أتوم إيغويان يتحدث عن الذاكرة المؤلمة وهوليوود المستحوذة

المخرج الكندي: كلنا نعيش ذكرياتنا.. وحريتي الفنية لا ثمن لها

المخرج أتوم إيغويان
المخرج أتوم إيغويان
TT

أتوم إيغويان يتحدث عن الذاكرة المؤلمة وهوليوود المستحوذة

المخرج أتوم إيغويان
المخرج أتوم إيغويان

فيلمه لم ينجز المراد منه هذه المرّة. «تذكّـر» لم يحظ بتقدير واسع في مهرجان فينسيا الأخير ولا في عروضه الجماهيرية في موطنه كندا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. البعض بانتظار ما سينجلي عنه عرض الفيلم في أنحاء فرنسا في الشهر الثالث من العام الجديد، لكن عروضه الأميركية تقررت عبر الإنترنت المدفوع فقط بعدما عرضه مهرجان شيكاغو قبل أسابيع. الاستقبال النقدي الذي ووجه به في شيكاغو لم يختلف عن ذلك الذي ووجه به في فينسيا وفي فانكوفر وتورونتو ولندن: جيد لكنه ليس جيدًا على نحو كاف أو بمستوى أعمال المخرج السابقة. حاليًا ينطلق في عروض ألمانية ربما تكون أكثر إثارة لاهتمام الجمهور العادي مما حصده في عروضه التجارية المحدودة حتى الآن، وذلك تبعًا لموضوعه.
* علاقة عاطفية
إنه أتوم إيغويان في فيلمه الروائي الطويل الثامن عشر. وهذه ليست المرّة الأولى التي يتوارى فيها عمله على نحو سريع. لكنها، على الأرجح، المرّة الأهم.
الفيلم عن ذلك اليهودي المسن زف (كريستوفر بلامر) الذي يعيش في بيت للعجزة. كان حفر خندقًا واسعًا بينه وبين ذكرى الهولوكوست المؤلمة منذ أن نجا من أفران الغاز والآن يعيش في مأوى للمسنين في مدينة نيويورك. أحد الناجين الآخرين في ذلك المأوى هو ماكس (مارتن لانداو) الذي لم يحفر ذلك الخندق بل ما يزال، ولو على نحو مبطن، يعيش الذكرى ويشعر بأن أحدًا ما زال عليه أن يدفع الفاتورة.
إنه يملك اسمًا هو رودي كورلاندر ويقنع زف بأن يتولّـى البحث عنه واغتياله. لكن هناك أكثر من رودي كورلاندر، ورحلة زف تنطلق من مكان لآخر بحثًا عنه ولا تجده، كما هو الحال المرتقب، إلا في النهاية. الباقون أبرياء، ولو أن أحدهم، وهو شرطي أميركي، ينزع صوب المعاداة للسامية. زف يقتله وحين يصل في النهاية إلى الشخص المطلوب.. يقتله أيضًا.
في فينسيا، ثم لاحقًا في لوس أنجليس خلال لقاء مع أعضاء «جمعية المراسلين الأجانب»، تحدث المخرج لهذا الناقد عن فيلمه هذا وعن مجمل أعماله السابقة بدءًا من السؤال التالي:
* أحد الانتقادات الأكثر شيوعًا هي أن سيناريو بنجامين أوغست اعتمد كثيرًا على المصادفات وعدد من المفارقات غير المقنعة. هل توافق؟
- لا أذكر أن هناك فيلمًا لا يعتمد على عدد من المفارقات التي على المشاهد تقبّـلها كما هي. لكني مع النقاد إلى حد ما. هناك قفزات في النص قد تكون ناقصة. قفزات في الفضاء إذا أردت.
* لكن المشكلة هي أن الفيلم يسعى لتسجيل وضع تتناوله، عادة، الكثير من أفلام الذاكرة التي تتعامل والهولوكوست من دون أن يسعى للمساتك التشويقية التي اعتدنا عليها في أفلام سابقة لك لا تتعامل وهذا الموضوع.
- إذا كنت تقصد أنه لم يكن هناك الكثير من الزاوية الذاتية أو الشخصية لي فهذا أمر يُـناقش. من ناحية لا أصنع فيلمًا لا أشعر معه بعلاقة عاطفية شديدة. لم أفعل ذلك سابقًا ولم أفعل ذلك في هذا الفيلم. من ناحية ثانية، أعجبني السيناريو لما هو عليه. إنها حكاية رجل يريد أن يفعل شيئا حيال تلك المأساة التي أشعل ذكراها فيه صديقه ماكس. أصبحت قضيّـته. الشيء الوحيد الذي يستطيع فعله هو أن يتبع آثار مسؤول في أحد معسكرات التعذيب النازية. إذن الهدف نبيل، أقصد هدف الكاتب، وهدف الفيلم أيضًا. أنا لست بغافل عن أن هناك الكثير من حكايات الهولوكوست على الشاشة، لكني أرجو أن يكون هذا الفيلم مختلفًا. أعتقد أنه مختلف فعلاً.
* كريستوف بلامر يقوم بأداء متماسك. وعادة ما تجذب إليك ممثلين جيدين يحبون العمل تحت إدارتك. ما سبب هذه الجاذبية؟
- يجب ألا تنسى خبرته. إنه ممثل جيد منذ يومه الأول وازداد حنكة ومعرفة كالكثيرين من الممثلين الموهوبين. أعتقد أنه من المجدي دومًا العمل مع ممثلين يحبّـون ما يقومون به لدرجة أنهم يستطيعون الالتصاق بشخصياتهم وتأديتها بأمانة.
* أفلام الذاكرة
* ما الذي يهمّـك أكثر في الفيلم الذي تحققه الرسالة التي يحويها أو رغبتك في البقاء موضوعيًا حيال ما تعرضه؟
- هذا سؤال جيد. في هذا الفيلم، وفي أفلامي السابقة كلها على ما أذكر، لم أسع إلى إدانة أحد على نحو غير موضوعي. لكل منا دوافعه لكي يقوم بفعل شيء. لا أقول: إن كل الدوافع نبيلة لكن المشاهد من الذكاء بحيث يفرق بين الدافع النبيل والدافع الخبيث أو الشرير. أنا أطلب من أفلامي أن تحكي حكاية فيها مضمون وفي المضمون رسالة. أريد لهذه الرسالة أن تبقى في عمق ذلك المضمون. لا أكترث لفيلم يعلن عن نفسه سريعًا. لتحقيق ذلك عليّ أن أبقى موضوعيًا.
* بالتأكيد أفلامك الكثيرة تعكس ذلك من دون تردد وتحدّثنا عن ذلك خلال مقابلتي لك في «كان» في السنة التي عرضت فيها «عبادة» (2008). لكن ما لم نتحدث فيه ويتبدّى اليوم أكثر مما مضى هو التاريخ. الكثير من أفلامك تتعرّض لذاكرة أو لتاريخ من «الأبد العذب» سنة 1997 إلى هذا الفيلم، مرورًا بـ«أرارات» حول المجزرة الأرمنية و«رحلة فيليسيا» و«الرهينة».
- الذاكرة هي ما تكوننا نحن البشر، لكن معك حق في أنني مهتم بها كثيرًا ولو أنني لا أعرف مدى اهتمامي بها إلا حين أستمع أو أقرأ لمن يذكرها. بالنسبة لي ما يحركنا في حياتنا اليوم، ما يسكن داخلنا هو الذاكرة. تدفعنا إلى محاولة محوها إذا كانت مؤلمة. أوليس غريبًا أننا لا ننجح في ذلك. سواء الهولوكوست أو مجزرة جبل أرارات أو على صعيد فردي حكاية الباحث عن الرهينة التي اختفت قبل سبع سنوات ولا يزال يعاني من صدمته («الرهينة») هناك دائمًا تلك الذاكرة التي تؤدي بنا إلى الرغبة في استعادتها لمحوها إذا استطعنا.
* هي ذاكرة مؤلمة وسلبية في أغلب الحالات.
- نعم في أغلب الحالات. الذاكرة الفرحة لا مشاكل فيها. هي تجلب السعادة دائمًا. قليلا ما ترغب في أن تبحث فيها من جديد. فقط تلك المريرة التي تستدعي البحث ما يجلبه ذلك من عودة إلى الأمس في زيارات متكررة.
* حين تتبنى سرد حكايات خيالية، ومعظم أفلامك هي حكايات خيالية بالطبع، هل تستبعد الواقع؟ هل تستطيع استبعاد الواقع؟
- أحيانًا ما يكون تقديم الوقائع هو خير سبيل للدفاع عن القدر الضروري من الخيال الذي في الفيلم. أي فيلم خيالي يبقى خياليًا إذا لم يسع المخرج لتزويده بعناصر واقعية. في «عقدة الشيطان» مثلاً (2013) لم تواجهني هذه المسألة كثيرًا لأن الفيلم مبني على أحداث واقعية. كان عليّ في بعض الأحيان اللجوء إلى قدر من الخيال لإحداث توازن مفيد. ليس على طريقة متناصفة، ولكن بالقدر الذي لا ينسينا أننا في نهاية المطاف نشاهد فيلمًا سينمائيًا.
* هوليوود
* معظم أفلامك من إنتاج كندي، بما فيها «تذكّـر»، هل يعود ذلك إلى عدم رغبتك في التعامل مع هوليوود؟ علمًا بأن «عقدة الشيطان» كان إنتاجًا أميركيًا.
- المسألة تتوقف على كم الحرية التي تتمتع به كمخرج. هل ستمنحك هوليوود هذه الحرية أم ستحجبها عنك بداعي أنها أدرى بكيف عليك تحقيق الفيلم. فنيًا هذا أمر خطير. حريتي لا ثمن لها.
* هل تسلمت عروضًا أميركية كثيرة؟
- تسلمت ما يكفي وبعض السيناريوهات كانت جيّـدة ومثيرة للاهتمام. لكن الذي منعني من قبولها إدراكي بأنها تتجاوز حدًّا معينًا من الميزانية ما يعني أن المنتجين في هوليوود سيصرون على التدخل في العمل.
* الأفلام ذات الميزانيات الصغيرة حرّة من هذا التدخل؟
- نعم. لكن السيناريوهات التي وصلتني كانت من تلك التي لا تريد هوليوود أن تتركها للمخرج لكي يقررها. على الأفلام المنتجة عن هذه السيناريوهات أن تكون هوليوودية صرفة وهذا ما يمنع مخرجا مثلي من القبول.
* لو فعلت ذلك لتنازلت.
- طبعًا.
* لما استطعت التوجه به إلى المهرجانات.
- (يضحك) طبعًا.
* لماذا المهرجانات مهمّـة بالنسبة لمسيرتك؟
- نوعية الأفلام التي أخرجها تفرض أن تنطلق من مهرجان ما عادة هو كان، أحيانًا فينسيا أو برلين. لكن «كان» له أهمية كبيرة بالنسبة لي لأني عرضت معظم أفلامي فيه. بيننا تاريخ. «إكزوتيكا» كان أول فيلم لي يدخل مسابقة «كان» قبل أكثر من عشرين سنة. عام بعد عام يتولد في داخلك ذلك الرابط بأنك لا تستطيع التخلي عنه.
* لكنك فعلت هذه المرّة. توجهت بـ«تذكر» إلى فينسيا.
- صحيح. هذا لأنه انتهى في الوقت المناسب لفينسيا وفينسيا لا يقل أهمية عن «كان». كل هذه المهرجانات توفر للمخرج منا سقفًا مرتفعًا من الطموحات. كذلك السبيل لإدخال الفيلم في أنابيب التوزيع الصحيحة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».