بعد يومين من إلقاء القبض على نشأت ملحم، (من فلسطينيي 48) منفذ عملية تل أبيب، انفجرت موجة انتقادات للمخابرات والشرطة والقيادة السياسية في إسرائيل، بسبب التأخير في الوصول إلى الشاب طيلة 8 أيام. وفي الوقت نفسه، واصل اليمين الإسرائيلي المتطرف، التحريض على المواطنين العرب واتهامهم بأنهم طابور خامس. وقد ردت الشرطة الإسرائيلية على النقد بسلسلة عمليات تفتيش عن «أصدقاء وأقارب» ملحم في بلدته عرعرة.
واستخدمت الشرطة، أمس، طائرة مروحية ومئات الجنود والمجنزرات، وقوة مستعربين كبيرة، في بلدة عرعرة، مسقط رأس ملحم، وذلك بدعوى مواصلة الحملة للقبض على من ساعدوا ملحم خلال هربه، حيث يعتقد بأنه حال تنفيذه عملية تل أبيب، في مطلع السنة، وتحديدا بعد ساعتين، وجد طريقة للسفر إلى بلدته، وأمضى فيها ثمانية أيام، من دون أن يجري كشفه، من خلال تعاون وثيق مع السلطة.
وهاجمت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، المخابرات الإسرائيلية، وقالت في مقال افتتاحي لمحررها العسكري، أليكس فيشمان، إن الجهات الأمنية، الشاباك والشرطة، لا تملك، كما يبدو، معلومات حول ما يحدث في الوسط العربي في إسرائيل عامة، وفي وادي عارة بشكل خاص. هذا هو الدرس الأمني البارز والمقلق جدا في قضية نشأت ملحم. إذا كان نشأت قد شعر بما يكفي من الأمن لكي يرجع إلى بيته، والاختباء لأيام عدة، والحصول على مساعدة من دون أن يقوم أحد بالتبليغ عنه، فهذا يعني وجود «ثقب أسود» استخباري كبير. فكما يبدو، الشرطة لا تسيطر على هذه المنطقة. والأمر الأكثر إثارة للقلق، هو أن الشاباك أيضا، لا يملك هناك «أجهزة استشعار» كافية، وكان عليه تفعيل وسائل تحقيق خاصة كي يتوصل إلى طرف خيط. وحتى لو كانت للشاباك قاعدة في المنطقة وقام بتفعيل متعاونين، فقد يكونون هم من أفشل مهمته.
وهاجمت الصحيفة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي أعلن عن حملة لجمع السلاح غير القانوني من الوسط العربي، وقالت إن هذه ليست الا ديماغوغية تلامس حدود السخرية. فقوات الأمن لا تملك ذرة معلومات حول عدد السلاح ونوعيته وأين يوجد، ولن يقوم أي عربي إسرائيلي بتسليم السلاح بشكل طوعي. وهذا ليس مشروعا يخص الشاباك فقط أو مهمة للشرطة، وإنما هذه مهمة قومية - رسمية: إعادة ثقة الجمهور العربي بقدرة السيادة على فرض القانون والنظام في شوارعه. من ناحية مهنية: القبض على القاتل، المواطن الإسرائيلي خلال سبعة أيام، يعتبر فترة زمنية معقولة، بل سريعة، ولكن ظهرت خلال هذه الأيام، كثير من الأسئلة الصعبة التي يتقلص أمامها الإنجاز المهني. الآن تبدأ الفترة التي لا تقل تعقيدا عن تصفية القاتل: حل لغز القضية. هل وقف تنظيم ما وراءه؟ من الذين ساعدوه؟ هل كانوا يعرفون عن العملية مسبقا أم تجندوا لمساعدته بعدها فقط؟ وإذا كان الحديث عن تنظيم لأشخاص كانوا شركاء في التخطيط أو المعرفة بالعملية، فهذا يعني أن الفشل الاستخباراتي أكبر بكثير. قد يكمن مفتاح الأحداث في الأمور التي قالها محمد ملحم، والد القاتل: «أنا داخل الجهاز منذ سنوات طويلة». يمكن لكلماته هذه أن تشير أيضا إلى محفزات ابنه على تنفيذ العملية، وإلقاء الضوء على أحداث متناقضة عدة. بدءا من إعلان الأب بأنه سلم ابنه، وانتهاء باعتقاله واعتقال آخرين من أبناء العائلة، حتى الرخصة التي حصل عليها الأب لحيازة رشاش - الذي استخدمه ابنه لتنفيذ العملية - وليس على سلاح للدفاع عن النفس، يعزز إمكانية أنه كان لأحد الأشخاص علاقات «خاصة» معه. وهذا يطرح علامة استفهام: أي شرطة طبيعية تسمح لشخص بحيازة سلاح قاتل كهذا في مكان موعود بالشغب؟ مكان الأب داخل «الجهاز» كما يقول، هو مسألة من المؤكد أن الشرطة تتخبط فيها هذه الأيام. أحداث يوم الجمعة في قرية عرار، تطرح أيضا تساؤلات مهنية: نتيجة لخطوة استخبارية، كانت قوات الأمن تملك أكثر من اشتباه معقول بشأن وجود القاتل في المنطقة. وعلى الرغم من ذلك، فقد نجح بالهرب.
وفي تساؤلات أخرى طرحت في صحيفة «معريب»، جاء: ربما كان نشأت ملحم مدمنا على المخدرات، وبالتأكيد مجرما، لكنه لم يكن ضعيف العقل. إعادة قراءة أعماله يشير إلى قيامه بالإعداد المسبق والدقيق: لقد جمع معلومات حول الهدف، أباد الأدلة وموّه مسار انسحابه. إنه لم يتصرف كمجنون وإنما ترك خلفه حقيبة فيها مصحف، كي يدل على أن العملية كانت قومية. شكل نجاحه في الهرب من المنطقة يكشف «ثقبا أسود» آخر في الأمن الداخلي الإسرائيلي: لو كانت تل أبيب «مدينة آمنة» كلندن ومدن عصرية أخرى، لجرى حل القضية بسرعة أكبر، لأنه كان سيجري تصوير مسار الهرب. توجد في تل أبيب كاميرات لحركة السير والمحلات التجارية، لكن المدينة بعيدة عن أن تكون «مدينة آمنة» يمكن فيها، من خلال المراقبة البصرية ومنظومة حوسبة متطورة، كشف عمل جنائي أو تخريبي بشكل مباشر. لم تكن لدى ملحم أي مشكلة بقتل سائق سيارة الأجرة الذي نقله، وتحلى برباطة جأش خلال قيامه بتفكيك الكاميرا في السيارة. كان يعرف بأنه سيجري كشف السيارة بسرعة، ولذلك تركها واختفى. حتى إذا عمل حتى هذه المرحلة كـ«ذئب منفرد» – فمن الواضح أنه منذ هذه اللحظة ولاحقا، أنه كان لديه شركاء. المواد الاستهلاكية التي جرى تجهيزها له في البيت الأمن الذي وجود فيه، على بعد 400 متر فقط من المكان الذي قتل فيه، سمحت له بالشعور بالأمن والاحتضان في بيئة داعمة، بينما كانت قوات الأمن تتجول في القرية. منذ اللحظة التي حددت فيها، يوم الثلاثاء الماضي، قرية عارة كمكان مركزي للتفتيش، قامت بتفعيل جهود كبيرة هناك، بما في ذلك أعمال خداع، كإخراج قوات وإدخالها، إلى جانب أعمال التفتيش من بيت إلى بيت، في محاولة لحثه على الخروج من المخبأ. وعلى الرغم من ذلك، فقد صمد لثلاثة أيام أخرى إلى أن جرى ضبطه. إذا كان هناك إنجاز عملي في اختبار النتائج، فقد كان هناك إخفاق مجلجل في اختبار طريقة معالجة قلق الجمهور.
انتقادات واسعة للمخابرات الإسرائيلية لاختفاء منفذ عملية تل أبيب 8 أيام
لو كانت المدينة آمنة فعلاً لجرى حل القضية بسرعة أكبر
انتقادات واسعة للمخابرات الإسرائيلية لاختفاء منفذ عملية تل أبيب 8 أيام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة