الوقف التعليمي.. سبق عربي وتفوق غربي

36 مليار دولار أملاك هارفارد الأميركية

الوقف التعليمي.. سبق عربي وتفوق غربي
TT

الوقف التعليمي.. سبق عربي وتفوق غربي

الوقف التعليمي.. سبق عربي وتفوق غربي

على الرغم من السبق الذي حققه العالم العربي في نظام الوقف التعليمي منذ قرون مضت، فإنه لم يستمر طويلاً في دعم التعليم في عالمنا العربي المعاصر. في حين حافظت الدول الغربية على تنمية الأوقاف التعليمية على مر السنين حتى أصبحت جامعاتها تعتمد عليه بشكل أساسي في تمويل وتطوير التعليم.
ومن أبرز نماذج الجامعات الوقفية في العالم جامعة هارفارد الأميركية التي تمتلك أكبر حجم أوقاف عالميًا، يصل إلى نحو 36.5 مليار دولار، ورسخت لذلك منذ أن تحولت إلى جامعة تعتمد على الأوقاف في عام 1870. حتى فاق عدد أوقافها 11 ألف وقف حاليًا. وتتفوق بذلك على موازنات بعض الدول العربية المعلنة في عام 2015 مثل تونس (15.96 مليار دولار)، الأردن (11.42 مليار دولار)، السودان (10.13 مليار دولار)، سوريا (9.1 مليار دولار).
والأوقاف التعليمية عبارة عن مصادر تمويلية خاصة بالجامعات، سواء تم تنميتها داخليًا، أو من خلال هبات من رجال الأعمال والأغنياء والخريجين السابقين، وهو أسلوب تمويلي يضمن لهذه الجامعات الاستمرار والإنتاجية والإبداع.
ويرى جون ألفرد، المحاضر بجامعة ستانفورد الأميركية، أن امتلاك الجامعة أو المدرسة أوقافا خاصة بها يمكنها من توفير أجور أفضل للمعلمين لتحفيزهم على الإبداع والعمل بشكل أفضل، وكذلك لدعم الطلبة في بعض الحالات بتقليل المصروفات عليهم، بالإضافة - وهو الأهم من وجهة نظره - إلى توجيه مزيد من الأموال للبحث العلمي والتكنولوجيا وصيانة المباني وتوفير الأجهزة الخاصة بها لتحسين جودة المستوى التعليمي المقدم للطلبة.
وأكد ألفرد أن أغلب الجامعات الغربية العريقة عملت - وما زالت - منذ قرون على دعم الوقف التعليمي، حتى تفوقت وأصبحت أغلبها المكون الرئيسي لأفضل 500 جامعة على مستوى العالم؛ وهكذا ضمنت الاستمرار والاستقرار المالي بشكل عملي وبمخاطر منخفضة جدًا.
وفي ذات السياق، نجد أن الولايات المتحدة الأميركية تضم أكبر عدد من الجامعات الوقفية في العالم، حيث يصل حجم الوقف في مؤسسات التعليم العالي الأميركية إلى أكثر من 119 مليار دولار، ويغطي العائد من الأوقاف في مجال التعليم بها ما يقارب ثلث نفقات تشغيل الجامعة، وهو ما يعني متوسط أكثر من 1.1 مليار دولار لكل جامعة.
وبحسب الأكاديمي الإماراتي طارق عبد الله، فإن ما يقرب من 90 في المائة من الجامعات الغربية تعتمد بشكل جزئي أو كلي على أموال الوقف، ففي جامعة كيوتو اليابانية فقط، يصل حجم الوقف إلى 2.1 مليار دولار، بينما يصل وقف الجامعات الكندية إلى 5 مليارات دولار، ويتخطى الوقف في 10 جامعات بريطانية نحو 30 مليار دولار.
ويرى عبد الله، في حوار له مع مركز دراسات التنمية «نماء»، أن الجامعات الوقفية في الولايات المتحدة الأميركية - كأحد أشهر النماذج - رسخت علاقة وطيدة بين ثقافة التبرع من ناحية، والميادين الأكاديمية وبرامج البحث العلمي من ناحية أخرى، بحيث لا يمكن تصور البنية التحتية العلمية في الولايات المتحدة الأميركية من دون الوقف.
وأضاف أن هذا الأسلوب يقلل من مخاطر الاعتماد على التمويل الحكومي الذي يتسم بعدم الثبات ويعتمد في حجمه على الموارد المتاحة وتغير الأولويات من سنة إلى أخرى، وخصوصًا في دول تعتمد اقتصادياتها على موارد أولية متذبذبة الأسعار والطلب (كالمواد الخام).
وعلى الجانب الآخر في العالم العربي، نجد أن أغلب جامعاته العامة تعتمد بشكل شبه كلي على الموازنات الحكومية، بينما نماذج الجامعات المستندة على أوقاف قليلة بشكل عام، وفي حال تواجدها لا تتوافر بيانات متاحة عن حجم أوقافها على وجه الدقة.
وذلك رغم سبق النظام التعليمي العربي في مجال الوقف العلمي قديما، ففي أوائل القرن الأول الهجري كان هناك الكثير من الكتاتيب الوقفية التي تعلم الأطفال وتساعد بعضهم في تحمل تكاليف الإعاشة والمبيت والتنقل من أجل الدراسة، بجانب نفقات التعليم والمعلمين. وتطورت الأوقاف التعليمية على مر الزمن وساهمت في دفع عجلة التقدم العلمي في عصر النهضة العلمية في العالم العربي في ذلك الوقت، حتى صار عدد المدارس الوقفية في بغداد في القرن السادس الهجري 300 مدرسة، وفي دمشق 20 مدرسة، وفي القرن التاسع الهجري بلغ عدد المدارس في القاهرة 63 مدرسة. أما في صقلية الإسلامية (آنذاك)، فبلغ عدد المدارس الوقفية 300 مدرسة تتكفل بنفقات الإعاشة للطلاب المحليين والأجانب وتطوير البحث العلمي، حتى صارت جامعات العالم الإسلامي، وبخاصة الأندلس قبلة لطالبي العلم في العالم حينئذ.
وازدهرت أيضا الجامعات الوقفية في العالم العربي، كجامعة القرويين في المغرب التي تعتبر من أوائل الجامعات الوقفية في العالم وتأسست بالكامل من التبرعات. وجامعة الأزهر في مصر التي يقدر حجم أوقافها حاليًا بملايين الدولارات ولكنها ليست موجهة بشكل كامل لخدمة التعليم والبحث العلمي، وكذلك جامعة الزيتونة في تونس.
وتأتي جامعة الملك سعود في السعودية في مقدمة النماذج العربية الوقفية الناجحة في الوقت الراهن، والتي يقدر حجم أوقافها بملايين الدولارات في شكل مجمعات صناعية، وفنادق استثمارية بمشاركة من شركات القطاع الخاص، إضافة إلى وجود عدد كبير من كراسي البحث العلمي الممولة من القطاع الخاص أو من بعض الشخصيات العامة والدارسين القدامى.
ولكن بشكل عام، فإن حجم الأوقاف الحالي للجامعات العربية قد تقلص بشكل كبير، ولم يعد له دور يذكر في دعم العملية التعليمية، وأصبحت النماذج المعتمدة على الوقف قليلة، ولا تتوافر عنها بيانات منشورة تفيد الباحثين وصانعي السياسات.



«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
TT

«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»

يقضي الباحثون في العالم العربي أوقاتاً من البحث المضني عن المراجع الإلكترونية التي تساعدهم في تحقيق أغراضهم البحثية. ويدرك هذه المشقة الباحثون الساعون للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه، فإذا لم يكن لديه إمكانية الدخول إلى قواعد البيانات العلمية العالمية عبر إحدى المكتبات الكبرى، التي عادة لا تتاح كاملة أيضاً، فإن عملية البحث سوف تكلفه آلاف الدولارات لمتابعة والوصول لأحدث الأوراق العلمية المتصلة بمجال بحثه، أو أن مسح التراث العلمي سيتوقف لديه على المراجع الورقية.
بينما يحظى الباحثون في مجال البحوث التربوية بوجود «شمعة»، وهي شبكة المعلومات العربية التربوية (www.shamaa.org) التي توفر لهم أحدث البحوث والدوريات المحكمة من مختلف الجامعات العربية، وبثلاث لغات، هي: العربية، والفرنسية، والإنجليزية مجاناً.
تأسست «شمعة» عام 2007 في بيروت كقاعدة معلومات إلكترونية، لا تبغي الربح، توثق الدراسات التربوية الصادرة في البلدان العربية في مجمل ميادين التربية، من كتب ومقالات وتقارير ورسائل جامعية (الماجستير والدكتوراه) وتتيحها مجاناً للباحثين والمهتمين بالدراسات التربوية. تتميز «شمعة» بواجهة إلكترونية غاية في التنظيم والدقة، حيث يمكنك البحث عن مقال أو أطروحة أو كتاب أو فصل أو عدد أو تقرير. فضلاً عن تبويب وفهرسة رائعة، إذ تشتمل اليوم على أكثر من 36000 ألف دراسة، موزعة بنسبة 87 في المائة دراسات عربية، و11 في المائة دراسات بالإنجليزية و2 في المائة بالفرنسية، وهي دراسات عن العالم العربي من 135 جامعة حول العالم، فيما يخص الشأن التربوي والتعليم، إضافة لأقسام خاصة بتنفيذ مشاريع في التربية كورش تدريبية ومؤتمرات.
لا تتبع «شمعة» أي جهة حكومية، بل تخضع لإشراف مجلس أمناء عربي مؤلف من شخصيات عربية مرموقة من ميادين مختلفة، وبخاصة من الحقل التربوي. وهم: د. حسن علي الإبراهيم (رئيساً)، وسلوى السنيورة بعاصيري كرئيسة للجنة التنفيذية، وبسمة شباني (أمينة السر)، والدكتور عدنان الأمين (أمين الصندوق) مستشار التعليم العالي في مكتب اليونيسكو، وهو أول من أطلق فكرة إنشاء «شمعة» ورئيسها لمدة 9 سنوات.
تستمر «شمعة» بخدمة البحث التربوي بفضل كل من يدعمها من أفراد ومؤسّسات ومتطوعين، حيث تحتفل بالذكرى العاشرة لانطلاقتها (2007 - 2017)، وهي تعمل حاليا على إصدار كتيب يروي مسيرة العشر سنوات الأولى. وقد وصل عدد زائريها إلى نحو 35 ألف زائر شهرياً، بعد أن كانوا نحو ألفي زائر فقط في عام 2008.
تواصلت «الشرق الأوسط» مع المديرة التنفيذية لبوابة «شمعة» ببيروت د. ريتا معلوف، للوقوف على حجم مشاركات الباحثين العرب، وهل يقومون بمدّ البوابة بعدد جيّد من الأبحاث والدراسات، أم لا تزال المعدلات أقل من التوقعات؟ فأجابت: «تغطّي (شمعة) الدراسات التربوية الصّادرة في 17 دولة عربيّة بنسب متفاوتة. ولا شك أن حجم مشاركات الباحثين العرب بمد (شمعة) بالدراسات قد ارتفع مع الوقت، خصوصاً مع توّفر وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي سهّلت لهم عملية المشاركة».
وحول طرق تزويد «شمعة» بالأبحاث والدراسات، أوضحت معلوف أن ذلك يتم من خلال عدّة طرق، وهي: «توقيع اتفاقات شراكة مع كليات التربية في الجامعات العربية والمجلات التربوية المحكمة ومراكز الأبحاث التي تعنى بالتربية والتعليم، كما تتيح اتفاقية تعاون مع مركز المعلومات للموارد التربوية (إريك) (ERIC) تزويد (شمعة) بالدراسات الصادرة باللغة الإنجليزية من الدول العربية أو من باحثين عرب. ونعتبر أن الشراكة مع (إريك) هي خطوة كبيرة ومن أهم الإنجازات كمؤسسة عربية، وأيضاً من خلال اشتراكات بالمجلات الورقية التربوية المحكمة العربية، أو عبر الدراسات المتاحة إلكترونياً على شبكة الإنترنت بالمجان أي عبر مصادر الوصول الحر للمعلومات (Open Access)».
وتضيف: «الجدير بالذكر أيضاً أن (شمعة) وقعت اتفاقية من مستوى عالمي مع شركة (EBSCO Discovery Service EDS) التي تعتبر من أهم موزعي قواعد المعلومات في العالم العربي والغربي».
وتوضح معلوف أنه «يمكن تزويد (شمعة) بالدراسات مباشرة من الباحث عبر استمارة متوافرة على موقع (شمعة)، حيث يقوم الفريق التقني من التأكد من توافقها مع معايير القبول في (شمعة) قبل إدراجها في قاعدة المعلومات».
وحول ما إذا كان الباحثون العرب لديهم ثقافة التعاون الأكاديمي، أم أن الخوف من السرقات العلمية يشكل حاجزاً أمام نمو المجتمع البحثي العلمي العربي، قالت د. ريتا معلوف: «رغم أن مشاركة نتائج الأبحاث مع الآخرين ما زالت تخيف بعض الباحثين العرب، إلا أنه نلمس تقدماً ملحوظاً في هذا الموضوع، خصوصاً أن عدد الدراسات المتوافرة إلكترونياً على شبكة الإنترنت في السنين الأخيرة ارتفع كثيراً مقارنة مع بدايات (شمعة) في 2007، إذ تبلغ حالياً نسبة الدراسات المتوافرة مع نصوصها الكاملة 61 في المائة في (شمعة). فكلما تدنّى مستوى الخوف لدى الباحثين، كلما ارتفعت نسبة الدراسات والأبحاث الإلكترونيّة. وكلما ارتفعت نسبة الدراسات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، كلما انخفضت نسبة السرقة الأدبية. تحرص (شمعة) على نشر هذا الوعي من خلال البرامج التدريبية التي تطورّها وورش العمل التي تنظمها لطلاب الماستر والدكتوراه في كليات التربية، والتي تبيّن فيها أهمية مشاركة الأبحاث والدراسات العلمية مع الآخرين».
وحول أهداف «شمعة» في العشر سنوات المقبلة، تؤكد د. ريتا معلوف: «(شمعة) هي القاعدة المعلومات العربية التربوية الأولى المجانية التي توّثق الإنتاج الفكري التربوي في أو عن البلدان العربية. ومؤخراً بدأت (شمعة) تلعب دوراً مهماً في تحسين نوعية الأبحاث التربوية في العالم العربي من خلال النشاطات والمشاريع البحثية التي تنفذها. وبالتالي، لم تعدّ تكتفي بأن تكون فقط مرجعيّة يعتمدها الباحثون التربويون وكلّ من يهتمّ في المجال التربوي عبر تجميع الدراسات وإتاحتها لهم إلكترونيّاً؛ بل تتطلّع لتطوير الأبحاث التربوية العلمية، وذلك لبناء مجتمع تربوي عربي لا يقلّ أهمية عن المجتمعات الأجنبية».