اختلافات أحوال مسلمي أميركا عن نظرائهم في أوروبا تقلل فرص نشوء بيئة حاضنة للإرهاب في الولايات المتحدة

على الرغم من الزيادة الملحوظة لأعداد المتطرفين.. واستغلالهم وسائط التواصل الاجتماعي

من الواضح أن مسلمي أميركا «لا يبدون متأثرين بإغراءات (داعش) ودعايته المبنية على الإبادة الجماعية على عكس مسلمي أوروبا» ({نيويورك تايمز})
من الواضح أن مسلمي أميركا «لا يبدون متأثرين بإغراءات (داعش) ودعايته المبنية على الإبادة الجماعية على عكس مسلمي أوروبا» ({نيويورك تايمز})
TT

اختلافات أحوال مسلمي أميركا عن نظرائهم في أوروبا تقلل فرص نشوء بيئة حاضنة للإرهاب في الولايات المتحدة

من الواضح أن مسلمي أميركا «لا يبدون متأثرين بإغراءات (داعش) ودعايته المبنية على الإبادة الجماعية على عكس مسلمي أوروبا» ({نيويورك تايمز})
من الواضح أن مسلمي أميركا «لا يبدون متأثرين بإغراءات (داعش) ودعايته المبنية على الإبادة الجماعية على عكس مسلمي أوروبا» ({نيويورك تايمز})

أثارت المذبحة التي ارتكبها سيد رضوان فاروق وزوجته الباكستانية تشفين مالك، في مدينة سان برناردينو بولاية كاليفورنيا الأميركية، مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي، جدلاً سياسيًا حاميًا حول موقع المسلمين ودورهم في الولايات المتحدة. وكان الطين قد ازداد بلة في أعقاب التصريحات المعادية لهم التي أطلقها المرشح المحافظ دونالد ترامب في سياق حملته الانتخابية الرئاسية. ولكن ثمة من يرى أنه على الرغم من عداء ترامب المكشوف تجاه المسلمين وبالذات في الولايات المتحدة، يبقى ما يسمى «خيار الجهاد» - ولو برز في الآونة الأخيرة - ظاهرة هامشية في أميركا بخلاف الحال في أوروبا.
في أعقاب المجزرة التي ارتكبها الأميركي من أصل باكستاني سيد رضوان فاروق وزوجته الباكستانية تشفين مالك، والتي أودت بحياة 14 من زملائهما في مركز صحي بضواحي مدينة سان برناردينو في جنوب ولاية كاليفورنيا، أعلن المرشح الرئاسي الجمهوري الملياردير دونالد ترامب أنه بات من الواجب النظر إلى جميع المسلمين بشك وريبة. وأردف «علينا أن ننظر في المساجد. ليس لدينا خيار آخر. علينا أن نرى ماذا يحدث هناك لأن شيئا ما يجري». ودعا ترامب أيضًا إلى «فرض حظر شامل وكامل على دخول جميع المسلمين لأراضي الولايات المتحدة إلى أن يتمكن ممثلو بلدنا (أي كبار الساسة وأعضاء الكونغرس) من معرفة ما يجري».
غير أن الحقيقة لا تبدو على هذا المستوى من «الدرامية». فمنذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، قتل 45 شخصًا نتيجة أعمال عنف متصل بمسلمين، ومات نصف هؤلاء الضحايا في حادثتي إطلاق نار: الأولى نفذها طبيب مسلم مجند في الجيش الأميركي بولاية تكساس عام 2009، والثانية الحادثة الأخيرة في سان برناردينو. وفي المقابل، على سبيل المقارنة ليس إلا، سقط في فرنسا، التي تعرضت أخيرًا لموجة من عمليات الإرهاب متصلة بمسلمين 152 شخصًا في عمليات دامية خلال عام 2015 وحده.
من جهة ثانية، أوردت وكالة «رويترز» للأنباء نقلاً عن مصدر في مجلس الشيوخ الفرنسي، أن أكثر من 1400 حركي متشدد فرنسي انضموا إلى منظمات متطرفة ترفع شعارات الإسلام في سوريا أو العراق من أصل 65 مليون نسمة. في حين لم يتخطَ في الولايات المتحدة، التي يناهز عدد سكانها الـ326 مليون نسمة، عدد الأشخاص الذين سافروا أو حاولوا السفر إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيم داعش الـ250 شخصا منذ خريف عام 2015.
الدكتور ماثيو ليفيت، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قال خلال مقابلة مع «الشرق الأوسط» إن «مشهد المتشددين المتلبسين لبوس الإسلام في الولايات المتحدة يختلف كثيرًا عن الواقع الأوروبي». وعزا مشاركة الأميركيين الضئيلة نسبيًا في القتال الدائر في كل من سوريا والعراق إلى عدة عوامل، منها بعد المسافة بين أميركا والشرق الأوسط، «فالولايات المتحدة هي أبعد، والقدرة على السفر من أوروبا إلى الشرق الأوسط أسهل بكثير».
ثم هناك عامل ثانٍ مهم يتجسَّد في حقيقة أن مسلمي أميركا منخرطون بصورة أفضل في مجتمعاتهم مما هم عليه في فرنسا، أو دول أوروبا بشكل عام، حيث يعانون التهميش «ما يخلق في أوروبا ظاهرة اجتماعية مؤهلة أكثر لاعتناق الآيديولوجيات العنفية»، وفق الدكتور ليفيت.
وفي السياق نفسه، أشار الدكتور ليث سعود، الأستاذ المساعد للدراسات الدينية في جامعة دي بول بمدينة شيكاغو ومؤلف كتاب «مقدّمة عن الإسلام في القرن الواحد والعشرين»، خلال مقابلة مع «الشرق الأوسط» إلى «الفرق الجذري (في التركيبة السكانية) بين الولايات المتحدة وأوروبا: ففي بلد مثل ألمانيا مثلاً، 75 في المائة هم من السكان الأصليين، أما في الولايات المتحدة فالسكان بأجمعهم هم أحفاد المهاجرين، ثم إن أوروبا لم تشهد موجات هجرة إلا في الآونة الأخيرة وتحديدًا خلال السنوات الخمسين إلى المائة سنة الماضية». وأردف سعود «أضف إلى ذلك أن الأميركيين المسلمين أكثر ثراء وأفضل تعليمًا مما هم عليه في أوروبا. وعلى الرغم من أنهم لا يزيدون عن واحد في المائة من سكان الولايات المتحدة، فإنهم يمثلون 10 في المائة من الأطباء، مثلاً، والذين هاجروا خلال العقود الأخيرة إلى الولايات المتحدة حائزون على مستويات علمية متقدمة، بينما يتألف قسم كبير من مجتمع المهاجرين المسلمين إلى أوروبا من طبقة العمال الفقيرة المتحدِّرة من المستعمرات القديمة». ثم إنه من الواضح أيضًا أن مسلمي أميركا «لا يبدون متأثرين بإغراءات (داعش) ودعايته المبنية على الإبادة الجماعية على عكس مسلمي أوروبا». كذلك يلحظ الدكتور سعود عاملاً آخر على جانب من الأهمية هو أن المجتمع المسلم في الولايات المتحدة متعاون للغاية مع إجراءات تطبيق القانون، وإلى أن «نصف الهجمات قد أحُبِطَت نتيجة معلومات تقدّم بها شخص مسلم آخر».
أخيرا، ضمن العوامل المؤثرة مستوى كفاءة الأجهزة الأمنية، وحقًا تعتبر كفاءة وفعالية وكالات الأمن في الولايات المتحدة، على غرار مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) أحد أهم العوامل التي تفسِّر تدني أعداد المتشددين الإرهابيين الأميركيين المتحدرين من خلفيات مسلمة. وموظفو مكافحة الإرهاب، الذين زيد عددهم بألفي عنصر، ينكبون على ملاحقة كل ما يرتبط أو يشتبه بارتباطه بـ«داعش» في الولايات الأميركية الخمسين. وفي هذا الإطار، يعتبر ليفيت أن قوة الولايات المتحدة تكمن في نظامها التكاملي والإطار القانوني لديها. ويستطرد موضحًا «وعلى الرغم من أن مستوى وكالات مكافحة الإرهاب في أوروبا جيد، فإنه يفتقر إلى الإطار القانوني الصحيح. وكمثال على ذلك تمكن أحد المشتبه بتورطهم في عمليات باريس الدامية من الهرب لأن القانون البلجيكي لم يُجِز شن الهجمات ليلاً».
ولكن، مع أن أعداد المتطرفين من رافعي الإسلام في أميركا تظل منخفضة نسبيًا مقارنة مع أوروبا، تعاني الولايات المتحدة من زيادة ملحوظة النشاط المرتبط بالإرهاب. فوفقا لتقرير «داعش في أميركا» الذي نشرته جامعة جورج واشنطن، في العاصمة الأميركية واشنطن يجري حاليًا النظر والتحقيق في 900 حالة من المتعاطفين مع «داعش» في الولايات الأميركية الخمسين. بالإضافة إلى ذلك، اتهم 71 فردًا بالتعامل مع «داعش» اعتقل 56 منهم خلال عام 2015 وحده، وهو ما يمثل عددًا قياسيا من الاعتقالات المتعلقة بالإرهاب منذ أحداث 11 - 9، وفقا للتقرير. وتختلف أيضًا أوصاف هؤلاء المتطرفين في الولايات المتحدة وخلفياتهم، ذلك أن 40 في المائة منهم اعتنقوا الإسلام حديثًا، كما أن غالبية المتهمين يبلغون نحو الـ26 سنة من العمر، وهم بسوادهم الأعظم من الذكور (86 في المائة منهم رجال). كذلك يتبين من تقرير جامعة جورج واشنطن أن أنشطتهم تتوزّع في 21 ولاية، و51 في المائة منهم سافر أو حاول السفر إلى الخارج، وتورط 27 في المائة منهم في التحضير لشن هجمات على أراضي الولايات المتحدة.
في الولايات المتحدة، كما هو الحال في كثير من الدول الأوروبية، تلعب وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي دورًا حاسمًا في الترويج للتطرف وفي حشد المتعاطفين مع «داعش». وكان «برنامج جورج واشنطن حول التطرّف» قد رصد نحو 300 من المتعاطفين مع «داعش»، سواء من الأميركيين أو المقيمين على أراضي الولايات المتحدة، الناشطين على وسائط التواصل الاجتماعي الذين يعملون على نشر دعايات «داعش» وأشباهه من التنظيمات الإرهابية المدعية الإسلام، والتفاعل مع الأفراد الذين يشاركونهم أفكارهم المتطرفة.
وللعلم، فإن بعض أفراد هذا المجتمع قد ينتقل من النظريات من وراء الحواسيب (الكومبيوترات) إلى التنفيذ وينخرط فعليا في الحرب. ولقد أضاف التقرير أن البحث عن الانتماء أو المعنى أو الهوية يعتبر حافزًا أساسيًا لكثيرين من الأميركيين - أو الغربيين بالإجمال - الذين يعتنقون آيديولوجيا التطرف الذي يتستر بالدين لممارسة الإرهاب. ومن ثم، فإن المواقف المتطرّفة للساسة الأميركيين، وبالأخص من المرشحين الرئاسيين من أمثال دونالد ترامب، قد تخدم الدعايات التي ينشرها «داعش» وأمثاله وتعطيها صدقية لا تستحقها، وبخاصة في تعويلها على الانقسامات بين المسلمين وغيرهم من المجتمعات.
ويعتقد الدكتور سعود أن الحزب الجمهوري يعمل حاليًا على بث شعور معادٍ للإسلام بين الناخبين المسيحيين وتبنّي مواقف ضد المهاجرين سعيًا لجذب مزيد من الأصوات لمرشحيه، لكنه يستدرك قائلاً إن «الخطابات النارية والعنصرية تصل بالطبع إلى مسامع المجتمع المسلم في أميركا، إلا أنني لا أظن أن تنفيذها ممكن». وهو يرى أنه ما دامت خطابات ترامب تقتصر على الكلام، سيبقى المجتمع المسلم في الولايات المتحدة في مأمن، وفي هذه الحالة سيجد «داعش» مصاعب في رفع أعداد أتباعه ومؤيديه على الساحة الأميركية.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».