ماذا قرأ المثقفون المصريون عام 2015؟

الرواية تتصدر قائمة أكثر الكتب قراءة عربيا وغربيا

ماذا قرأ المثقفون المصريون عام 2015؟
TT

ماذا قرأ المثقفون المصريون عام 2015؟

ماذا قرأ المثقفون المصريون عام 2015؟

استطلعنا آراء مجموعة من الكتاب الأدباء والكتاب عن أهم الكتب التي قرأوها هذا العالم، وكانت هذه الإجابات:
يقول القاص أحمد الخميسي: «رواية صبحي موسى (المورسكي الأخير) إضافة حقيقية لعالم الرواية المصرية من حيث الموضوع أو الرؤية أو المعالجة، وتؤكد المجموعة القصصية (شق الثعبان) لشريف صالح أننا أمام قاص كبير له رؤيته الخاصة للعالم والبشر يفسح للقارئ هواء جديدا للتنفس داخل النص. أما الكتاب الثالث الذي أثار اهتمامي فهو (وثائق التمويل الأجنبي السري لمنظمات مصرية) لعبد القادر شهيب، عن خطورة موضوعه الموثق حول التمويل الأجنبي الذي تمكن من شراء شريحة واسعة من العقل المصري والمثقفين وتطويعهم لأوراق عمل وأهداف تناقض كل نفع للوطن على كافة المستويات السياسية والثقافية».
ويقول الروائي وحيد الطويلة: «قرأت رواية (نصف مسافة) لمحمد صالح البحر، التي قاربت ما حدث في ثورة يناير بذكاء دون السقوط في فخ المباشرة، وتشير إلى أن المغامرة ضرورية لحل المعضلات التي عششت في دواخلنا وأعاقت كل حلم بالأمل، وأعدت قراءة (تاريخ البطاركة) الذي حققه المثابر الذكي عبد العزيز جمال الدين، و(متاهة الإسكافي) الكتاب النثري الفاتن، وهو من أجمل الكتب، عن (دار الثقافة الجديدة)، الذي يستقصي فيه عبد المنعم رمضان سيرة حياة من حوله عبر سيرته؛ سيرة يتجاور فيها أبوه مع سعاد حسني، وتسطع ذكرى حبيباته مع تحولات اليسار، في لغة فاتنة يندر أن نجد مثيلا لها. وقرأت (مصحة الدمى) للقاص المغربي الفاخر أنيس الرافعي، وهي مجموعة خلق فيها كعادته قصا ليس مغايرا لما تعودنا عليه ولا مناوئا له، بل يكتب كأنه يكتب القص على فروع الشجر وأوراق الريح، مما جعل الدمى تحكي حياتنا، وأعدت قراءة (مذكرات فيلليني) قرأتها مرارا، وعبر روح النص بنيت روايتي الجديدة (حذاء فيلليني)؛ مذكرات مهما بدت واقعيتها فإنها أولا وأخيرا انبنت على لعبة فيلليني الأثيرة.. الأحلام أصدق ما يكون».
أما الروائية د. عزة رشاد، فتقول: «قرأت للمغربية فاطمة المرنيسي (هل أنتم محصنون ضد الحريم)، الذي ترصد فيه (فيروس الحريم) تاريخيًا من هارون الرشيد حتى رجل عصرنا، الذي تساوره الرغبة لرؤية زوجته وزميلته بالعمل تخدمه كالجارية والمحظية. وتفحص ميكانزمات عقلنة هذه الرغبة الدفينة لدى الغرب، الذي يعتبر نفسه متحضرا ومحصنًا، لكن الفيروس يهاجمه، ويكفي للتأكد: النظر للمرأة الغربية بالإعلانات وعروض الأزياء. وكتاب محمد أركون (تحرير الوعي الإسلامي.. نحو الخروج من السياجات الدوجمائية المغلقة)، الذي يستعرض انغلاقية الفكر الإسلامي المعاصر، الذي يتراجع لدرجة اعتبار الدين هو فقط اليوم الآخر، دون المحاولة الجدية لبلوغ مبلغ مسلمي العصر الذهبي في العلوم؛ آملاً خلخلة أنظمة التصور العتيقة التي لم تخلِف سوى الاستبعاد المتبادل. وكذلك قرأت مجموعة قصص (البرلينية الصغيرة) للسويسري روبرت فالرز، وترجمة خليل كلفت، مكتوبة قبل قرن، لكنها تصلح لكل الشعوب والأزمنة».
ويقول الروائي منير عتيبة: «قرأت رواية (العالم على جسدي) ليوسف نبيل وزينب محمد، وهي رواية متميزة وتستحق قراءة متعمقة، و(حكايات يوسف تادرس) لعادل عصمت، و(جبل الطير) لعمار علي حسن، و(الموريسكي الأخير) لصبحي موسى، ومن المجموعات القصصية (أحمر شفاه) لشريف عابدين، و(ممرات سرية للفرح) لحنان سعيد، و(حيل للحياة) لرحاب إبراهيم. ومن القصص القصيرة جدا: (حياة قيد الاحتراق) لصابرين الصباغ، و(مسار إجباري) لهناء عبد الهادي، وغيرها كثير كثير». ويضيف: «أريد أن ألفت النظر إلى كتاب غير أدبي لكنه مهم جدا وهو «مسجد في ميونيخ.. النازيون ووكالة الاستخبارات المركزية وبزوغ نجم الإخوان المسلمين في الغرب» لإين جونسون، وهو درس رائع في الصحافة الاستقصائية، كما أنه يتتبع فكرة استخدام الدين الإسلامي في السياسة العالمية أثناء الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، ويكشف كثيرا من الحقائق حول دور المخابرات الأميركية والألمانية وجهات أخرى في هذا الموضوع».
وتذكر القاصة سعاد سليمان أن أهم قراءاتها كانت «السمان والخريف» لنجيب محفوظ: «ولم أكن قد قرأت له معظم أعماله من قبل، وأذهلتني هذه القدرة الاستثنائية على الغوص في الأعماق البشرية وهذا البناء شديد الأحكام ليس فقط لبنية الرواية ولكن للشخصيات كذلك، وقرأت رواية (البينيلوبية) أسطورة بينيلوب وأوديسيوس، تأليف الكاتبة الكندية مارجريت أتوود، وهي إعادة رؤية للأسطورة الشهيرة بشكل عصري يدخل فيه عالم الإنترنت والمحاكمات العصرية على جرائم الآلهة، والرواية محاولة لتخليص الأسطورة من فكرة التبجيل والتقديس والزيف ونزع القداسة عن الأرباب الرومانية، وهي فكرة مبهرة جدا بالنسبة لي، وأخيرا قرأت كتاب سليمان فياض (الوجه الآخر للخلافة الإسلامية)، وهو كتاب شديد الجاذبية نظرا لما يتمتع به المؤلف من قدرة على الصياغة الأدبية ممزوجة بالمادة التاريخية البحثية، وهو كتاب يبحث في دور استغلال الحكام للدين من أجل قهر الشعوب وتثبيت عروشهم، ولو على جثث الشعوب المقهورة».
واختار الشاعر أحمد فضل شبلول، من بين أهم الكتب التي قرأها: «الفن الإغريقي» لثروت عكاشة، وهو عبارة عن موسوعة متحفية ضخمة عن هذا الفن المؤسِّس وقعت في نحو ثمانمائة صفحة ومزودة بالصور والرسوم التي ترسخ لهذا الفن لدى القارئ العام. ورواية (قهوة سادة) للكاتب المسرحي والروائي السيد حافظ، التي كتبها (بحثا في روح مصر المتخاذلة سبعة آلاف عام، وبحثا عن روح مصر أخرى، للإنسان فيها معنى وقيمة وحضارة حقيقية فعلا وقولا)، وهي في حقيقة الأمر ليست رواية واحدة، وإنما ثلاث روايات جمعت في كتاب واحد، استطاع مبدعها أن ينسج بينها خيطا حريريا لا يراه إلا من تذوق سحر الكتابة الإبداعية، وتداخل الأنواع والأجناس الأدبية، أو الكتابة عبر النوعية».
ويقول الناقد والكاتب مصطفى عبد الله: «الكتاب هو زادي اليومي، وعلى امتداد العام لفتت انتباهي مئات الكتب، من بينها: رواية (الأزبكية) لناصر عراق التي قامت على جهد بحثي امتد لسنوات، لإضاءة الزمن التاريخي التي دارت فيه أحداثها، و(كلية فيكتوريا) الذي نجحت مؤلفته في توثيق تاريخ واحد من أعرق المعاهد العلمية المصرية التي نال منها الزمن، و(مريم والرجال) رواية الطبيب والنحات والروائي والقاص المهاجر الدكتور شريف ماهر مليكة، التي تصور ببراعة كيف تعايش الإخوان والأقباط في مصر».
ويقول الروائي المصري رؤوف مسعد: «إعجابي بالنصوص (أي نصوص) ينبع من تقديمها لمحة من الواقع ومن ما وراء الواقع. نص الطويلة يقدم للقارئ واقعا (اعتياديا)، أي مقهى وزبائنه الاعتياديين لكنه أيضا يقدم بحث هؤلاء الزبائن – الذين ارتبطوا بالمقهى – باعتباره قدرهم الذي لا خيار لهم فيه (مثلما نرتبط بوالدينا وبأوطاننا)، وكيف يبحثون عن أشياء يعلمون بشكل غامض أنهم غير قادرين على الحصول عليها (مثل السعادة والاكتفاء العاطفي والجنسي). وهذا أجده أيضا في نص القمحاوي الذي عزل شخوصه وحياتهم في فندق خلف زجاج نوافذه حيث البحر بمداه الفسيح وبرموزه المتعددة عن السفر والانتقالات والحرية؛ يتحركون في أبهاء الفندق وغرفه؛ يلبي لهم الفندق وخدمه حاجاتهم الأساسية لمواصلة الحياة، مثلما يلبي الفندق لخدمه (وخادماته) حياة موازية وزائفة».
الكتابان الآخران «الخصوصيات الثقافية في الرواية العربية» لشهلا العجيلي، و«قبطي في عصر مسيحي» لزبيدة محمد عطا، يهتمان كل في مجاله بالمهمشين وبالمارقين. وتعبير المروق هو ما نحتته الدكتورة العجيلي، معتبرة أن المروق الإبداعي يصنع التاريخ ويهزأ بالمسلمات والثوابت في حياتنا اليومية. وتلقي دراسة الباحثة زبيدة محمد عطا ضوءا كاشفا على المهمشين والأقلية الدينية القبطية في مصر، وإن كانت تعتبر أن «المسيحية» تشمل القبطية باعتبارها مذهبا ودينا وهوية قومية أيضا، وهذا يعطي براحا وانفساحا للتعامل مع الدين - من وجهة نظري - باعتباره مرجعا ثقافيا دينويا يتفاعل جدليا مع المقدس والإلهي.
أما الشاعر ميسرة صلاح الدين، فيقول: «قرأت (حكايات الأخوين جريم)، الذي تناول أبرز حكايات الأطفال الشعبية الألمانية، التي قام بجمعها الأخوان واعتمد عليها والت ديزني في استلهام الكثير من أعماله الكارتونية، بينما أبرز ما قرأت من دواوين الشعر (أوراق العشب) للشاعر الأميركي والت وايتمان، و(قصائد مضادة) للشاعر التشيلي نيكانور يارا. أما في مجال العلوم الإنسانية فقد أعدت بشغف قراءة بعض أعمال د. فؤاد زكريا منها: (التفكير العلمي)».



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.