خلافات الكتل السياسية غطاء لحماية الفساد

سياسيون يعدون المحاصصة الطائفية أكبر عقبة أمام الإصلاح

خلافات الكتل السياسية غطاء لحماية الفساد
TT

خلافات الكتل السياسية غطاء لحماية الفساد

خلافات الكتل السياسية غطاء لحماية الفساد

رغم تباين وجهات النظر بين مختلف قادة وممثلي الكتل السياسية العراقية إلا أن هناك إجماعًا في أن الخلافات التي تنخر العملية السياسية في البلاد منذ عام 2003 وحتى اليوم كانت بمثابة الغطاء الذي يحمي الفاسدين من أي ملاحقة قانونية تحت ذريعة التسقيط السياسي.
وبالفعل فقد تبادل القادة السياسيون ملفات التسقيط المتبادل حتى بإعلانهم جميعًا دعم حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي التي تشكلت طبقًا لوثيقة الاتفاق السياسي. ورغم أن وزير التخطيط الأسبق وعضو البرلمان العراقي الدكتور مهدي الحافظ يصنف الأزمة السياسية في العراق بأنها «بلغت مرحلة الخلل البنيوي وبالتالي صار من الصعب معالجتها إلا إذا أدى ذلك إلى تغيير جذري في بنية النظام السياسي الحاكم في البلاد وقواعده، فإن هناك أكثر من مستوى من مستويات الخلاف بين الكتل. ففيما يرى المستقلون أو التيارات المدنية، وإن كانت لا تزال قليلة وغير ذات فاعلية في المعادلة السياسية، أن الأزمة تتصل بالنظام السياسي ذاته فإن ممثلي الكتل السياسية الكبيرة التي تمثل المكونات الرئيسية، وهي الشيعية والسنية والكردية، التي وصلت إلى الحكم عن طريق المحاصصة العرقية والطائفية ينطلقون في تفسيرهم للخلافات وافق أهداف ومرامي كتلهم وما خالفها. ففيما يرى الحافظ أن «النظام السياسي الحالي القائم على أساس المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية هو بمثابة العقبة الكبيرة أمام أية إصلاحات»، فإن محمد الكربولي، عضو البرلمان العراقي عن كتلة تحالف القوى العراقية، وهي الممثل السني في البرلمان، يقول إن «الحكومة الحالية تشكلت بموجب وثيقة اتفاق سياسي فيها لكل طرف حقوق وواجبات وقد وافقنا على الدخول في هذه الحكومة بناء على التزامات قدمها لنا التحالف الوطني (الكتلة الشيعية في البرلمان) وكذلك رئيس الوزراء حيدر العبادي بوصفه مرشح هذا التحالف لرئاسة الوزراء»، مبينًا أن «أبرز ما تضمنته وثيقة الاتفاق السياسي فيما يتعلق بالمحافظات الغربية هي عودة النازحين وتشكيل الحرس الوطني وإصدار قانون العفو العام وإلغاء المساءلة والعدالة وهو ما لم يتحقق منها شيء حتى الآن».
من جهته، يقول عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون موفق الربيعي (مستشار سابق للأمن القومي) إن «الإصلاحات التي أقدم عليها العبادي لا تزال تواجه تحديات كبيرة وهي الخلافات بين الكتل السياسية التي باتت تعبر عن مصالح سياسية واقتصادية متناقضة، وهي ما تجعل حركة رئيس الوزراء ليست ذات فاعلية في مواجهة الفساد بسبب أن هناك متنفذين في كل الكتل يحاولون عرقلة مسار الإصلاحات بكل الطرق»، مبينًا أن «الحجة الجاهزة هي مخالفة بعض الإصلاحات للدستور والقانون أو عدم مطابقتها له، في حين أن هناك الكثير من الأمور لا تحتاج سوى إلى تسهيل الإجراءات أمام رئيس الوزراء للقيام بدوره بشكل صحيح».
بدوره، يرى القيادي في التحالف الكردستاني وعضو البرلمان العراقي فرهاد قادر أن «ائتلاف الكتل الكردستانية كان قد طالب بتحديد سقف زمني للإصلاحات وهو ما لم يحصل لأن بقاءها سائبة أمر غير صحيح وهو مدعاة لإثارة المزيد من الخلافات حول الكثير من القضايا»، مبينًا: «إننا كنا مع إعطاء فرصة للعبادي للعمل لكن استمرار الوقت مفتوحا مع زيادة المشكلات والخلافات أمر سيتكون له تداعياته السلبية».
أما نائب السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، فيرى أن «كل شيء في العراق لا يسير بالطريقة التي نتمناها، وبالتالي تحصل العراقيل والمشكلات والخلافات، يضاف إلى ذلك إن هناك قوى أساسية لا بد أن تقف بالضد من الإصلاحات لأنها سوف تفقد مواقعها وامتيازاتها»، مشيرًا إلى «إننا بحاجة إلى قاعدة سياسية للإصلاح واصطفاف سياسي جديد لكي نتمكن من تجاوز التحديات والصعاب التي هي ليست قليلة بل هي ضاغطة وخطيرة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم