مصادر أمنية: إيران تشجع أمازيغ ليبيا على الانفصال في دولة مستقلة غرب طرابلس

قالت إن طهران أنفقت ملايين الدولارات على إقامة مراكز شيعية في جبل نفوسة

مقاتلون يؤمنون مكان انعقاد أول مؤتمر أمازيغي في طرابلس في 26 سبتمبر 2011 (أ.ف.ب)
مقاتلون يؤمنون مكان انعقاد أول مؤتمر أمازيغي في طرابلس في 26 سبتمبر 2011 (أ.ف.ب)
TT

مصادر أمنية: إيران تشجع أمازيغ ليبيا على الانفصال في دولة مستقلة غرب طرابلس

مقاتلون يؤمنون مكان انعقاد أول مؤتمر أمازيغي في طرابلس في 26 سبتمبر 2011 (أ.ف.ب)
مقاتلون يؤمنون مكان انعقاد أول مؤتمر أمازيغي في طرابلس في 26 سبتمبر 2011 (أ.ف.ب)

دخل الشاب خالد عبد المجيد على والده ووالدته، وقال لهما وهو مسرور إنه تلقى دعوة من السفارة الإيرانية في العاصمة الليبية طرابلس لزيارة إيران. تشمل الرحلة، مع شبان ليبيين آخرين، تحمل الحكومة الإيرانية نفقات السفر بالطيران ذهابا وإيابا، والإقامة في فندق «لالا الدولي» الفخم في طهران.
هذه واحدة من محاولات النظام الإيراني الفاشلة لاستغلال الفوضى التي تضرب ليبيا. ولم يسافر عبد المجيد ولا أي من أصدقائه، وانتهت مساعي الإيرانيين لاستقطاب الشبان الليبيين، بهجوم على سفارتها ومنزل سفيرها في طرابلس قبل عامين. ويقول والد عبد المجيد، وهو مهندس من قبيلة المقارحة يسكن في فيلا على طريق المطار جنوب العاصمة: ليس لابني علاقة بالسياسة. كان الأمر مريبا ووقفت ضد سفره.
تعرض النشاط الإيراني لضربة في العاصمة الليبية منذ وقت مبكر في مرحلة ما بعد معمر القذافي، خاصة حين أطلق مفتي ليبيا صيحات تحذير في 2012 مما وصفه بمحاولة الإيرانيين التدخل في الشأن الليبي، من خلال محاولتها نشر التشيع في البلاد. ودعا الأسر الليبية وأبناءها للتصدي للألاعيب الإيرانية. لكن أصابع إيران ظهرت بشكل فج، بعد ذلك، في مناطق تقع في جبل نفوسة، غرب طرابلس، وفي أوساط مهربي الأسلحة والمتشددين في الجنوب وفي الشرق المتاخم للحدود المصرية.
وكشفت مصادر أمنية ليبية عن وجود معلومات بشأن علاقة بين مجموعات من الأمازيغ الليبيين وإيران، مشيرة إلى أن السلطات الليبية، وهي سلطات ما زالت ضعيفة، تجري تحقيقات حول مزاعم بشأن تحويل جهات إيرانية مبالغ مالية تصل إلى أكثر من خمسين مليون دولار لأمازيغ من المذهبين الشيعي والإباضي.
وتعتنق الغالبية العظمى من الليبيين المذهب السني، لكن توجد بعض المجموعات الصغيرة من الشيعة والإباضيين، في جبل نفوسة. ووفقا لتحقيقات تجريها المخابرات العسكرية في طرابلس، يعتقد أنه في حال فشل تشكيل حكومة توافق وطني تحت رعاية الأمم المتحدة، فإن البلاد ستكون مرشحة للتقسيم إلى أربع دويلات وليس لثلاث. في السابق كانت الاحتمالات تقول إن ليبيا يمكن أن تتجزأ إلى ثلاث دويلات مبنية على الأقاليم القديمة، وهي إقليم برقة في الشرق وإقليم طرابلس في الغرب وإقليم فزان في الجنوب، بيد أن التحقيقات تشير إلى أن إيران ربما كانت تعمل مع دول أخرى، على تشجيع الأمازيغ على الانفصال في دولة رابعة مستقلة مستقبلا شمال غربي طرابلس.
وفي مقابلة سابقة أجرتها «الشرق الأوسط» مع أماني الوشاحي، مستشار رئيس منظمة الكونغرس العالمي الأمازيغي، عقب زيارتها لمنطقة جبل نفوسة، قالت: إن المذهب الإباضي أقرب إلى المذهب السني لا الشيعي، وأضافت أنها لم تلاحظ وجود أي علاقة بين إباضية ليبيا وإيران. لكن التحقيقات الليبية تقول إن الأموال الإيرانية في جبل نفوسة نتج عنها إقامة عشرات المراكز والمكتبات والجمعيات والمدارس التي تسعى لربط القادة المحليين في المناطق الأمازيغية بإيران.
ومع ذلك، ووفقا لشهادات من نشطاء ليبيين، فإن محاولات إيران للتواجد في العاصمة وفي بعض المناطق الشرقية والجنوبية من البلاد، لم تتوقف. ويقول حسين العبيدي، وهو عضو في «الجبهة الوطنية لمؤازرة الجيش الليبي»، إنه، وحتى مطلع العام الماضي، كان هناك مندوبون من إيران يصلون إلى طرابلس بغرض تشجيع الشبان الليبيين على زيارة مدن إيرانية منها طهران، ومشهد، وقم، لدراسة المذهب الشيعي في المدارس الدينية الإيرانية مجانا، حيث كانت سفارة إيران ما زالت تعمل رغم الظروف الأمنية الصعبة في ليبيا.
ويضيف العبيدي: باختصار تحاول إيران استقطاب الليبيين كما فعلت حين قامت باستقطاب الحوثيين في اليمن وشكلت منهم قوة قامت بتخريب الدولة اليمنية في نهاية المطاف. وبالتزامن مع هذه المزاعم، ردت مجموعات ليبية على أنشطة طهران المريبة حيث قامت تلك المجموعات بشن هجوم مباغت على مقر السفير الإيراني في طرابلس، حسين أكبري، في شهر فبراير (شباط) الماضي.
لكن العبيدي يوضح قائلا إن نشاط إيران الذي تراجع إلى حد ما في طرابلس انتقل إلى مناطق أخرى خاصة في جبل نفوسة. ومن جانبها تقول المصادر الأمنية إن اهتمام إيران بالأمازيغ الليبيين، يأتي ضمن «النشاط الإيراني المحموم في أفريقيا في السنوات الأخيرة». وأوضح أحد القيادات الأمنية الليبية، ويدعى المقدم سعيد، وكان يعمل في جهاز المخابرات في العهد السابق، إن الإيرانيين كانوا يحتفظون بعلاقات طيبة مع القذافي، ولم يبدأوا في ممارسة نشاط عملي على الأرض الليبية «إلا بعد الفوضى التي شهدتها البلاد أثناء الانتفاضة المسلحة في 2011».
ويشير إلى أن نشاط الإيرانيين في ليبيا بدأ أولا في المناطق الشرقية إلى أن أنهى ما كان يسعى إليه، ألا وهو شراء الأسلحة التي نهبها اللصوص من مخازن جيش القذافي، ثم نقلها عبر تجار ومهربين، إلى كل من مصر والسودان، ومن هناك كان يجري تهريبها شمالا إلى سيناء وقطاع غزة. وبحسب المقدم سعيد، فإن مندوبين عن إيران اتجهوا بعد ذلك للعمل في المناطق الهشة في ليبيا خاصة في منطقة غرب طرابلس التي توجد فيها أغلبية أمازيغية.
ولم يتسن الحصول على تعليق من مصادر إيرانية في حينه، لكن السيدة الوشاحي قالت: إنها لم تسمع من قبل عن تمويل إيراني لأتباع المذهب الإباضي في جبل نفوسة. وأضافت أن أتباع المذهب الإباضي مسالمون بطبيعتهم وأقرب إلى المذهب السني من المذهب الشيعي.
ورغم علاقة القربى في السابق بين القذافي وإيران فإن القذافي لم يتساهل مع قادة الإباضية ضمن توجهات عامة كانت سائدة في ذلك الوقت بحظر عمل الجماعات الدينية والمذهبية والحزبية والعرقية. ومع ذلك تقول مصادر ليبية في جبل نفوسة إنه توجد احتكاكات تقع بين وقت وآخر بين أصحاب المذهب الإباضي والشيعي من جانب، والجماعات السنية من الجانب الآخر، وإن سبب هذه المشاكل يرجع للصراع الآخذ في التنامي على بعض المساجد، خاصة بعد أن زاد التمويل الإيراني لقيادات محلية مناهضة للسنة في تلك المنطقة.
ويسود في الأوساط الدبلوماسية الليبية اعتقاد بانحياز إيران إلى جانب المحور الداعم للفوضى في الدولة الليبية، في مواجهة المحور المصري الإماراتي الذي يسعى لإيجاد صيغة تنهي حالة الفوضى في هذا البلد، من خلال حكومة توافقية تحافظ على وحدة ليبيا. ويقول مصدر دبلوماسي إن إيران تواصلت مع ميليشيات متطرفة في طرابلس، وسهلت نشاط رجال أعمال ليبيين يدعمون تلك الميليشيات، لكن تلويح الأمم المتحدة بمعاقبة كل من يساعد المتطرفين، وقيام إحدى الدول الخليجية بتوقيف رجال أعمال من هذا النوع، العام الماضي، جعل النشاط الإيراني في طرابلس أقل من السابق داخل العاصمة، معربا عن اعتقاده بأن طهران أصبحت تركز على العمل مع المجموعات التي توجد لديها أرضية تدعم إمكانية انسلاخها بسهولة من الدولة الليبية الموحدة.
ومن المعروف أن الجماعات الأمازيغية، انسحبت من لجنة صياغة الدستور، إلى جانب مجموعات قبلية أخرى من أصول غير عربية أيضا في جنوب البلاد، مثل الطوارق والتبو. ويقول المصدر الدبلوماسي إن الطوارق والتبو قبائل منتشرة في غالبية المناطق الليبية، ولهذا يمكن أن تقول إن إيران وجدت صعوبة في تحويلهم إلى ورقة لصالحها، أما جبل نفوسة، فتوجد فيه بلدات أمازيغية كاملة تتحدث لغة واحدة.. «هي منطقة فيها شخصيات لها طموحات يمكن البناء عليها، ويمكن استغلالها من الدول الأجنبية»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن النشاط في جبل نفوسة لا يقتصر فقط على الإيرانيين، ولكن توجد أيضا زيارات يقوم بها فرنسيون وإيطاليون.
الفرنسيون عقدوا بالفعل، عبر مبعوثين أكاديميين، اجتماعات مع قادة أمازيغ من جبل نفوسة، بعضها جرى في تونس والبعض الآخر عقد في زوارة، وهي البلدة الأمازيغية الوحيدة التي تقع داخل محيط عربي على البحر المتوسط في شمال غربي طرابلس. كما زار بعض الإيطاليين، تحت مسمى خبراء، بلدات في جبل نفوسة أيضا. ويقول المقدم سعيد إن عمل الفرنسيين والإيطاليين يختلف عن الإيرانيين.. الإيرانيون لديهم طموحات للتواجد في شمال أفريقيا بقوة، أما الأوروبيون فيسعون وراء كسب القادة المحليين هنا لتأمين خطوط النفط التي تمر من حقول جنوب ليبيا إلى الشمال عبر مناطق نفوذ للأمازيغ والعرب.
ويضيف أن الإيرانيين يسعون، على ما يبدو، لتشكيل كيان وطني أمازيغي في غرب ليبيا، أما الأوروبيون فيريدون منع الاشتباكات التي تقع من حين لآخر بين الأمازيغ والعرب المتنافسين على حقوق تأمين النفط للشركات الأجنبية.. «تعلم أنه لا يوجد جيش ولا قوات مسلحة يمكن التعويل عليها لتأمين الحدود الليبية وإمدادات البترول».
ولم يستمر النشاط الإيراني في الشرق الليبي لمدة طويلة، مقارنة بالطريقة التي بدأ بها عقب مقتل القذافي. ووفقا للمعلومات فقد تمكن مندوبون إيرانيون من التواجد في المشرق الليبي منذ أواخر عام 2011. وحتى أواخر عام 2013. وتمكنوا خلال هذه الفترة من تمويل عمليات شراء محمومة للأسلحة التي سرقها اللصوص من مخازن الجيش الليبي.
وقالت مصادر عسكرية ليبية إن الإيرانيين وجهوا بنقل هذه الأسلحة، وكان معظمها عبارة عن صواريخ غراد، إلى سيناء وقطاع غزة، بطرق مختلفة سواء عن طريق البر أو البحر، مشيرا إلى أن هذا الأمر استمر إلى أن عادت السلطات المصرية لتشديد إجراءات مراقبة الحدود البرية والبحرية بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي. وأضاف: رفض شيوخ قبائل المنطقة الشرقية محاولات الإيرانيين للتواصل معهم. ومنذ ذلك الوقت دأب خطباء مساجد طبرق وبنغازي وغيرهما من المدن الشرقية على التحذير من «نوايا إيران» و«من نشر الفتنة في ليبيا»، لكن المشكلة الآن تكمن في النشاط الإيراني في أوساط الأمازيغ.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.