قراءة في الدستور الإيراني الحلقة (3 - 3) : القوات المسلّحة ذراع النظام القمعية.. وضع خاص وميزانية ضخمة

مبدأ «تصدير الثورة» رخصة سياسية ألبسها المشرّع ثوبًا دينيًا تسمح للنظام بالعمل على هزّ استقرار دول مناوئة

الشاه الإيراني الراحل رضا بهلوي يستعرض حرس الشرف ({غيتي})
الشاه الإيراني الراحل رضا بهلوي يستعرض حرس الشرف ({غيتي})
TT

قراءة في الدستور الإيراني الحلقة (3 - 3) : القوات المسلّحة ذراع النظام القمعية.. وضع خاص وميزانية ضخمة

الشاه الإيراني الراحل رضا بهلوي يستعرض حرس الشرف ({غيتي})
الشاه الإيراني الراحل رضا بهلوي يستعرض حرس الشرف ({غيتي})

عمل المشرع الإيراني على الاهتمام بالقوات المسلحة، على أنْ تبقى قوات حرس الثورة التي تأسست في الأيام الأولى من قيام النظام، راسخةً ثابتةً من أجل أداء دورها في حراسة الثورة ومكاسبها. كما قام الدستور الإيراني في مقدمته، بتحديد الطبيعة العقائدية لتكوين الجيش الإيراني ومهام الحرس الثوري، معتبرًا أن القوات المسلّحة لا تلتزم بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضًا أعباء رسالتها التي حددها المشرع وهي بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم.
وتُعتبر المؤسسات الثورية مثل الحرس الثوري والباسيج وأنصار حزب الله، أعمدة النظام وذراعه «القمعية» لتنفيذ المهام التي تتطلب درجةً عالية من الالتزام الآيديولوجي، في داخل إيران وخارجها. وقد تورّط الحرس الثوري، الذراع العسكرية للمرشد الأعلى وأداته في تنفيذ السياسة الخارجية المرتبطة بالأمن القومي للجمهورية - وخصوصا فيلق القدس الذي يرأسه الجنرال قاسم سليماني، وبذريعة مناصرة المستضعفين أو تحطيم عروش الطواغيت أو تحرير الأراضي المحتلة - في عدة معارك دموية خارج الحدود الإيرانية، في العراق ولبنان وسوريا واليمن والبوسنة والهرسك.. وقد انتقل حقّ التجنيد الإلزامي - بموافقةٍ من الخميني - من الجيش النظامي إلى الحرس الثوري الذي يمتلك قواتٍ بحرية وبرية وجوّية خاصة به، وترسانةً عسكرية مؤلّفة من الصواريخ والدبابات والطائرات المقاتلة والغواصات، وميزانيةً ماليةً ضخمة، وعددًا من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التي وسّعت قاعدة المستفيدين منه والمتعاونين معه. وقد قامت الولايات المتحدة بتصنيفه كمنظمةٍ إرهابية.

يقول الخميني: «كل ما نفتقده هو عصا موسى وسيف علي بن أبي طالب، وعزيمتهما الجبّارة. وإذا عزمنا على إقامة حكم إسلامي، سنحصل على عصا موسى وسيف علي بن أبي طالب أيضًا»(7).
كانت إيران في النصف الثاني من القرن العشرين، تصنّف على أنها سادس قوة عسكرية على مستوى العالم، بفضل دعم الولايات المتحدة التي كانت ترغب في تحجيم النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط، وكان الجيش الإيراني (شرطي الخليج) مرتبطًا أو مُلحقًا بالجيش الأميركي (المعسكر الغربي) على مستوى التدريب والتسليح والارتباط الفكري. بعد نجاح الثورة، كان قادة الثورة يشكّكون في ولاء الجيش النظامي لمفاهيم ومبادئ الثورة، ويخشون من حدوث الانقلابات العسكرية، لذلك قاموا بتصفية عددٍ كبير من القيادات العسكرية، وعملوا على تغيير طبيعة تكوين الجيش من الناحية العقائدية، من خلال غرس قيم النظام الجديد في نفوس وعقول عناصره وقياداته، وكذلك قاموا بخلق جهازٍ عسكري موازٍ للجيش ومنافسٍ له، ويدين بالولاء الكامل والطاعة المطلقة لآيديولوجيا الثورة وشعاراتها وتوجيهات قادتها، هو «الحرس الثوري»، الذي انبثق من «اللجان الثورية»، التي قامت منذ الأيام الأولى للثورة - بتشجيعٍ من الخميني - بجمع السلاح من ثكنات الجيش والشرطة، لاستخدامها في خدمة أهداف الثورة في مراحل تالية. وكان من أبرز مهام قوات الحرس الثوري والباسيج (قوات التعبئة الشعبية) التي تتبع مجلس قيادة الثورة: حفظ الأمن الداخلي، وتثبيت الثورة ضد أعدائها الداخليين، وحماية منجزاتها عبر التعبئة الفكرية وتجنيد مختلف شرائح المجتمع الإيراني لدعمها، والتخلص من معارضي النظام، وحماية النقاء الآيديولوجي للثورة، والدفاع عن خطّ الإمام في داخل إيران وخارجها، والدفاع عن المستضعفين والبائسين في الأرض، عبر تصدير مفاهيم الثورة إلى دول أخرى.
وقد نصّت المادة (150) من الدستور الإيراني على أنْ «تبقى قوات حرس الثورة الإسلامية التي تأسست في الأيام الأولى لانتصار هذه الثورة، راسخةً ثابتةً من أجل أداء دورها في حراسة الثورة ومكاسبها». من جهة أخرى، فقد قام الدستور الإيراني في مقدمته، بتحديد الطبيعة العقائدية لتكوين الجيش الإيراني ومهام الحرس الثوري، معتبرًا أنه «في مجال بناء وتجهيز القوات المسلّحة للبلاد، يتركّز الاهتمام على جعل الإيمان والعقيدة أساسًا لذلك.. ولا تلتزم القوات المسلّحة بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضًا أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والجهاد من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم [وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم].
وينصّ الدستور في المادة (144) على أنه «يجب أن يكون جيش جمهورية إيران الإسلامية، جيشًا إسلاميًا، من خلال كونه جيشًا عقائديًا وشعبيًا، وأن يضم أفرادًا لائقين مؤمنين بأهداف الثورة الإسلامية، ومضحّين بأنفسهم من أجل تحقيقها».
وتُعتبر المؤسسات الثورية مثل الحرس الثوري والباسيج وأنصار حزب الله، أعمدة النظام وذراعه «القمعية» لتنفيذ المهام التي تتطلب درجةً عالية من الالتزام الآيديولوجي، في داخل إيران وخارجها. وقد تورّط الحرس الثوري الذراع العسكرية للمرشد الأعلى، وأداته في تنفيذ السياسة الخارجية المرتبطة بالأمن القومي للجمهورية - وخصوصا فيلق القدس الذي يرأسه الجنرال قاسم سليماني، وبذريعة مناصرة المستضعفين أو تحطيم عروش الطواغيت أو تحرير الأراضي المحتلة من إسرائيل - في عدة معارك دموية خارج الحدود الإيرانية، في العراق ولبنان وسوريا واليمن والبوسنة والهرسك.. وقد انتقل حقّ التجنيد الإلزامي - بموافقةٍ من الخميني - من الجيش النظامي إلى الحرس الثوري الذي يمتلك قواتٍ بحرية وبرية وجوّية خاصة به، وترسانةً عسكرية مؤلّفة من الصواريخ والدبابات والطائرات المقاتلة والغواصات، وميزانيةً ماليةً ضخمة، وعددًا من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التي وسّعت قاعدة المستفيدين منه والمتعاونين معه. وقد قامت الولايات المتحدة الأميركية بتصنيفه كمنظمةٍ إرهابية. والقائد الحالي للحرس الثوري هو الفريق محمد جعفري، الذي خلف الفريق يحيى رحيم صفوي.
والحقيقة، إنّ بقاء واستمرار الحرس الثوري الذي يضمّ أبناء الثورة الأوفياء، ولا سيما على مستوى القيادة، والذي كان من أبرز أهداف إنشائه، تثبيت الثورة ضد أعدائها في داخل إيران، يطرحان أكثر من علامة استفهام حول ما إذا كان دوره الحقيقي هو ضمان استمرار دور متمايز للفقهاء وآيات الله في السلطة، وكذلك حول حقيقة عبور إيران، بعد مرور 36 سنة على نجاح الثورة، من مرحلة الثورة الانتقالية والمؤقتّة، إلى مرحلة الدولة الثابتة والمستقرّة التي يُفترض أن القائمين عليها، قد أنجزوا كل الأهداف التي وضعوها قبيل وبعد اندلاع الثورة، ما يعني أن الثورة لم تعُد بحاجة لا إلى حراسة ولا إلى حرّاس. ذلك أنّ الأصل في المجتمع هو الاستقرار، وليس الثورة التي هي حالة سريعة وعنيفة وانتقالٌ راديكالي من وضعٍ يفتقر إلى الشرعية الشعبية، إلى وضعٍ آخر ينال موافقة ورضا وقبول القاعدة الشعبية. ولا يمكن أن نتصور مجتمعًا ما، يعيش في حالة دائمة من الثورة.
في إيران الدولة والثورة وجهان لعملة واحدة!
و - نُصرة المستضعفين في الدستور الإيراني
لقد ظلّت إيران، على مستوى الخطاب السياسي، تعلن عن نفسها باعتبارها حامية المستضعفين ضد قوى الاستكبار العالمي (الولايات المتحدة وإسرائيل وسياساتهما في المنطقة). وكان من أبرز مبادئ الثورة الإسلامية، على مستوى السياسة الخارجية، نُصرة الشعوب المستضعفة والمغلوبة على أمرها، وكانت النتيجة المنطقية والعملية لهذا المبدأ، ما عُرف بمبدأ «تصدير الثورة». فقد كان لدى الإمام الخميني، إحساس غريب بأنه السلطان الأوحد، والزعيم الأول، وروح الله، والسيد المصلح، والمفوّض من الإمام الغائب، والمنقذ الذي يملك صفات المعصوم، والولي المعيّن من الله لتجديد الإسلام وإحياء الشريعة ومناصرة المستضعفين في العالم، والذي يجب أن يخضع لحاكميته مسلمو العالم. ولذلك فقد شعر بواجبه المتخيّل في قيادة الشعوب الإسلامية في الشرق والغرب، على اعتبار أن ثورته في إيران، لم تكن محلية، بل هي تتخطى الحدود الإيرانية، بحيث يجب أن تصل إلى كل بقاع الأرض. وطالما أن دولة الإمام المعصوم عالمية واحدةً لا تعدّد فيها، فكذلك يجب أن تكون دولة نائبه، ومن هنا ضرورة أن تتحدّ الأمة الإسلامية كلها، تحت مظلّة الجمهورية الإيرانية، وبقيادة المرشد الأعلى لثورتها. وإذا عرفنا أنّ الخميني كاد أن يدّعي «العصمة» صراحةً، إضافة إلى كل تلك الصفات المتوّهمة والمنتحلة، وجب علينا أن نفهم أنه رفع مرتبته بالفعل، فوق مرتبة الأنبياء.
وانطلاقًا من الآية القرآنية «إن هذه أمتكم أمةٌ واحدة وأنا ربكم فاعبدون»، فقد اعتبر الدستور الإيراني، أن المسلمين أمةٌ واحدة، وأن على الحكومة الإسلامية أن تقيم كل سياستها العامة على أساس تضامن الشعوب الإسلامية، وأن تواصل سعيها من أجل تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية في العالم الإسلامي (المادة 11).
وقد ورد في مقدمة الدستور: «لقد أتمّ مجلس الخبراء المؤلّف من ممثلي الشعب، تدوين هذا الدستور.. في مستهلّ القرن الخامس عشر لهجرة الرسول الأكرم.. على أمل أن يكون هذا القرن قرن تحقّق الحكومة العالمية للمستضعفين، وهزيمة المستكبرين كافة». ويشير المشرّع إلى أن الغرض من إقامة الحكومة الإسلامية، هو إعداد الظروف اللازمة كي «تتحقق حكومة المستضعفين في الأرض [ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين].
أما المادة الثالثة فتنصّ على أن تنظيم السياسة الخارجية للبلاد، يقوم على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين، والحماية الكاملة لمستضعفي الأرض. وتشير المادة (154) إلى أن جمهورية إيران الإسلامية تعتبر «سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله، قضيةً مقدسة لها، وتعتبر الاستقلال والحرية وإقامة حكومة الحق والعدل، حقًَا لجميع الناس في أرجاء العالم كافة، وعليه فإن جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أي نقطةٍ من العالم. وفي الوقت نفسه، لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى».
والحقيقة أن الواقع السياسي المأزوم في العالم العربي، يشهد أولاً، بأن إيران الثورة الخمينية التي تمتلك ثرواتٍ نفطية وغازية هائلة، لم تعجز فقط عن تحقيق السعادة والعدل والرفاهية والمساواة لشعبها، وعن المساهمة في بناء وتمتين وحدة الأمة الإسلامية، بل هي على العكس، قد أصبحت بسبب أطماعها، أداةً أساسية من أدوات هدم وتحطيم وتفتيت هذه الأمة، ويكشف ثانيًا أن مبدأ «نصرة المستضعفين» كان مجرد ذريعة لتدخلها العسكري والعقائدي السافر في شؤون الكثير من الدول المجاورة لها، التي باتت مقتنعةً بأن النظام الإيراني هو نظام توسّعي ومعتدٍ ويشكل خطرًا وتهديدًا لأمنها. ويؤكد ثالثًا أنّ مبدأ «تصدير الثورة» إلى كل بقاع الأرض، ليس أكثر من رخصةٍ سياسية ألبسها المشرّع الإيراني ثوبًا دينيًا وإنسانيًا ودستوريًا، تسمح للنظام بالعمل على هزّ استقرار بعض الدول المناوئة له، وإسقاط أنظمتها، عبر التحريض المذهبي وإشعال نار العصبيات والفتن الطائفية بين مكوّنات الشعب الواحد. ولذلك يمكن القول، إنّ السياسات المتبعة من قبل النظام الإيراني، باتت تؤهلّه في نظر كثيرين، للانضمام إلى نادي المستكبرين الذين يدّعي محاربتهم!
وأكثر من هذا، فقد أكد الدستور الإيراني في المادة التاسعة، أن «الحرية والاستقلال ووحدة أراضي البلاد وسلامتها، هي أمور غير قابلة للتجزئة، وأنه لا يحقّ لأي فرد أو مجموعة أو أي مسؤول، أن يلحق أدنى ضرر بالاستقلال السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي أو العسكري لإيران، كما أنه لا يحقّ لأي مسؤولٍ أن يسلب الحريات المشروعة بذريعة المحافظة على الاستقلال ووحدة البلاد، ولو كان ذلك عن طريق وضع القوانين والقرارات».
والغريب أن هذا النظام الذي يشدد في دستوره على مسألة استقلال بلاده، وسيادة أراضيه ووحدتها، ويعتبرها خطًّا أحمر يمنع تجاوزه، حتى على مستوى وضع القوانين، والذي يحظر «عقد أي معاهدة تؤدّي إلى السيطرة الأجنبية على الثقافة والجيش وشؤون البلاد» (المادة 153) قد سمح لنفسه باختراق سيادة الدول الأخرى، وشرّع لنفسه الحقّ في انتهاك استقلالها، والتدخل في شؤونها الداخلية، وتهديد أمنها، وزرع بذور الشقاق بين مواطنيها، وتمويل وتسليح وتدريب جماعاتٍ وأحزاب طائفية وميليشياتٍ مذهبية، كي يضمن ولاءها التام وتبعية أفرادها الثقافي والفكري والفقهي للجمهورية الإيرانية، وتبنّيهم الكامل لمشروعها السياسي وآيديولوجيتها الدينية، حتى ولو أدّى ذلك إلى عزلتهم عن بيئاتهم وتخريب الدول الموجودين فيها. ولذلك، يمكن القول إن الاستعمار الذي يدينه المشرّع الإيراني في الدستور، لا يعني فقط الغزو العسكري أو إقامة قواعد عسكرية أجنبية (المادة 146)، بل يعني أيضًا الغزو الفكري والآيديولوجي والاستباحة الثقافية والاستتباع المالي والاقتصادي وتقديم الخدمات والمساعدات المتنوّعة لبعض الجماعات الطائفية الموالية، خارج إطار سلطة ورقابة الدول التي يعيشون فيها، ودائمًا بذريعة نصرة المستضعفين والمضطهدين في العالم الإسلامي.
ز - الصبغةُ المذهبية للدستور الإيراني
يُشترط في أي دستور، أن تتمّ صياغته على أسس إنسانية ووطنية جامعة بعيدةٍ عن روح العنصرية والعرقية والمذهبية التي تفرق ولا توحد، وتولد الشعور بالقهر والظلم والإقصاء، ولا تعزز الوحدة الداخلية بين أبناء الشعب الواحد.
ويشوب الدستور الإيراني الكثير من التأكيدات على الصبغة الطائفية والهُوية المذهبية للحكم وعلى النزعة الفارسية، التي لم تُقم وزنا للأقليات الدينية، ولم تحترم التنوع والتعدد داخل نسيج المجتمع، والتي أسست دستوريًا لحالات الإقصاء والتمييز والاحتكار للسلطة من قِبل فئةٍ معينة من الشعب، ومنعت بقية الفئات من تحقيق مصالحها المشروعة، وحرمتها من تولّي بعض المناصب المؤثّرة في الدولة.
وهذه هي أبرز المواد الدستورية التي كرّست الهُوية المذهبية للحُكم ومؤسساته:
فقد نصّت المادة (12) من الدستور، على أن «الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب الجعفري الاثني عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد، وغير قابلةٍ للتغيير». وكذلك «يقوم نظام الجمهورية الإسلامية على أساس الإيمان بالإمامة والقيادة المستمرة والاجتهاد المستمر من قِبل الفقهاء جامعي الشرائط [أي فقهاء الشيعة وعلماؤهم دون غيرهم] (المادة 2).
وتقرّر المادة (15) أن رئيس الجمهورية «يُنتخب من بين الرجال المتدينين السياسيين.. شرط أن يكون مؤمنًا ومعتقدًا بمبادئ جمهورية إيران الإسلامية، والمذهب الرسمي للبلاد، وأن يكون إيراني الأصل ويحمل الجنسية الإيرانية». ويجب على رئيس الجمهورية أن يؤدي اليمين التالية، وأن يوقّع على ورقة القسَم «بسم الله الرحمن الرحيم: إنني باعتباري رئيسًا للجمهورية، أقسم بالله القادر المتعال في حضرة القرآن الكريم، وأمام الشعب الإيراني، أن أكون حاميًا للمذهب الرسمي، ولنظام الجمهورية الإسلامية وللدستور» (المادة 121). وكذلك على النوّاب المنتخبين في مجلس الشورى الإسلامي - ومن ضمنهم نوّاب الأقليات من غير المسلمين - أن يقسموا على الدفاع عن حُرمة الإسلام وحماية مكاسب الثورة وأُسس الجمهورية الإسلامية (المادة 67). ولا يحقّ لمجلس الشورى الإسلامي أن «يسنّ القوانين المغايرة لأصول وأحكام المذهب الرسمي للبلاد، أو المغايرة للدستور» (72). ويستطيع مجلس الشورى «تفويض الموافقة الدائمة على النظم الداخلية للمؤسسات الحكومية والشركات، إلى اللجان ذات العلاقة، أو أن يعطي إجازة الموافقة عليها للحكومة، وحينئذ يجب أن لا تتنافى اللوائح المصادق عليها مع مبادئ وأحكام المذهب الرسمي للبلاد أو الدستور» (85).
وفي حال وُجدت الحاجة لإعادة النظر في الدستور، بغية تعديل بعض مواده، فإن «مضامين المواد المتعلقة بكون النظام إسلاميًا، وقيام القوانين والمقررات على أساس الموازين الإسلامية والأسس الإيمانية وأهداف الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكون الحكم جمهوريًا، وولاية الأمر وإمامة الأمة، وكذلك إدارة أمور البلاد بالاعتماد على الآراء العامة والدين والمذهب الرسمي لإيران، هي من الأمور التي لا تقبل التغيير» (المادة 177).
والحقيقة، إن ما يميّز الدستور الإيراني - كما رأينا - هو الغلوّ العقائدي والنظرة المذهبية الأحادية في مجتمع متعدد الأديان والمذاهب والقوميات واللغات، والتطابق التام بين نظام الجمهورية والدين الإسلامي والمذهب الشيعي الرسمي، بحيث يمكن اعتبار أي مسٍّ بواحدٍ من هذه العناصر، مسًّا بأُسس ومبادئ الدولة كلها، مما يستوجب المساءلة والمحاسبة وإنزال أقسى أنواع العقوبات بمَن تسوّل له نفسه التعرَض لواحدٍ من هذه الثوابت والمقدّسات، بتهمة الكفر أو الهرطقة أو الخروج على الإمام أو التآمر أو العمالة.
فكيف يمكن للمشرّع الإيراني أن يدّعي أنه يريد تصدير ثورته المظفّرة إلى كل بقاع الأرض، وأن يقيم مجتمعًا نموذجيًا لكل الشعوب، فيما هو يفرض مذهبًا فقهيًا بعينه على هُويّة النظام والحُكم والسلطة في بلدٍ يضمّ الكثير من الديانات والأعراق والانتماءات المذهبية، وفيما يفاخر الإمام الخميني بأنّ «عدد الشيعة ما زال في ازدياد، حتى أنهم اليوم في حدود المائتي مليون شيعي»(8).
أجل، لقد اعترف الدستور في المادة (13) بحقوق الأقليات: «الإيرانيون الزرادشت واليهود والمسيحيون هم وحدهم الأقليّات الدينية المعترف بها»، ولكنه أعطى الأفضلية والأولوية للإيرانيين المنتمين إلى المذهب الشيعي، دون غيرهم من المسلمين وغير المسلمين، بحيث انتفت العدالة والمساواة بين أفراد الشعب الإيراني الواحد، وحلّ محلهما نوعٌ من التمييز والتحيّز والعنف الرمزي الذي يمارَس باسم الدستور، ضد المغايرين والمختلفين. فمثلاً، يبلغ عدد الشعب الإيراني نحو (80) مليون نسمة، وتقدر نسبة الشيعة في إيران بنحو (65%) من الشعب الإيراني، أما نسبة السُنّة فتُقدّر بنحو (25%)، وتتراوح أعدادهم ما بين (14) إلى (19) مليون إيراني سُني من عرقياتٍ مختلفة (البلوش والأكراد والتركمان والعرب)، ويمثلّهم (18) نائبًا سُنيًا في البرلمان الإيراني، من أصل (290) نائبًا، هو عدد نواب مجلس الشورى الإسلامي الذي يهيمن عليه المتشددون والمحافظون ورجال الدين الشيعة. وتبلغ نسبة الأقليات غير المسلمة (اليهودية والمسيحية والزرادشتية) نحو (10%) من عدد السكان، ويمثلهم حسب الدستور (5) نواب، وأعدادهم في تناقصٍ مستمر بسبب هجرتهم من إيران، هربًا من الاضطهاد. ويقيم في العاصمة طهران أكثر من مليون إيراني سُنّي، ومع ذلك تمنعهم السلطات من بناء مسجدٍ لهم، في الوقت الذي يوجد (151) معبدا لليهود والمسيحيين والزرادشتيين في إيران، معظمها في طهران. أضف إلى ذلك، أن الدستور لم يعترف بأقلياتٍ دينية أخرى موجودة في إيران، ومنها البهائية والإسماعيلية والمندائية وغيرها.
ولا شكّ في أن هذا التمييز يناقض صراحةً ما ورد في المادة (19) من الدستور، من أن «أفراد الشعب الإيراني - من أي قوميةٍ أو قبيلة كانوا - يتمتعون بالمساواة في الحقوق، ولا يُعتبر اللون أو العنصر أو اللغة أو ما شابه ذلك، سببًا للتفاضل»، ومن أنه من أولويات الحكومة الإسلامية «رفع التمييز غير العادل، وإتاحة تكافؤ الفرص للجميع في المجالات المادية والمعنوية كلها «(المادة 3).
لقد نصّت المادة (15) على أن «اللغة والكتابة الرسمية والمشتركة هي الفارسية لشعب إيران»، وعلى أن «الدوائر الحكومية تعتمد في أعمالها على التاريخ الهجري الشمسي» (المادة 17). فكيف يمكن لأقليةٍ شيعيةٍ تتراوح نسبتها من 10 إلى 15 في المائة من مجموع عدد المسلمين في العالم الإسلامي الذي يبلغ تعداد أبنائه أكثر من مليار مسلم، وتعتنق في دستورها المذهب الجعفري الاثني عشري، وتتكلم لغةً غير لغة القرآن العربية، وتعتمد تاريخًا غير إسلامي، وتفاخر بقوميتها الفارسية، وأبرز أعيادها هو عيد النوروز الفارسي، وتصادر الحريات والحقوق الدينية والسياسية للكثير من مواطنيها، وتضطهد الأقليات الدينية والاثنية.. أن تدّعي في دستورها أنها تسعى إلى تحقيق الوحدة الإسلامية في العالم، وإلى مناصرة المستضعفين والمقهورين في الأرض من غير الإيرانيين؟! أما كان من الأجدى لها، لو ناصرت المستضعفين من الإيرانيين داخل إيران؟!
يبدو أنّ النظام الإيراني يشعر بأنه يواجه خطرين: الخطر الأول هو على الهُويّة الشيعية، والخطر الثاني هو على الهُوية الفارسية، وذلك بسبب تزايد أعداد الإيرانيين الذين ينتمون إلى أديان ومذاهب أخرى غير المذهب الرسمي للبلاد، وإلى قومياتٍ غير الفارسية (الأكراد والتركمان والعرب والبلوش والأذريين الذين تُقدّر نسبتهم بنحو 40 في المائة من عدد السكان)، ومن هنا حرص النظام على الجمع بين البُعدين الشيعي والفارسي، في هُويّةً واحدة، أعلن في دستوره أنها «باقية إلى الأبد، وغير قابلةٍ للتغيير»(9).
لقد كان النظام الإيراني يسعى إلى تشكيل ما يُعرف باسم بالدولة - القدوة التي تودّ طرح نفسها على الساحة الدولية كنموذجِ حُكمٍ إسلامي يُحتذى، ولكن التطورات السياسية والأمنية الأخيرة التي يشهدها العالم العربي، وخصوصا في سوريا المذبوحة، وارتماء النظام الإيراني في أحضان «الشيطان الأكبر» لإنجاز الاتفاق النووي الذي سيعقبه رفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على إيران منذ عام 2002، وتحالفه مع روسيا - العدو التاريخي لإيران - لتحطيم ما تبقّى من أطلال الدولة السورية، وسعيه ليكون - كما كان النظام البهلوي من قبله - شرطي الخليج.. كل هذه الوقائع أثبتت أنّ رغبة المشرّع الإيراني في تغيير الواقع وبناء الأمة الإسلامية الواحدة، ومواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمقهورة والمضطهدة في جميع أنحاء الكرة الأرضية، لم تكن أكثر من أضغاث أحلام وتأملاتٍ مجردة وبلاغةٍ كتابية ألهمه إيّاها شعراءُ الجنّ في وادي «عبقر»، ومن نزعةٍ مثاليةٍ أقرب إلى الشوفينية والمبالغة في تقدير الذات وجموح المخيّلة، منها إلى المقدرة الحقيقية على تنفيذ الوعود الخطابية والتعهدات الدستورية!
ح - تقييد الحريات بالضوابط الإسلامية
يتحدث الدستور الإيراني في عددٍ من مواده، عن حقوق أفراد الشعب في حرية الاعتقاد والتعبير والتجمع والتظاهر والحصول على محاكمةٍ نزيهة والتربية والتعليم والسكن والضمان الاجتماعي وعدم التمييز بين مختلف الأقاليم الإيرانية في الحصول على التنمية و... و...
وقد ورد في مقدمة الدستور أن «الدستور يضمن زوال كل نوع من أنواع الديكتاتورية الفكرية والاجتماعية والاحتكار الاقتصادي، ويسعى للخلاص من النظام الاستبدادي. وتؤكد المادة الثانية أنّ «الحكومة الإسلامية تسعى إلى محو الظلم والقهر مطلقًا، ورفض الخضوع لهما»، وإلى «محو أي مظهرٍ من مظاهر الاستبداد واحتكار السلطة، وضمان الحريات السياسية والاجتماعية والحقوق الشاملة للجميع، ومساواتهم أمام القانون» (المادة 3).
والحقيقة، إن الحكومة الإسلامية، أو «حكومة القرآن العادلة الحقّة التي أعقبت الثورة الإسلامية المظفّرة بقيادة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الإمام الخميني» - كما ورد في الدستور – قد مارست كل أنواع الظلم والقهر والاستبداد والديكتاتورية واحتكار السلطة وترسيخ حكم الفرد، ابتداءً من الدستور الذي ركّز أغلب الصلاحيات بيد شخصٍ واحد هو الولي الفقيه، أو بيد الأشخاص التابعين له والخاضعين لإمرته، مرورًا بعمليات التطهير والبطش والتصفية والقتل والاغتيال والترهيب لكل فصائل المعارضة والمخالفين الرافضين لنظام الحكم الديني الذي أرسته المؤسسة الدينية في إيران، ولا سيما أحكام الإعدام التي أصدرتها المحاكم الثورية برئاسة آية الله صادق خلخالي (جزّار الثورة)، بذريعة تطهير المجتمع الإسلامي من المنافقين، وصولاً إلى خنق النظام للحريات الشخصية والعامة، وإحكام قبضته على وسائل الإعلام بذريعة «أسلمتها» ومنعها من إشاعة الاتجاهات المعادية للإسلام.
وبالطبع فإنّ إدانة الدستور للقمع والظلم، تصبح غير ذات قيمة أو مصداقية، إذا عرفنا حجم التوتر والصراع القائم بين حسين الخميني حفيد مؤسس الجمهورية الإمام الخميني، والسلطة الدينية، بسبب معارضته الدائمة تدّخل رجال الدين في الحكم، ومطالبته بفصل الدين عن الدولة، وقربه من التيار الإصلاحي، وانتقاده المستمر لاستبداد وديكتاتورية النظام اللاهوتي الحاكم بقبضةٍ من نارٍ وحديد وعصمة وقداسة، ما اضطره إلى الفرار من إيران إلى العراق، هربًا من الملاحقات الاستخباراتية والأمنية، وحفاظًا على حياته.
إنّ هذه الوقائع والحقائق، مضافًا إليها القمع الوحشي الذي تعرّضت له الانتفاضة الطلابية (الجمعة الدامية) في عام 1999، والثورة الخضراء في عام 2009، هي أدلة وبراهين ساطعة على أن ما كُتب في الدستور عن الحرية والعدالة والرفاهية والسعادة ورفع الظلم ومحاربة الاستبداد، ليس أكثر من صياغاتٍ نثرية أملتها حماسةُ اللحظة الثورية والشعور الغامر بنشوة الانتصار، وبالتالي فإنه من الصعب تحقّقها على أرض الواقع، أو أخذها على محمل الجدّ.
قراءة  في الدستور الإيراني  الحلقة (2 - 3): سلطة مطلقة للولي الفقيه.. ومؤسسات دستورية تعمل وفق إشارته
قراءة  في الدستور الإيراني الحلقة (1 - 3): الخميني سعى لتكريس السلطة.. بالتمهيد لقيام دولة الفقيه



الإيرانيون حائرون بين هاريس وترمب... «أحلاهما مُر»

«يد واحدة ضد إيران» عنوان صحيفة «همشهري» التابعة لبلدية طهران
«يد واحدة ضد إيران» عنوان صحيفة «همشهري» التابعة لبلدية طهران
TT

الإيرانيون حائرون بين هاريس وترمب... «أحلاهما مُر»

«يد واحدة ضد إيران» عنوان صحيفة «همشهري» التابعة لبلدية طهران
«يد واحدة ضد إيران» عنوان صحيفة «همشهري» التابعة لبلدية طهران

مع إطلاق صافرة نهائي الانتخابات الأميركية، تباينت المواقف في إيران بشأن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس ومنافسها الجمهوري دونالد ترمب، وهوية الربان الجديد للمكتب البيضاوي، والحسابات التي يفرضها تولي إدارة جديدة على العلاقات الشائكة بين واشنطن وطهران.

عشية الانتخابات الأميركية، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي: «لا نولي أهمية كبيرة لانتخابات الرئاسة الأميركية أو لمن سيُنتخب».

وأضاف عراقجي في حوار تلفزيوني مطول مع التلفزيون الرسمي أن «النقاشات حول تأثير انتخاب أحد هذين المرشحين على موقف إيران تجاه حرب غزة وقضية فلسطين، لا تؤثر في المواقف الأساسية والاستراتيجيات الوطنية على الرغم من أنه قد تكون هناك تأثيرات على المستوى التكتيكي».

وقبل ذلك بساعات، كان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، قد أجاب على سؤال حول الإدارة التي تفضل طهران توليها في واشنطن. وقال: «الأفعال هي المهمة بالنسبة لنا. للأسف، لقد أظهر تاريخ العلاقات بين البلدين وجود توجّهات معادية لإيران في مختلف الحكومات».

وبشأن تأثير الانتخابات الأميركية على التوترات الإيرانية الإسرائيلية، قال بقائي إنه «بغض النظر عن تغير الحكومات في الولايات المتحدة، فإننا مستعدون للدفاع والرد بقوة على أي اعتداء».

وعكست الصفحات الأولى من الصحف الصادرة في صباح الثلاثاء مستوى عالياً من الترقب والحذر مع توجه الأميركيين إلى صناديق الاقتراع.

وإلى جانب التفاعل مع الانتخابات الأميركية، فإن تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن خوض حرب اقتصادية طغت على عناوين غالبية الصحف التي نأت بنفسها عن التعليق المباشر على الحدث العالمي.

عراقجي في مقابلة مع التلفزيون الرسمي مساء الأحد (إيسنا)

«حرب اقتصادية»

ونقلت مواقع إيرانية عن بزشكيان، الاثنين، أن «إيران تخوض حرباً اقتصاديةً وليست صاروخيةً». وأضاف: «إننا نريد الصواريخ للدفاع عن أنفسنا وليس مهاجمة الدول الأخرى»، وجاء هذا التصريح غداة رسالة وجهها بزشكيان بشأن استعداد إيران لتخفيف حد الرد على إسرائيل، إذا أعادت الأخيرة النظر في سلوكها ووافقت على الهدنة.

وتوقعت صحيفة «هم ميهن» الإصلاحية أن الصورة العامة لمستقبل المنطقة «ستكون أكثر توتراً في حال انتخاب هاريس، حيث ستواجه المنطقة، بما في ذلك إيران، أياماً أصعب. فهي لم تتمكن قط، ولن تتمكن، من كبح جماح نتنياهو عن تصرفاته العدائية في المنطقة».

وأضافت أن «السنوات الأربع من إدارة بايدن لم تحقق نتائج ملموسة للوصول إلى اتفاق شامل أو حتى مؤقت مع إيران، ويُعزى ذلك إلى افتقار إدارة بايدن للتنسيق وضعفها السياسي بين السياسيين في الحزبين داخل مجلس الشيوخ والكونغرس».

وأبدت الصحيفة استغرابها من أن «ترمب الذي غالباً ما يُنظر إليه على أنه شخص متشدد وغير منطقي تحدث في جميع المناظرات بوضوح عن ضرورة إنهاء الحروب، وتحقيق السلام الدائم، والتفاوض مع الدول المتنازعة، بينما استمرت هاريس في الدعوة لدعم أوكرانيا وإسرائيل في الحروب الجارية، والتصريحات العدائية تجاه الصين وروسيا وإيران».

واحتجت صحيفة «كيهان» بشدة على تصريحات السفير الإيراني السابق لدى ألمانيا، علي ماجدي، الذي تحديث عن إمكانية التفاوض مع ترمب. وقالت «كيهان» إن «الاتفاق النووي ألغي على يد ترمب الذي وضع 13 شرطاً للتفاوض، ورفض طلب وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف للتفاوض بشكل مهين».

وقال ماجدي لصحيفة «شرق» الإيرانية إن «مواقف هاريس أكثر إنسانية ومرونة بشأن الشرق الأوسط». وتوقع بالمقابل أن عودة ترمب للسلطة «قد تؤدي إلى تفاقم التوترات في المنطقة».

وبشأن الملف النووي، أعرب عن اعتقاده بأن هناك «أرضية أفضل للتفاوض مع فوز هاريس»، نظراً لمساعي جو بايدن إحياء الاتفاق النووي الذي أُبرم في عهد باراك أوباما.

لكنه قال إن «ترمب يختلف اختلافاً جذرياً عن هاريس، وأوباما، وبايدن، لأنه ليس ملتزماً بسياسات الحزب الجمهوري، ويمكنه أن يتصرف بشكل مستقل. بينما هاريس وأوباما وبايدن ملتزمون تماماً بسياسات واستراتيجيات الحزب الديمقراطي. لذلك قد يسعى دونالد ترمب، بعيداً عن موقف الحزب الجمهوري، إلى مبادرات شخصية في المفاوضات مع إيران وفتح مسار أفضل مع حكومة بزشكيان».

صحيفة «هم ميهن» تتقصى تأثير الرئيس الجديد على البيت الأبيض

«بين نهجين»

بدورها، عبّرت صحيفة «جوان» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن نظرة «مشككة» من الإيرانيين حيال الانتخابات الأميركية، إذ يعتقد البعض أن انتخاب أحد المرشحين قد يعود بمنافع أكبر لإيران أو يسبب أضراراً أقل. ولفتت الصحيفة إلى أن «كل تجارب الحكومات الأميركية، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية كان له دور في معاداة الشعب الإيراني والشعوب المستضعفة في المنطقة».

وقالت إن «العقوبات الاقتصادية الأكثر شدةً كانت خلال فترة حكم الديمقراطيين، لكن الجمهوريين أيضاً فرضوا حملات عقوبات قاسية، مما يدل على أن العداوة تجاه إيران لا تختلف بين الطرفين، بل تختلف الأساليب والتكتيكات».

وتابعت أن تصريحات هاريس بشأن أن «إيران هي أكبر عدو لنا» واعتراف ترمب بعلاقته المتوترة مع إيران، تظهر أن «كلا الحزبين يتفق على العداء تجاه إيران»، لكنها قالت إن فترة ترمب «شهدت أعتى الاعتداءات، بينما لم يُظهر الديمقراطيون تحسناً ملحوظاً في سياساتهم».

وقالت: «في فترة حكم الجمهوريين، حدثت أكبر الحملات العسكرية والاعتداءات على الدول في المنطقة، ما يؤكد قربهم من اليمين الصهيوني وعداوتهم مع محور المقاومة، حيث اغتيل القائد الإيراني قاسم سليماني خلال رئاسة ترمب. لكن أليست الجرائم التي وقعت في غزة ولبنان خلال العام الماضي كانت في فترة حكم ديمقراطي؟ يجب التساؤل عما يمكن أن يفعله الجمهوريون، خصوصاً ترمب، لتوفير الإمكانات للنظام الصهيوني لأعماله الإجرامية، والتي لم توفرها حكومة بايدن».

وخلصت إلى أن «النزاع بين هاريس وترمب ليس سوى لعبة سلطة على المستوى الداخلي لأمیركا تجري لشغل الناس هناك، ونتيجتها ليس لها تأثير في سياسات الهيمنة لهذا النظام(...) يجب أن ننظر إلى المشهد بواقعية وألا نغتر بأنفسنا».

صحيفة «جوان» التابعة لـ«الحرس الثوري» تعنون «أميركا في الملاجئ» متوقعة حدوث اضطرابات في أميركا

«يد واحدة»

وتحت عنوان «جبهة موحدة ضد إيران» رأت صحيفة «همشهري» التابعة لبلدية طهران، التي يسيطر على إدارة تحريرها حالياً فريق محافظ، أن انتخاب ترمب أو هاريس «لن يحدث فرقاً في السياسات الأميركية الكبرى المناهضة لإيران».

ومع ذلك تحدثت في افتتاحيتها عن الاهتمام الكبير في إيران بالانتخابات الأميركية، وهوية المقيم الجديد في البيت الأبيض.

وقالت الصحيفة إن فوز كامالا هاريس «قد يعني سياسات أقل عداء تجاه إيران في واشنطن»، مشيرةً إلى أن «البعض يرى أن رئاسة دونالد ترمب ستعني مزيداً من التوترات الإقليمية وعقوبات إضافية على إيران». وأضافت أن «الشواهد تؤكد أن الجمهوريين والديمقراطيين، بدلاً من التنافس السياسي، يتفاخرون بعدائهم تجاه إيران».

وقالت أيضاً: «قد يكون سجل الديمقراطيين من حيث فرض المزيد من العقوبات على إيران أكثر سواداً، وتظهر سوابقهم أن كلا الحزبين يتفق على إضعاف قوة إيران، وأن الاختلاف بينهما يقتصر على التكتيكات والأساليب المتبعة».

واستعرضت الصحيفة ما وصفتها بـ«السياسات المعادية» لإيران من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وقارنت الصحيفة بين سياسات آخر 6 رؤساء أميركيين تجاه إيران. وأشارت إلى كل العقوبات المفروضة على إيران، في عهد الرؤساء الديمقراطيين، بداية من جيمي كارتر في 1979، وصولاً إلى ولاية جو بايدن التي شارفت على النهاية.

وتطرقت تحديداً إلى سجل العقوبات والأوامر التنفيذية والقرارات التي صدرت في عهد الديمقراطي بيل كلينتون، وصولاً إلى باراك أوباما «صاحب القفازات المخملية». ومن الجانب الجمهوري توقفت عند سجل جورج بوش الابن، والمرشح الحالي لولاية جديدة دونالد ترمب.

وفيما يتعلق بالتطورات الإقليمية، توقع محلل الصحيفة ألا تأثير لمن يفوز على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، إذ تستمر المساعدات العسكرية والاستراتيجية والسياسية بعض النظر عن الرئيس المنتخب.

وأشارت إلى سعي كل من الديمقراطيين والجمهوريين لمبادرة حل الدولتين من أجل خفض التوترات في المنطقة. واستبعدت أن توافق الحكومة الإسرائيلية على حل الدولتين. وبذلك استبعدت نجاح استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة، لكنها توقعت تراجع حدة الحرب.

وقالت إن الولايات المتحدة، سواء تحت قيادة الديمقراطيين أو الجمهوريين، لا تميل إلى حرب شاملة بين إيران وإسرائيل، أو بين إيران وأمريكا، وتفضل دعم صراعات محدودة ومُتحكم فيها لتجنب تورطها في حرب كبيرة.

صحیفة «اعتماد» سلّطت الضوء على احتمالات تطبيع العلاقات

«تطبيع العلاقات»

بدورها، قالت صحيفة «اعتماد» الإصلاحية، والمؤيدة بشدة لإدارة مسعود بزشكيان، في عنوانها الرئيسي، إنه «يوم سيكون إما للحمار أو الفيل» في إشارة إلى رمزي الحزبين الديمقراطي والجمهوري. واستعرضت آخر نتائج استطلاعات الرأي الأميركية.

واستطلعت الصحيفة آراء محللين حول إمكانية إنهاء التوتر وتطبيع العلاقات بين طهران وواشنطن بعد نحو 45 عاماً من قطع العلاقات الدبلوماسية.

ورجّح محمد علي أبطحي، مدير مكتب الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي، أن تجري إيران والولايات المتحدة محادثات مباشرة حول القضايا الإقليمية وغير الإقليمية، لكنه يرى أن احتمالية إقامة علاقة مباشرة بين البلدين «بعيدة وليست محتملة» و«لا يرى تغييراً جوهرياً» في العلاقات الثنائية.

وأشار أبطحي إلى أن هناك رؤيتين في مسألة العلاقة مع الولايات المتحدة: «الأولى ترى ضرورة التواصل مع أميركا، ونقل المخاوف والمطالب الوطنية، والثانية، وهي التي يوليها المرشد الإيراني علي خامنئي اهتماماً أكبر، ترى أنه لا فائدة من التواصل مع أميركا، لأنه يزيد الضغوط من جانب أميركا وإسرائيل والغرب».

وقال المحلل مازيار بالايي إن تصريحات الشخصيات الإيرانية مثل الرئيس مسعود بزشكيان، وعلي أكبر ولايتي، وكمال خرازي، كبار مستشاري المرشد الإيراني في الشؤون الدبلوماسية والدولية، ووزير الخارجية عباس عراقجي، «تشير إلى رغبة في كسر المحرمات حول العلاقة مع أميركا». ويعتقد أن «كل الاحتمالات ممكنة، بشرط أن تتمكن أميركا من كبح جماح إسرائيل»، لافتاً إلى وجود «انقسام داخلي وهمي بين مؤيدي ومعارضي العلاقات مع الولايات المتحدة». ويعتقد أن تصور حل جميع المشكلات مع واشنطن «خيالي»، متحدثاً في الوقت نفسه عن تحول معارضة التفاوض إلى «أيديولوجيا» في إيران.

من جانبه، قال المحلل مهدي شيرزاد: «إذا كان من الممكن تحقيق هدنة في المنطقة عبر مفاوضات بين إيران وأميركا، فلماذا لا تتم المفاوضات؟».

وحسب الصحيفة، فإن المحللين الاقتصاديين يرون أن حل مشكلة العقوبات وتحسين المؤشرات الاقتصادية يعتمدان على المفاوضات المباشرة مع أميركا، أما الخبراء الاستراتيجيون والعسكريون فيرون أن المفاوضات المباشرة مع أميركا «قد تضر بمصالح إيران».

اقتصاد إيران

وفيما يخص تأثيرات نتائج الانتخابات على اقتصادات طهران، قال أحمد مجتهد، الاقتصادي الإيراني، لوكالة «إيسنا» الحكومية، إن نتيجة الانتخابات الأميركية، سواء بفوز الجمهوريين أو الديمقراطيين، لن تؤثر بشكل خاص على اقتصاد إيران. وأوضح أن الاختلافات في السياسات الاقتصادية بين الحزبين ليست كبيرة، وأن إيران مرت بظروف اقتصادية أسوأ في السنوات السابقة، خصوصاً صدمة 2018، في إشارة إلى انسحاب دونالد ترمب من الاتفاق النووي.

وأكد مجتهد على أهمية التعاون الاقتصادي مع جميع الدول، دون الاقتصار على مجموعة معينة. وقال: «اختيار أي شخص رئيساً في أميركا وتأثيره الاقتصادي على بلدنا يعتمد أيضاً على السياسة الداخلية في إيران، ويجب أن ندرك أن أميركا لم تعد تسعى للتدخل العسكري في الدول، وفي المقابل يجب علينا التعاون الاقتصادي مع جميع الدول، وأن نكون منفتحين في هذا المجال، وعدم الاكتفاء بالتعامل مع مجموعة معينة». كما أشار إلى توقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد الإيراني بأكثر من 3 في المائة في عام 2025، استناداً إلى البيانات الاقتصادية المتاحة. ونوه بأن «هذه التوقعات تستند إلى المعلومات الموجودة في الميزانيات والبيانات الاقتصادية لدينا، ومن الممكن أن تكون هناك بعض الأخطاء الطفيفة من جانب الصندوق».