أسبوع الموضة الرجالي يبلغ سن النضج بعد أربع سنوات فقط من انطلاقه

انطلق ماراثون الموضة العالمية من لندن يوم أمس، قبل أن يتوجه في الأسبوع المقبل إلى ميلانو وبعدها لباريس. وهكذا ستشهد العاصمة البريطانية طوال أربعة أيام، ما لا يقل عن 65 عرضا استهلتها ماركة «توبمان» يوم أمس بعرض حافل لخصت فيه ثقافة الموضة البريطانية وروحها الشبابية من خلال تصاميم «سبور» تخاطب رجلا يريد الانعتاق من الأزياء الرسمية من دون أن يتنازل عن أناقته. وإذا كان عرض «توبمان» يذكرنا بأن لندن لا تزال عاصمة الابتكار التي تولد منها الكثير من التوجهات التي تلتقطها باقي عواصم الموضة وتترجمها بإمكانيات أكبر، فإن الحفل الكبير الذي أقامته منظمة الموضة البريطانية مساء أول من أمس في قصر سانت جيمس، له رمزية ودلالات لا تقل أهمية. الدلالة هنا أن اختيار المكان تذكير لنا بأن الموضة الرجالية، كما نعرفها اليوم، ولدت في بريطانيا وفي قصر ملكي هو قصر «وايتهول» في عام 1666. فكتب تاريخ الموضة تقول بأن بو برامل، قد يكون الأب الروحي للمدرسة «الداندية» لكن تشارلز الثاني هو سفيرها والمروج لها، إضافة إلى أنه كان وراء ابتكار البدلة المكونة من ثلاث قطع، التي أصر أن يتبناها رجال حاشيته حتى لا يبدوا نشازا. في ذلك العهد، استوحى بعض التفاصيل من الملك الفرنسي لويس XIV، المعروف بتأنقه، مثل القمصان التي تربط على شكل فيونكات وغيرها، إلا أنه بعد قرن واحد انعكس الأمر وأصبح الفرنسيون هم الذي يقلدون البريطانيين، أو بالأحرى الموضة الإنجليزية، بتبنيهم المعاطف المفصلة ذات الألوان الداكنة، والبدلات المصنوعة من الصوف، وتخلصهم من الكشاكش والتفاصيل المبالغ فيها في محاولة لإبعاد الشبهات عن أنفسهم وعن كل ما له صلة بالنظام الملكي القديم.
في المقابل، وظف البريطانيون الأرستقراطية لصالحهم، وسوقوها لأسواق عالمية مبهورة بالهالة الملكية. فعندما انطلق أسبوع الموضة الرجالي لأول مرة في 2012. مثلا، كان واضحا أنه يريد أن يستغل هذه النقطة، حيث جند الأمير تشارلز لتدشينه وافتتاحه. فهذا الأخير يجسد إلى حد كبير الأسلوب الإنجليزي الرسمي الذي يتميز ببدلات مكونة من ثلاث قطع وما تتطلبه من إكسسوارات. الآن، في دورته الثامنة، لا يزال الأسبوع يرقص على هذه النغمة، لكنه يطورها بذكاء بمزج إيقاعاتها الأرستقراطية بالابتكار والحداثي، وهذا ما تلبيه بيوت أزياء مثل «هاكيت»، «توم بينك»، «دانهيل»، «جيفس أند هوكس»، «بيربري»، «بول سميث، وغيرهم ممن يتميزون بقدرات هائلة على التفصيل، وكذلك مصممون شباب ممن يتمتعون بالجرأة والرغبة في الإبداع مهما كلفهم الثمن. منظمة الموضة تلعب على الحبلين وتتبنى المدرستين، لأنها تريد أن تسوق لندن كعاصمة عالمية وتجارية من جهة، وكعاصمة موضة ديمقراطية من جهة ثانية. فقد يكون كبارها عملتها الذهبية، إلا أن شبابها هم مستقبلها، وهم من يمنح لندن صورتها كعاصمة تحتضن كل الثقافات والأساليب والمواهب بغض النظر عن جنسياتهم، خصوصا أنها تفتقد إلى قدرات مصممي باريس وميلانو أو حتى نيويورك، الإعلانية، ما يجعلها تتكل على الإبداع أولا وأخيرا، وأحيانا على محاولات شبابها المستميتة لجذب الأنظار، ولو بإحداث صدمات بصرية. بيد أنه وراء الصدمة والإثارة هناك دائما قدرات هائلة على أن يصنعوا من القليل كثيرا، وليس أدل على هذا من ناصر مزهر، المعروف بأسلوبه «السبور» الذي يستعمل فيه أقمشة حديثة وغريبة تبدو ساذجة أحيانا، لكنها تحمل بين طياتها الكثير من الابتكار والخيال والرغبة في تكسير المتعارف عليه. كذلك كريستوفر شانون، الذي يستعمل البوليستراحيانا، وكريغ غرين، الذي يقدم دائما تصاميم رائعة مصنوعة من خامات بسيطة مثل الدينم والقطن. في عرضه الأخير للربيع والصيف أرسل العارضين حفاة، ربما لأنه لم يستطع تحمل تكاليف شراء أحذية، حسب تفكه البعض، أو كما صرح في آخر العرض، لأنه أراد أن يترك الكلمة الأولى والأخيرة للأزياء، فالإكسسوارات أحيانا تسرق الأضواء وتُسبب تشويشا للعين.
في الأيام الأولى تكون الصورة عموما شبابية لكن من اليوم الثاني تبدأ الخطوط تتضح أكثر، وأحيانا تكتسب ترفا مع بيوت أزياء لها إمكانيات عالية، مثل «كوتش» الأميركية التي بدأت تعرض في أسبوع لندن منذ فترة، و«بيربري» التي يعتبر عرضها من أهم العروض وأكثرها إبهارا، سواء من حيث طريقة العرض ومكانه أو من حيث الموسيقى الحية التي تترافق معه.
في المقابل، هناك بيوت، لا تؤمن بأهمية عرض يكلف آلاف الجنيهات لمدة 20 دقيقة في أحسن الأحوال، ويفضلون عليها معارض صغيرة تدوم ليوم كامل أو لساعات يستطيع فيها الضيوف لمسها وتفحصها عن قرب. من هؤلاء نذكر «دانهيل» يوم غد، «هاردي أيميس، ريتشارد جيمس و«بيلستاف» على سبيل المثال لا الحصر. ولا شك أن هذا المزيج والاختلاف ما يعطي الأسبوع نكهته المثيرة التي لا تصيب بالملل.