«الجهاد الإسلامي» في غزة تعاني أزمة مالية متفاقمة وتبحث عن داعمين

رفضت تأييد انقلاب الحوثيين في اليمن فقررت طهران تدفيعها الثمن

«الجهاد الإسلامي» في غزة تعاني أزمة مالية متفاقمة وتبحث عن داعمين
TT

«الجهاد الإسلامي» في غزة تعاني أزمة مالية متفاقمة وتبحث عن داعمين

«الجهاد الإسلامي» في غزة تعاني أزمة مالية متفاقمة وتبحث عن داعمين

كشفت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن أزمة مالية تعيشها حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، تزداد تفاقما من شهر إلى آخر، بفعل الأزمة السياسية القائمة بين قيادة الحركة الموجودة في بيروت وكبار المسؤولين في إيران، وخصوصا الحرس الثوري الإيراني، على خلفية مواقف سياسية لحركة الجهاد، أبرزها رفض قيادتها إصدار بيان يؤيد الانقلاب الذي أداره الحوثيون في اليمن ضد الرئاسة الشرعية.
وحسب المصادر، فقد تعمدت إيران في نهاية شهر أبريل (نيسان) الماضي وقف دعمها لحركة الجهاد الإسلامي بشكل كامل، بعد أن كانت الأكثر قربا من طهران، وتُعد أكثر التنظيمات التي كانت تثق فيها على الساحة الفلسطينية، خصوصا بعد خروج حماس من تحت مظلة إيران، في أعقاب خلافات مع طهران أيضا حول الأزمة السورية، واضطرار رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، وأعضاء المكتب السياسي للحركة، إلى مغادرة دمشق إلى الدوحة.
وعلى الرغم من أن حركة الجهاد الإسلامي حافظت، في العلن، على موقف محايد من الأزمة السورية، فإنها بقيت في صف الدفاع الفعلي عن أهمية بقاء النظام. لذا استمر وجود قيادتها في البلاد فترة أطول، إلى حين توسعت الأحداث الميدانية واقتربت من محيط دمشق، فاضطرت بدورها إلى المغادرة إلى بيروت، وتنقل أمينها العام، رمضان شلح، ونائبه، زياد النخالة، من حين إلى آخر بين دمشق ولبنان.
ومنذ أبريل الماضي، وتوقف الدعم، وجدت حركة الجهاد نفسها بلا حول أمام مصروفاتها الواسعة، وما تدفعه من رواتب لعناصرها، وتقدر شهريا مع «موازنات تشغيلية» – كما يطلق عليها داخل الحركة - إلى أكثر من مليون دولار، حيث يتراوح راتب العنصر في الحركة ما بين 180 دولارا كحد أدنى و550 دولارا كحد أعلى، وهذا ما تحصل عليه العناصر النشطة، بينما تبلغ رواتب القيادات من الصف الثاني للحركة ما بين 700 إلى 1200 دولار، أما رواتب أعضاء المكتب السياسي والصف الأول في الحركة فتصل إلى 2000 دولار، يضاف إليها ما يعرف باسم «النثريات»، وهي ما تصرف باستمرار «بدل مواصلات» واتصالات وغيرها من النفقات الخاصة بكبار القادة.
وفي نهاية يونيو (حزيران) الماضي، توسط مسؤولون في حزب الله اللبناني بين الحركة وطهران، وعقد اجتماع في بيروت بين نائب أمين عام الجهاد، زياد النخالة، ومسؤولين إيرانيين كبار. وقد توصل الطرفان آنذاك إلى تفاهمات تقضي بضرورة إعادة الدعم إلى الحركة. ورد الإيرانيون على ذلك بالإيجاب تحت ضغط مارسه حزب الله، الذي واصل ضخ أموال إلى قيادة الحركة من إيران، واستمر ذلك حتى أغسطس (آب) الماضي، غير أنه كان تمويلا مقلصا، ما ترك أثره على عمل الحركة وأنشطتها في غزة، فعمدت إلى صرف رواتب عناصرها وقلصت المصروفات الأخرى.
لكن حركة الجهاد لم تتسلم أي أموال من طهران لمدة أربعة أشهر. وقد توقف الدعم بشكل كلي، من دون أن تتضح الأسباب. غير أن معلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» أفادت بأن إيران لا تزال تمول جماعات فاعلة في غزة، منها حركة الصابرين، ومجموعات عسكرية محسوبة على فتح وغيرها، ما يشير إلى أن الأزمة المالية في الجهاد الإسلامي مرتبطة بخلافات مع إيران تتعلق بتدخل مسؤولين كبار في الحرس الثوري الإيراني، ومسؤولين سياسيين آخرين، في ملفات تتعلق بعمل الحركة داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، وكذلك المواقف السياسية لها.
وكانت الأزمة المالية قد دفعت بحركة الجهاد الإسلامي إلى غلق مكاتب خاصة بفضائية «فلسطين اليوم» التابعة لها، في الضفة الغربية والقدس، وتقليص عدد العاملين فيها، وفي غزة أيضا. وتوقفت عن دفع رواتب عناصرها، ولا تزال الحركة تعاني على هذا الصعيد. ولم تستطع منذ 3 أشهر توفير أي مبالغ مالية لكوادرها، كما ذكرت مصادر في الحركة تحدثت، أمس، لـ«الشرق الأوسط».
كما دفعت الأوضاع المالية الصعبة قيادات الحركة للبحث عن مصادر تمويل أخرى، وهذا ما حدث لمحمد الهندي، أحد أبرز قيادات الجهاد الإسلامي في غزة حضورا وشعبية، الذي قرر مغادرة غزة خلال فتح معبر رفح البري منذ أشهر، للبحث عن حلول من خلال لقاءات أجراها مع مسؤولين إيرانيون وفي حزب الله وغيره من المنظمات الإسلامية في لبنان، وتركيا، والجزائر، التي ألقى فيها قبل يومين خطابا تناول الأوضاع الفلسطينية في ظل ما تطلق عليه حركتا حماس والجهاد وفصائل يسارية «انتفاضة القدس».
ولا تخفي الحركة ما تعانيه جراء الأزمة المالية، التي «تأتي في ظل ما يعانيه الشعب الفلسطيني من أزمات وحصار مشدد، ونتيجة طبيعية للواقع الصعب الذي تحياه المنطقة بأكملها»، مشددةً على أن قرارها السياسي مستقل، ولا يمكن لأحد أن يملي عليها خياراتها ومواقفها، وأنها لا تتدخل في أي من الشؤون الداخلية للدول العربية وترفض الزج بفلسطين وقضيتها ومقاومتها في أي صراع.



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.