العرب السنّة في العراق تائهون بين «مطرقة» العبادي و«سندان» الدواعش

عدة عوامل أسهمت في انقسامهم كقوى سياسية

العرب السنّة في العراق تائهون بين «مطرقة» العبادي و«سندان» الدواعش
TT

العرب السنّة في العراق تائهون بين «مطرقة» العبادي و«سندان» الدواعش

العرب السنّة في العراق تائهون بين «مطرقة» العبادي و«سندان» الدواعش

يرى كثير من الخبراء أن ظهور تنظيم داعش في العراق – يعود ولو جزئيا - إلى التهميش السياسي الذي عاناه العرب السُنة منذ سقوط نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، غير أن الانقسامات الكثيرة ضمن الطبقة القيادية السنية العراقية لم تترك أمام العرب السُنة في البلاد بديلاً موثوقا عن التنظيم الإرهابي المتطرف. والسؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن اليوم، في ظل تنامي النعرات الطائفية على المستوى المحلي كما الإقليمي المؤجِّجة لأسطورة «داعش»، هو: من هي الجهة التي تمثل فعليا سنة العراق؟
يعتبر أحمد السامرائي، وهو شيخ استقال أخيرًا من مجلس العشائر العراقية أن «السياسيين السنّة العرب فقدوا مصداقيتهم». والواقع أن السياسات الطائفية التي اعتمدها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي (شيعي من حزب الدعوة المؤيد لإيران) ساهمت في تقهقر الطبقة السياسية السنية، بحسب الخبير العراقي عبد الحكيم خسرو، من جامعة صلاح الدين في أربيل، عبر تهميشه شخصيات قوية مثل نائب الرئيس السابق طارق الهاشمي، الذي حكم عليه غيابيًا بالإعدام والموجود حاليا في تركيا، أو النائب أحمد العلواني.
وحقًا، فإن أقلية فقط من الطائفة العربية السنّية تعتبر نفسها مُمثلة بشكل شرعي ضمن الطبقة السياسية المنتخبة حاليا. ذلك أن المشهد السياسي السنّي تهيمن عليه عدة مجموعات متنافسة، بعضها موجود في الحكومة وبعضها الآخر في المعارضة. فعلى سبيل المثال، نرى أن الكتل الموجودة ضمن الحكومة منقسمة بين حزب «المتحدون للإصلاح» التابع لأسامة النجيفي و«الكتلة العربية» لنائب رئيس الوزراء السابق صالح المطلك، وجمال الكربولي الذي يقود حزب «الحل»، إضافة إلى مناصرين لائتلاف «الوطنية» (العلماني) بزعامة إياد علاوي، وأخيرًا هناك رئيس البرلمان الحالي سليم الجبوري، وفقا لتقرير صادر عن «معهد دراسات الحرب».
في المقلب الآخر، من الشخصيات السياسية التي استبعدت والموجودة حاليًا في خندق المعارضة نذكر وزير المالية السابق رافع العيساوي الذي جرى استهدافه بعدة محاولات اغتيال، وأثيل النجيفي، المحافظ السابق لمحافظة نينوى، عاصمتها مدينة الموصل الذي أقيل بعد سقوط الموصل بيد «داعش»، ورجل الأعمال العراقي خميس الخنجر. ومن بين فصائل المعارضة الأخرى نذكر «جيش رجال الطريقة النقشبندية» و«المجلس العسكري العام لثوار العراق» و«مجلس الفلوجة العسكرية»، و«كتائب ثورة عام 1920» و«الجيش الإسلامي في العراق»، و«جيش المجاهدين»، و«أنصار الإسلام» بالإضافة إلى قدامى البعثيين الذين إما التحقوا بالمعارضة وإما انضموا إلى صفوف «داعش» وفق تقرير صادر عن المعهد نفسه.
فضلا عن ذلك، وفق المصدر المشار إليه، لعبت العشائر، ولا سيما في محافظة الأنبار بغرب العراق، تاريخيًا دورًا هامًا داخل المجتمع السنّي. البعض منها اختار أن يتعامل مع الحكومة مثل عشيرة الجغايفة في منطقة حديثة غرب الرمادي، كذلك عشائر البوعيسى - ومنهم فرع الفحيلات - والحلابسة والبوعلوان بجنوب شرقي الفلوجة، والجبور في الضلوعية جنوب شرقي مدينة سامراء، والعزة في المنصورية شمال شرقي بعقوبة عاصمة محافظة ديالى، بجانب شمر في الرابية غرب الموصل.
وفي هذا السياق، ومن بين الشخصيات القبلية الفعالة نذكر الشيخ علي حاتم السلمان من الدليم (أكبر جماعة قبلية في محافظة الأنبار) الذي كان عضوا في ائتلاف المالكي في انتخابات عام 2010 قبل أن يعود ويعارض سياسات رئيس الوزراء.
وفي المقابل، فضلت بعض العشائر الأخرى في محافظة الأنبار التعهد بالولاء لتنظيم داعش، مثل الشخصية المؤثرة الشيخ أحمد درع الجميلي، إضافة إلى غيره من المشايخ الذين يُعتقد أنهم في مرحلة من المراحل دعموا «داعش» بطريقة غير مباشرة.
في حين منعت طبيعة وتقاليد الطائفة السنّية «ظهور السلطات الدينية التقليدية التي تحظى بتأييد مطلق أو تأثير حاسم على غرار السلطات الدينية الشيعية»، وفق ما أورد مقال نشره موقع «المونيتور» للكاتب مشرق عباس. كذلك فإن الكثير من هذه الشخصيات والجماعات السنية المختلفة ترفض التعاون فيما بينها، كما أنها منقسمة بشدة وتتحرك تحت رعاية دول إقليمية متباينة أو حتى متنافسة.
يعتبر السامرائي أن «الزعماء السنّة أصبحوا فاسدين يتجاهلون قاعدتهم الشعبية»، بينما يرى أثيل النجيفي، محافظ نينوى السابق، أن فشل العملية السياسية أدى إلى تقويض الثقة بين النخبة السياسية السنية والمواطنين، ومن ثم بات «المجتمع السني بحاجة لأن يلمس بعض النجاحات لكي يولي من جديد ثقته للطبقة السياسية».
والحقيقة أن التنافس والانقسامات وانعدام الرؤية الاستباقية كانت عوامل أدت إلى شل الطبقة السياسية السنّية العربية التي وجدت نفسها عاجزة عن الدفاع عن مصالح مجتمعها وبيئتها الشعبية. ومن جانبها فشلت حكومة بغداد، بما في ذلك مكوناتها السنّية، في إيجاد حل للمظالم الاجتماعية والسياسية التي طغت على فئة من المجتمع العراقي. وكان «مؤتمر الأردن» الذي عقد في عام 2014 قد سلَّط الضوء على بعض من هذه المطالب، ومنها تعديل قوانين مكافحة الإرهاب التي اعتبرت كما لو أنها تستهدف العرب السنّة مباشرة، والتراجع عن «قانون اجتثاث البعث» الذي حرم المسؤولين السابقين في الحزب من تولي مناصب حكومية. ولقد شملت المطالب الأخرى إجراء تعداد سكاني جديد لم يجر تنظيمه منذ سقوط الرئيس صدام حسين، وإنشاء إقليم للسنّة وتمرير قانون الحرس الوطني على مستوى البرلمان، بعد أن تم التصويت عليه في مجلس الوزراء.
وبالإضافة إلى كل من تقدم، جاءت أزمة اللاجئين الضخمة لتزيد الطين بلة من حيث انعدام مصداقية زعماء العرب السنّة، حيث إنه اعتبارا من يونيو (حزيران) 2015، شُرِّد على الأقل 3.1 مليون شخص بسبب النزاع المندلع منذ يناير (كانون الثاني) 2014 في العراق ووصل عدد الأشخاص الذين باتوا بأمس الحاجة إلى مساعدات إنسانية إلى 8.2 مليون شخص.
البعض يرى أن اليوم قد يكون هو الوقت المثالي لكي يتوحد جميع العراقيين من العرب السنّة، ويتمكنوا، بالتالي، من استغلال أي عملية سياسية جديدة قد تطلق في العراق لصالحهم. ومن ثم يتيسر لهم وضع حد لحالة التشتت والضياع الناتجة عن الانشقاقات الداخلية التي تمنعهم من اختيار ممثل قوي يكون قادرا على التحدث باسمهم جميعًا. إن الطبقة السياسية السنّية تحتاج إلى الخروج بأجندة واضحة تكون قادرة على معالجة الخلافات الكثيرة التي تطال أنحاء البلاد كلها لا سيما حين يتعلق الأمر بسيطرة «داعش» على المشهد السياسي، والتي بغيابها سيستمر التنظيم الإرهابي ببسط هيمنته على السكان.
لا ريب في أن الحكومة العراقية – ذات الثقل الشيعي - تتحمل الكم الأكبر من المسؤولية. وبالتالي على رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي أن يكثف الجهود التي يبذلها للارتداد أو حتى لنقض سياسات المالكي التي استعدت القيادة السنّية ودمرتها وحرمت المجتمع من زعامة موثوقة. كما على الدولة أن تضمن تمثيلا يحظى بمصداقية المجتمعات المحلية في مؤسساتها لاستعادة بعض من شرعيتها. هذا فضلا عن جملة من الحلول الجديدة التي يمكن أن توفر للسنة شكلا من الحكم الذاتي مثل إنشاء إقليم يساهم في فصل السكان، بما في ذلك قدامى البعثيين من المنظمة الإرهابية. وهنا يشير خسرو إلى تجربة كردستان عام 1991، حين أصدر إقليم كردستان قانون العفو لجميع الأكراد الذين تعاونوا مع البعث، من دون أن يشمل هذا القانون من كان بحقه جرائم فردية (كالحق الشخصي).
ولكن، في نهاية المطاف، يقع على عاتق العرب السنّة في العراق أن يجيبوا بأنفسهم على الأسئلة فيما يتعلق بمن يمثلهم، إجابات ستحدد في النهاية مستقبل الحرب على الإرهاب ومدى نجاحها سواء على المستوى العراقي أو الإقليمي.



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟