قضايا أثارت الجدل في المغرب عام 2015

عرف المغرب خلال عام 2015 سلسلة من القضايا والأحداث التي أثارت جدلا واسعا، اتخذت جلها أبعادا سياسية رغم تنوع واختلاف طبيعة كل قضية على حدة، بين ما هو شخصي وحقوقي وديني. فبدءا من قصة حب جمعت بين وزير ووزيرة، في حكومة عبد الإله ابن كيران، ثم سهرة مثيرة أقامتها المغنية الأميركية جنيفر لوبيز في الرباط، مرورا بمعركة التنورة التي أشعلتها فتاتان من مدينة انزكان (جنوب البلاد)، وحتى توصية المساواة في الإرث، لم يهدأ المغرب طوال العام، وعاش سنة من الإثارة والجدل اللذين أسهم فيهما بشكل كبير نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الإلكترونية.
فمن القضايا التي ما زالت ساخنة وتثير ردود فعل واسعة هناك توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان التي دعا فيها إلى المساواة بين المرأة والرجل في الإرث ضمن تقرير شامل نشره في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حول «المساواة بين الجنسين والمناصفة في المغرب»، وذلك بسبب أن هذا المطلب يصدر للمرة الأولى عن إحدى مؤسسات الدولة، بعد أن كان مطلبا خاصا ببعض الجمعيات النسائية.
وطالب المجلس بتعديل مدونة (قانون) الأسرة، بشكل يمنح للمرأة حقوقا متساوية مع الرجل في ما يتصل بعقد الزواج وفسخه وفي العلاقة مع الأطفال وكذا في مجال الإرث، وبرر المجلس مطلبه بكون «المقتضيات القانونية غير المتكافئة المنظمة للإرث تسهم في الرفع من هشاشة وفقر الفتيات والنساء»، منتقدا قضايا أخرى من قبيل تجريم الإجهاض والعلاقات الجنسية خارج الزواج.
وبعد نشر التقرير مباشرة هاجم شيوخٌ التوصية، واعتبروها «اعتداء على الدين وتطاولا على القرآن وتحديا لرب العالمين»، واعتداء أيضا على المؤسسات على اعتبار أن المملكة المغربية دولة إسلامية. واتهموا المجلس بأنه خاض في ما لا يعنيه، وأن الموضوع من اختصاص أهل العلم. بيد أن أقوى الردود جاءت على لسان ابن كيران رئيس الحكومة، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، الذي طالب إدريس اليزمي، رئيس مجلس حقوق الإنسان، بسحب التوصية، والاعتذار عنها، محذرا إياه من إثارة الفتنة في البلاد.
وقال ابن كيران إنه لا يحق لليزمي إصدار فتوى بهذا الشأن وكأنه «لا يوجد في المغرب علماء أو فقهاء»، وعدها بمثابة «صب للزيت على النار».
وأثارت توصية المساواة في الإرث انقساما سياسيا وحقوقيا. فقد اعتبرها حزب العدالة والتنمية «تجاوزا لمؤسسة إمارة المؤمنين»، وتفتح «جدلا عقيما حول مواضيع تنظمها نصوص قرآنية قطعية الثبوت والدلالة»، وهو الرأي نفسه الذي عبر عنه حزب الاستقلال المعارض الذي رأى أن المجلس «تطاول على قضية كانت تحتاج في تناولها إلى إشراك أطراف أخرى أكثر تخصصا»، وأنه «ليس من صلاحية المجلس الغوص في قضايا شرعية تتطلب تفقها في شؤون الدين».
وخلافا لهذا الرأي، انتقد حزب الأصالة والمعاصرة المعارض الآراء المناهضة للتوصية، وعدها «مواقف متشنجة ضد الاختلاف، ومؤشرات سلبية على سعي البعض لفرض قيود على الاجتهاد ومحاولة الحجر على التفكير المجتمعي وفرض الوصاية عليه». وبدورها، أيدت جمعيات نسائية التوصية وانتقدت «الهجمة» التي يتعرض لها المجلس، كما انتقدت اختزال التقرير في موضوع الإرث.
في سياق مختلف، تحولت قضية متابعة فتاتين مغربيتين من مدينة انزكان بتهمة الإخلال بالحياء العام لارتدائهما تنورتين قصيرتين في يوليو (تموز) الماضي، إلى قضية سياسية مثيرة تتعلق بالهوية والتشدد والإرهاب في البلاد. فبينما اتهمت أحزاب الأغلبية المعارضة باستغلال هذه القضية لإثارة الرأي العام وتحريضه، محذرة من ضرب استقرار البلاد، اعتبرت المعارضة الحادث مظهرا من مظاهر الاعتداء على الحريات ومقدمة لنشر التعصب والتطرف. ومما أعطى للقضية زخما سياسيا أكبر تزامنها مع الأحداث الإرهابية التي عرفتها فرنسا وتونس والكويت.
وكانت السلطات الأمنية قد اعتقلت الفتاتين سهام وسناء بمدينة انزكان الواقعة في ضواحي مدينة أغادير، بعد شجار بينهما مع أحد الباعة الجائلين، ليتحول الأمر إلى معاكسة وتحرش بالفتاتين من قبل شبان آخرين، بسبب لباسهما القصير، لا سيما أن الحادث تزامن مع شهر رمضان، فتدخلت قوات الأمن لفض الاشتباك بين الطرفين، واعتقلت الفتاتين ووجهت لهما تهمة الإخلال بالحياء العام، حيث مثلتا أمام المحكمة التي قضت ببراءتهما، لتهدأ بذلك الضجة التي أثارتها «معركة التنورة».
وقبل حادث الفتاتين عمت موجة استياء البلاد تسببت فيها واقعتان متتاليتان، الأولى تتعلق بمقاطع مسربة من فيلم سينمائي مغربي لمخرجه نبيل عيوش وصفت بـ«الإباحية»، وأثارت بدورها جدلا واسعا، قررت السلطات، على أثره، منع الفيلم من العرض في القاعات السينمائية، على اعتبار أنه مسيء للمغرب ولنسائه، ثم أعقب ذلك نقل قناة «دوزيم» المغربية في مايو (أيار) حفل المغنية الأميركية جنيفر لوبيز في مهرجان «موازين»، والذي نظر إليه البعض على أنه كان يتضمن استعراضات مليئة بالإيحاءات. وأجبر ذلك رئيس الحكومة على رفع شكوى إلى الهيئة العليا للاتصال المسموع والمرئي للنظر في الواقعة، بيد أنها ردت بعدم الاختصاص.
وفي موضوع متصل، تسببت فرنسيتان تنتميان لمنظمة «فيمن» النسائية في موجة احتجاج عارمة، بعدما أقدمتا على التقاط صور لهن بشكل غير مقبول، ونشرتا تلك الصور على الإنترنت. وتظاهر العشرات من النشطاء للتنديد بما أقدمت عليه الفرنسيتان من سلوك «مستفز لمشاعر المغاربة».
ومن بين القضايا غير المسبوقة التي تتبع المغاربة حلقتها على شكل مسلسل مثير مطلع أبريل (نيسان) الماضي، قصة الحب ومشروع الزواج الذي جمع بين الحبيب الشوباني الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، وسمية بن خلدون الوزيرة المنتدبة في وزارة التعليم العالي، المنتميين لحزب العدالة والتنمية، وهي القصة التي أدت إلى فقدان منصبيهما الحكوميين بعد أن أُجبرا على تقديم استقالتيهما في مايو الماضي بعد أن أثيرت ضجة كبيرة حول قصتهما وصل صداها إلى خارج البلاد، وذلك بسبب موضوع تعدد الزوجات.
فالوزير الشوباني متزوج ولديه أربعة أبناء، بينما بن خلدون مطلقة ولديها ثلاثة أبناء وثلاثة أحفاد. ودافع حزب العدالة والتنمية عن الوزيرين اللذين تزوجا لاحقا. وعد الاستقالة «تقديرا منهما لما تقتضيه المصلحة العامة للبلاد، ومن أجل وضع حد للتشويش السخيف، والمتاجرة الرخيصة بأعراض الناس وحياتهم الشخصية»، وذلك بعد أن كان الأمين لحزب الاستقلال المعارض قد استغل القضية ووظفها سياسيا ضد الحكومة.