بلغ عجز الموازنة في إندونيسيا أعلى معدل له في ربع قرن، لكنه لم يتجاوز الحد القانوني الذي وضعته الدولة بغرض الحفاظ على الاستقرار المالي.
وقالت وزارة المالية في إندونيسيا، صباح أمس، إن عجز الميزانية ارتفع إلى 2.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2015، مقتربا من الحد الأقصى المحدد قانونا عند ثلاثة في المائة، رغم أنها كانت تخطط لأن يصل العجز إلى 2.2 في المائة فقط بنهاية 2015.
وكانت الحكومة تخطط ألا يتجاوز عجز الموازنة 245.9 تريليون روبية إندونيسية (نحو 20.5 مليار دولار)، لكن الرقم الآن يدور حول الـ23 مليار دولار.
وأظهرت الأرقام غير المدققة لعام 2015 أن العجز زاد من 2.25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2014، مع تراجع إيرادات الموارد الطبيعية، ليشهد 2015 أكبر عجز موازنة منذ 25 عاما على الأقل، مرتفعة عن مستويات العجز في سنوات الأزمة المالية الآسيوية في نهاية التسعينات من القرن الماضي، وعام 2004 الذي شهد كارثة «تسونامي».
وتوجد عدة أسباب لزيادة العجز في الموازنة الإندونيسية، ففي أول 10 أشهر من العام الماضي حصّلت الحكومة 60 في المائة فقط من الضرائب المخطط لها سنويا، كما أن ارتفاع قيمة الدولار أمام الروبية خفض من الواردات الإندونيسية، مما أثر بالسلب على ضريبة القيمة المضافة المحصلة على الواردات.
وذكرت وزارة المالية الإندونيسية أن إنتاج النفط تراجع بنسبة 1.9 في المائة إلى 779 ألف برميل يوميا من 794 ألف برميل يوميا في 2014، كما هبط إنتاج الغاز 2.4 في المائة إلى 1195 مليون برميل مكافئ نفطي يوميا مقارنة مع 1224 مليون برميل من يوميا في العام السابق.
ومن المتوقع ألا يتوقف التأثير السلبي لأزمة النفط والغاز عند نهاية 2015، فمنذ أسبوعين توقعت شركات نفط وغاز إندونيسية انخفاض إنتاجها في 2016، حيث حددت حجم الإنتاج عند مستوى أقل من تقديرات الحكومة.
وقالت هيئة «إس كيه كيه ميغاس»، الجهة المنظمة لأنشطة إنتاج النفط والغاز في إندونيسيا، إن شركات النفط والغاز في الدولة حددت حجم الإنتاج عند مستوى أقل من تقديرات الحكومة ومن إنتاجها في 2015.
وصرح إيلان بيانتورو، المتحدث باسم «ميغاس»، بأن إجمالي الإنتاج المستهدف لشركات النفط والغاز في 2016 يبلغ 1944 مليون برميل من المكافئ النفطي يوميا، بينما تستهدف الحكومة وصول الإنتاج إلى 1985 مليون برميل يوميا من المكافئ النفطي في عام 2016. ورغم هذا تتوقع الحكومة ألا يتجاوز عجز الموازنة في 2016 نسبة 1.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وإندونيسيا هي رابع دول العالم من حيث عدد السكان بنحو 255 مليون نسمة، وهي الاقتصاد الـ16 من حيث الناتج الذي بلغ 888 مليار دولار في نهاية 2014، وهي عضو بمجموعة الـ20 الكبار. وتخطط إندونيسيا لأن ينخفض عجز الموازنة عن 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2017، مع استقرار مستويات الدين عند أقل من 27 في المائة من الناتج.
وحافظت إندونيسيا تاريخيا على سياسة مالية «مسؤولة ومحافظة» وفقا لتقييم صندوق النقد الدولي، فقبل الأزمة المالية الآسيوية كانت إندونيسيا تحقق فائضا معتدلا ما بين 1 و3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي سنويا، وكان الدين العام منخفضا نسبيا، يمثل 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن الأزمة المالية الآسيوية أثرت على اقتصاد إندونيسيا بشكل عميق، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تزيد على 13 في المائة في عام 1998، وارتفع الدين الحكومي بشكل كبير في 1997 و1998، ليصل إلى ما يقارب 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1999، نتيجة قرار الدولة بضخ السيولة في القطاع المصرفي. لكن مستويات العجز ظلت متواضعة، وكان أعلى معدل لها هو 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة تخفيضات كبيرة في الإنفاق لتعويض الإيرادات المنخفضة وارتفاع النفقات الموجهة لدفع فوائد الديون المتزايدة.
وفي عام 2003، اعتمدت إندونيسيا معايير معاهدة «ماستريخت» الاقتصادية «بقانون» بألا يتجاوز عجز الموازنة 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وألا تزيد قيمة الديون على 60 في المائة من الناتج. هذا في الوقت الذي كان فيه العجز الحكومي الاندونيسي 1.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وكان الدين 57 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وكان الاقتصاد في طريقه إلى الانتعاش.
والهدف من هذه المعايير، التي يتبناها الاتحاد النقدي في أوروبا، هو ترسيخ المكاسب الحالية للاقتصاد ودعم المستقبل المالي للدولة، حتى يصبح النمو مستداما.
وكان أداء إندونيسيا باستمرار أفضل بكثير من هذه المعايير، ووصلت نسبة الدين المحلي إلى 35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2008، نتيجة بيع الأصول المشتراة وقت الأزمة المالية في نهاية التسعينات، ووصلت هذه النسبة إلى أقل من 25 في المائة من الناتج المحلي في نهاية 2014، ولم يتجاوز العجز السنوي الحد الأقصى على الإطلاق؛ حتى في عام التسونامي، الذي كانت إندونيسيا أكثر المتضررين منه بشريا واقتصاديا.
* الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»