تهمة «الخوارج».. بين «داعش» و«القاعدة»

مغالطات تستوجب التوضيح والمراجعة

تهمة «الخوارج».. بين «داعش» و«القاعدة»
TT

تهمة «الخوارج».. بين «داعش» و«القاعدة»

تهمة «الخوارج».. بين «داعش» و«القاعدة»

يعاني «داعش» المتطرف من حصار وانكماش فكري رغم تمدده التنظيمي، وذلك لشدة ما يتعرض له من انتقادات من التيارات المتطرفة حركيًا وقتاليًا مثل «القاعدة» و«أحرار الشام» من جهة، ومن التيارات الدينية المتشددة فكريًا وفقهيًا التي تعرف أدبياته من جهة أخرى! وهو في الحقيقة، لا ينشغل بغير الأول متجاهلاً سواه ومهملاً انتقادات تأتي من المؤسسات والشخصيات الدينية الرسمية وغير الرسمية. ويظل جزء كبير من قوة «داعش» في غموضه النظري ونقص المعرفة العميقة بأدبياته التنظيرية التي تدعي الحسم والتأصيل رغم المعرفة المتزايدة والحرب المتكاثرة على مختلف جوانبه التنظيمية، العسكرية والميدانية والتمويلية والنفطية! وعلى الرغم من حرب التحالف الدولي عليه واستشعار الجميع لخطرها، فإن الاهتمام الفكري ما زال دون المستوى في هذا السياق. وسنعرض فيما يرى لأكثر التهم إرباكًا لـ«داعش» وأكثرها رواجًا بين التنظيمات الناشطة على الأرض السورية ضده، وهي وصمها إياه بـ«الخوارج» أو «الخوارج البغدادية»، كما تواتر وصفهم عند كثير من ممثلي التيار المتشدد الحركي، وسنعرض لكيفية الدفع والرد الداعشي على هذه التهمة وهو ما تصدى له كبار منظريه وشرعييه، ثم نحقق مسألتها.
كان أول مَن وصف «الدواعش» واتهمهم بأنهم «خوارج» المنظر المتشدد السوري أبو بصير الطرطوسي في عدد من رسائله، فكتب رسالة في 4 يوليو (تموز) 2014 بعنوان: «شرعية إمارة المتغلب»، قال في خاتمتها وكأنه يلوح بهذا الاتهام: «والخوارج الغلاة رغم تمكنهم في تاريخهم من تأسيس بعض الإمارات الخاصة بهم.. إلا أنه لا يُعرَف عن أحد من السلف الصالح أنه قد دخل في موالاتهم وطاعتهم، أو أنه بايع أميرًا من أمرائهم.. أو دعي إلى مبايعته وطاعته.. وإنما كان الوقف منهم في اتجاه واحد لا غير؛ وهو قتالهم، ورد عدوانهم، وخطرهم عن الأنفس والحرمات..!». ولكنه صرّح بهذه الصفة بعد أسابيع منها في رسالة بعنوان «الخوارج الدواعش» بعد تفجير مساجد وقبور المسلمين في نينوى العراقية، في 27 يوليو سنة 2014، ثم أتبعه في مثل هذا الوصف أمثال أيمن الظواهري وأبي قتادة وآدم غدن وطارق عبد الحليم وغيرهم.
لكن أبا محمد المقدسي بعد رسالة مناصحته لهم لم يصفهم بالخوارج، بل اكتفى بوصف الغلو والغلاة لهم، واتهمهم جميعا بالكذب. وأفتت اللجنة الشرعية - على لسان عضوها أبو العز النجدي في منبر التوحيد والجهاد للمقدسي - بكراهة الانتماء إليهم، بالقول: «إذا كنت متبصرا بمخالفات القوم وتضمن ألا تتورط معهم في دم مسلم، وألا تذوب فيهم وتحمل غلوهم أو تعتاد مسارعتهم في دماء وأموال المعصومين، فلا أرى مانعًا من العمل معهم في التعاون على البر والتقوى لا التعاون على الإثم والعدوان، وكذلك في قتال الصليبيين والروافض والكفّار من أنظمة الردة لا في قتال المسلمين ومَن يسميهم الغلاة بالصحوات من مخالفيهم من المجاهدين أو غيرهم وليسوا بالفعل من الصحوات أو العملاء، لكن هذا التعاون الذي نجيزه هو في حال لم يمكنك أن تتعاون مع غيرهم، فإن أمكنك فالأولى غيرهم ممن هم أنظف وأبعد عن الغلو وسفك دماء المسلمين لأننا بلغنا انضمام بعض أفراد من جماعات أخرى إليهم، فما لبثوا أن ذابوا فيهم وصاروا من الغلاة، واستعمل آخرون في الإغارة على إخوانهم من الجماعة المسلمة التي كانوا معها سابقًا اختبارًا وبزعم أنهم أدرى بمخابئهم ومخارجهم ومداخلهم، فالأمر جد خطير».
ولكن كان توجيه هذه التهمة الأشد من أبي قتادة الفلسطيني الذي وصفهم بـ«كلاب أهل النار». وقال إن «أوصافهم أوصاف الخوارج وإن خالفوهم في الأصول»، واتسعت شقة الخلاف بين الطرفين، كما وضحته رسالة بعض قيادات (جبهة) النصرة والفصائل الإسلامية المسلحة إلى الظواهري وحملوا فيها (داعش) المسؤولية عن تراجع حال الثورة بسببها، بسبب أهل الغلو وفكره»، في إشارة لـ«داعش». وجاء فيها: «بقي الأمر على ما ذكرنا حتى ظهرت على الساحة بوادر الخلاف والفرقة والاقتتال بين الجهاديين بسب ظهور الأفكار المنحرفة كفكر أهل الغلو، كما بين ذلك شيوخهم المقدسي وأبي قتادة وغيرهم»، ثم اتسعت التهمة واستخدمها كذلك «أحرار الشام» وسائر الفصائل المقاتلة وسائر النداءات الحركية القريبة أو المحاذية لـ«داعش» في بؤر الصراع.
ولشدة التهمة على «الدواعش»، فقد تصدى لها كل منظريه، وردّ تركي البنعلي على أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، في اتهامه «داعش» بالغلو والخروج، وقتل رسوله أبي خالد السوري نافيا ذلك. كما كتب رسالتين في الرد على هذه التهمة:
أولاهما: بعنوان «تبصير المحاجج»، وثانيهما «الإفادة في الرد على أبي قتادة»، ذكر فيها البنعلي أن «حديث أهل النار ليس متواترًا ومن قبل أحاديث الآحاد»، وأنهم «يختلفون مع الخوارج في أصولهم، حيث يؤمنون بشرط الأئمة من قريش، وهو ما ترفضه الخوارج، وخليفتهم البغدادي يحمل هذا النسب القرشي حسب زعمهم». كما قال إنه ليس للخوارج كتب وتأليفات وحال «داعش» غير كذلك! وهذا خطأ علمي إذ للخوارج كتبهم ومؤلفاتهم التي دافعوا فيها عن أصولهم قديمًا وحديثًا. ومما يرد به كذلك البنعلي أن كثيرًا من الحركات الإسلامية على مدار التاريخ اتهمت بأنها «خوارج» مع أنها ليست كذلك، كما قال إن أبا قتادة قد يكون مُكرها على ما كتب ضدهم أو أنه ضلّ أو غير ذلك.
أيضًا كتب في دفع هذه التهمة اليمني أبو الحسن الأزدي برسالة في صحة موقف «داعش» من «القاعدة» و«جبهة النصرة»، وهي رسالته «موجبات الانضمام للدولة الإسلامية في العراق والشام» ينتصر فيها لموقف البغدادي ضد موقف الجولاني.
كذلك وضع الأزدي ردودًا على عبد العزيز الطريفي، وفي الرد على إياد قنيبي ينتصر فيه للبغدادي على الجولاني، وحدد فيها 11 وجهًا لصحة موقف الأول على الثاني، منها أن أمر تمدد «داعش» كان أمرًا شرعيًا ولم يكن معصية حتى يخالفه فيه، ولكن الأزدي لم يُجِب في مقالته عن خلع البغدادي بيعة الظواهري، التي أقر بها وأعلنها.
كذلك أهدى أبو عبيدة الشنقيطي كتيبه «رفع الحسام نصرة لدولة الإسلام في العراق والشام»، وهو رد ونقد على محفوظ ولد الوالد أو أبو حفص الموريتاني، الرجل الثالث في تنظيم القاعدة سابقًا، قائلاً: «أهدي هذا الكتاب إلى قرة العين فضيلة الشيخ المجاهد أمير المؤمنين أبي بكر البغدادي الحسيني القرشي، وإلى المتحدث الرسمي والمفوّه المفضال الشيخ المجاهد أبي محمد العدناني الشامي، وإلى القائد الميداني عمر الشيشاني، وإلى كل جندي من جنود الدولة الصادقين وفرسانها المغاوير، وإلى كل المشايخ الناصحين المناصرين للدولة الإسلامية بأقلامهم وفتاواهم» وهو في كل هذا يحاول دفع هذه التهمة عن تنظيمه وإمارته وخليفته المزعوم.
وفي كتابنا الجديد «سرداب الدم: نصوص داعش دارسة نقدية وتحليلية»*، وهو أول كتاب يصدر عن آيديولوجيا «داعش» وخطابه وأدبياته، وتنظيره قبل تنظيمه، قدمنا تعريفًا بالنظر والنظرية «الداعشية» وفق ممثليها وليس ما كتب عنها فقط. وسنحاول فيما يلي عرض أهم التهم والانتقادات التي ووجه بها «داعش» بعد «خلافته» المُدّعاة والمعتقدة، وردهم عليها، ثم تبرير الدواعش لممارساتهم.
إننا نرى في الدفع الداعشي لتهمة الخارجية مغالطات وأخطاء كثيرة، كما نرى في الحسم بها وهم منكروها كما أنكرها الخوارج من قبل، أمرًا غير منطقي. فالمقصود في الحالين صفات الخوارج وعقلية الخوارج، وهذا هو ما حذر منه النبي (صلى الله عليه وسلم) دون أن يسميهم ويحدد أوصافهم. أما النزاع عن الأصول، على الرغم من مغالطات البنعلي فهو أمر غير صحيح، وهو موضح في كتاب «سرداب الدم». أما الآن فسنورد ملاحظاتنا على من قالوا بالتهمة مَن «القاعدة» ومَن دفعوها من «الدواعش».
1 - إن وصف الخوارج أغلب وأسبق من أصولهم
إن الغالب عند علماء السلف هو أن وصف الخوارج لم يرتبط بأصول الفرقة التي عُرفت به بل أسبق منها، كما جاء في الأحاديث، وكما جاء في وصف الكثير من الصحابة والتابعين لمن خرجوا على الخليفة عثمان بن عفان وليس على الخليفة على (رضي الله عنهما) أنهم «أول الخوارج». لذا، نلاحظ خطأ الناقد والمنقود في أمرين: أن الأصل في الخوارج الصفات وليس الأصول، وأنه أطلق على الخارجين على عثمان (رضي الله عنه) أنهم «أول الخوارج».
2 - لم يقبل الخوارج كما «داعش» وصف خصومهم لها!
كما يرفض «داعش» وصف الخوارج، فقد رفضه الخوارج أنفسهم. وذلك لأنه اسم أطلقه على هذه الفرقة (أو الفرق) خصومها، أما هم فقد سموا أنفسهم بأسماء أخرى منها «الشراة». ودليل على ذلك، أن الفرقة المقصودة لم تسمِ نفسها خوارج بل أسمت نفسها «الشراة» و«جماعة المسلمين» و«أهل الحق والاستقامة»، وغير ذلك من أوصاف يمكن مراجعتها في مواضعها [1].
3 - أن أصول الخوارج ليست واحدة وليست على الدرجة نفسها من الغلو
أن الأصول التاريخية في تبرّيهم من الصحابة أنها ليست واحدة، فلم يأتِ بها الحديث والأوصاف النبوية. وموضوع التحليق وإعفاء اللحى والشعور الذي استند له البنعلي لا يصح سندًا، لأنه ليس أمرًا تنظيميًا، كما أن أوصاف ذي الثدية لم تتكرّر، فالأصل هو في الشدة على المسلمين والمؤمنين المُخالفين.
4 - للخوارج مؤلفاتهم الباكرة وإن لم تشتهر
كانت للخوارج مؤلفات. بل عرف التأليف عن أئمتهم الأوائل كنافع بن الأزرق وعمران بن حطّان السدوسي ومرداس بن أديّة. كذلك عُرف عن جابر بن زيد (توفي 93 هجرية) الكتابة والجوابات، وكان من تلامذة ابن عباس الذي نقل كما ابن الأزرق عن ابن عباس. ونقل الربيع بن حبيب عن شيخه أبو عبيدة مسلم بن كريمة (ثاني أئمة الإباضية) «المسند» المعروف الذي يعتبره الإباضية من أصح كتبهم، ويطلقون عليه «الجامع الصحيح». ولقد توفي الربيع بن حبيب سنة 170 هجرية. ومنها كتب الجزائري أبو يعقوب يوسف الورجلاني (المتوفي سنة 570 هجرية) عن أصولهم، فأعاد ترتيب «الجامع الصحيح» وكتب «الدليل والبرهان في أصول الفقه الإباضي»، وتفسيرًا للقرآن الكريم في سبعين جزءًا، ومنه ما كتبه عبد الله بن إباض و«مسند الربيع» قبل القرن الثالث الهجري.
5 - عقلية الخوارج أوسع من فرق الخوارج
استن الدواعش، كما الخوارج الأوائل، بدعًا سيئة لم يسبقوا إليها، كالذبح والحرق والتمثيل العنيف بالأعداء، والميل الشديد لتفسيق وردة مخالفيهم، واستحلال دمائهم. ولأن الدواعش ينكرون، نورد هنا ما قاله متحدثهم العدناني في رسالة إعلان «خلافة خليفتهم» حين هدد في إعلانه البيعة لأمير التنظيم أبي بكر البغدادي في 29 يونيو (حزيران) سنة 2014 بأن هذه البيعة صارت واجبة على جميع المسلمين ولأي أحد، وجميع الفصائل، وأن من شقّ الصف فستشق رأسه وأن «ألقوا رأسه بالرصاص»! حيث قال «صار واجبًا على جميع المسلمين مبايعة الخليفة وتبطل جميع الإمارات والولايات والتنظيمات التي يتمدّد إليها سلطانه ويصلها جنده». ونزع عن كل رفقائه السابقين من الجماعات شرعيتها، قائلاً: «بطلت شرعية جميع الجماعات والتنظيمات الإسلامية الأخرى، ولا يحلّ لأحد منها أن يبيت ولا يدين بالولاء للخليفة البغدادي»..الخ.
إن الخوارج الغلاة - وليس مَن اعتدل منهم - كانوا يقاتلون على تصوّرهم للحكم وللحق، ويقتلون بالمخالفة وهكذا يفعل الدواعش، ولا يعني ذلك تكفيرًا ولكن يعني ضلالاً، كما ذكر البنعلي في «تبصير المحاجج» كأنه إقرار كامن في الإنكار يعرفه!

* كتاب «سرداب الدم: نصوص داعش دراسة نقدية وتحليلية» (القاهرة: دار صفصافة للنشر) من تأليف الدكتور هاني نسيرة.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».