولاند في قصر الإليزيه، بأن الطرفين متفقان على «الشروط» الواجب توافرها من أجل انطلاقة المفاوضات. فالوزير فابيوس طرح شرطين للمفاوضات التي تمنى أن تحصل «في أقرب وقت». والشرط الأول هو وقف عمليات القصف الجوي وغير الجوي وكل الهجمات، والثاني أن «يتم تحديد جدول أعمال دقيق بشكل كافٍ بحيث لا يترك جانبا الموضوع الرئيسي، وهو من سيتولى الحكم» في سوريا، في إشارة إلى مصير الرئيس السوري بشار الأسد وإلى دوره في المرحلة الانتقالية. ولتوضيح الشرطين، قال فابيوس إن هناك «ضرورة مطلقة أن توقف سوريا (النظام) وروسيا عملياتهما العسكرية ضد المدنيين، وأن يوضع حد لمعاناة مضايا، وكل المدن التي يحاصرها النظام». ووجه الوزير الفرنسي دعوة ملحة لرفع الحصار عن مضايا ولوقف الهجمات التي لا توفر المدنيين محملا النظام مسؤولية ما يجري هناك.
أما في ما خص مصير الرئيس الأسد، وهي المسألة التي لم يتناولها قرار مجلس الأمن الأخير بشكل مباشر، فقد اعتبر فابيوس في حديث جانبي مع عدد من الصحافيين أن بشار الأسد «لا يمكن أن يبقى في السلطة»، مضيفا أن الحكومة الفرنسية ستتشاور مع أعضاء مجلس الأمن الدولي من أجل الضغط على النظام حتى يضع حدا للهجمات العشوائية. وفي كلامه للصحافة، رأى فابيوس أن الصور الآتية من مضايا وكذلك الشهادات «تبين بوضوح أن الأسد لا يمكن أن يكون هو مستقبل سوريا»، داعيا الروس لكي «لا يمدوا يد العون لأعمال من هذا النوع لا يمكن القبول بها».
هذا الموقف الذي وصفه حجاب بأنه «ثابت لم يتغير» يعكس ما تراه المعارضة السورية لجهة المشاركة في المفاوضات ولجهة مصير الأسد، ففي ما خص النقطة الأولى شدد حجاب على أن الهيئة العليا للمفاوضات التي ستكون المرجع لوفد المعارضة المفاوض في جنيف ومعها المعارضة «جادة للذهاب إلى المفاوضات وهي اتخذت (وتتخذ) كل الاستعدادات للدخول فيها». ولكنه استدرك قائلا: «نحن نريد مفاوضات حقيقية تؤدي إلى نتائج وإلى عملية انتقال سياسي في سوريا ولا نريد أن نذهب إلى مفاوضات فاشلة». وبرأيه، فإن هذه المقاربة لكي لا يقال الشروط «تفترض إيجاد بيئة وظروف ملائمة لتنجح، إذ كيف يمكن أن نذهب للتفاوض والشعب السوري يعاني يوميا من القصف ومن مجازر الطيران الروسي والمدافع الإيرانية ومن الميليشيات الطائفية والمرتزقة؟ وكيف نفاوض والشعب السوري يموت جوعا؟».
من هذه الزاوية، دعا حجاب إلى «فصل المسار الإنساني عن الملف السياسي» حتى لا يستخدم الأخير ورقة ابتزاز وضغط على المفاوض باسم المعارضة. أما الشرط الآخر الذي شدد عليه حجاب فهو الحاجة إلى توافر «أجندة دقيقة للتفاوض حتى نعرف على ما نتفاوض». وبنظره، فإن الأساس هو بيان «جنيف1»، وما توافق عليه المجتمع الدولي الذي «أقر بعدم شرعية النظام أو أهليته» ما يفترض «تشكيل هيئة حكم انتقالي تعود إليها كل الصلاحيات التنفيذية للحكومة والرئاسة». وعندما سألته «الشرق الأوسط» عن التضارب في ما تطلبه المعارضة الرافضة لبقاء الأسد في السلطة منذ لحظة تشكيل هيئة الحكم الانتقالي وما تتصوره الإدارة الأميركية لجهة رحيل الأسد في شهر مارس (آذار) من عام 2017، أتى رد حجاب حاسما: «ثمة شيء لا يمكن أن نقبل به على الإطلاق وهو بقاء الأسد (في السلطة). لن يكون هناك دور للأسد على الإطلاق، لا هو ولا رموز نظامه، فبقاؤه يعني مزيدا من التطرف ومزيدا من موجات اللجوء، ويعني أن 12 مليون سوري سيحرمون من العودة إلى سوريا».
من جانب آخر، أصر حجاب الذي رافقه الدكتور منذر ماخوس سفير المعارضة في باريس إلى الاجتماعات مع المسؤولين الفرنسيين، على العمل بمواد القرار الدولي رقم 2254 وخصوصا بفقرتيه الـ12 والـ13 الخاصة بتنفيذ الالتزامات الإنسانية، ومنها إطلاق سراح المعتقلين وخصوصا النساء والأطفال وفك الحصار وإدخال المساعدات وتسهيل عمل المنظمات الإنسانية ووقف القصف الجوي والمدفعي للمناطق الآهلة بالسكان. وتوجه حجاب للمجتمع الدولي والدول الأعضاء في مجلس الأمن وخص منها روسيا بالذكر قائلا: «ماذا فعلتم بالتزاماتكم وبالقرارات التي صدرت عن مجلسكم وكلها تتحدث عن الوضع الإنساني؟». ونبه حجاب إلى أن المسألة السورية لم تعد تعني السوريين وحدهم، بل كل بلدان العالم بسبب الهجرات الجماعية والإرهاب، مشيرا إلى وجود مرتزقة من كثير من البلدان. وفي أي حال، يرى رئيس الوزراء السوري الأسبق أن النظام السوري «لم يعد يمسك بقرار السلم والحرب» لأن 90 في المائة من القوى التي تقاتل في صفه هي من الروس والإيرانيين والميليشيات والمرتزقة، بينما قوة النظام النارية الذاتية لا تصل إلى 10 في المائة، كذلك فإن النظام لا يسيطر على أكثر من 8 في المائة من الموارد الطبيعية لسوريا و20 في المائة من المعابر مع الجوار. وخلاصته أن «قوى أخرى» تسيطر على سوريا «بفعل هذا النظام».
وجاءت زيارة حجاب إلى سوريا في إطار جولة تشاور قبل انطلاق مفاوضات جنيف. وسيلتقي حجاب في الأيام القادمة وزير خارجية ألمانيا فرانك فولتر شتاينماير ومسؤولة الشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي فدريكا موغيريني ومسؤولين إماراتيين. وسيكون الملف السوري موضع تشاور بين الوزير فابيوس وكبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية، وذلك بمناسبة الزيارة الرسمية التي سيقوم بها إلى الرياض يوم الثلاثاء القادم، وكذلك في المحادثات المرتقبة مع رئيس الجمهورية الإيراني حسن روحاني الذي سيصل إلى العاصمة الفرنسية أواخر الشهر الحالي.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.