ليفني تحذر من التبعات الأمنية والاستراتيجية لانهيار السلطة الفلسطينية

أجهزة الأمن الإسرائيلية تتخوف من خطورة الموقف.. وحكومة نتنياهو تتلاعب

عناصر من جنود الاحتلال الإسرائيلي تجمعوا قريبا من محطة الباصات المركزية في مستوطنة غوش عتصيون جنوب بيت لحم بعد عملية طعن (إ.ب.أ)
عناصر من جنود الاحتلال الإسرائيلي تجمعوا قريبا من محطة الباصات المركزية في مستوطنة غوش عتصيون جنوب بيت لحم بعد عملية طعن (إ.ب.أ)
TT

ليفني تحذر من التبعات الأمنية والاستراتيجية لانهيار السلطة الفلسطينية

عناصر من جنود الاحتلال الإسرائيلي تجمعوا قريبا من محطة الباصات المركزية في مستوطنة غوش عتصيون جنوب بيت لحم بعد عملية طعن (إ.ب.أ)
عناصر من جنود الاحتلال الإسرائيلي تجمعوا قريبا من محطة الباصات المركزية في مستوطنة غوش عتصيون جنوب بيت لحم بعد عملية طعن (إ.ب.أ)

وجهت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، عضوة الكنيست المعارضة، تسيبي ليفني، تحذيرا شديدا إلى الحكومة، وطالبت بعقد جلسة مستعجلة للجنة الخارجية والأمن البرلمانية، للبحث في «أقوال رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، حول احتمال انهيار السلطة الفلسطينية»، وما ينبغي على إسرائيل القيام به لمنع خطر يشكل «تهديدا للأوضاع الأمنية والاستراتيجية».
وكان المجلس الوزاري الأمني المصغر للحكومة الإسرائيلية قد عقد الشهر الماضي أربع جلسات خاصة، للبحث في خطر انهيار السلطة الفلسطينية، وكان آخرها مطلع الأسبوع. وقد نقل على لسان نتنياهو قوله، خلال الجلسة الأخيرة، إنه «على إسرائيل الاستعداد لاحتمال انهيار السلطة الفلسطينية»، وإنه «يجب منع حدوث ذلك قدر الإمكان، والاستعداد، في المقابل، لإمكانية حدوث ذلك».
وقالت شخصيات إسرائيلية مطلعة إن المجلس الوزاري المصغر عقد اجتماعاته هذه على خلفية الجمود السياسي، والتصعيد الأمني، والأزمة الاقتصادية في الضفة الغربية، والأزمة السياسية للقيادة الفلسطينية. وجاءت الاجتماعات في إطار سلسلة من النقاشات التي بدأت في قيادتي الجيش والمخابرات، أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، في أعقاب فشل زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وقد بعثت المخابرات إلى القيادة السياسية خلال الشهرين الأخيرين، بوجهة نظر شفهية، أعقبتها بأخرى خطية، حذرت فيهما من احتمال فشل السلطة في أداء مهامها، وعجزها عن تسديد ديونها. وقد حذر الجهاز الأمني من أن السلطة الفلسطينية «يمكن أن تنهار على إسرائيل، مع كل ما يعنيه ذلك من الناحيتين الأمنية والمدنية».
ونقلت صحيفة «هآرتس»، أمس، عن مصدر، أن «الجهاز الأمني أوصى المجلس الوزاري بتبني سياسة رسمية تمنع انهيار السلطة، وعدم الاكتفاء بالقول إننا لسنا معنيين بالانهيار، والقيام بلفتات وتدابير على الأرض تمنع تحقق هذا الأمر».
من جانبه، تبنى نتنياهو موقف الجهاز الأمني، أي سياسة منع انهيار السلطة. ولهذا عقد اجتماعات لمناقشة هذه المسألة، شارك فيها رئيس الشاباك يورام كوهين، ومنسق عمليات الحكومة في المناطق يوآب مردخاي، وجهات أخرى. لكن نتنياهو لا يقوم بتطبيق غالبية التوصيات التي عرضها الجهاز الأمني، بسبب الضغوط الحزبية التي مارسها عدد من وزراء المجلس الوزاري. فبعض الوزراء يخالفون القائلين بضرورة منع انهيار السلطة. وخلال الجلسات التي عقدها نتنياهو لمناقشة هذه المسألة، عُرضت سيناريوهات تقول إنه حتى إذا قامت إسرائيل باتخاذ خطوات ميدانية لتدعيم السلطة، فمن المحتمل أن تفشل في صد الانهيار.
ويعتقد الجهاز الأمني أن انهيار السلطة يمكن أن يحدث لأسباب داخلية لا ترتبط بإسرائيل، أو لأسباب قدرة إسرائيل في التأثير عليها محدودة. فمثلا، جرت مناقشة إمكانية انهيار السلطة كنتيجة لوفاة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، واندلاع صراع على خلافته، يقود إلى أزمة شديدة في السلطة، تؤدي إلى شلها. ولا يوجد لدى الشاباك والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أي تقدير حول شخصية فاعلة يمكن أن تشغل مكان عباس. وعادة تتردد في النقاشات أسماء معروفة، مثل مروان البرغوثي المعتقل في إسرائيل، ومسؤول فتح السابق محمد دحلان، أو رئيس الاستخبارات ماجد فراج. مع ذلك تقر الجهات الإسرائيلية بأن أي تقييم في هذا الموضوع حاليا لا يتعدى «التكهن».
وتشعر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وجهات أخرى في المجتمع الدولي، بالقلق إزاء إمكانية انهيار السلطة، وتتخوف من حدوث فوضى. وكان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، قد حذر من انهيار السلطة خلال خطابه في مؤتمر سابان في واشنطن، في مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقال إنه «إذا استمر الوضع الحالي فليس من الواضح كم من الوقت تستطيع السلطة الصمود». وأضاف أنه «يوجد في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من يعتقد أنه يجب القيام بخطوات لدعم السلطة، وأن تدعيم أبو مازن هو مسألة مصيرية لأمن إسرائيل». كما حذرت المرشحة للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون من انهيار السلطة، وقالت: «أعرف أن الكثير من أعضاء حكومة إسرائيل لا يعتبرون عباس شريكا للسلام، لكنني أريد سؤالهم: ما هو البديل؟ من هو الأفضل من عباس؟ أنا أعرف مشاكل عباس، لكن من المؤسف أنهم يدفعونه نحو الهامش. بديل عباس يمكن أن يكون الأعلام السوداء ل(داعش)».
وتوجهت ليفني برسالة إلى رئيس لجنة الخارجية والأمن تساحي هنغبي، من حزب الليكود، تطلب عقد جلسة مستعجلة، للبحث في «التبعات الدراماتيكية» التي يمكن أن تنشأ جراء انهيار السلطة. وطالبت أيضا بتزويد أعضاء لجنة الخارجية والأمن بصورة الوضع الحالي للسلطة، واحتمال انهيارها، وتأثير ذلك من النواحي الأمنية والسياسية والاقتصادية على إسرائيل، والخطوات المطلوبة في مثل هذا الوضع.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.