تأجيل المباحثات بين الشرعية والانقلابيين لأسبوعين

قيادة «التحالف»: المملكة ترفض التفاوض المباشر مع صالح

قوات موالية للرئيس هادي في مأرب (أ.ف.ب)
قوات موالية للرئيس هادي في مأرب (أ.ف.ب)
TT

تأجيل المباحثات بين الشرعية والانقلابيين لأسبوعين

قوات موالية للرئيس هادي في مأرب (أ.ف.ب)
قوات موالية للرئيس هادي في مأرب (أ.ف.ب)

أعلنت الحكومة اليمنية الشرعية، تأجيل موعد مباحثاتها، لمدة أسبوعين على الأقل، عن الموعد المحدد رسميا في 14 من الشهر الحالي، وذلك لعدم التزام الحوثيين بتنفيذ وعودهم بإطلاق سراح السجناء وهو من بين الأسباب التي تدفع في اتجاه التأجيل. وأجرى إسماعيل ولد الشيخ أحمد، المبعوث الأممي لدى اليمن، عددا من اللقاءات في العاصمة الرياض، مع عبد اللطيف الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، وأعضاء وفد الشرعية اليمنية.
وقال أحد مستشاري الرئيس اليمني لـ«الشرق الأوسط»، إن ولد الشيخ، طلب هدنة جديدة خلال المشاورات، وهذا الأمر بيد الرئيس عبد ربه منصور هادي.
وأوضحت الحكومة اليمنية أن هناك توجها لتأجيل موعد الجولة القادمة من المحادثات من منتصف يناير (كانون الثاني) إلى موعد آخر، وأن إعلان الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح عدم المشاركة في المحادثات، وعدم التزام الحوثيين بتنفيذ وعودهم بإطلاق سراح السجناء، من بين الأسباب التي تدفع في اتجاه التأجيل.
وقال عبد العزيز جباري، وزير الخدمة المدنية، مستشار الرئيس اليمني لـ«الشرق الأوسط»، إن المبعوث الأممي ولد الشيخ، التقى مع وفد الشرعية اليمنية، المشارك في المباحثات الثالثة، حيث جرى التأكيد على الأمم المتحدة، الراعية لهذه المباحثات، بأن الشرعية اليمنية، مستعدة للمباحثات في أي زمان ومكان.
وأشار وزير الخدمة المدنية إلى أن المشاورات سيتم تأجيلها إلى بعد أسبوعين من الموعد الرسمي المعلن عنه، وهو 14 يناير، إذ إن الوفد ذهب إلى «جنيف2»، ولم يستطع وفد الانقلابيين تنفيذ إجراءات بناء الثقة، في إطلاق سراح المعتقلين والسياسيين، وأصررنا عليهم خلال الاجتماعات، إلا أنهم لم يقوموا بذلك.
وأضاف «المشاورات المقبلة لا بد أن تختلف عن (جنيف 1 و2)، لأن الشعب اليمني لا يحتمل أي تسويف أو مماطلة من الجانب الانقلابيين».
وأكد مستشار الرئيس اليمني، أن هناك وعودا سمعها أعضاء وفد الحكومة الشرعية من إسماعيل ولد الشيخ، إلا أن أعضاء وفد الشرعية، يريدون خطوات ملموسة على أرض الواقع.
وأضاف «عرض المبعوث الأممي، هدنة جديدة خلال المشاورات، إلا أن هذا الموضوع بيد الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، ونحن عملنا هدنة في الجولات السابقة، بالتنسيق مع قوات التحالف بقيادة السعودية، إلا أن الانقلابيين قاموا باستغلالها بشكل خاطئ».
كما اجتمع الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج، مع إسماعيل ولد الشيخ أحمد، أمس في مكتبه بالرياض، وبحثا الجهود التي يقوم بها ولد الشيخ، للتحضير للجولة الثالثة من المشاورات السياسية بين الأطراف اليمنية، استكمالا للمشاورات التي عقدت في سويسرا في منتصف الشهر الماضي، وكذلك جهود الإغاثة التي تبذل لإيصال المساعدات الإنسانية لرفع معاناة الشعب اليمني في محافظات اليمن كافة.
وأكد الدكتور الزياني، خلال اللقاء دعم دول مجلس التعاون للجهود التي يبذلها المبعوث الأممي، مشددا على أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، ومن ثم الدفع بالعملية السياسية وفق المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، داعيا إلى مضاعفة جهود إيصال المساعدات الإنسانية والاحتياجات الضرورية للشعب اليمني، خصوصًا إلى مدينة تعز المحاصرة نظرا لتدهور الوضع الإنساني في المدينة.
ومن جانب آخر، أكد المتحدث باسم قيادة التحالف العربي، العميد أحمد عسيري، أنه لا يمكن أن تقبل السعودية على الإطلاق التفاوض مباشرة مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وميليشيات الحوثي.
وجاء كلام عسيري ردًا على صالح، الذي أعلن في كلمة متلفزة بثتها قناة «اليمن اليوم» المملوكة له، مساء أول من أمس، والتي قال فيها إنه لن يتحاور إلا مع المملكة، مشيرًا إلى أنه لا يوجد لديه أي مشكلة مع النظام السعودي. وتراجع صالح عن تهديده السابق للمملكة بـ«حرب مختلفة، لم تبدأ بعد». وشدد عسيري على أن عمليات التحالف مستمرة وبشكل متزامن في مناطق عدة جنوب وشمال اليمن من أجل الوصول إلى العاصمة صنعاء.
وكانت خطبة الرئيس المخلوع الأخيرة قد أثارت استهجان وسخط أتباعه قبل خصومه. وقال مراقبون سياسيون لـ«الشرق الأوسط» إن خطبة الرئيس باتت محل نكتة وتندر عامة الناس الذين تلقونها وعلى غير عادتهم وكأن صاحبها مهرج كوميدي، وليس رئيسا سابقا حكم البلد لأكثر من ثلاثة عقود ونيف وما زال غير آبه أو مكترث أنه لم يعد رئيسا شرعيا أو مقبولا لدى شعبه الذي انتفض عليه وعزله شعبيا ورسميا.
وأشاروا إلى أن الرئيس المخلوع خاطب الجنوبيين باسم «الحراك الجنوبي» الذي لطالما وصفهم أثناء حكمه بالخارجين عن القانون، لافتين إلى أن صالح بدا في حالة نفسية مضطربة موزعا صكوك الوطنية والخيانة والعمالة والارتزاق كيفما شاء وعلى من يشاء. وأوضحوا أن المخلوع قال إن قواته تتعرض لهجوم من 17 دولة بينها إسرائيل وأميركا والعرب العاربة والعرب المستعربة، على حد وصفه.
وقال المخلوع في خطبته: «المبعوث الأممي سيصل غدا إلى صنعاء ونحن قادمون على مفاوضات جديدة، ونرحب به فور وصوله غدًا وذلك بشروطنا».
وفي سياق آخر يتعلق بتطورات ميدانية، وصلت قوات مدربة تابعة للسلطة الشرعية، إلى محافظة البيضاء، وسط اليمن، لمواجهة ميليشيات الحوثي وصالح التي تسيطر على عدد من المديريات بالمحافظة.
وقالت مصادر في المقاومة الشعبية لـ«الشرق الأوسط» إن أفراد القوات التي وصلت إلى مديرية ذي ناعم هم من أبناء المديرية الذين تم نقلهم إلى قاعدة العند الجوية، بمحافظة لحج، حيث خضعوا هناك لتدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة المتوسطة والخفيفة من قبل قيادة الجيش الوطني وقوات التحالف العربي.
وأشارت إلى أن القوات التحقت فور وصلها إلى البيضاء إلى قوة المقاومة الشعبية تحت قيادة قائد المقاومة الشعبية بمديرية ذي ناعم.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.