2015 في أفغانستان.. عام تمدّد «داعش» على حساب طالبان

روسيا وإيران تعربان عن قلقهما.. وزعماء قبليون يشكلون ميليشيات لمواجهته

2015 في أفغانستان.. عام تمدّد «داعش» على حساب طالبان
TT

2015 في أفغانستان.. عام تمدّد «داعش» على حساب طالبان

2015 في أفغانستان.. عام تمدّد «داعش» على حساب طالبان

عام 2015 كان عام حضور تنظيم داعش في نسخته الأفغانية بامتياز، حيث سعى التنظيم إلى تجنيد مقاتلين منشقين عن حركة طالبان إلى صفوفه، واتخذ من عدة محافظات أفغانية تقع بالشرق والشمال الشرقي منطلقا لمراكزها ونواة لأنشطته المستقبلية. كذلك شنّ التنظيم الجديد عمليات عسكرية كبيرة ضد وجود مسلحي طالبان في ولاية ننغرهار القريبة من الحدود الباكستانية، في شرقي البلاد، التي تحوّلت بعض مديراتها إلى معقل أساسي للتنظيم في أفغانستان.
وكان أول شريط فيديو نشر على موقع التنظيم الأفغاني قد سجّلت وقائعه في ولاية ننغرهار حيث أقدم «داعش» على إعدام عشرة من وجهاء قبائل الباشتون بطريقة وحشية لم يعهدها الأفغان من قبل، وهم الذين عانوا أربعة عقود من حرب ضروس مزقت البلاد، وذلك بتفجير هؤلاء الوجهاء بوضع قنابل تحتهم.
في ضوء الجرائم البشعة التي ارتكبها ويرتكبها تنظيم «داعش أفغانستان» ارتفعت الأصوات المناهضة للتنظيم المتطرف في شرق أفغانستان، كما باشر البعض بتشكيل فصائل مسلحة كما فعل أخيرًا حاجي ظاهر قدير، النائب الأول لرئيس البرلمان الأفغاني، وهو نجل القيادي السابق الراحل في «المجاهدين» الحاج عبد القدير. فلقد شكل حاجي ظاهر، الذي كان أبوه قد اغتيل خلال السنوات الأولى من حكم حكومة حميد كرزاي في كابُل، ميليشيا مسلحة قال إنها موالية للحكومة من أجل التصدّي لعناصر «داعش» في مناطق الشرق الأفغاني. وبالفعل، قامت مجموعة مسلحة منتمية له باعتقال أربعة من عناصر «داعش» وقطع رؤوسهم كإجراء انتقامي مماثل لما يقوم به التنظيم من جرائم ذبح للموالين للحكومة في ولاية ننغرهار.
الواقع أن ظهور «داعش أفغانستان» بات مقلقا لأفغانستان والدول المجاورة لها، وخصوصًا روسيا الاتحادية وإيران اللتين تعتبران التوسع الداعشي في أفغانستان خطرًا يهدد الأمن القومي لكل منهما. ومن هذا المنطلق، عرضت موسكو مساعدات عسكرية للحكومة الأفغانية المدعومة من واشنطن من أجل محاربة التنظيم المتطرف والقضاء عليه قبل أن يتوسّع ويزداد خطره. لكن يبدو أن السلطات في العاصمة الأفغانية كابل ما زالت تتريث في قبول هذه المساعدات من قبل روسيا بسبب التحفظات الأميركية والغربية. وهذا الأمر دعا القيادة الروسية إلى فتح قنوات اتصال مع حركة طالبان، العدو اللدود لتنظيم «داعش أفغانستان».
وحسب التقارير المتوافرة أخيرًا، فإن مسؤولين روس كبارًا، بل ذكر في بعض الإعلام أن منهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه، التقوا زعيم طالبان الجديد الملا أختر منصور في مدينة دوشنبه، عاصمة جمهورية طاجيكستان (السوفياتية سابقًا). وتفيد التقارير أن الهدف هو تكثيف الجهود من أجل محاربة «داعش أفغانستان» ووضع حد لنشاطه التوسعي، ولا سيما، أن عشرات المقاتلين المتشدّدين المنتمين إلى دول آسيا الوسطى ينضمّون، وباستمرار، إلى صفوف «داعش»، وأن الأرض الأفغانية باتت منطقة خصبة لهم. وهي كما هو معروف قريبة من روسيا، ما يسمح للمتشدّدين بشنّ عمليات ضد روسيا والدول المتحالفة معه انتقامًا من روسيا لحملتها العسكرية الدامية الحالية في سوريا.
من جانب آخر، شهد العام 2015 تطوّرات مهمّة على الصعيدين السياسي والأمني في أفغانستان التي ما زالت تعاني من حرب شعواء تشنها حركة طالبان، التي عادت بكل قوتها إلى الساحة القتالية - الأمنية من خلال تصعيد غير مسبوق بعد التأكد من وفاة زعيم الجماعة المؤسّس الملا عمر قبل سنتين ونصف. طالبان نجحت إلى حد كبير في لملمة خلافاتها وتمكّنت من ترتيب بيتها الداخلي - كما يُقال - بعد تعيين أمير جديد للجماعة خلفا للزعيم المؤسس الراحل هو نائبه الملا أختر منصور الذي بويع في مدينة كويتا عاصمة ولاية بلوشستان الباكستانية.
المبايعة شارك فيها جمع غفير من قادة طالبان ومقاتليها رغم وجود أصوات معارضة في باكستان، وداخل أفغانستان أيضًا، على الطريقة التي تمت فيها البيعة. وحقًا، شهدت مناطق عدة في جنوب أفغانستان وشرقها اشتباكات عنيفة بين موالين للزعيم الجديد لطالبان ومعارضيه خصوصًا في ولاية زابل، بجنوب البلاد، حيث ينتشر مقاتلون ينتمون إلى القائد الميداني في طالبان الملا منصور داد الله الذي رفض مبايعة «الأمير الجديد». ولقد أدى موقف الملا منصور إلى انشقاق فعلي ورسمي في صفوف طالبان حدث عقب إعلان «أمير جديد» للمجموعة المعارضة هو الملا رسول.
وفي حين ما زالت المجموعات والأجنحة في طالبان تشتبك فيما بينها رغم الإنجاز العسكري المهم الذي حققته لبعض الوقت - عندما نجحت بالسيطرة لبضعة على ولاية كندوز خلال هذا العام المنقضي قبل أن تتمكّن القوات الأفغانية من استرجاعها بمساعدة الغارات الجوية التي نفذتها الطائرات الحربية الأميركية - فإن الحركة تواجه اليوم تحدّيًا جديًا؛ إذ بدأ تنظيم «داعش أفغانستان» - أو «داعش ولاية خراسان» كما يدعو نفسه - يتمدّد على حساب طالبان في بعض الأقاليم والولايات الأفغانية، ولا سيما في جنوب البلاد وغربها، بالإضافة إلى ولاية ننغرهار قرب الحدود الباكستانية التي تعتبر راهنًا معقلاً أساسيًا لتجنيد مقاتلين جدد في صفوف التنظيم المتطرف في أفغانستان وعموم المنطقة. ولقد حذّرت حركة طالبان في بيانات صدرت باسمها على مواقع إلكترونية تابعة لها «داعش» من اعتمادها خطط التمدد في أفغانستان، مؤكدة أنها ستتصدى بالقوة للتنظيم. ومن ثَم، شهدت مناطق عدة في ننغرهار وكذلك في ولاية أوروزغان، في الجنوب، مواجهات دامية بين طالبان ومقاتلين يزعمون أنهم ينتمون إلى «داعش أفغانستان» مما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من الطرفين، وتمكنت طالبان من طرد مسلحي «داعش» من بلدات في ولاية ننغرهار.
من جهة أخرى، تعرّض «داعش» الذي كان قد عيّن على رأس ما يسميها «ولاية خراسان الإسلامية» المدعو حافظ سعيد، وهو من القيادات السابقة في «طالبان باكستان» ضربة كبيرة وموجعة أيضًا بعد إعلان عبد الرحيم مسلم دوست، مساعد قائد التنظيم في أفغانستان، هجره التنظيم بسبب ما وصفه بـ«همجية مقاتلي (داعش) في أفغانستان بحق المدنيين»، وذلك في أعقاب جريمة إعدام الوجهاء الباشتون العشرة «تفجيرًا» بقنابل بعد اتهامهم بمعاداة التنظيم والانتماء إلى حركة طالبان.
جدير بالذكر، أن الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية كانتا في الماضي تقللان من خطر «داعش أفغانستان» غير أنهما اليوم باتتا مقتنعتين بأن التنظيم يشكل خطرا داهمًا ليس لأفغانستان فحسب بل لمنطقتي وسط آسيا وجنوبها أيضًا. وفعلاً، حيث ظهرت بوادر الخطر في عدة دول مجاورة لأفغانستان ودول جنوب آسيا من خلال تبني التنظيم سلسلة تفجيرات هنا وهناك. تقول الدوائر الأمنية التابعة لحكومة أفغانستان في كابُل بأنها تتصدّى جدّيًا وتحارب التنظيم المتطرف «نيابة عن جميع الدول في المنطقة بما فيها دول آسيا الوسطى». وتذكّر بأنها بحاجة إلى دعم سياسي وعسكري خارجي من خلال تعزيز قدرات الجيش الأفغاني وتجهيزه بأسلحة متطورة لكي يتمكن من القضاء على التنظيم في الأراضي التي تحرك فيها حاليًا قبل أن يتحول إلى خطر متوسّع ومتشظّ يصعب احتواؤه السيطرة عليه على غرار ما يحدث في العراق وسوريا.
ثمة خبراء ومحللون عسكريون أفغان مقتنعون بأن «داعش أفغانستان» تنظيم يحمل أجندات دولية وإقليمية. ويذهب بعضهم إلى القول بأن الهدف من الحرص التوسّع والانتشار في هذا الجزء من العالم، بالذات، قد يكون موجهًا لدول كبيرة في المنطقة على رأسها روسيا والصين وإيران، معتبرين أن التنظيم المتطرف قد لا يشكل خطرًا كبيرًا بالنسبة للنظام الأفغاني إلا أنه سيوجه ضربات ويتغلغل في دول آسيا الوسطى من خلال مئات من المتشدّدين من رعايا هذه الدول، وبالأخص من الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى، كانوا قد انضموا في الآونة الأخيرة إلى التنظيم، وربما كان هؤلاء يتهيئون الآن لتوجيه ضربات لروسيا بعد مشاركتها القتالية في سوريا إلى جانب نظام بشار الأسد في حربه ضد المعارضة والقوى الإسلامية المعتدلة والمتشدّدة على حد سواء.
من ناحية ثانية، يشير الخبراء والمحللون إلى أن التنظيم المتطرف في أفغانستان وإن كان لا يزال في طور الإنشاء والتحضير حتى الساعة، فإنه من الضرورة بمكان تحاشي التساهل مع هذه الظاهرة التي قد تكبر في ظل ضعف الحكومة الأفغانية المركزية وتواضع إمكانيات أجهزتها الأمنية، ولا سيما، أن غالبية القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي «ناتو» المقاتلة غادرت البلاد مع نهاية العام 2014، وانتقال الملف الأمني كاملاً إلى الجانب الأفغاني. ويرى هؤلاء أن الأشهر القليلة المقبلة ستوضح مدى قدرة التنظيم على تجنيد مقاتلي طالبان إلى صفوفه مستفيدًا من الخلافات الداخلية التي تشهدها في الحركة ومدى تقبّل المجتمع الأفغاني لهذه الظاهرة الغريبة التي لا تنسجم مع عادات المجتمع الأفغاني المحافظ وتقاليده.
وما يذكر أنه في نهاية العام اتهم النائب الأول لرئيس البرلمان ظاهر قدير مسؤولين حكوميين، لم يسمِّهم، بأنهم «متورّطون في لعبة» انتشار وحضور «داعش أفغانستان». وتابع القول بأنه يملك أدلة ومستندات تشير إلى أن هليكوبترات مجهولة تتولّى نقل عناصر «داعش» إلى ننغرهار، مضيفًا بأنه أمر مجموعات مسلحة تنتمي إليه باستهداف هذه الهليكوبترات التي تساعد التنظيم على التوسّع وتقدّم لعناصره المساعدات. غير أن الحكومة الأفغانية رفضت الاتهامات الموجّهة إليها، ووصفت تصريحات ظاهر قدير بأنه لا أساس لها من الصحة، مؤكدة اعتزام الحكومة القضاء على «داعش» وكل المجموعات المسلحة المتطرفة المماثلة التي تهدّد أمن أفغانستان.



2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.