شبح «فتنة 2009} يهدد طهران قبيل انتخابات فبراير

أنباء عن إرجاء العقوبات الأميركية الجديدة.. وطهران تصر على موقفها من البرنامج الصاروخي

صورة أرشيفية لصاروخ «عماد» الباليستي طويل المدى أطلق من موقع مجهول في إيران (أ.ب)
صورة أرشيفية لصاروخ «عماد» الباليستي طويل المدى أطلق من موقع مجهول في إيران (أ.ب)
TT

شبح «فتنة 2009} يهدد طهران قبيل انتخابات فبراير

صورة أرشيفية لصاروخ «عماد» الباليستي طويل المدى أطلق من موقع مجهول في إيران (أ.ب)
صورة أرشيفية لصاروخ «عماد» الباليستي طويل المدى أطلق من موقع مجهول في إيران (أ.ب)

عاد شبح احتجاجات الحركة الخضراء الإصلاحية على نتائج الانتخابات الرئاسية في 2009 إلى واجهة المشهد السياسي الإيراني بعد أيام من انتهاء تسجيل المرشحين، وعلى بعد أقل من شهر من موعد الانتخابات البرلمانية ومجلس خبراء القيادة.
وشهد الأسبوع الأخير احتفاء غير مسبوق من كبار المسؤولين بذكرى مظاهرة «9 دي»، 30 ديسمبر (كانون الأول) 2009. التي نظمتها التيارات الأصولية وأنصار المرشد الأعلى، علي خامنئي، تأييدا للنظام وردا على سلسلة مظاهرات نظمها الإصلاحيون. وفي الوقت نفسه، كانت الأيام الأخيرة مسرحا للتحذير من «فتنة كبيرة قادمة» أكبر من «فتنة» احتجاجات الحركة الإصلاحية.
ويتوقع أن يكون هذا الاحتفاء مقدمة لإبعاد المرشحين الإصلاحيين، المتهمين من قبل دوائر المرشد الأعلى والحرس الثوري والمخابرات بالضلوع في احتجاجات ما يعرف بـ«الحركة الخضراء»، بعد إعلان فوز أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية. وذلك، خاصة بعد الاستراتيجية التي وضعها التيار المعتدل والإصلاحي، عبر ترشيح عدد كبير من شخصياته واللجوء إلى خيار ترشيح أحفاد الخميني لكسر شعبية التيارات الأصولية.
وكانت تصريحات الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الثلاثاء الماضي، صادمة للتيارين الإصلاحي والمعتدل عندما سار على خطى المسؤولين في الإشادة بذكرى مظاهرة أنصار المرشد الأعلى، واعتبر مظاهرة «9 دي» بحضور علي خامنئي «دفاعا عن أهل البيت وولي الفقيه ومكانته والنظام والقانون الأساسي» في إيران.
في هذا الصدد، انتقد مساعد الحرس الثوري، الجنرال حسين سلامي، أمس (الجمعة) وقوف مسؤولين سابقين «وثقت بهم الثورة الإسلامية» وراء «الفتنة الكبيرة» في 2009 متهما المرشحين السابقين للانتخابات الرئاسية بـ«الابتزاز وافتعال الأجواء» وتنفيذ «سيناريوهات واستراتيجيات القوى الاستكبارية»، في إشارة إلى الغرب. لكنه رأى أن «9 دي»، التي وصفها بـ«يوم الله»، قامت بها تيارات راديكالية ساهمت في هزيمة «أحلام الأعداء».
من جهته، طالب خطيب جمعة طهران الشعب الإيراني بتوخي الحذر في الإدلاء بأصواتهم الانتخابية: «تجنبا لأي خلل قد يلحق بأمن البلاد وصعود قطب سياسي جديد ضد ولاية الفقيه». كما وصف «9 دي» بـ«يوم الله ومعجزة الثورة»، لاعتقاده بأن «فتنة» الإصلاحيين في 2009 أخطر من حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق، معتبرا أن «يد الإمام المهدي» كانت وراء «إحباط الفتنة» وخروج طهران من أزمة دامت نحو ثمانية أشهر.
يشار إلى أن السلطات الإيرانية حشدت الموظفين الحكوميين وطلاب المدارس والجامعات والعسكريين دعما لمظاهرات للتيارات المتشددة في 30 ديسمبر (كانون الأول) 2009. بعد سلسلة احتجاجات أسبوعية نظمها الإصلاحيون ضد نتائج الانتخابات التي أعلنت فوز أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية. وعلى خلاف المـظاهرات الإصلاحية، لم تطلق السلطات فيها الغاز المسيل للدموع ولم تعتقل أحدا بتهمة التظاهر.
في سياق متصل، اتهم وزیر المخابرات في الحكومة السابقة، حيدر مصلحي، السفارة البريطانية قبل أيام بتوظيف 250 «عضوا فعالا» لزعزعة الأوضاع في طهران، من ضمنهم 50 شخصا من طاقم السفارة، وآخرون من التيارات «المرتبطة» بالسفارة بحسب وكالة «تسنيم» التابعة لمخابرات الحرس الثوري. وأضاف مصلحي أن «فتنة» 2009 والمظاهرات التي شهدتها طهران كانت بتمويل من امرأة دخلت البلاد من بريطانيا، وكانت مهمتها التواصل مع الأشخاص وتزويدهم بالأموال بغرض التظاهر. كما قال: إن أحد الأشخاص المقربين للنظام أنفق أسبوعيا 280 مليون تومان، أي ما يقارب 10 ملايين دولار أميركي.
وعلى صعيد موضوع الصواريخ الإيرانية والعقوبات الأميركية المحتملة ضد البرنامج الصاروخي الإيراني، قال مساعد قائد الحرس الثوري إن بلاده ستزيد من تطور قدراتها الصاروخية، كما تملك «مئات الأنفاق الممتلئة بصواريخ جاهزة للإطلاق»، موضحا أن الحرس الثوري يواجه نقصا في أماكن الاحتفاظ بالصواريخ، حسبما أفادت «وكالة تسنيم».
وعلى بعد أشهر من إعلان اتفاق نووي بين إيران ودول مجموعة (5+1) وتأكيد طهران الالتزام ببنوده، أكد سلامي أن بلاده «لا تقرأ ما تمليه القوى الكبرى على الورق»، مشددا: «إننا نملي قوتنا ونقف بوجه مطامعهم». وأضاف ردّا على ما قاله المتحدث باسم الجيش الأميركي حول إطلاق صواريخ أن قواته تملك من الشجاعة ما يجعلها تعلن صراحة وقوفها وراء إطلاق الصواريخ. وبعد يوم من تلقيه أوامر من الرئيس حسن روحاني بشأن تكثيف إنتاج أنواع الصواريخ، قال وزير الدفاع الإيراني إن معارضي الاتفاق النووي في أميركا يحاولون عرقلته لمنع بلاده من إيجابيات الاتفاق النووي، وأضاف أن بلاده ستتبنى «آلية فاعلة» لزيادة قدراتها الدفاعية وتطوير صواريخ مختلفة المدى ودقيقة، قادرة على التحرك، معتبرا أن «حق إيران ليس قابلا للتفاوض فحسب، بل يعتبر من الخطوط الحمراء». وفي سياق مواز، أوردت صحيفة «وول ستريت جورنال» أمس أن البيت الأبيض قرر إرجاء قرار تبني عقوبات جديدة ضد إيران حول برنامج الصواريخ الباليستية، وذكرت استنادا إلى مسؤولين أميركيين أن واشنطن «لا تزال عازمة على التصدي للبرنامج الصاروخي الإيراني»، وأن العقوبات المقترحة من وزارة الخزانة «لا تزال مطروحة». إلى ذلك، أوضحت المصادر أن تنفيذ هذه العقوبات سيكون منسجما مع الاتفاق النووي الذي وقع في فيينا يوليو (تموز) الماضي بين إيران والقوى الكبرى، لكنها لم تحدد جدولا زمنيا لإمكان فرض حزمة العقوبات الجديدة.
وكانت الصحيفة قد نقلت الأربعاء أن البيت الأبيض يعد عقوبات جديدة بحق شركات وأفراد عملوا خصوصا في إيران لتطوير برنامج طهران للصواريخ الباليستية. وأوردت أن هذه العقوبات ستكون ردا على تجارب إطلاق الصواريخ الباليستية التي أجرتها إيران في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول)، و21 من نوفمبر (تشرين الثاني). من جهتها، ودون تأكيد هذه المعلومات بالكامل، قالت إدارة الرئيس باراك أوباما إنها «تدرس مختلف الجوانب» المرتبطة بعقوبات جديدة ممكنة وبـ«تطوير عملها الدبلوماسي مع إيران».
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية في بيان سلم لوكالة الصحافة الفرنسية: «ندرس منذ فترة إمكانيات اتخاذ إجراءات إضافية مرتبطة ببرنامج الصواريخ الباليستية بسبب مخاوفنا المتواصلة حيال هذه النشاطات».
وذلك بعد أن أكّد مسؤول أميركي، الأربعاء، أن البحرية الإيرانية قامت بتجارب لإطلاق صواريخ قرب ثلاث بوارج أميركية وفرنسية في 26 من الشهر الماضي.



فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.