حياة مزدوجة لجاسوس روسي أعدمه «داعش»

حياة مزدوجة لجاسوس روسي أعدمه «داعش»
TT

حياة مزدوجة لجاسوس روسي أعدمه «داعش»

حياة مزدوجة لجاسوس روسي أعدمه «داعش»

في مقطع فيديو يظهر رجل يرتدي زيا برتقاليا وهو يركع قرب بحيرة في سوريا ويعترف باللغة الروسية بأنه كان يتجسس على متشددي تنظيم «داعش» وبعد ذلك يستخدم متحدث روسي آخر يرتدي زيا مموها سكين صيد لذبح الرجل الراكع.
عندما نشر تنظيم «داعش» هذا المقطع على الإنترنت في 2 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، نقل الصراع السوري البعيد إلى المواطن الروسي العادي، ففي هذا الفيديو المصور بتقنية فائقة الجودة يظهر مواطن روسي يقتل مواطنه لأسباب لا يفهمها سوى قليلين.. كما انفجر لغز آخر.
فقد قال السجين والجاسوس المزعوم إنّ اسمه ماغوميد خاسييف، وإنّه من منطقة الشيشان التي تقطنها أغلبية مسلمة في روسيا، وإنّه كان يعمل مع المخابرات الروسية.
وسارع زعيم الشيشان المؤيد لموسكو رمضان قديروف لنفي أن خاسييف كان جاسوسًا.
لكن مقابلات مع أكثر من عشرة أشخاص كانوا يعرفون خاسييف في روسيا، تشير إلى أن الشاب البالغ من العمر 23 سنة، كانت له صلات بمجموعات مسلمة وبجهاز الأمن الروسي وكان يعيش فيما يبدو حياة مزدوجة.
وولد خاسييف، وهو روسي عرقي لأسرة غير مسلمة، في قلب روسيا الصناعي، وأمضى سنوات المراهقة بين الشيشانيين الذين عرفوه على أنه مسلم ملتزم يتحدث الشيشانية بطلاقة. وانضم بعض من أصدقائه الشيشان للقتال مع متطرفين في الشرق الأوسط وشجعوه على الانضمام لهم.
في حياته الأخرى كان مرتبطا بغير المسلمين وكان له صديق في الشرطة وكان يحمل تصريحًا من وزارة الداخلية بالعمل حارس أمن، وفقًا لأقوال مدرس سابق له وصديق وموظفين في عدة شركات أمنية. ولأسباب عدة؛ بينها عمله، كان خاسييف يستخدم اسمه الذي ولد به وهو يفغيني يودين.
وإذا صدقت شهادته التي أدلى بها في مقطع الفيديو، فقد انتهت به الحال في خضم عالم مظلم بين المشاركة الروسية الرسمية في الصراع في سوريا، والتطرف الذي انضم له آلاف من المواطنين الروس أو مواطني جمهوريات سوفياتية سابقة.
ولم يرد مكتب الأمن الاتحادي الروسي، وهو الجهة المخابراتية التي زعم خاسييف أنّه كان يعمل لحسابها، أو وزارة الداخلية الروسية، على طلبات بالتعقيب على القضية.
وفقا لملفه في ملجأ للأيتام في الشيشان، فقد نشأ خاسييف في العقد الأول من عمره في كنف أمه وهي روسية عرقية. لكن عندما بلغ من العمر عشرة أعوام سلمته للملجأ لأسباب ليست واردة في ملفه الذي يوضح أن الأم توفيت بعد ذلك نتيجة السل.
وفي الملجأ تعلم خاسييف، أو يودين في ذلك الوقت، اللغة الشيشانية ومنح نفسه اسم ماغوميد واعتنق الإسلام.
ويتذكر المدير السابق للملجأ رسلان يوسوبوف الفتى خاسييف وهو يلعب مع أولاده وأحفاده. وقال: «كان ناعما كالقطة. كان يحب الاهتمام والرعاية كثيرا».
وبعد ثلاثة أعوام تبنته أسرة شيشانية وحصل على لقبه خاسييف من أمه بالتبني مارخا خاسييفا. لكنها أعادته للملجأ بعدها بعام بسبب توتر بينها وبين أقاربها. وأبلغت خاسييفا وكالة «رويترز» للأنباء، أنّه على الرغم من ذلك، فإنها ظلت على اتصال بالصبي واهتمت به.
وفي 2008 زار وزير خارجية روسيا آنذاك رشيد نورجالييف الملجأ ليتحدث مع مجندين جدد محتملين لأكاديمية «سوفروف» وهي مدرسة عسكرية جديدة للنخبة.
ووفقا لموظفي الملجأ، فقد أبدى خاسييف، الذي كان في الـ16 من عمره آنذاك، اهتماما بالالتحاق؛ لكنه رفض لأنه كان أكبر من العمر المطلوب. لكن صديقه في الملجأ مينكايل تيمييف تم قبوله.
وأرسل بعدها خاسييف إلى كلية في مايكوب عاصمة منطقة أديجيا التي تسكنها غالبية مسلمة في روسيا وتقع على بعد نحو 500 كيلومتر من العاصمة الشيشانية غروزني.
ووفقا لأصدقاء وأفراد أسرته، فقد انتقل خاسييف هناك إلى دائرتين اجتماعيتين مختلفتين؛ في واحدة احتفظ بهويته الشيشانية وبقي على اتصال بأسرته التي تبنته وأصدقائه القدامى بمن فيهم تيمييف. ويقول موظفون في الملجأ إنّه لحق بخاسييف في مايكوب.
وفي الكلية سجل خاسييف باسمه الروسي؛ لكنه أبلغ مدرسيه بأنّه يريد أن يدعى ماغوميد.
وكان معارفه خارج الكلية، وكثير منهم شيشانيون، يعرفونه باسم ماغوميد.
وساعد قديروف الكرملين على هزيمة المتطرفين في شمال القوقاز ويعتبره المسلمون المتشددون كافرًا.
وكان لخاسييف كثير من الأصدقاء غير المسلمين.
في نهاية 2013 عين خاسييف في شركة «شريف إم» وهي شركة أمنية في مايكوب. ويقول إنزور توخموف، وهو رئيس حرس الأمن في مدرسة محلية، إنّ خاسييف قدم طلبا للحصول على تصريح من وزارة الداخلية للعمل حارسا قبل عدة أعوام باستخدام اسم يودين. وكان هذا هو الاسم الذي استخدمه أيضا للحصول على الوظيفة.
ولم يتضح كيف انتهت به الحال في أراض يسيطر عليها تنظيم «داعش» في سوريا؛ لكنّ أفرادا من الأسرة التي تبنته في الشيشان يشتبهون في أن صديقه تيمييف ربما لعب دورا في ذلك.
ويعتقدون أن تيمييف أصبح متطرفا. وتقول مارخا خاسييفا إنّ ابنها بالتبني أبلغها أن تيمييف حاول أن يجنده لينضم لمقاتلين متطرفين؛ لكن خاسييف رفض العرض.
ووفقا للأشخاص الذين عرفوه، فقد كان خاسييف يحب شرب الخمر ومواعدة الفتيات ولم يظهر أي مؤشر على تعاطف مع المتطرفين. وقال رسلان، وهو قريب لمارخا خاسييفا: «لم تكن له آراء متطرفة».
ورغم ذلك، فإن خاسييف غادر روسيا في مرحلة ما من العام الماضي. ولم تعرف أسرته بالتبني في الشيشان أين ذهب. وقالت ماليكة خاسييفا، وهي عمته بالتبني: «اعتقدنا أنه سافر للعمل في مكان ما».
وظل خاسييف على اتصال بصديقه فيكتور زيزين وأرسل له رسائل من على مشارف بلدة كوباني السورية على الحدود مع تركيا، التي كانت مسرحا لمعارك بين تنظيم «داعش» ومقاتلين أكراد.
وقال زيزين إنه اعتقد أن صديقه ذهب إلى هناك ليلحق بتيمييف، لكنه أضاف مستشهدا برسائل بعث بها له خاسييف، أن صديقه سرعان ما اكتشف أن تيمييف قتل.
وكانت آخر رسالة تلقاها من خاسييف في فبراير (شباط) الماضي. وطلب زيزين من صديقه أن يعود للوطن. قائلاً: «أبلغني أنّه قد يعود لزيارة. لكن في النهاية كتب أنه تعب. بعث برسائل صوتية. وقتها أدركت بالفعل أنّه لن يعود. ببساطة لا يوجد سبيل للعودة من هناك».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.