بوق «القاعدة».. سجل أسود في التفجير والتجنيد والاغتيال

عبد العزيز الطويلعي «أخو من طاع الله»: من ناشط إعلامي إلى أمير الاغتيالات

بوق «القاعدة».. سجل أسود في التفجير والتجنيد والاغتيال
TT

بوق «القاعدة».. سجل أسود في التفجير والتجنيد والاغتيال

بوق «القاعدة».. سجل أسود في التفجير والتجنيد والاغتيال

على الرغم من اللقب الذي ظلّ يلاحقه، منذ القبض عليه في التاسع من مايو (أيار) 2005، بأنه «وزير إعلام تنظيم القاعدة»، إلا أن صحيفة اتهام عبد العزيز بن رشيد الطويلعي العنزي الذي أعلن، أول من أمس السبت، عن تنفيذ حكم الإعدام فيه، تكشف عن سجل إرهابي أسود، شمل القيام بالتفجير والتخطيط لهجمات على كبار المسؤولين، وتشكيل خلايا اغتيالات، واستهداف منشآت الدولة الأمنية والاقتصادية، بينها محاولة تفجير مصافي النفط، وتجنيد مقاتلين، والارتباط بجماعات إرهابية في العراق بالإضافة إلى جمع الأموال وحيازة الأسلحة والمتفجرات لأغراض إرهابية، ومحاولة تجنيد غواصين لاستهداف السفن الأجنبية في البحر الأحمر.
عُرف عبد العزيز بن رشيد الطويلعي العنزي، الذي ظلّ متخفيًا سنوات عن أعين السلطات، حتى ألقي القبض عليه بعد مواجهة نارية في أحد أحياء الرياض، بأنه العقل الإعلامي لتنظيم القاعدة، وقد بدأ مسيرته مع هذا التنظيم منذ عام 2002، حين كان ناشطًا إعلاميًا ينافح عبر مواقع الإنترنت عن أفكار التنظيم ومبادئه، ودخل في حوارات طويلة مع نشطاء تابعين لحملة «السكينة»، وهي لجان مناصحة للفكر التكفيري كانت تابعة للحكومة السعودية، وكان وقتها يتخفى بأسماء مستعارة، بينها اسم ظل معروفًا في منتدى «سلفيون» المتعاطف مع «القاعدة»، هو عبد العزيز البكري.
لكن لقبه الأبرز كان «أخو من طاع الله»، وحمله حين اشتدّ عوده في إنتاج الأعمال الفكرية لتنظيم القاعدة، وكانت مسؤولاً عن إصدار مجلة «صوت الجهاد» لسان حال التنظيم، مثلما كان ناشطًا في الكتابة بمجلة «البتار»، وهي الأخرى ضمن إصدارات «القاعدة»، وفي مجال كتابة المقالات والأخبار، كان الطويلعي غزير الإنتاج، حيث دأب خلال الفترة من 2002 إلى 2005 على الكتابة لمجلة «صوت الجهاد»، وكان له فيها زاويتان ثابتتان بأسماء مستعارة؛ الأولى بعنوان «العقيدة أولاً» بالاسم المستعار «ناصر النجدي» ثم «فرحان الرويلي» وتتعلق بتكفير الحكومة السعودية، والثانية بعنوان: «فقه الجهاد» وكتبها باسم «عبد الله ناصر الرشيد»، كما كان يكتب زوايا غير ثابتة في جميع الإصدارات، مستخدمًا أسماء مستعارة بينها اسم «أخو من طاع الله» واسم «عبد الرحمن بن سالم الشمري»، كما دأب على نشر قصائد باسم «عبد العزيز بن مشرف البكري».
نشاطه الإعلامي كان يتجاوز الكتابة، إلى النشر واستخدام أساليب مبتكرة في نشر أعداد مجلة «صوت الجهاد» على شبكة الإنترنت، لكن القضاء السعودي أدانه كذلك بجرم التخابر والتنسيق مع المعارض المقيم في لندن سعد الفقيه، خصوصًا فيما يتعلق بنشر المجلة، أو تنسيق العمليات الإرهابية فيما بعد بحيث لا تتواكب مع دعوات الفقيه للتظاهر.
كان الطويلعي مسؤولاً عن رئاسة اللجنة الشرعية والإفتاء في فرع التنظيم في «جزيرة العرب»، مع عضويته في مجلس شورى التنظيم، وكان مرتبطًا بقائد التنظيم - آنذاك - عبد العزيز المقرن، وأصبح الطويلعي متحدثًا باسم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وشارك في إنتاج عدد من الإصدارات الصوتية والمرئية عن هذا التنظيم، تتضمن الدعاية له وترويج أفكاره وتجنيد مقاتلين في صفوفه، وتحامل بشدة على منهج الدولة السعودية، وعلى قيادتها، منتهجًا أسلوب التكفير والتحريض عليها، ولم يكن يتحرز في إصدار الفتاوى التي تجيز قتل الجنود أو استباحة الأموال، أو اغتيال المسؤولين الحكوميين، خصوصًا القادة الأمنيين، ومهاجمة الأجانب المقيمين في السعودية، لكن أيضًا كانت له فتاوى تجيز قتل الكتاب السعوديين الذين كانوا يخالفون منهجه، أو يتصادمون مع أفكار تنظيم القاعدة، وصدرت له فتاوى تبيح لأتباعه قتل أنفسهم «الانتحار» خوفًا من تعرضهم للاعتقال ومن ثم تعريض المعلومات التي يمتلكونها للخطر.
وتكشف صحيفة الدعوى التي تحمل التهم التي أدين بها الطويلعي، جانبًا من علاقة التنظيم الإرهابي ببعض القنوات الفضائية، حيث تشير تلك التهم إلى قيام الطويلعي بالتواصل مع أحد الصحافيين في قناة مشهورة عبر الإنترنت «لغرض خدمة تنظيم القاعدة إعلاميًا»، وعمل على ربط صحافي تلك القناة بزعيم التنظيم عبد العزيز المقرن.
السجل الأسود
نشاطه الإعلامي، كان رأس جبل الجليد في سيرته الممزوجة بالعنف والإرهاب، حيث لعب دورًا بارزًا في التخطيط والقيام بالكثير من العمليات الإرهابية منذ تفجّر الإرهاب في 2003.
يُذكر أنه في 12 مايو من عام 2003 وقع انفجار استهدف ثلاثة مجمعات سكنية في الرياض، وأدت إلى مقتل 29 شخصًا، وإصابة نحو مائتين، وأعلنت «القاعدة» مسؤوليتها عن هذه الهجمات، كما يعتبر تفجير مجمع المحيا السكني غرب مدينة الرياض في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2003 من أشد الأعمال الإرهابية التي نفذها تنظيم القاعدة، وأسفر الهجوم عن مقتل العشرات من السكان القاطنين في المجمع، واستخدمت في تفجير المجمع سيارة مفخخة بحمولة تزن 300 كيلوغرام في عملية انتحارية نتج عنها وفاة 17 شخصًا، وإصابة 122 من جنسيات مختلفة.
وفي 29 مايو 2004 اقتحمت مجموعة مسلحة، مجمع الواحة السكني في مدينة الخبر (شرق السعودية)، واحتجزت 45 رهينة، وتم قتل عدد من السكان، قبل أن تتمكن قوات الأمن السعودي من اقتحام المبنى بعد 48 ساعة، وتحرير الرهائن.
وفي 6 يونيو (حزيران) 2004، أدت عملية إرهابية في حي السويدي بالعاصمة السعودية الرياض إلى مقتل المصور التلفزيوني الآيرلندي سيمون كامبرز وإصابة زميله البريطاني فرانك غارنر مراسل هيئة الإذاعة البريطانية لشؤون الأمن، تلاها في 6 ديسمبر (كانون الأول) 2004 محاولة اقتحام فاشلة لمبنى القنصلية الأميركية في جدة، انتهت بمقتل 3 مسلحين، وإلقاء القبض على 2 آخرين، وسقوط عدد من القتلى من غير الأميركيين.
وفي 29 ديسمبر 2004 قام إرهابيون بعملية متزامنة، استهدفت الأولى مقر وزارة الداخلية في الرياض، عبر انتحاري فجّر سيارة، وأصيب رجل أمن عند حراسات البوابة الشرقية، والثانية استهداف مقر مركز تدريب قوات الطوارئ الخاصة في الرياض، عبر انتحاريين حاولا تفجير سيارة بالقرب من المركز، قبل أن تفجرهما السلطات الأمنية قبل دخول السيارة إلى مقر المركز.
خلال هذه الفترة، كان الطويلعي لاعبًا بارزًا في التخطيط وتنفيذ الأعمال الإرهابية، فضلاً عن نشاطه الإعلامي الذي عرف به.
واستغل الطويلعي الأحداث التي عقبت تفجير مجمع المحيا في تشكيل خلايا إرهابية تتولى التخطيط لأعمال ضخمة تستهدف النفط، واغتيال شخصيات، وكان هو شخصيًا مسؤولاً عن «إمارة خلية الاغتيالات»، وتحديد الأهداف المستهدفة، وهم «الأجانب، ورجال الأمن والضباط، المحققون، وبعض العلماء، وكبار مسؤولي الدولة، وقيادة قوات الطوارئ الخاصة، وبعض الكتّاب»، وكذلك التخطيط لاختطاف شخصيات من هذه الفئات والتنكيل بها وتسجيل اعترافات مصورة لها.
وشارك الطويلعي، فعليًا، في اغتيال نائب رئيس الحرس الوطني المساعد - آنذاك - من خلال التخطيط لاستهداف سيارته بقذائف مطورة من أكواع متفجرة، كما اشترك في التخطيط للقيام بعمليات اغتيال لولي العهد والنائب الثاني ووزير الداخلية ومساعده (آنذاك).
خطط الطويلعي لاستهداف المنشآت النفطية بالمنطقة الشرقية، وشرع في استهداف ميناء رأس تنورة أكبر موانئ تصدير النفط السعودي على الخليج العربي، كما خطط للقيام بعملية إرهابية تستهدف أنابيب النفط باستعمال الطلقات النارية الخارقة والأكواع المتفجرة، وكان يُعد العدة لإرسال انتحاري بسيارة مفخخة تستهدف إحدى المصالح النفطية.
وأدين كذلك بالشروع في تنفيذ عمليات تفجير إرهابية بمدينة الرياض، بينها تفجير مجمع سكني في شرق الرياض بسيارات مفخخة، وتم تحديد دوره في فرقة الاقتحام بمواجهة مدخل البوابة الرئيسة بإطلاق النار الكثيف حتى تتمكن السيارة المفخخة من تجاوز البوابة.
كذلك كان ضمن الخلية التي قامت بالتفجير في حي السفارات، وكان دوره مع أحد الإرهابيين الوقوف أمام موقع قوات الأمن الخاصة، وحمل كمية كبيرة من الأكواع المتفجرة، ورماها عليهم لإعاقتهم من الوصول للموقع المستهدف.
كما خطط لاستهداف مركز المباحث العامة بالرياض بعمليات إرهابية واستهداف مبنى مباحث الزلفي بعملية إرهابية، واشتباكه ضمن مجموعته مع قوات الأمن أثناء عملية مداهمة قوات الأمن لمنزل في حي الفيحاء، وهي المواجهة التي تمكن من الفرار بعد حمله سلاحه الرشاش «الكلاشنيكوف» ولبس الجعبة التي تحتوي على قنبلتين يدويتين وثلاثة مخازن مليئة بالذخيرة الحية للرشاش، وتمكنه من رمي قنبلة يدوية خارج سور المنزل باتجاه رجال الأمن في الخارج.
الطويلعي كان متهمًا بإطلاق النار على دورية أمنية ومدرعة كانتا مشاركتين ضمن مواجهة لرجال الأمن أثناء مداهمة منزل بحي الملك فهد، وكان وقتها متسلحًا بجعبته محتوية على ثلاثة مخازن رشاش مليئة بالذخيرة الحية وقنبلة يدوية وكوع متفجر ومسدس عيار 9 ملم ورشاش.
ومن بين العمليات الهجومية التي اشترك فيها الطويلعي اشتباكه مع قوات الأمن أثناء مداهمة في مكة المكرمة، حيث تمكن من الهروب مع رفقائه والاستيلاء على سيارتين من أصحابهما تحت تهديد السلاح، كما اشترك مع أعضاء التنظيم في مواجهة رجال الأمن أثناء مداهمة تمت قرب استاد الملك فهد، وقيامه بإطلاق النار بشكل مباشر على دوريتي الأمن وإشعاله الفتيل باثنين من الأكواع المتفجرة التي كانت بحوزته وإلقائها على الدوريات الأمنية.
كذلك محاولته تجنيد غواصين يجري تدريبهم على الغوص لاستهداف السفن الأجنبية أثناء مرورها بالمياه الدولية بالبحر الأحمر.
هو كذلك متهم بالمشاركة في تطوير سلاح تقليدي والمتمثل في استخدام الأكواع كقذائف، والتخطيط لتطوير ذلك السلاح ليكون أقوى تأثيرًا، كما تشير صحيفة اتهامه، إلى مشاركته بصنع قذيفتين بمنزل خلية الاغتيالات بمدينة الرياض، وسعيه لصنع كمية كبيرة من تلك القذائف لاستخدامها في عمليات تنظيم القاعدة داخل السعودية.
تكشف صحيفة الدعوى أن الطويلعي كان على علم بالعلاقة التي ربطت بين زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عبد العزيز المقرن، وزعيم التنظيم في العراق أبو مصعب الزرقاوي، وقيام المقرن بإرسال مقاتلين سعوديين إلى العراق لتهريب الأسلحة إلى السعودية، وكذلك التستر على مخطط الزرقاوي بزرع مقاتلين منظمين ومدربين داخل المناطق السعودية بانتظار ساعة الصفر التي يحددها، حيث طلب الزرقاوي من المقاتلين الكمون حتى يتصل بهم ليقوموا بالعمل المسلح داخل السعودية.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.