قراءة في كتاب: السياسة الدينية والدولة العلمانية.. مصر والهند والولايات المتحدة الأميركية

دراسة تكشف التنوع المكتنف بالتعقيد لتطور السياسة وتفاعلات الدين والمجتمع مع كل من الحداثة والعلمانية

جون كيندي  تبنى رؤية مسكونية للدين بدعم وتشجيع الوحدة بين جميع معتنقي المسيحية على اختلاف مذاهبهم والمجتمع («الشرق الأوسط»)
جون كيندي تبنى رؤية مسكونية للدين بدعم وتشجيع الوحدة بين جميع معتنقي المسيحية على اختلاف مذاهبهم والمجتمع («الشرق الأوسط»)
TT

قراءة في كتاب: السياسة الدينية والدولة العلمانية.. مصر والهند والولايات المتحدة الأميركية

جون كيندي  تبنى رؤية مسكونية للدين بدعم وتشجيع الوحدة بين جميع معتنقي المسيحية على اختلاف مذاهبهم والمجتمع («الشرق الأوسط»)
جون كيندي تبنى رؤية مسكونية للدين بدعم وتشجيع الوحدة بين جميع معتنقي المسيحية على اختلاف مذاهبهم والمجتمع («الشرق الأوسط»)

تأتي دراسة البروفسور سكوت هيبارد التي جاءت في كتاب «السياسة الدينية والدولة العلمانية: مصر والهند والولايات المتحدة الأميركية» لموضوع السياسة الدينية والدولة العلمانية لتكشف التنوع المكتنف بالتعقيد لتطور السياسة وتفاعلات الدين والمجتمع مع كل من الحداثة والعلمانية. ولقد بلور هيبارد، وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة دي بول الأميركية (وهي جامعة كاثوليكية بمدينة شيكاغو)، أطروحة جديدة تنطلق من السياسات العمومية، لتجاوز تفسيرات الأطروحات التقليدية التي اعتمدت على التفسير الاحتجاجي الحركي للدين؛ وكذلك لتجاوز المقولات التي تزعم أن المذاهب الأصولية تطوّرت في ظلت تنامي موجة الحركات الاجتماعية، سواء في الجغرافيا الغربية العلمانية، أو في الشرق الهندوسي والإسلامي.
البروفسور سكوت هيبارد يشرح في «السياسة الدينية والدولة العلمانية: مصر والهند والولايات المتحدة الأميركية» أطروحته التفسيرية للتحوّلات المتفاعلة بين الدين والسياسة، اعتمادًا على البحث في طبيعة السياسات العمومية المتبعة في الولايات المتحدة. ويسجّل أن عناصر القومية الأميركية تحوّلت إلى «دين مدني»، كرّسته الثقافة الليبرالية المتبعة في هذا المجال، قبل أن يتحول هذا المخزون الجماعي نحو تعاطٍ جديد في الخطاب السياسي الديني. ويمضي قائلا: إنه يمكن القول: إن الانتخابات الرئاسية للعام 1968م شكّلت تحوّلاً تاريخيًا داخل السياسة الأميركية، حين «سعى (ريتشارد) نيكسون إلى استقطاب المسيحية المحافظة من أجل القضاء على الهيمنة السياسية للحزب الديمقراطي. وبذلك ساعد على إعادة تعريف إطار الجدل الآيديولوجي لمعظم ربع القرن المقبل» (ص 265).
وفي ظل الصراعات السياسية والاهتمام المتزايد بالأغلبية الصامتة المحافظة، اختلط بسهولة الدين بالقومية، وكان الإيمان بالله والإيمان بالوطن يعزّز كل واحد منهما الآخر سياسيا. ويبدو أن هذا المسار رسم توجّهًا جديدًا للدولة والمجتمع السياسي، وعكسته «السياسة الثقافية لحقبتي الستينات والسبعينات من القرن الماضي التفسيرات المتنوعة لكل من الدين والمجتمع التي أرشدت السياسة الأميركية لفترات طويلة. ولقد ارتبطت التفسيرات الليبرالية (أو العصرية) للتقليد المسيحي بالسياسة التقدمية لليسار الأميركي، بينما ارتبط التفسير الأكثر حَرْفية أو البروتستانتي بسياسة اليمين» (ص 280). وساعد كل هذا على ظهور وانتشار التفسيرات «الرجعية» للدين ليس بسبب رجعية الدين نفسه، بل لما تعرّض له باعتباره مُعتقدًا جمعيًا وطنيًا من استغلال سياسي مارسته النخب العلمانية، وبالتالي، ساهم كل هذا في إعادة تشكيل السياقات الحالية. وهذا الاختيار شكل بدوره الصورة التمامية للسياسة الدينية بعد الحرب الباردة، في الولايات المتحدة الأميركية والشرق، خاصة، في الهند ومصر.
إن ما بدأه ريتشارد نيكسون، ولاحقًا رونالد ريغان، في أميركا استثمره وزاد عليه جورج بوش «الابن»، ووجه السياسات العمومية وصناعة القرار السياسي بشكل جعل من الدين (المسيحي تحديدًا) مرجعية سامية ومؤيدة للفعل السياسي الداخلي والخارجي. وهذا ما يفسر ظهور جيل جديد من السياسيين اليمينيين المسيحيين، الذين أصبحوا نجومًا وشخصيات عامة مؤثرة في صناعة السياسات وشنّ «الحروب على الإرهاب».
في مصر، رغم محاولات الرئيس الأسبق الراحل جمال عبد الناصر غرس الأعراف العلمانية، وصدامه التيارات الدينية التقليدية، وسيطرته على مقدّرات الأزهر؛ تجدّد الجدل حول الإسلام غداة «حرب 5 يونيو (حزيران) 1967م». وكان تحالف أنور السادات مع الإسلام المحافظ بهدف «شرعنة» حكمه العسكري بداية لديناميات وسياسات جديدة لدولة تعتبر نفسها «دولة الانفتاح» الليبرالي. وسهّلت سياسات «التحرر» التي قادها السادات سيطرة الإسلام المحافظ على السياسة المصرية، وتعزّز ذلك بإشراك النظام السياسي المصري للمؤسسات الدينية في جهده الخاص بإعادة تعريف الأساس الآيديولوجي للدولة، والذي كرّسه دستور 1971م في المادة الثانية، وتعزّز بتعديل 1980م. وهذا المنحى «التحرّري» استغله السادات لتبرير التحولات الاقتصادية، والسياسية ذات الارتباط الإقليمي والدولي التي تزعّمها؛ بينما استغلته التيارات الدينية وفي مقدمها الإخوان المسلمون للعودة إلى الحياة العامة بنشاط وهمة. وكانت النتيجة مفارقة كبيرة، تمثلت في بروز القوى الإسلامية باعتبارها المعارضة الحقيقية للدولة التي رعت عودة الإسلام المحافظ إلى الفضاء العام.
أمام هذا الوضع، اختار الرئيس حسني مبارك، فيما بعد، تسييج السياسات العمومية بطابع لا يخلو من التفسيرات الدينية، معتبرًا نفسه الحامي الجديد لعقيدة الجماعة المصرية، ومستهدفًا التضييق على الجماعات الإسلامية وفي مقدمتها جماعة «الإخوان المسلمين».
ونظرا للدينامية الاجتماعية للدين، وجد حسني مبارك نفسه في تحالف مع المؤسسة الدينية الرسمية خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، ما قوّى نفوذ التفسير «الرجعي» للإسلام داخل مؤسسات الدولة. كما احتاج مبارك لتنظيم جماعة الإخوان لتجاوز ضعف الأزهر في معركته ضد الجماعات المسلحة الإرهابية التي ترفع شعارات «الإسلام الجهادي»؛ وهذا ما صعّب من قدرة الدولة في تعاملها مع القوى الإسلامية، وأنتج توسعا كبيرا للقوى المحافظة والمتشددة، وخلّف أثرًا سلبيًا على الحريات العامة والسياسات العامة، والتعامل المجتمعي مع الأقباط.
أما في الهند فلقد ارتبطت السياسة بالقومية الهندوسية بشكل لافت منذ تسعينات القرن العشرين، ما شكل تراجعًا عن الهوية العلمانية التي تبنّاها زعيم الهند الاستقلالي التاريخي جواهر لال نهرو. غير أن هذا النظام الذي أرسى دعائمه نهرو لم يكن محطّ إجماع مجتمعي. ومن هنا استطاع حزب «بهاراتيا جاناتا» القومي الهندوسي أن يصعد لسطح المسرح السياسي الهندي مستغلا تراجع النخبة العلمانية التي أضعفتها خلافاتها. وحصل هذا عندما شهد الوضع العام تغيرات مهمة تزامنت مع فترة الطوارئ لعام 1977 حين سعت أنديرا غاندي، وبعدها ابنها راجيف، إلى اللعب على الوتر الديني الهندوسي لتحقيق غرضين مهمين: تمثل الأول في حشد الطائفة الهندوسية وجعلها قاعدة انتخابية لحزب المؤتمر، والثاني في محاربة النزعات الانفصالية التي تواجهها الدولة.
غير أن هذا الاختيار السياسي، اعتبره هيبارد أداة فعالة لاستئصال «العلمانية النهروية» (نسبة إلى نهرو)، وبروز العنف الطائفي الذي تبناه «المجلس الهندوسي العالمي» وغيره من التنظيمات الدينية، وسط توسع كبير للخطاب الآيديولوجي الديني لحزب «بهاراتيا جاناتا». وبتفاعل هذه العوامل مع الاختيارات السياسية الرسمية للدولة، شهدت الهند تحوّلات راديكالية نحو إنهاض الأعراف الدينية التقليدية، المُقصية للمذاهب والأديان غير الهندوسية، وظهر ما يمكن تسميته بـ«العنف الانتخابي». وفي ظل هذا المسار الجديد واجه «الإجماع» العلماني الذي كان سائدًا بعد الاستقلال مصيرًا غامضًا، سرعان ما تحوّل إلى انتصار ساحق لسياسة هندوسية قومية متحالفة مع الطبقات الوسطى.
وعلى الرغم من العودة القوية نسبيًا لحزب المؤتمر منذ انتخابات 2004م، التي فُسرت بالرغبة في تغيير سياسات حزب «بهاراتيا جاناتا» المثيرة للشقاق المجتمعي، فإن التنبؤ بالمستقبل يبدو في غاية الصعوبة، وبخاصة، أن المؤشرات الاجتماعية تفيد أن المشروع العلماني يواجَه بمشروع موازٍ له قاعدته الشعبية القوية ونُخبه السياسية المؤثرة.
خلاصة القول: إن كتاب «السياسة الدينية والدولة العلمانية» لسكوت هيبارد - الذي ترجمه الأمير سامح كريم، ونشرته سلسلة عالم المعرفة عام 2014 م - يعد واحدًا من الدراسات التوثيقية والتفسيرية المهمة التي تناولت السياسة الدينية، وتفاعلات السياسة والسلطة مع الدين والقوى الدينية في الدول الثلاث التي درسها بعمق، أي الولايات المتحدة ومصر والهند. ولقد خلص الكاتب لنتيجة مهمة مفادها أن الدين ما زال محوريًا في بناء الهويات الجماعية، وتحديدًا، القومية للدول موضوع الدراسة؛ وأن الدين قوة فعالة استخدمت من طرف المسؤولين السياسيين لأغراض حسنة وسيئة.
ومع أن الباحث أخذ على نفسه مسؤولية النظر للموضوع من زاوية السياسة العمومية، فإنه انجرّ للحديث بشكل مطوّل عن قضايا جانبية، مما حوّل دراسته لبحث توثيقي أكثر منه مقارناتي أو تفسيري. كما أن البروفسور هيبارد لم يتخذ أي موقف سلبي تجاه السلطة السياسية القائمة على العنف تجاه القوى الدينية، بل يمكن القول: إنه واحد من الباحثين الأميركيين المؤيدين «بشكل ضمني على الأقل» لاستعمال العنف ضد التيارات الدينية، في مصر خاصة.
* استاذ في جامعة محمد الخامس
الرباط - المغرب



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».