2015 في أفغانستان.. عام تمدّد «داعش» على حساب طالبان

روسيا وإيران تعربان عن قلقهما.. وزعماء قبليون يشكلون ميليشيات لمواجهته

2015 في أفغانستان.. عام تمدّد «داعش» على حساب طالبان
TT

2015 في أفغانستان.. عام تمدّد «داعش» على حساب طالبان

2015 في أفغانستان.. عام تمدّد «داعش» على حساب طالبان

عام 2015 كان عام حضور تنظيم داعش في نسخته الأفغانية بامتياز، حيث سعى التنظيم إلى تجنيد مقاتلين منشقين عن حركة طالبان إلى صفوفه، واتخذ من عدة محافظات أفغانية تقع بالشرق والشمال الشرقي منطلقا لمراكزها ونواة لأنشطته المستقبلية. كذلك شنّ التنظيم الجديد عمليات عسكرية كبيرة ضد وجود مسلحي طالبان في ولاية ننغرهار القريبة من الحدود الباكستانية، في شرقي البلاد، التي تحوّلت بعض مديراتها إلى معقل أساسي للتنظيم في أفغانستان.
وكان أول شريط فيديو نشر على موقع التنظيم الأفغاني قد سجّلت وقائعه في ولاية ننغرهار حيث أقدم «داعش» على إعدام عشرة من وجهاء قبائل الباشتون بطريقة وحشية لم يعهدها الأفغان من قبل، وهم الذين عانوا أربعة عقود من حرب ضروس مزقت البلاد، وذلك بتفجير هؤلاء الوجهاء بوضع قنابل تحتهم.
في ضوء الجرائم البشعة التي ارتكبها ويرتكبها تنظيم «داعش أفغانستان» ارتفعت الأصوات المناهضة للتنظيم المتطرف في شرق أفغانستان، كما باشر البعض بتشكيل فصائل مسلحة كما فعل أخيرًا حاجي ظاهر قدير، النائب الأول لرئيس البرلمان الأفغاني، وهو نجل القيادي السابق الراحل في «المجاهدين» الحاج عبد القدير. فلقد شكل حاجي ظاهر، الذي كان أبوه قد اغتيل خلال السنوات الأولى من حكم حكومة حميد كرزاي في كابُل، ميليشيا مسلحة قال إنها موالية للحكومة من أجل التصدّي لعناصر «داعش» في مناطق الشرق الأفغاني. وبالفعل، قامت مجموعة مسلحة منتمية له باعتقال أربعة من عناصر «داعش» وقطع رؤوسهم كإجراء انتقامي مماثل لما يقوم به التنظيم من جرائم ذبح للموالين للحكومة في ولاية ننغرهار.
الواقع أن ظهور «داعش أفغانستان» بات مقلقا لأفغانستان والدول المجاورة لها، وخصوصًا روسيا الاتحادية وإيران اللتين تعتبران التوسع الداعشي في أفغانستان خطرًا يهدد الأمن القومي لكل منهما. ومن هذا المنطلق، عرضت موسكو مساعدات عسكرية للحكومة الأفغانية المدعومة من واشنطن من أجل محاربة التنظيم المتطرف والقضاء عليه قبل أن يتوسّع ويزداد خطره. لكن يبدو أن السلطات في العاصمة الأفغانية كابل ما زالت تتريث في قبول هذه المساعدات من قبل روسيا بسبب التحفظات الأميركية والغربية. وهذا الأمر دعا القيادة الروسية إلى فتح قنوات اتصال مع حركة طالبان، العدو اللدود لتنظيم «داعش أفغانستان».
وحسب التقارير المتوافرة أخيرًا، فإن مسؤولين روس كبارًا، بل ذكر في بعض الإعلام أن منهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه، التقوا زعيم طالبان الجديد الملا أختر منصور في مدينة دوشنبه، عاصمة جمهورية طاجيكستان (السوفياتية سابقًا). وتفيد التقارير أن الهدف هو تكثيف الجهود من أجل محاربة «داعش أفغانستان» ووضع حد لنشاطه التوسعي، ولا سيما، أن عشرات المقاتلين المتشدّدين المنتمين إلى دول آسيا الوسطى ينضمّون، وباستمرار، إلى صفوف «داعش»، وأن الأرض الأفغانية باتت منطقة خصبة لهم. وهي كما هو معروف قريبة من روسيا، ما يسمح للمتشدّدين بشنّ عمليات ضد روسيا والدول المتحالفة معه انتقامًا من روسيا لحملتها العسكرية الدامية الحالية في سوريا.
من جانب آخر، شهد العام 2015 تطوّرات مهمّة على الصعيدين السياسي والأمني في أفغانستان التي ما زالت تعاني من حرب شعواء تشنها حركة طالبان، التي عادت بكل قوتها إلى الساحة القتالية - الأمنية من خلال تصعيد غير مسبوق بعد التأكد من وفاة زعيم الجماعة المؤسّس الملا عمر قبل سنتين ونصف. طالبان نجحت إلى حد كبير في لملمة خلافاتها وتمكّنت من ترتيب بيتها الداخلي - كما يُقال - بعد تعيين أمير جديد للجماعة خلفا للزعيم المؤسس الراحل هو نائبه الملا أختر منصور الذي بويع في مدينة كويتا عاصمة ولاية بلوشستان الباكستانية.
المبايعة شارك فيها جمع غفير من قادة طالبان ومقاتليها رغم وجود أصوات معارضة في باكستان، وداخل أفغانستان أيضًا، على الطريقة التي تمت فيها البيعة. وحقًا، شهدت مناطق عدة في جنوب أفغانستان وشرقها اشتباكات عنيفة بين موالين للزعيم الجديد لطالبان ومعارضيه خصوصًا في ولاية زابل، بجنوب البلاد، حيث ينتشر مقاتلون ينتمون إلى القائد الميداني في طالبان الملا منصور داد الله الذي رفض مبايعة «الأمير الجديد». ولقد أدى موقف الملا منصور إلى انشقاق فعلي ورسمي في صفوف طالبان حدث عقب إعلان «أمير جديد» للمجموعة المعارضة هو الملا رسول.
وفي حين ما زالت المجموعات والأجنحة في طالبان تشتبك فيما بينها رغم الإنجاز العسكري المهم الذي حققته لبعض الوقت - عندما نجحت بالسيطرة لبضعة على ولاية كندوز خلال هذا العام المنقضي قبل أن تتمكّن القوات الأفغانية من استرجاعها بمساعدة الغارات الجوية التي نفذتها الطائرات الحربية الأميركية - فإن الحركة تواجه اليوم تحدّيًا جديًا؛ إذ بدأ تنظيم «داعش أفغانستان» - أو «داعش ولاية خراسان» كما يدعو نفسه - يتمدّد على حساب طالبان في بعض الأقاليم والولايات الأفغانية، ولا سيما في جنوب البلاد وغربها، بالإضافة إلى ولاية ننغرهار قرب الحدود الباكستانية التي تعتبر راهنًا معقلاً أساسيًا لتجنيد مقاتلين جدد في صفوف التنظيم المتطرف في أفغانستان وعموم المنطقة. ولقد حذّرت حركة طالبان في بيانات صدرت باسمها على مواقع إلكترونية تابعة لها «داعش» من اعتمادها خطط التمدد في أفغانستان، مؤكدة أنها ستتصدى بالقوة للتنظيم. ومن ثَم، شهدت مناطق عدة في ننغرهار وكذلك في ولاية أوروزغان، في الجنوب، مواجهات دامية بين طالبان ومقاتلين يزعمون أنهم ينتمون إلى «داعش أفغانستان» مما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من الطرفين، وتمكنت طالبان من طرد مسلحي «داعش» من بلدات في ولاية ننغرهار.
من جهة أخرى، تعرّض «داعش» الذي كان قد عيّن على رأس ما يسميها «ولاية خراسان الإسلامية» المدعو حافظ سعيد، وهو من القيادات السابقة في «طالبان باكستان» ضربة كبيرة وموجعة أيضًا بعد إعلان عبد الرحيم مسلم دوست، مساعد قائد التنظيم في أفغانستان، هجره التنظيم بسبب ما وصفه بـ«همجية مقاتلي (داعش) في أفغانستان بحق المدنيين»، وذلك في أعقاب جريمة إعدام الوجهاء الباشتون العشرة «تفجيرًا» بقنابل بعد اتهامهم بمعاداة التنظيم والانتماء إلى حركة طالبان.
جدير بالذكر، أن الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية كانتا في الماضي تقللان من خطر «داعش أفغانستان» غير أنهما اليوم باتتا مقتنعتين بأن التنظيم يشكل خطرا داهمًا ليس لأفغانستان فحسب بل لمنطقتي وسط آسيا وجنوبها أيضًا. وفعلاً، حيث ظهرت بوادر الخطر في عدة دول مجاورة لأفغانستان ودول جنوب آسيا من خلال تبني التنظيم سلسلة تفجيرات هنا وهناك. تقول الدوائر الأمنية التابعة لحكومة أفغانستان في كابُل بأنها تتصدّى جدّيًا وتحارب التنظيم المتطرف «نيابة عن جميع الدول في المنطقة بما فيها دول آسيا الوسطى». وتذكّر بأنها بحاجة إلى دعم سياسي وعسكري خارجي من خلال تعزيز قدرات الجيش الأفغاني وتجهيزه بأسلحة متطورة لكي يتمكن من القضاء على التنظيم في الأراضي التي تحرك فيها حاليًا قبل أن يتحول إلى خطر متوسّع ومتشظّ يصعب احتواؤه السيطرة عليه على غرار ما يحدث في العراق وسوريا.
ثمة خبراء ومحللون عسكريون أفغان مقتنعون بأن «داعش أفغانستان» تنظيم يحمل أجندات دولية وإقليمية. ويذهب بعضهم إلى القول بأن الهدف من الحرص التوسّع والانتشار في هذا الجزء من العالم، بالذات، قد يكون موجهًا لدول كبيرة في المنطقة على رأسها روسيا والصين وإيران، معتبرين أن التنظيم المتطرف قد لا يشكل خطرًا كبيرًا بالنسبة للنظام الأفغاني إلا أنه سيوجه ضربات ويتغلغل في دول آسيا الوسطى من خلال مئات من المتشدّدين من رعايا هذه الدول، وبالأخص من الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى، كانوا قد انضموا في الآونة الأخيرة إلى التنظيم، وربما كان هؤلاء يتهيئون الآن لتوجيه ضربات لروسيا بعد مشاركتها القتالية في سوريا إلى جانب نظام بشار الأسد في حربه ضد المعارضة والقوى الإسلامية المعتدلة والمتشدّدة على حد سواء.
من ناحية ثانية، يشير الخبراء والمحللون إلى أن التنظيم المتطرف في أفغانستان وإن كان لا يزال في طور الإنشاء والتحضير حتى الساعة، فإنه من الضرورة بمكان تحاشي التساهل مع هذه الظاهرة التي قد تكبر في ظل ضعف الحكومة الأفغانية المركزية وتواضع إمكانيات أجهزتها الأمنية، ولا سيما، أن غالبية القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي «ناتو» المقاتلة غادرت البلاد مع نهاية العام 2014، وانتقال الملف الأمني كاملاً إلى الجانب الأفغاني. ويرى هؤلاء أن الأشهر القليلة المقبلة ستوضح مدى قدرة التنظيم على تجنيد مقاتلي طالبان إلى صفوفه مستفيدًا من الخلافات الداخلية التي تشهدها في الحركة ومدى تقبّل المجتمع الأفغاني لهذه الظاهرة الغريبة التي لا تنسجم مع عادات المجتمع الأفغاني المحافظ وتقاليده.
وما يذكر أنه في نهاية العام اتهم النائب الأول لرئيس البرلمان ظاهر قدير مسؤولين حكوميين، لم يسمِّهم، بأنهم «متورّطون في لعبة» انتشار وحضور «داعش أفغانستان». وتابع القول بأنه يملك أدلة ومستندات تشير إلى أن هليكوبترات مجهولة تتولّى نقل عناصر «داعش» إلى ننغرهار، مضيفًا بأنه أمر مجموعات مسلحة تنتمي إليه باستهداف هذه الهليكوبترات التي تساعد التنظيم على التوسّع وتقدّم لعناصره المساعدات. غير أن الحكومة الأفغانية رفضت الاتهامات الموجّهة إليها، ووصفت تصريحات ظاهر قدير بأنه لا أساس لها من الصحة، مؤكدة اعتزام الحكومة القضاء على «داعش» وكل المجموعات المسلحة المتطرفة المماثلة التي تهدّد أمن أفغانستان.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».