هوية مؤلف «إدارة التوحش» تتأرجح بين «الحكايمة» و«أبو مصعب السوري»

دستور المتطرفين الذي سعى إلى استدعاء الصدام مع الغرب عبر العنف الشديد

هوية مؤلف «إدارة التوحش» تتأرجح بين «الحكايمة» و«أبو مصعب السوري»
TT

هوية مؤلف «إدارة التوحش» تتأرجح بين «الحكايمة» و«أبو مصعب السوري»

هوية مؤلف «إدارة التوحش» تتأرجح بين «الحكايمة» و«أبو مصعب السوري»

يلف الغموض هوية المؤلف الحقيقي لكتاب «إدارة التوحش»، الذي يعتبره كثيرون دستور الحركات المتطرفة التي تمارس الإرهاب باسم الإسلام. وفي التحقيق التالي نشير إلى شخصيتين يختلف المطلعون على نشاطات هذه الحركات ومتابعو مسيرتها على نسبة مؤلف الكتاب إلى إحداهما. الشخصية الأولى «أبو مصعب السوري» أو «عمر عبد الحكيم» أو «مصطفى عبد القادر»، وهو مسجون في أحد سجون النظام السوري. والثانية «محمد خليل الحكايمة»، الذي قتل بغارة «درون» أميركية عام 2008 في إقليم وزيرستان الباكستاني على الحدود مع أفغانستان.

في عام 2008، عثرت الاستخبارات الأميركية على وثائق ورسائل موجهة من أسامة بن لادن وإليه تشمل فصولا من كتاب غريب، لم تكن أجهزة الاستخبارات هذه على علم بأن المتطرفين يتداولونه بينهم بكثير من الاحترام والقدسية. وهذا الكتاب يحمل عنوان «إدارة التوحش»، وهو مؤلف صغير الحجم (113 صفحة)، لمؤلف مجهول يحمل اسم «أبو بكر ناجي».
تختلف المعلومات هنا اختلافا كبيرا. ففي العاصمة البريطانية لندن ثمة من يعتقد الآن على نطاق واسع أنه «أبو مصعب السوري» الذي وضع العديد من المؤلفات التي تدعو إلى التطرف، وكان يوقع باسم عمر عبد الحكيم. وهو محتجز الآن في سجون النظام السوري، ويعرف هناك باسم مصطفى بن عبد القادر. وحسب هؤلاء فإن من أبرز كتبه في عدة أجزاء «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، و«المنهج والعقيدة القتالية»، و«التربية والعقيدة القتالية»، و«الجبهات والجهاد الفردي»، و«الأسس الشرعية للإرهاب»، و«التدريب والإعلام والتمويل» وكتبه أبو مصعب السوري إبان وجوده في أوروبا بين إسبانيا وبريطانيا ودول أخرى. وكان «أبو مصعب» واحدا من 35 شخصا تضمنتهم لائحة اتهام من 695 صفحة أصدرها القاضي الإسباني بلتازار غارزون في سبتمبر (أيلول) 2003. ودعت لائحة الاتهام إلى القبض على 34 رجلا آخر، بينهم أسامة بن لادن، بتهم تتضمن عضوية جماعة إرهابية والتخطيط لأعمال إرهابية.
لكن على الجانب الآخر، يتجه عدد من منظرّي «القاعدة» للقول إن مؤلف «إدارة التوحش» - أي «أبو بكر ناجي» - هو محمد خليل الحكايمة، مسؤول الدعاية في «القاعدة»، الذي عاش في بريطانيا لفترة قصيرة، مثل أبو مصعب السوري، بعد طلبه اللجوء السياسي قبل أن يفرّ في أعقاب وضع اسمه على لائحة الإرهاب الأميركية بجانب بن لادن زعيم «القاعدة» الراحل، ثم يقتل في غارة «درون» (طائرة من دون طيار) أميركية في إقليم وزيرستان بباكستان عام 2008.
الكتاب حقا دليل مخيف على تكتيكات عنيفة جدا احتضنت اليوم من قبل تنظيم داعش وقائده أبو بكر البغدادي. ويقترح الكتاب أن يعمل المتشددون على جر الولايات المتحدة إلى حرب ستتحول في نهاية المطاف إلى «حرب استنزاف» قد تجبر الولايات المتحدة على الاستسلام. وتتطلب هذه الاستراتيجية استقطاب العالم الإسلامي وإقناع المسلمين المعتدلين الذين كانوا يأملون بالحماية من جانب الولايات المتحدة بأن هذا الأمر لا يجدي نفعا. وفي مطلق الأحوال كتب «ناجي» خطة الحرب في أعقاب الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001 وغزو العراق عام 2003. وكان الموضوع الرئيسي له الحاجة إلى جر الولايات المتحدة إلى أعمق نقطة في الصراع عبر أراضي المسلمين، مع التركيز على تقويض القوة الأميركية عبر العنف الشديد الذي كلما ازداد وحشية يصبح أفضل، كما يكتب المؤلف.
إنه ليس مجرد العنف المتطرف الذي يسعى لإضعاف الغرب، لكنه يسعى أيضا إلى إجبار المسلمين على الاختيار. في الاضطرابات بالأراضي العربية المستقرة سابقا، فإن من سموا بـ«الجهاديين» يستمدون أسماءهم من خلال «إدارة التوحش». ويحث المؤلف «أبو ناجي» في الكتاب القرّاء على مراجعة كتب إدارة الأعمال، ويرى أن فترة «إدارة التوحش» هي الأخطر على الأمة، وذلك بالتحول من مقاتلة «العدو القريب» المتمثل في الأنظمة السياسية والنخب العربية والإسلامية التي يصفها بـ«المرتدة»، إلى مقاتلة «العدو البعيد» المتمثل بالغرب عموما، والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل خصوصا. وللعلم، الكتاب متاح بأكثر من 15 ألف رابط على شبكة الإنترنت، ولقد ترجمته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) للغة الإنجليزية تحت عنوان «إدارة الوحشية»، وهو محظور في العديد من الدول العربية.
«التوحش»، كما يعرفه الكتاب، حالة من الفوضى تدب في أوصال دولة ما أو منطقة بعينها، ويصار إلى استغلالها إذا ما زالت عنها قبضة السلطات الحاكمة الحديدية أو ضعفت. وهذه الحالة من الفوضى ستكون «متوحشة» وسيعاني منها السكان المحليون، لذلك وجب على «القاعدة» - التي ستحل محل السلطات الحاكمة تمهيدا لإقامة الدولة الإسلامية - أن تحسن «إدارة التوحش» إلى أن تستقر الأمور.
ويركز المؤلف على التنظير لما بعد مرحلة سبتمبر 2001، وضرورة استدراج الولايات المتحدة إلى حروب خارج الأراضي الأميركية، لتشتيت قواتها وإضعافها، وهذا ما يفسر تركيزه على العمليات الإرهابية التي تمت في السعودية منذ عام 2003 وتفجيرات بالي بإندونيسيا، وغيرها، للاستفادة منها في عمليات جديدة.
خبراء الأمن لا يجزمون حيال شخصية «أبو بكر ناجي» مع اتفاقهم على أنه شخصية غير حقيقية لشخص محدد.. «وهو في نهاية الأمر اسم حركي مستعار، وليس اسما حقيقيا لشخص معروف، وقد يكون هذا الكتاب هو من صنع (مجموعة عمل) وليس بالضرورة أن يكون شخصا واحدا محددا». لكن اللافت أن أبو مصعب السوري في بيانه ذي الـ1600 صفحة تحت اسم «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، يرى أن ما يسمى «النموذج المركزي لإدارة الجهاد» لا يمكن أن يتغلب على الجيش الأميركي بإعداداته التقنية المتقدمة، وأن التحالفات الأمنية الإقليمية مثل التحالف بين واشنطن وإسلام آباد، يعرض النموذج المركزي للخطر، ولذا يجادل بأن اللامركزية تجعل ما يسمى «السرايا الجهادية» في مأمن من الاكتشاف. وعليه فإن تشخيص أبو مصعب السوري يعني أنه على المقاتلين أن ينخرطوا بالتدريب في معسكرات إقليمية متحركة. وكتاب «إدارة التوحش» يجادل بأنه يتعين على من يسميهم «المجاهدين» إن هم سيطروا على منطقة ما أن يقيموا فيها إمارة لتطبق الشرع ورعاية مصالح الناس فيها من طعام وعلاج، في حين تتولى القيادة العليا (المركزية) التنسيق بين تلك المناطق وترتيب الأولويات.
ونظرية «أبو بكر ناجي» هي ما عليه «القاعدة» اليوم لأسباب كثيرة، ربما كانت فيها العوامل الخارجية الأكثر تأثيرا، فكلما اكتسبت «القاعدة» مكامن آمنة في سوريا والعراق وما خلفهما، تغدو نظرية المؤلف هي الأنسب.
وحقا «القاعدة» نفسها مرّت بمخاض فكري داخلي حول المستقبل، إذ قدّم «أبو مصعب السوري» - أحد أبرز منظّري «الجهاد» - نموذجا مركزيا لإدارة القتال، في حين يقدم أبو بكر ناجي نموذجا لا مركزيا. ومع أنه من الصعب التنبؤ بما ستكون عليه استراتيجيات وتكتيكات المواجهة المقبلة، فالمؤكد أن العالم الجديد بما فيه الشرق الأوسط الجديد الذي هو قيد التشكل يمر بمخاض عسير ومكلف. ولا يبدو فيه العرب إطلاقا في أحسن الأحوال، خاصة أن حالات التشظي بالانتظار.
من ناحية أخرى، أكدت جماعات مطلعة في لندن لـ«الشرق الأوسط» أن الحكايمة إنما هو الذي كتب «إدارة التوحش» خلال فترة وجوده في إيران. وكانت مصادر مطلعة في العاصمة البريطانية قد كشفت أيضا عن معلومات موثقة بأن أجهزة الأمن الإيرانية أبرمت اتفاقا مع الحكايمة قبل انتقاله إلى بريطانيا طلبا للجوء السياسي، تتعهد فيه بحمايته وإيوائه مقابل إدارته إذاعة موجهة من طهران لتكون بوقا لعناصر من «القاعدة» وعدد من المطلوبين من عناصر الجماعة الإسلامية لدى الدول العربية.
وأردف هؤلاء أن «إدارة التوحش» كتبه تنظيم القاعدة ووضع فيه معالم فكره المتسم «بصناعة الفوضى والقتل والتدمير والإفساد في الأرض والهيمنة على البلاد التي يريدون السيطرة عليها».
في مطلق الأحوال تحول كتاب «إدارة التوحش» إلى ما يشبه الدستور للمقاتلين المتشددين. ولذلك، وبمجرد جمع كل أجزائه، تولى «مركز مكافحة الإرهاب» في الأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت ترجمته إلى الإنجليزية، ومنحه عنوانا آخر هو «إدارة الوحشية»، وجرى توزيعه على المسؤولين في الدوائر السياسية للحكومة الأميركية والمسؤولين في وزارة الدفاع. ولكن بعد أقل من سنتين من إعلان ما سمي بـ«دولة الخلافة»، استطاع تنظيم داعش أن يخلق حالة من الخوف والدهشة والارتياب لدى جميع المتابعين عبر العالم. إذ ظهرت حالة مؤسسة من الرهبة وفق تنظيم أبو بكر البغدادي في إشاعتها وتسويقها، وثمة ترتيب محكم ومدروس لصناعة الرعب هذه. وفي الوقت الذي كان فيه «داعش» يتمادى في بربريته وتسجيل تقدمه في مناطق واسعة، كان خصومه والمحللون السياسيون والجواسيس والصحافيون يبحثون عن سر هذا التوسع المخيف الذي نجح في تحقيقه أصحاب الرايات السوداء.
لقد تحدث عبد السلام فرج، المنظّر الأول للحركات المتطرفة عن «الجهاد»، فعدّه «الفريضة الغائبة» قبل صدور «إدارة التوحش» بسنوات، مع أن فرض «الجهاد» لم يكن غائبا عن الأمة في أي مرحلة من مراحل حياتها، وبخاصة حين كانت تستدعي هذه المرحلة «الجهاد»، فإذا رأينا أن «الجهاد» هو «الجانب القتالي من الدين الذي يستخدم فيه المسلم بدنه وسلاحه، ويكون جنديا ضمن تشكيلات قتالية، فإننا نقر بأنه لم يكن غائبا عن الأمة في العصر الحديث». من جهته، يؤكد الدكتور هاني السباعي، مدير مركز «المقريزي» للدراسات في لندن، أن مؤلف كتاب «إدارة التوحش» هو محمد خليل الحكايمة، الذي عرف بكنية (أبو جهاد)، وهو قيادي الجماعة الإسلامية بأسوان، ثم انشق عن الجماعة احتجاجًا على مبادرتها الشهيرة - أي المراجعات الفكرية والفقهية التي على أساسها تم الإفراج عن أفرادها.
حسب السباعي، فإن الحكايمة هو المؤلف الحقيقي لـ«إدارة التوحش»، وأنه كتبه إبان وجوده في إيران. وقد سبقه كتاب آخر شهير له اسمه «وهم القوة». وأضاف السباعي: «انضم الحكايمة وهو من مواليد 1961 إلى (قاعدة الجهاد) بمبايعته لأيمن الظواهري في التسعينات. وعمل في بيشاور (بشمال غربي باكستان) في مجال الإعلام، ثم في إذاعة فلسطين من إيران في ذلك الوقت، قبل أن ينتقل إلى بريطانيا طلبا للجوء السياسي. ومن هناك رحل مرة أخرى إلى إيران مع أسامة حسن، صهر الظواهري، ومنها إلى إقليم وزيرستان الباكستاني الحدودي». ويفصّل السباعي - وهو باحث إسلامي مصري - أنه في عام 1999 بعيد وصوله إلى بريطانيا أصدر جاك سترو، وزير داخلية بريطانيا يومذاك، أمرا باعتقاله لقوة علاقته برفاعي طه (أبو ياسر) المسؤول العسكري لما يسمى بـ«الجماعة الإسلامية» ومهندس محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا (1995)، ففر إلى إيران، ثم الشريط الحدودي في أفغانستان.
وتابع السباعي، في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»، أنه تلقى من الحكايمة قبل مقتله عام 2008 بيان «الثابتون على العهد» عبر البريد الإلكتروني، بهدف توزيعه على وسائل الإعلام العربية والغربية. وقال إن الحكايمة يدافع عن نفسه، وهو يريد أن يقول إن وضع اسمه على قائمة المطلوبين إلى جانب بن لادن لا يخيفه، لأنه تعرض للموت عدة مرات في مصر وباكستان وأفغانستان. وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت أنها خصصت مكافأة بقيمة ثلاثة ملايين دولار، مقابل اعتقال ثلاثة قياديين من «القاعدة»، هم محمد خليل الحكايمة (أبو جهاد) والليبي عطية عبد الرحمن، الفقيه الشرعي وخبير المتفجرات، وعبد الهادي العراقي الذي كان رجل بن لادن في أرض الرافدين. وظهر الحكايمة أو «أبو جهاد المصري» عام 2006 في شريط فيديو إلى جانب أيمن الظواهري الرجل الثاني في «القاعدة» حينها، وأكد أن مجموعته المتطرفة (الجماعة الإسلامية) انضمت إلى «القاعدة».
الحكايمة كان يعتبر أن مهمات «إدارة التوحش» هي «نشر الأمن الداخلي، وتوفير الطعام والعلاج، وتأمين منطقة التوحش من الأعداء، وإقامة القضاء الشرعي بين الناس الذين يعيشون في مناطق التوحش، ورفع المستوى الإيماني أثناء تدريب شباب منطقة التوحش على القتال، وبث العيون، واستكمال بناء جهاز الاستخبارات المصغر».
ويقول السباعي، الذي كشف أنه عرف الحكايمة عن قرب واستقبله في منزله بلندن عدة مرات قبل أن يرحل عن بريطانيا، إن أفكار الحكايمة تتلخص في أن بيئة التوحش هي أفضل بيئة للجماعات المتشددة، حيث يمكنهم إثارة الفوضى، وتدريب أنفسهم، وجذب مزيد من الأنصار. ويحث الحكايمة على استهداف المصالح النفطية للدول والمنتجعات السياحية وكل ما من شأنه استنزاف هذه الدول، منبها إلى ضرورة اعتماد أقصى درجات الشدة عند تنفيذ المهمات في مرحلة شوكة النكاية، ولا مانع من تصفية الرهائن بصورة مروعة تقذف الرعب في قلوب العدو وأعوانه، وهو ما يفعله «داعش» اليوم.
اليوم يعتبر كثير من الخبراء «إدارة التوحش» من الكتب التأسيسية التي أثرت في تشكيل تنظيم داعش، مع أن مؤلفه كتبه قبل تأسيس «داعش» بعدة سنوات، وهو مهم أيضا لفهم خطاب الحركات المتطرفة في سوريا خاصة «داعش» و«جبهة النصرة»، وهو الكتاب الثاني الذي صحت نسبته إلى «القاعدة» بعد كتاب «الفريضة الغائبة» لعبد السلام فرج.
ولكن مثلما كان الخطأ الأبرز في كتاب «الفريضة الغائبة» تضخيم «حكم الجهاد»، وقع كتاب «إدارة التوحش» في الخطأ نفسه، مضخما «حكم الجهاد». وجرى تشكيل «الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين» بين حركتي «القاعدة» و«الجهاد» اللتين كان يرأسهما أسامة بن لادن وأيمن الظواهري في قندهار في 23 فبراير (شباط) 1988، ثم جاءت بعد ذلك العملية المزدوجة في تفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا خلال أغسطس (آب) 1988، والتي كانت ثمرة لتشكيل ما سمي «قاعدة الجهاد» وخطوة في تحقيق أهداف التنظيم الجديد.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».