محافظة تعز تتهددها المجاعة وتشهد اشتباكات عنيفة.. والمقاومة تسيطر على مواقع جديدة

برنامج الأغذية العالمي يناشد أطراف النزاع السماح بمرور آمن للمساعدات الغذائية

يمني من المقاومة الشعبية يستعد للمواجهة في إحدى ضواحي تعز (أ.ف.ب)
يمني من المقاومة الشعبية يستعد للمواجهة في إحدى ضواحي تعز (أ.ف.ب)
TT

محافظة تعز تتهددها المجاعة وتشهد اشتباكات عنيفة.. والمقاومة تسيطر على مواقع جديدة

يمني من المقاومة الشعبية يستعد للمواجهة في إحدى ضواحي تعز (أ.ف.ب)
يمني من المقاومة الشعبية يستعد للمواجهة في إحدى ضواحي تعز (أ.ف.ب)

احتدمت، أمس، المواجهات العنيفة في جبهات القتال الشرقية والغربية بمحافظة تعز، الواقعة إلى الجنوب من العاصمة صنعاء، بين الجيش الوطني والمقاومة الشعبية المدعومة من قوات التحالف التي تقودها السعودية، من جهة، وميليشيات الحوثي وقوات المخلوع علي عبد الله صالح، من جهة أخرى، استخدمت فيها الصواريخ وسلاح المدفعية والأسلحة الرشاشة، وغارات التحالف الجوية على مواقع وتجمعات الميليشيات.
وقتل وجرح العشرات من ميليشيات الحوثي وصالح خلال المواجهات التي اشتدت في شرق مديرية جبل صبر وفي منطقة ثعبات بمدينة تعز، ومنطقة أسفل حميض على مدخل مديرية القبيطة، الوقعة على الحدود بين محافظتي تعز ولحج، وجراء غارات التحالف.
يأتي ذلك، في الوقت الذي تواصل الميليشيات الانقلابية جرائمها ضد أهالي محافظة تعز من خلال قصفها العشوائي والعنيف وبشكل هستيري على أغلب المناطق والأحياء السكنية، بما فيها مستشفى الثورة الذي دمرت فيه غرفة العمليات وبعض الأقسام في المستشفي. وقال مصدر في المجلس العسكري في محافظة تعز لـ«الشرق الأوسط» إن «أبطال الجيش الوطني والمقاومة الشعبية حققوا تقدما في كثير من المواقع وتمكنوا من صد وإفشال هجوم الميليشيات الانقلابية في جبهة ثعبات وجبهة حسنات، المحور الشرقي، وتبة الأرانبة وذلك بعد معركة شديدة استخدمت فيها ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح جميع نيران الأسلحة، لكن تمكنوا من هزيمة الميليشيات وقتل وجرح العشرات منه وإجبارهم على الانسحاب».
وأضاف: «تمكنت عناصر الجيش والمقاومة السيطرة على مواقع في جبهة القبيطة وإلحاق الهزيمة بالميليشيات الانقلابية وقتل ما لا يقل عن عشرة منهم وجرح آخرون، وكذلك في جبهة الشقب، شرق مدينة تعز، ولا يزال الأبطال يسطرون أروع الملاحم وقصص الصمود وسلاح ومدفعية الجيش والمقاومة تستهدف تجمعاتهم وتكبدهم الخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد، بالإضافة إلى جبهة الوازعية، بوابة لحج الجنوبية، فهي الأخرى لا تزال تشهد مواجهات».
في المقابل، شهدت جبهة الضباب، غرب تعز، اشتباكات متقطعة، في الوقت الذي شهدت فيه، أيضا، جبهة القبيطة، جنوب مدينة تعز، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين المقاومة الشعبية والميليشيات الانقلابية في محاولة من هذه الأخيرة التقدم في منطقة القبيطة وتخوفا من عناصر المقاومة الشعبية التقدم نحو مدينة الراهدة التي تسيطر عليها ميليشيات الحوثي وصالح وتطهرها منهم.
وذكر المصدر في المجلس العسكري بتعز لـ«الشرق الأوسط» أنه «للمرة الثالثة خلال أسبوع، دارت اشتباكات عنيفة دارت في مديرية القبيطة، جنوب تعز، في محاولة من ميليشيا الحوثي والمخلوع اقتحام المديرية لكن عناصر المقاومة لم تسمح لهم بالتقدم، بالإضافة إحباط محاولة الميليشيا الانقلابية من التسلل إلى جبل القشع الواقع بين منطقة حميض وقرض ليسهل لهم اقتحام المديرية». وأوضح المصدر ذاته أنه «أصيب ثلاثة أشخاص من أبطال المقاومة خلال الاشتباكات، وأن الميليشيا ما زالت حتى اللحظة تقوم بقصف منطقة القشع بين حميض وقرض بالمدفعية ظنًا منها بأنها ستثني المقاومة وستجبرها على التراجع، وهذا ما تعده المقاومة من ضمن المستحيلات وأنها ستظل صامدة وستتقدم حتى تصل مدينة الراهدة وتطهرها من سرطان ميليشيا الحوثي والمخلوع».
وبينما تستمر ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح بحصارها المطبق على أهالي مدينة تعز وتمنع الدخول أو الخروج منها، بالإضافة إلى منعها دخول المواد الغذائية والطبية وحتى أسطوانات الأكسجين، ما تسبب في وفاة عدد من الجرحى في مستشفيات تعز وإعلان أكبرها إغلاق أبوابها، تستمر معاناة أهالي تعز جراء هذا الحصار، في حين أصبحوا يعانون كذلك في نقل جراحهم إلى مدينة عدن الجنوبية.
وأفاد أحد شهود العيان لـ«الشرق الأوسط» أنه «بسبب المعاناة ووفاة عدد من الأهالي يوميا لعدم توفر المواد الطبية في المستشفيات، أصبحنا ننقل جرحانا من المواطنين أو غيرهم على النعش وتهريبهم عبر طرق جبلية ووعرة لنتمكن من إيصالهم إلى مدينة عدن الجنوبية لتلقي العلاج اللازم».
ومن جهته، ناشد برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أطراف النزاع في اليمن، تسهيل المرور الآمن للمساعدات الغذائية للسكان المحاصرين في محافظة، معربا عن قلقه الشديد إزاء تدهور الحالة الإنسانية في مدينة تعز، حيث يعاني المواطنون من نقص الغذاء في ظل معاناة البرنامج من أجل الوصول إلى العائلات المتضررة في المدينة التي مزقتها الحرب.
وقال مهند هادي، المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا الشرقية ووسط آسيا «يناشد البرنامج جميع أطراف النزاع السماح بالمرور الآمن للمساعدات الغذائية من أجل جميع المدنيين المحتاجين للمساعدة في كل المناطق بمحافظة تعز».
وأضاف أن «الوضع غير المستقر في تعز يعيق جهود برنامج الأغذية العالمي للوصول إلى الفقراء المعوزين، خاصة هؤلاء في المناطق المحاصرة بالمدينة، الذين لم تكن لديهم إمكانية الحصول على الغذاء لعدة أسابيع، وأن البرنامج أرسل مساعدات غذائية إلى محافظة تعز على أمل الوصول إلى كل شخص محتاج ولكن حتى الآن لم نتمكن من الوصول إلى معظم هؤلاء الناس».
وذكر البرنامج أنه خلال الشهر الماضي، إجمالي 225 شاحنة محملة بـ6600 طن متري من السلع الغذائية إلى نقاط التسليم أو المستودعات في محافظة تعز.
ويعاني برنامج الأغذية العالمي صعوبة الحصول على التصاريح الأمنية من قبل أطراف مختلفة واستمرار القتال، وقال إن «انعدام الأمن يهدد سلامة إيصال المواد الغذائية إلى نقاط التوزيع في الكثير من المناطق داخل المحافظة، خاصة مدينة تعز».
وتُعد مدينة تعز، ثالث كبرى المدن اليمنية من حيث عدد السكان، واحدة من المحافظات اليمنية من أصل 22 محافظة، التي تعاني انعدام الأمن الغذائي الشديد الذي وصل إلى مستوى الطوارئ، وهو المستوى الذي يسبق المجاعة.
وعلى الجانب الميداني، قتل وجرح العشرات من ميليشيات الحوثي وقوات المخلوع صالح جراء غارات التحالف التي تقودها السعودية على مواقع الميليشيات وسط وأطراف مدينة تعز، ما كبدهم الخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد. وأفاد شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» أن غارات التحالف تركزت على مواقع وتجمعات ميليشيات الحوثي وصالح في عزلة الأقروض بمديرية المسراخ، ومنطقة الهجر، شرق مدينة الراهدة.



الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
TT

الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)

بالتزامن مع تحذيرها من تفاقم الأزمة الإنسانية، ووصول أعداد المحتاجين للمساعدات العاجلة إلى أكثر من 19 مليون شخص، أطلقت الأمم المتحدة وشركاؤها خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في اليمن للعام الحالي لمساعدة أكثر من 10 ملايين محتاج.

ويأتي ذلك في ظل تراجع حاد للعملة اليمنية، إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد تجاوز سعر الدولار 2160 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، التي عجزت عن سداد رواتب الموظفين منذ 4 أشهر، بعد أكثر من عامين من تسبب الجماعة الحوثية في توقف تصدير النفط، واشتداد أزمات الخدمات العامة، وانقطاع الكهرباء في عدن حيث العاصمة المؤقتة للبلاد لأكثر من نصف اليوم.

ودعت الأمم المتحدة المجتمع الدولي والمانحين إلى توفير مبلغ 2.47 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام الحالي، لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة لأكثر من 19.5 مليون شخص.

وجاءت الدعوة على لسان جوليان هارنيس، منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، الذي طالب بتقديم الدعم اللازم لضمان الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفاً وتقديم المساعدات المنقذة للحياة لـ10.5 مليون شخص، مشيراً إلى أن الجهود السابقة خلال العام الماضي، شملت أكثر من 8 ملايين شخص بدعم تجاوز 1.4 مليار دولار.

نصف الأطفال اليمنيين يعانون من سوء تغذية وتعدّ النساء والفتيات من الفئات الأكثر ضعفاً (الأمم المتحدة)

وشدَّد هاريس على أن الاحتياجات خلال العام الحالي تتطلب استجابة أوسع وأكثر شمولية لتحقيق الاستقرار وبناء قدرة المجتمعات على الصمود، منوهاً بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية، والظروف المناخية القاسية، والتطورات العسكرية الإقليمية أسهمت في مضاعفة الاحتياجات الإنسانية.

ويواجه نصف السكان تقريباً انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، ويعيش أكثر من 13 مليون شخص في ظل نقص حاد في مياه الشرب النظيفة، بينما تعمل 40 في المائة من المرافق الصحية بشكل جزئي أو لا تعمل.

وكانت الأمم المتحدة طالبت العام الماضي بـ2.7 مليار دولار لخطة الاستجابة الإنسانية، لكنها لم تحصل سوى على تعهدات ضئيلة، ما تسبب في عجز كبير في تلبية احتياجات المستهدفين.

تناقض الاحتياجات والمطالب

ويؤكد جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أرقام الاحتياجات الإنسانية التي تعلن عنها الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية، لكنه يشير إلى التناقض بين ما تعلن عنه من احتياجات ومساعيها للحصول على تمويل لتلبية تلك الاحتياجات، إلى جانب عدم قدرتها على الوصول إلى المستهدفين بسبب نقص المعلومات والبيانات، بالإضافة إلى التغيرات الديموغرافية الحاصلة بفعل النزوح.

استمرار الصراع ترك اليمنيين في حالة احتياج دائم للمساعدات (الأمم المتحدة)

وفي تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أعرب بلفقيه عن مخاوفه من عدم إمكانية الحصول على المبالغ المطلوبة لصالح الاستجابة الإنسانية بسبب سوء الترويج للأزمة الإنسانية في اليمن لدى المانحين، لافتاً إلى أن طرق تعامل المنظمات الدولية والأممية في الإغاثة لم تتغير منذ عام 2015، رغم فشلها في تلبية احتياجات اليمنيين، وإنهاء الأزمة الإنسانية أو الحد منها.

وقبيل إطلاقها خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، حذّرت الأمم المتحدة، من اشتداد الأزمة الإنسانية في اليمن، بعد تجاوز أعداد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية هذا العام 19.5 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.3 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي، مبدية قلقها على الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية، وعلى الفئات الأكثر تهميشاً من بينهم، مثل النساء والفتيات والنازحين البالغ عددهم 4.8 مليون شخص.

وقالت نائبة رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، جويس مسويا، أمام مجلس الأمن الدولي إنّ اليمنيين ما زالوا يواجهون أزمة خطرة على الصعيدين الإنساني وحماية المدنيين، مشيرة إلى أن تقديرات النداء الإنساني للعام الحالي الذي يجري إعداده، كشفت عن تفاقم الأزمة.

وباء الكوليرا عاد للتفشي في اليمن بالتزامن مع ضعف القطاع الصحي (رويترز)

ووفق حديث مسويا، فإنّ نحو 17 مليون يمني، أي ما يقدر بنصف سكان البلاد، لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وما يقرب من نصف الأطفال دون سنّ الخامسة يعانون من تأخر خَطرٍ في النمو بسبب سوء التغذية، مع انتشار مروّع لوباء الكوليرا، بينما يعاني النظام الصحي من ضغوط شديدة.

انهيار العملة

وواصلت العملة اليمنية تراجعها إلى أدنى المستويات، وتجاوز سعر العملات الأجنبية المتداولة في البلاد 2160 ريالاً للدولار الواحد، و565 ريالاً أمام الريال السعودي، بعد أن ظلت تتراجع منذ منتصف العام الماضي، وهي الفترة التي شهدت تراجع الحكومة اليمنية عن قراراتها بفرض حصار على البنوك التجارية المتواطئة مع الجماعة الحوثية.

ويرجع الخبراء الاقتصاديون اليمنيون هذا الانهيار المتواصل للعملة إلى الممارسات الحوثية ضد الأنشطة الاقتصادية الحكومية، مثل الاعتداء على مواني تصدير النفط الخام ومنع تصديره، وإجبار الشركات التجارية على الاستيراد عبر ميناء الحديدة الخاضع للجماعة، إلى جانب المضاربة غير المشروعة بالعملة، وسياسات الإنفاق الحكومية غير المضبوطة وتفشي الفساد.

العملة اليمنية واصلت تدهورها الحاد خلال الأشهر الستة الماضية (رويترز)

ويقدر الباحث الاقتصادي اليمني فارس النجار الفجوة التمويلية لأعمال الإغاثة والاستجابة الإنسانية، بأكثر من 3 مليارات دولار، ويقول إن تراكمات هذا العجز خلال السنوات الماضية أوصل نسبة تغطية الاحتياجات الإنسانية في البلاد إلى 52 في المائة.

ولمح النجار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تضرر الاقتصاد اليمني بفعل أزمة البحر الأحمر وما سببته من تحول طرق التجارة العالمية أو ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مع عدم بروز إمكانية لتحسن اقتصادي دون توقف الجماعة الحوثية عن ممارساتها أو إلزامها بالكف عنها، بالتوازي مع إجراءات داخلية لتحسين الإيرادات.

استهداف الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر ضاعف من تدهور الاقتصاد اليمني (أ.ف.ب)

وحثّ النجار الحكومة اليمنية على اتباع سياسات تزيد من كفاءة تحصيل الإيرادات المحلية، وتخفيف فاتورة الاستيراد، ومن ذلك تشجيع الأنشطة الزراعية والسمكية وتوفير فرص عمل جديدة في هذين القطاعين اللذين يشكلان ما نسبته 30 في المائة من حجم القوى العاملة في الريف، وتشجيع زراعة عدد من المحاصيل الضرورية.

يشار إلى أن انهيار العملة المحلية وعجز الحكومة عن توفير الموارد تسبب في توقف رواتب الموظفين العموميين منذ 4 أشهر، إلى جانب توقف كثير من الخدمات العامة الضرورية، ومن ذلك انقطاع الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن لمدد متفاوتة تصل إلى 14 ساعة يومياً.