إيران الأولى عالميًا في الاتجار بالبشر.. انتهاكات للطفولة وتعريضهم للعمل القسري

نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية وتآكل الطبقة الوسطى بسبب سوء إدارة الدولة

طفلة إيرانية تحمل لوحة تطلب فيها المساعدة ضمن طابور من اللأجئين الإيرانيين على الحدود بين اليونان ومقدونيا (غيتي)
طفلة إيرانية تحمل لوحة تطلب فيها المساعدة ضمن طابور من اللأجئين الإيرانيين على الحدود بين اليونان ومقدونيا (غيتي)
TT

إيران الأولى عالميًا في الاتجار بالبشر.. انتهاكات للطفولة وتعريضهم للعمل القسري

طفلة إيرانية تحمل لوحة تطلب فيها المساعدة ضمن طابور من اللأجئين الإيرانيين على الحدود بين اليونان ومقدونيا (غيتي)
طفلة إيرانية تحمل لوحة تطلب فيها المساعدة ضمن طابور من اللأجئين الإيرانيين على الحدود بين اليونان ومقدونيا (غيتي)

في تقرير سابق أصدرته الخارجية الأميركية، احتلت إيران المرتبة الأولى عالميا في الاتجار بالبشر، وتحديدا الأطفال. مراكز الشرطة الإيرانية سجلت شكاوى غريبة، منها نبش القبور وسرقة أجزاء الجثامين وتهريبها. الأطفال الضحية الأولى، فتعريضهم للعمل القسري والانتهاكات الجنسية بحقهم أصبحت ضمن الجرائم التي تسجلها مراكز الرصد العالمية. سوء إدارة الدولة في إيران أدى لتآكل الطبقة الوسطى، وزيادة معدل الجريمة، كما يقول خبراء.
وأوضح الباحث حامد الكناني، في بحث قدم إلى مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث، أن إيران، تصدرت إلى جانب روسيا وتايلاند المرتبة الأولى في قائمة الدول المتهمة بالمشاركة في الاتجار بالبشر عبر العالم، وذلك في التقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية في يوليو (تموز) الماضي، حيث اتهمت الولايات المتحدة، طهران بجانب موسكو وبانكوك بعدم بذل جهود كافية لمكافحة الاتجار بالبشر، وسبقت هذه الدول الثلاث، دول أخرى مثل فنزويلا والجزائر وسوريا واليمن وكوريا الشمالية وزيمبابوي، حيث تصدرت قائمة تعدها الخارجية الأميركية كل عام.
في المقابل، تضمن التقرير رفع مرتبة السعودية إلى المستوى الثالث بفعل جهودها في حماية الضحايا، كما سجلت ماليزيا التي تراجع ترتيبها العام الماضي إلى آخر اللائحة، تحسنا كبيرا هذه السنة وأصبحت في الفئة الثانية للدول «الخاضعة للمراقبة» بفضل «الجهود الكبيرة» التي بذلتها كوالالمبور في هذا المجال.
وتقول منظمة العمل الدولية، إن الاتجار بالبشر يدر أرباحا سنوية بنحو 150 مليار دولار، 99 مليارا منها من صناعة الجنس فقط، وتقدر الولايات المتحدة عدد ضحايا الاتجار بالبشر بنحو 20 مليون شخص.
وقال الباحث الكناني، إن الولايات المتحدة لم تكن هذه المرة الأولى التي تتهم طهران بضلوعها في ظاهرة الاتجار بالبشر، ففي عام 2006، وضعت وزارة الخارجية الأميركية، إيران في أسوأ المراتب التي تضم 12 دولة فقط قيمت على أنها لم تفعل ما يجب لوقف تلك التجارة، والاتجار بالبشر عملية خطيرة للغاية يستغل فيها الإنسان سوء استغلال من قبل أخيه الإنسان وتتضمن عملية الاتجار بالبشر أعمالاً غير مشروعة كالتهديد أو استخدام القوة، وغيرها.
وأشار الباحث الكناني إلى أن المال والحاجة لدى بعض الأفراد من البشر يشكلان أساس وقوعهم بيد عصابات إجرامية وذلك تلبية لاحتياجات أولية يحتاج إليها البشر من أجل العيش مثل تأمين مصاريف الأسرة والتمتع بحياة أفضل والمغامرة أحيانا، أو تأمين مصاريف الإدمان لدى المدمنين على المخدرات والكحول، وغالبا ما ينتهي الأمر بوقوع الضحايا تحت قبضة عصابات إجرامية تشرف عليها شبكات دولية وتحصل هذه العصابات على المال من خلال بيع أعضاء الضحايا وزج النساء في تجارة الجنس والدعارة وعمليات وغسل الأموال وقضايا التجسس.
وذكر أن الدول التي تشهد اضطرابات سياسية واقتصادية، تكوّن الأرضية الخصبة لنشاط عصابات الاتجار بالبشر، وفي إيران البلد الذي شهد اضطرابات سياسية وأزمات اقتصادية نتيجة سياسات النظام الخاطئة والمتمثلة بالمشروع النووي المثير للجدل ومغامرات نظام ولي الفقيه الإقليمية، ارتفعت معدلات البطالة وتزايدت في السنوات الأخيرة عمليات الاتجار بالبشر حتى شملت الأحياء من الإيرانيين والأموات منهم.
وبحسب الباحث الكناني، تشير التقارير الواردة من إيران، أن جرائم الاتجار بالبشر في طهران إضافة لاختيار ضحاياها من بين الأحياء شملت الأموات من الإيرانيين أيضًا، حيث سجلت مراكز الشرطة الإيرانية الكثير من شكاوى المواطنين من ذوي الأموات عن كشفهم لعمليات نبش القبور بعد ساعات من دفن الموتى وسرقة أجزاء من جثامين الموتى وتهريبها خارج إيران من أجل بيعها للجامعات ومراكز البحوث العلمية.

بيع أعضاء البشر
وأكد الباحث الكناني، أن كل من زار العاصمة الإيرانية طهران في السنوات الماضية، يشهد إعلانات وأرقام هواتف جوالة وقوائم أسعار لبيع الكلى يتركها أعضاء العصابات المتخصصة بتجارة الأعضاء البشرية في زوايا من الشوارع وأكشاك الهواتف العامة، وتقوم هذه العصابات برصد الفقراء والمحتاجين واستغلال ظروفهم الاقتصادية بعد عرض مبلغ من المال، مقابل بيع أعضاء من أجسادهم، وغالبا ما يتعرض هؤلاء الفقراء لعمليات نصب واحتيال من قبل العصابات، حيث تنزع أعضاؤهم الجسدية بعد تخديرهم في أماكن غير مرخصة قانونيا، وغالبا ما يترك الضحايا في الشوارع العامة دون مقابل، وفي أفضل الأحوال يتسلم بعضهم جزءا قليلا من المال.
وأضاف: «نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية وتآكل الطبقة الوسطى بسبب سوء إدارة الدولة الإيرانية، شهدت الأقاليم الإيرانية في العقد الأخير تزايد عمليات الاتجار بالأطفال التي تعد من أبشع أنواع الجرائم ضد الإنسانية، حيث يتعرض معظم الأطفال الذين يقعون فريسة العصابات الإجرامية للعمل القسري والانتهاكات الجنسية والجسدية في مواقع ومعامل صناعية بعيدة عن المدن وعيون السلطات بعد أن يجري حقنهم بالمخدرات ويتعرض البعض الآخر لعمليات جراحية يستخرج من خلالها بعض أعضائهم الجسدية خاصة الكلى حيث يجري بيعها».
وكانت مستشفيات طهران، شهدت تزايد الطلب على عمليات زرع الأعضاء البشرية ومنها الكلى، حيث يذهب سنويا الكثير من المرضى من داخل إيران ودول مجلس التعاون الخليجي وحتى الدول الأوروبية إلى العاصمة الإيرانية طهران، للحصول على أعضاء بشرية وذلك لأسباب عدة ومنها منع تجارة أعضاء البشر في بلدانهم أو وجود قوائم انتظار طويلة لتسلم العضو المطلوب أو لسهولة وسرعة الحصول على العضو المطلوب وتدني سعره، الأمر الذي زاد من نشاط عصابات الإجرام المتاجرة بالبشر بغرض الحصول على المزيد من المال.



فرنسا لمواجهة «التحدي الاستراتيجي» الإيراني

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
TT

فرنسا لمواجهة «التحدي الاستراتيجي» الإيراني

الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته فرنسوا بايرو في أثناء حضورهما تجمعاً بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة وسوبر ماركت يهودي في باريس (رويترز)

استكمل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، اليوم الثلاثاء، «مضبطة الاتهامات» ضد إيران التي طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون في كلمته أمام السلك الدبلوماسي، الاثنين، والتي لم تتضمن ملف الرهائن الفرنسيين المحتجزين في إيران منذ عام 2022.

وبذلك، أضاف بارو مدماكاً إضافياً إلى المداميك العديدة التي تؤدي إلى تصعيد التوتر في العلاقات الفرنسية - الإيرانية.

يعكس كلام بارو شكلاً من أشكال الإحباط بسبب فشل باريس في الحصول على الإفراج عن مواطنيها الثلاثة: سيسيل كوهلر ورفيق دربها جاك باريس ومواطن ثالث لم يكشف سوى عن اسمه الأول، أوليفيه، الذين ما زالوا محتجزين في إيران، علماً بأن السلطات الإيرانية قد وافقت سابقاً وفي فترات مختلفة على تحرير عدد من الفرنسيين.

رداً على ذلك، دعا بارو الفرنسيين، الثلاثاء، إلى الامتناع عن التوجه إلى إيران انتظاراً لـ«الإفراج الكامل» عن «رهائن الدولة»، كما تسميهم باريس.

وجاء في تصريحاته حرفياً: «أقول للسلطات الإيرانية: يجب الإفراج عن رهائننا. علاقاتنا الثنائية ومستقبل العقوبات يعتمد على ذلك. أدعو مواطنينا، وحتى يتم الإفراج الكامل عن رهائننا، إلى عدم التوجه إلى إيران».

وأفاد بارو بأنه «منذ انتخاب الرئيس (مسعود) بزشكيان، ورغم الجهود التي بذلناها على أعلى مستوى، فقد تدهورت أوضاعهم».

بارو يُلقي خطاباً بجانب وزير الخارجية البولندي رادوسواف سيكورسكي خلال المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين الاثنين (رويترز)

وترفض باريس، قطعياً، الاتهامات الموجهة لمواطنيها الثلاثة، ومنها التجسس لصالح قوة أجنبية. ولم يتردد الوزير الفرنسي في اتهام إيران بممارسة التعذيب ضد الثلاثة بقوله: «إن وضع مواطنينا المحتجزين كرهائن في إيران غير مقبول بكل بساطة، فهم محتجزون ظلماً منذ عدة سنوات، في ظروف غير لائقة تندرج بالنسبة للبعض ضمن تعريف التعذيب بموجب القانون الدولي».

دبلوماسية الرهائن

ليس ملف احتجاز الرهائن في إيران جديداً، لا بالنسبة لفرنسا أو للبلدان الأوروبية ولدول أخرى. وآخر ما استجد توقيف الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا في طهران يوم 19 ديسمبر (كانون الأول) بحجة «انتهاك القوانين الإيرانية»، الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة الإيطالية.

كما أنه ليس سراً أن السلطات الإيرانية تلجأ إلى اعتماد سياسة الرهائن لمقايضتهم بمواطنين إيرانيين مسجونين في البلدان الغربية، والأدلة على ذلك عديدة.

وفي حالة فرنسا، فإن ما يثير استغرابها أن طهران لا تأخذ بعين الاعتبار حرص باريس على استمرار التواصل معها الدبلوماسي على أعلى المستويات. لكن اللافت أن وزير الخارجية ربط، وللمرة الأولى، كما تقول مصادر فرنسية، بين ملف الرهائن، وتواصل العقوبات على إيران. ويبدو أن بارو تعمد الغموض من حيث امتناعه عن تحديد العقوبات التي أشار إليها، وما إذا كانت مرتبطة فقط بمسألة الرهائن أم بالملفات الخلافية العديدة القائمة مع طهران، والتي شكلت لـ«مضبطة الاتهامات» التي فصّلها ماكرون.

أشخاص يشاركون الثلاثاء في وقفة نظمتها نقابة الصحافيين في لاتسيو ورابطة الصحافة الرومانية للمطالبة بالإفراج عن الصحافية الإيطالية سيسيليا سالا المحتجزة في إيران (د.ب.أ)

ماكرون والعودة لـ«سناب باك»

لم تكن المرة الأولى التي ينتقد فيها ماكرون إيران وبرنامجها النووي ودورها الإقليمي، لكن اللافت فيما جاء على لسانه، الاثنين، وصفه إياها بـ«التحدي الاستراتيجي والأمني لفرنسا وللأوروبيين وللمنطقة بكاملها (الشرق الأوسط)، وأبعد من ذلك». وتشمل «مضبطة الاتهامات» برنامج إيران النووي المتسارع الذي يقودنا إلى حافة القطيعة أو «اللاعودة»، في إشارة إلى ارتقائها بتخصيب اليورانيوم، وبالتالي اقترابها من القدرة على امتلاك السلاح النووي.

كذلك، ندد ماكرون ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية الذي «يهدد التراب الأوروبي ومصالحنا». وكان لا بد لماكرون أن يشير إلى «انخراط إيران في الحرب الروسية على أوكرانيا»، وهو أمر «مثبت»، وكذلك «توفيرها الدعم للمجموعات الخطيرة» الضالعة في كافة نزاعات وحروب الشرق الأوسط، مدللاً على الميليشيات التي تساندها طهران في غزة ولبنان والعراق واليمن.

وللمرة الأولى، يشير ماكرون لدور إيراني في أفريقيا من خلال «وكلائها»، فضلاً عن اللجوء إلى «ممارسة الإرهاب».

الخلاصة التي توصل إليها ماكرون تقول إن إيران «تشكل خطراً إن لم يتم التعامل معها»، ما يحتّم «القيام بمناقشة شاملة» تضم الملفات الخلافية العديدة: النووي، والباليستي، والأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة بما فيها أفريقيا»، والغرض «بناء حلول قابلة للتحقق ولا رجعة فيها».

ثم إن ملفاً بهذه الخطورة يفترض، وفق ماكرون، أن يكون على رأس الملفات الرئيسية المفترض مناقشتها مع الإدارة الأميركية الجديدة من أجل التوصل، بخصوص النووي، إلى «اتفاق أوسع نطاقاً، وهو الخط الذي نسير عليه».

وذكر الرئيس الفرنسي أنه طرح، في عام 2018، على الرئيس ترمب، عوض نقض اتفاق 2018، استكماله ببنود إضافية للتوصل إلى اتفاق أقوى وأوسع. ويريد ماكرون انخراطاً واسعاً لمعالجة الملفات الإيرانية، يشمل بالطبع الولايات المتحدة والأوروبيين، ولكن أيضاً دول المنطقة الرئيسية. أما القنبلة التي فجرها ماكرون والتي يعدّها الورقة الرئيسية الضاغطة على إيران، فعنوانها تفعيل ما يسمى آلية «سناب باك» التي تعني إعادة الملف النووي إلى مجلس الأمن، وما يمكن أن يُفضي إلى إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وقال ماكرون ما حرفيته: «في الأشهر المقبلة، سيتعين علينا أن نطرح على أنفسنا مسألة استخدام آليات إعادة فرض العقوبات من الآن وحتى أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ونحن مستعدون للقيام بذلك، ولكننا بحاجة إلى التزام أوسع نطاقاً من أجل التوصل إلى معاهدة أكثر تشدداً. من وجهة نظري، هذه إحدى القضايا ذات الأولوية في النقاش الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والمنطقة بأسرها».

وإشارة ماكرون إلى شهر أكتوبر مردّها لانتهاء الاتفاقية النووية والقرار 2231، رسمياً، في الخريف المقبل.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب في صورة قديمة جمعته في 2020 مع ينس ستولتنبرغ أمين عام حلف شمال الأطلسي وقتها (د.ب.أ)

ترمب والمُعطَى الجديد

ليست المآخذ الغربية على برنامج إيران النووي جديدة ولا حاجة لتكرارها، بيد أن ما يفسر اللهجة «الهجومية» التي يعتمدها الرئيس الفرنسي لا يمكن فصلها، وفق سفير سابق في المنطقة، عن ثلاثة عوامل رئيسية: الأول، عودة ترمب إلى البيت الأبيض وخططه المرتقبة تجاه إيران. والثاني، ضعف النظام الإيراني حالياً بسبب التطورات العسكرية التي تشهدها المنطقة منذ أكتوبر 2023. والثالث فرنسي خالص «ملف الرهائن الفرنسيين في إيران». ولذا، أصبح واضحاً اليوم أن إيران فقدت الكثير من مخالبها التي سعت خلال العقود الماضية إلى تقويتها وفق استراتيجية تطويق إسرائيل وتقوية «الوكلاء»؛ سواء كانوا في غزة أو لبنان أو العراق أو اليمن؛ من أجل حماية النظام.

يضاف إلى ما سبق أن الضربات العسكرية التي وجهتها إسرائيل لإيران، خصوصاً الضربة الجوية الأخيرة، أواخر أكتوبر الماضي، أضعفت قدراتها الدفاعية بسبب القضاء على منظومات الدفاع الجوي التي تمتلكها، ما دفع برئيس الوزراء الإسرائيلي بـ«التباهي» وتأكيد أن سلاح الجو الإسرائيلي يستطيع أن يسرح ويمرح في الأجواء الإيرانية على هواه، ما دفع الدبلوماسي الأميركي السابق المعروف جيمس جيفري إلى القول لقناة «بي بي سي» يوم 22 ديسمبر ( كانون الأول) الماضي، إن ما تعيشه طهران هو «انهيار غير مسبوق لهيمنة إقليمية»، وإن «كافة أحجار الدومينو التي بنتها قد تهاوت»، ما ينعكس حكماً على قدراتها.

بالنظر لما سبق، ثمة قراءة تقول إن «الوقت مناسب للحصول على تنازلات من إيران»، وهو الأمر الذي يفسر قبولها معاودة المفاوضات مع الثلاثي الأوروبي: فرنسا وبريطانيا وألمانيا حول برنامجها النووي في اجتماع ثان سيعقد يوم 13 الحالي استباقاً لتسلم ترمب مسؤولياته رسمياً بعد أسبوعين.

وثمة قناعة لا تتزحزح، قوامها أن ملف إيران اليوم مرهون بما سيقرره ترمب، وليس أي جهة أخرى. من هنا، تتلاطم التكهنات بين من يتوقع ضربة عسكرية إسرائيلية أو أميركية - إسرائيلية للقضاء على برنامج إيران التي اتهمها جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، بأنها تعمل على تصنيع القنبلة النووية، ومن يعتقد أن السلطات في طهران، المشغولة أيضاً بخلافة خامنئي البالغ من العمر 85 عاماً، والذي يتحكم بالقرار منذ عام 1989، ستظهر ليونة في التعاطي مع الوضع الإقليمي والدولي الجديد لتجنب الأسوأ.