الثورات العربية تطغى على عروض «المهرجان الأول للمسرح الشبابي»

تتنافس فيه 19 فرقة مسرحية من 13 دولة عربية و5 دول أوروبية

مشهد من المسرحية السعودية «ولم يك شيئا»  -  شعار المهرجان
مشهد من المسرحية السعودية «ولم يك شيئا» - شعار المهرجان
TT

الثورات العربية تطغى على عروض «المهرجان الأول للمسرح الشبابي»

مشهد من المسرحية السعودية «ولم يك شيئا»  -  شعار المهرجان
مشهد من المسرحية السعودية «ولم يك شيئا» - شعار المهرجان

تتنافس 19 فرقة مسرحية من 13 دولة عربية و5 دول أوروبية، على جوائز «مهرجان شرم الشيخ الدولي الأول للمسرح الشبابي»، الذي يختتم في 15 يناير (كانون الثاني) الحالي، والذي أعاد الوهج إلى المدينة التي استقبلت وفود الفرق المشاركة من ألمانيا وإيطاليا وصربيا وفرنسا، وكذلك روسيا، التي أجلت رعاياها من مصر نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في أعقاب حادث سقوط طائرة تقل مواطنيها.
وطغت على العروض قضايا الإرهاب والسلام، وثورات الربيع العربي، والفساد والإدمان والظلم والقمع، فيما تقدم بعض العروض الأوروبية نصوصا من الأدب العالمي.
وكان حفل الافتتاح قد شهد تكريم كل من الفنانين: أحمد ماهر، وسهير المرشدي، ومحمود الحديني، وسميحة أيوب، والكاتبة فاطمة ناعوت، ومن الأردن عبير عيسى، وعلي العريان، وندى أبو فرحات؛ بإهدائهم درع المهرجان، كما كرم المهرجان الفنان أشرف عبد الباقي لجهوده في إحياء فن المسرح.
وقد افتتح الكاتب الصحافي حلمي النمنم وزير الثقافة، واللواء خالد فودة محافظ جنوب سيناء، فعاليات الدورة الأولى من مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي «دورة الراحل هاني مطاوع»، بحضور الفنانة سميحة أيوب، رئيس شرف المهرجان، ومازن الغرباوي رئيس المهرجان، والفنانة وفاء الحكيم مدير المهرجان، وعدد كبير من الفنانين المصريين والعرب والأجانب وقيادات وزارة الثقافة.
وقال وزير الثقافة المصري إن «المهرجان يعكس روح وإبداع الشباب، ويقدم رسالة للعالم مفادها أن شرم الشيخ مدينة سلام، وأنه سيكون لكل مدينة مصرية مهرجان»، مشيرا إلى سلسلة من الفعاليات الثقافية في مختلف أنحاء مصر طوال العام الحالي.
وذكر مازن الغرباوي، رئيس المهرجان، أن إدارة المهرجان عكفت طوال عام كامل من أجل التحضير والتجهيز، ليرى هذا المهرجان الدولي النور بصبغته الشبابية، ولنوجه من خلاله رسالة سلام إلى العالم من مدينة شرم الشيخ. أما سميحة أيوب فقالت إن «المهرجان فرصة لتجمع شباب المسرح من الدول العربية والأجنبية لتبادل الخبرات والثقافات، كما أنه فرصة لهم كي يدحروا البلطجة الفنية، والمسرح الشبابي يعني قطار المواهب المبدعة ورعايتها وإعطاءها الفرصة لكي تعبّر عما في داخلها من إبداعات وطموحات وأحلام.. أحبوا المسرح.. فهو لنا البيت والأهل والوطن، إنه حلم ورسالة، رفعته أجيال على أكتافها، ليؤدي دوره في السلام الاجتماعي والتواصل الإنساني والحوار البناء ورقي الوجدان ورفع آلامه».
وتضم لجنة تحكيم المهرجان تسعة أعضاء، من مصر: الفنان أحمد عبد العزيز رئيسا، والمنتج والمخرج أحمد أنور، والكاتب وليد يوسف، والدكتور أيمن الشيوي «مقررًا»، ومن الكويت: فهد السليم، والدكتور عبد الله العابر، ومن إنجلترا: فابيو أبراهام، ومن المغرب: الدكتور عبد المجيد شاكر، ومن إيطاليا: الممثلة دانييلا جيوري دانو. أما اللجنة العليا للمهرجان فتتكون من المخرج مازن الغرباوي رئيسا، والدكتورة إنجي البستاوي، والفنانة وفاء الحكيم، والفنان علي العليان «الأردن»، وباسكال «فرنسا»، والدكتور فهد الهاجري «الكويت»، ومايكل جوريفوري «روسيا»، ونمر سالمون «إسبانيا».
يعرض المهرجان مشاركات لفرق من روسيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وفنزويلا وصربيا والسعودية والكويت والإمارات والجزائر والعراق والمغرب وليبيا والبحرين، وتم إنتاج ثلاثة أفلام؛ الأول عن الفنانة سميحة أيوب، والثاني عن هاني مطاوع، والثالث عن المهرجان بالكامل. وستقام 3 ورش عمل خلال المهرجان وهي: ورشة «الممثل الشامل» لمايكل جوريفوري من روسيا، وورشة «محاكاة الذات» للدكتور أمير هشام حداد من العراق، وورشة «الفعل الجسدي عند الممثل» لنايف البقمي من السعودية.
وشاركت السعودية بعرض متميز «ولم يكُ شيئًا» للمخرج فهد الأسمر، على مسرح فندق «الجافي» بشرم الشيخ. بطولة 9 شباب وهم: بندر الواصلي، ووائل الحربي، وعبد الإله مهني، وفهد الطوري، ومنير السهلي، وعادل بخش، ومازن المطيري، وعمر العلياني، وسينوغرافيا: زكريا المومني، ومن تأليف إبراهيم الحارثي. تتناول المسرحية غواية الشيطان الذي يقوم بهدم كل ما بنته الإنسانية في لحظة واحدة، خصوصًا بعد ثورات الربيع العربي، في إشارة إلى رفض الاستبداد والقهر والقمع في زمن صار الشيطان فيه مصدرًا للقوة ورحمة للبشرية أكثر من بعض الأنظمة التي تمارس فعل الإبادة ضد مجتمعاتها.
يقول الكاتب المسرحي السعودي إبراهيم الحارثي: «تأتي مشاركتنا لتفعيل دور المسرح السعودي ومشاركاته الخارجية، في محاولة لتعزيز مسرحنا بعد أن قلت مهرجاناتنا الداخلية، لا سيما أن جيل الشباب لدينا واعد وله مشاركات قوية وناجحة». كما تشارك السعودية بعرض آخر لفرقة «مسرح الطائف» بعنوان: «بعيدا عن السيطرة».
بينما شارك الأردن بمسرحية «حرير آدم» من تأليف الكاتبة أروى أبو طير، ومن إخراج إياد الشطناوي، وهي عبارة عن حوار بين أربع نساء يروين حكايتهن مع الظلم والاغتصاب والتشرد، في إسقاط على قضايا المرأة العربية بشكل عام، لافتا إلى مشكلات المجتمعات العربية الذكورية والقهر والظلم الذي تتعرض له المرأة في العمل وفي المنزل وبين عائلتها.
وشاركت دولة الإمارات بعرض «اللعبة» للمؤلف سعيد الزعابي، وإخراج أحمد الشامسي، وبطولة سعيد الزعابي في دور «الكينج»، وياسر النيادي في دور «الرجل»، وإبراهيم إستادي في دور «الشاب»، وعبد الله النهيري «الندل»، وروية العبيدي «الفتاة». وتدور أحداث المسرحية حول شاب فقير يبحث عن عمل ويحب فتاة ولا يستطيع الزواج بها، بسبب ظروفه القاهرة، ثم يجد وظيفة في شركة وهمية لبيع الأدوية، ويقوم المدير بإدخاله في متاهات إدمان لا يستطيع الخروج منها.
كما شاركت سلطنة عمان بعرض «كوميديا الأيام السبعة» لفرقة «الرستاق» المسرحية، وهي من تأليف علي عبد النبي الزيدي، وتمثيل حاتم الحراصي، وعلي زاهر السلامي، وعلي المعمري، وبإدارة يوسف الصالحي، وإخراج خالد الضوياني.



عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف
TT

عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف

كنت أتهيأ للكتابة حين باغتتني رغبة في تصفح محتوى صفحة «الثقافة» في جريدة أجنبية. فوقع بصري، لحظة انبساط محتواها أمامي، على عنوان مُرَكبٍ من جزأين؛ الجزء الأول «مُلائِمَةٌ للقراءةِ في ليالي الشتاء»، وعرفت من الجزء الثاني أن الملائِمَةَ للقراءة هي عدد من روايات الجريمة يقترح مُعِدُّوها الاستمتاع بقراءتها في عطلة «الكريسماس». تلك قائمة لا أتوقع أن تقترحها الصحافة الثقافية العربية. «يا للمصادفة الغريبة» قلت في داخلي، فالمقالة التي كنت أنوي كتابتها تتمحور حول رواية الجريمة، أو الرواية البوليسية؛ لا أُفرقُ هنا بين النوعين. وكان للمصادفة امتداد آخر، إذ فرغت، وقبل قراءة تلك القائمة، من قراءة روايتين، هما روايتا جريمة «فسوق» لعبده خال، و«اللص والكلاب» للروائي العربي الكبير نجيب محفوظ.

عبده خال

ثنائية الركض والزحف

ركضت عبر «فسوق» عبده خال لأنها كانت القراءة الثانية، أو الثالثة؛ ووجدت في تعليقاتي وشخبطاتي في هوامش صفحاتها ما يغني عن قراءتها زاحفاً. أما أثناء قراءة رواية محفوظ، وكانت القراءة الثانية، كنت القارئ المتأني والبطيء لأنني لم أستطع مقاومة الرغبة في تفحص التقنية السردية فيها، ورصد لعبة الضمائر التي لا بد أن محفوظ استمتع بها أثناء الكتابة، واستمتع باستباق تلاعبه بالقارئ المحتمل بانتقاله من ضمير إلى آخر على نحو قد يجعل القراءة بطيئةً، أومُشوِشَّةً لبعض القراء.

يبدأ الفصل الأول بصوت السارد العليم - المحدود - بضمير الغائب: «مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية، ولكن الجو غبار خانق وحر لا يُطاق. وفي انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط، وسواهما لم يجد في انتظاره أحداً» (5). وابتداءً من الكلمتين الأخيرتين من السطر الثامن، يتحول ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب المثنى، إلى صوت سعيد مهران مُخاطباً زوجتة سابقاً وزوجها الغائبين: «نبوية عليش، كيف انقلب الاسمان اسماً واحداً؟ أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب، وقديماً ظننتما أن باب السجن لن ينفتح، ولعلكما تترقبان في حذر» (5)، ثم إلى ضمير المتكلم «ولن أقع في الفخ، ولكني سأنقض في الوقت المناسب كالقدر» (5). وقبل نهاية الصفحة بسطرين، يتحول الخطاب إلى مونولوغ داخلي بضمير المُخاطب المفرد: «استعِن بكل ما أوتيت من دهاء، ولتكن ضربتك قوية كصبرك الطويل وراء الجدران» (5). وفي مكان آخر فيما بعد، يلتقي ضميرا المتكلم والمخاطب الجمع معاً في كلام سعيد مهران، وهو يتحدث إلى مستشارين متخيلين في محاكمة متخيلة: «لست كغيري ممن وقفوا قبلي في هذا القفص، إذ يجب أن يكون للثقافة عندكم اعتبار خاص، والواقع أنه لا فرق بيني وبينكم إلا أني داخل القفص وأنتم خارجه...» (100). من المستبعد ألا يتذكر البعض همبرت همبرت في رواية فلاديمير نابوكوف «لوليتا» وهو يخاطب المحلفين أثناء محاكمته. اللافت في الأمر أن سعيد وهمبرت «بطلان» مضادان «antiheroes»، ومُبَئِران، وساردان إشكاليان غير موثوقين في روايتي جريمة؛ سعيد مهران لص وقاتل، وهمبرت همبرت «بيدوفايل/pedophile/ المنجذب جنسياً للأطفال» وقاتل. مأزق أخلاقي يجد القارئ نفسه مُسْتَدْرَجاً إلى التورط فيه في حال تماهيه مع الشخصية جراء تقلص أو تلاشي المسافة الجمالية بينه وبينها.

البداية المُزاحة بالاستطراد

هنا البداية الأولى، الأصلية، للمقالة، وقد أزاحها إلى هذا المكان الاستطراد السابق، ولا أخفي أنني مِلْتُ إلى الاسترسال فيه. البداية الأصلية: الروائي والأكاديمي موكوما وانغوغي ودعوته في «نهضة الرواية الأفريقية» إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للقص الشعبي ومنه الرواية البوليسية؛ «جائزة القلم الذهبي» بكونها، في الأساس، مشروعاً يرفع القص الشعبي العربي من الهامش ويُنزله في المركز وبؤرة الاهتمام في المشهد الأدبي؛ ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عن الرواية البوليسية في العالم وخُلُوِّه من أي ذكر لرواية بوليسية عربية واحدة، ثلاثة عوامل شكلت دافعاً على الكتابة عن الرواية البوليسية، وعن عبده خال، الذي أراه مشروع كاتب رواية بوليسية يعيش في كمون، أو لأقل، في حالة «توقف نمو» (ARRESTED DEVELOPMENT)، بغض النظر عمّا إذا كان يرى نفسه كذلك أم لا. الأمر مجرد رأي شخصي.

وانغوغي... الانحياز إلى الرواية البوليسية

بالإضافة إلى مناداته باعتبار الكتابات المبكرة - ما قبل جيل ماكيريري - جزءاً لا يتجزأ من «الخيال الأدبي والنقدي الأفريقي» (نهضة الرواية الأفريقية، 34)؛ دعا وانغوغي إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للأدب المكتوب باللغات المحلية وللأدب الشعبي، مؤكداً على الرواية البوليسية بالذات، واصفاً مجيء أدباء ماكيريري بأنه مثل «تسونامي أدبي» طمر الكتابات المبكرة «تحت سيل من الروايات الواقعية» التي كتبوها بالإنجليزية. وكانت قوة وزخم حركتهم السبب في إخفاق النقد الأدبي في استرداد الحقبة الأدبية المبكرة. لقد أرسى أولئك الأدباء تسلسلاً هرمياً «يعلي شأن كل ما هو أدبي على الفنون الشعبية» (253)، بينما الفجوة بين الأدبي والشعبي، في رأيه، مجرد تباينات سطحية، لا تعني له ولجيله شيئاً ذا بال، فهم يقرأون «الأدب جنباً إلى جنب الأدب الشعبي» أو يقرأون «ما هو أدبي مع ما هو شعبي في آن معاً» (255). ويرى أن النقد الأدبي الأفريقي الملتزم بالخط الفكري الممتد من تشينوا أتشيبي إلى تشيماماندا أديتشي كاذب ومزيف، وأنه ومجايليه يتطلعون إلى نقدٍ أدبي يتيح لهم قراءة الأعمال الأدبية لشكسبير وأتشيبي ونغوغي وا ثيونغو، على سبيل المثال، إلى جانب الروايات الشعبية والبوليسية.

الرواية الشعبية من الهامش إلى المركز

لا اسم في الذاكرة الأدبية العربية لناقد أو روائي أو أكاديمي عربي دعا، مثل وانغوغي، إلى الالتفات نقداً أو بحثاً إلى الرواية الشعبية العربية، فالمشهد العربي عموماً يشيح باهتمامه واعترافه بها عنها، وإن ينظر إليها فبنظرة دونية، باعتبارها أدباً من الدرجة الثانية، أو ليست من الأدب على الإطلاق. وكان الوضع سيستمر لو لم يطرح المستشار تركي آل الشيخ مشروع «جائزة القلم الذهبي»، لينقلها من الهامش إلى المركز، مثيراً بذلك موجات من التصفيق والترحيب، مقابل «حلطماتِ» وهمهماتِ رفضٍ لم يجرؤ على رفع صوته في وجه المشروع. الوضع سيكون مختلفاً تماماً لو لم يكن «الرسمي» مصدرَ القرار والتنفيذ لمشروع «القلم الذهبي».

في مقالته الموسومة بـ«جائزة القلم الذهبي وصناعة مشهد مختلف» المنشورة في مجلة «القافلة» (نوفمبر/ديسمبر 2024)، يكتب الأستاذ الدكتور حسن النعمي أن «جائزة القلم الذهبي»، «فريدة من نوعها في بناء جسور التلاقي بين الرواية والسينما» (31). ما أراه هو أن فرادة وتميز الجائزة ينبعان أساساً من التفاتها إلى المهمش، أو حتى غير المعترف به؛ القص الشعبي بطيف أنواعه. القص الشعبي هو الأساس والقواعد التي تبني عليها الجائزة «جسور التلاقي بين الرواية والسينما»، وما الرواية الأدبية «الواقعية» سوى مضاف إلى الجائزة على نحو استدراكي وعرضي.

وأتفق مع الدكتور النعمي في أن الجائزة ستصنع مشهداً مختلفاً، بيد أنه اختلاف من المحتمل أن يدفع، وعلى نحو لافت، بالقص الشعبي عموماً، والرواية البوليسية خاصة، إلى الواجهة، ما قد يؤدي إلى دخولها في مجال رادارت الصحافة والنقد. فتخرج الرواية البوليسية العربية من جب غيابها الملحوظ الذي ناقشته الصحافة العربية، وكُتِبَ عن أسبابه مراراً وتكراراً، قبل أن يتأكد - غيابها - عالمياً، أيضاً، من خلال ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية (جولة حول العالم عبر 80 رواية بوليسية). وكان عبده وازن (إندبندنت عربية) وباقر صاحب (جريدة «الصباح»)، ممن كتبوا عن هذا الغياب الذي وصفه وازن بالفادح.

غياب الرواية البوليسية في «المجلة العربية»

لم تسعفني ذاكرتي إلا برواية محلية واحدة (فسوق) عبده خال وأنا أفكر فيما أشارك به في ملف «المجلة العربية» عن غياب الرواية البوليسية العربية (نُشر الملف في 1/4/2011). «فسوق» رواية بوليسية بامتياز حتى وإن لم يصرح مؤلفها بأنها كذلك، لاحتوائها على عناصر الرواية البوليسية الثلاثة: الجريمة، نبش قبر جليلة محسن الوهيب وسرقة جثتها ومضاجعتها؛ «المجرم/السارق، داود الناعم/شفيق الميت»؛ التحقيق والقبض على المجرم. أو وفقاً لتنظير تزفيتان تودوروف في «تصنيف القص البوليسي»، يتألف المتن الحكائي في «فسوق»، كما في أي رواية بوليسية، من القصة الأولى، وهي سرقة جثة جليلة، والقصة الثانية، قصة التحقيق المنتهية بالتعرف على من سرق الجثة ليمارس معها «النكروفيليا». القصة الأولى، كما يُنَظِّر تودوروف، تحكي ما يحدث بالفعل، بينما تشرح الثانية، قصة التحقيق، «كيف عرف القارئ أو السارد» عنها. بالتحديد تنتمي «فسوق» إلى النوع المعروف باسم «police procedural»، القص البوليسي الذي تأخذ فيه إجراءات وأساليب عمل الشرطة موقعاً مركزياً في البنية والثيمات والحدث كما يوضح جون سكاغز في كتابه «قص الجريمة».

لم يخطر ببال عبده خال أنه سيصبح ذات يوم عضواً في لجنة تحكيمٍ روايات جريمة/بوليسية جزءٌ من مهمتها. ربما يحفزه هذا على السماح لكاتب «فسوق» في داخله بالنمو والتطور، ليكتب روايات بوليسية أخرى.

* ناقد وكاتب سعودي