الكويت: «إعدام الطليعة» أم أفول نجم التيار القومي؟

الخطيب والنيباري لمحا لدور السلطة.. ومراقبون اعتبروه «نرجسية» مناضلين سابقين

العدد الأخير من مجلة «الطليعة» الكويتية
العدد الأخير من مجلة «الطليعة» الكويتية
TT

الكويت: «إعدام الطليعة» أم أفول نجم التيار القومي؟

العدد الأخير من مجلة «الطليعة» الكويتية
العدد الأخير من مجلة «الطليعة» الكويتية

فقد التيار القومي في الخليج، صوتًا ظلّ وحيدًا طوال أكثر من نصف قرن، يمثل هذا التيار وهمومه في ما يعتبره ترسيخا لنهج الديمقراطية، حيث صدر حكم قضائي من محكمة التمييز الكويتية يوم الأحد 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بتصفية مجلة «الطليعة»، المعارضة، بناءً على دعوى قدمها أحمد المنيس، نجل النائب الراحل سامي أحمد المنيس، (توفي 23/ 8/ 2000).
وكان سامي المنيس أحد رموز التيار القومي منذ الخمسينات الميلادية، ورفيق درب لرجاله الحاليين أمثال أحمد الخطيب وعبد الله النيباري. وبالنسبة لـ«الطليعة»، فقد كان المنيس الذي شغل منصب رئيس جمعية الصحافيين عام 1971، هو صاحب الامتياز. إذ انتقل عام 1963، ترخيص «الطليعة» من عبد الرزاق الخالد إلى سليمان الحداد، ثم إلى سامي المنيس. صدر العدد الأول من مجلة «الطليعة» 22 يونيو (حزيران) 1962، وكانت تصدر كمجلة أسبوعية ثم تحولت إلى جريدة أسبوعية. وفي حقبة السبعينات أصبحت هذه المجلة صوتًا قوميًا عابرًا للحدود، وظلت تمارس النقد السياسي بشكل لم يألفه الخليج، وتحولت إلى ملاذ لكل الأصوات المعارضة التي تتخذ من اليسار القومي منهجًا سياسيًا لها. ولم تكن «الطليعة» مشروعًا إعلاميًا أو تجاريًا، بل كانت جزءا من تيار سياسي، هي صوته وعنوانه، وكان القائمون عليها بحسب عبد الله النيباري، ومنهم: دكتور الخطيب، وجاسم القطامي، وعبد الرزاق الخالد، وسليمان أحمد الحداد، وسليمان خالد المطوع، وراشد التوحيد، وسامي المنيس، وعلي عبد الرحمن العمر (وهم نواب في مجلس الأمة الأول)، كانوا يمثلون «جماعة الطليعة»، وقد صدرت باسم الراحل عبد الرزاق خالد الزيد الخالد، نيابة عن هذه الجماعة.
لكن على الرغم من أن «جماعة الطليعة»، وعلى رأسهم أحمد الخطيب، وعبد الله النيباري، اعتبروا أن تصفية «الطليعة» كان فعلاً سياسيًا قمعيًا من السلطة. فإن مراقبين اعتبروا أن الأمر لا يعدو كونه «نرجسية» مناضلين سابقين. بل إن هناك من رأى أن تصفية المجلة يمثل نهاية حقبة أو مرحلة للتيار القومي الخليجي، استسلم أصحابه لهذه النهاية التراجيدية.
من بينهم الكاتب في الطليعة منذ التسعينات أنور الرشيد، رئيس المنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن هذه النهاية تمثل أفولاً لنجم التيار القومي، وليس إجراء سياسيًا من الحكومة.
في سجل الطليعة، يبرز على الدوام احتفاظها بتاريخ طويل من المصادمات مع السلطة السياسية في الكويت أدت في أحيان كثيرة إلى نزع الحصانة البرلمانية عن مالكها الراحل سامي المنيس، كما حدث في 26 يونيو 1971، حين رفعت عنه الحصانة بصفته رئيس التحرير، بسبب نشره عددا من المقالات، وقد تمت الموافقة على رفع الحصانة بأغلبية 34 نائبا، كذلك تعرض المنيس في 23 يونيو 1973 إلى رفع الحصانة عنه تمهيدًا لمحاكمته بصفته رئيس تحرير «الطليعة»، حول نشره عددا من المقالات وقد تمت الموافقة بأغلبية 26 نائبا، وتكرر طلب رفع الحصانة البرلمانية عنه في 28 يناير (كانون الثاني) 1986، بصفته رئيس تحرير «الطليعة» بسبب نشر مقالة، وقد رفض الطلب بأغلبية 33 نائبا وموافقة 12 نائبًا.
وبعد وفاة المنيس في 23/ 8/ 2000، أصبح الدكتور عبد النيباري رئيسًا للتحرير. وهو قال في مقاله الذي رثاها فيه أن هذه المجلة تعرَّضت للإيقاف والتعطيل عدة مرات، وخصوصا في فترات تعليق العمل بالدستور، وحل مجالس الأمة.. وفي تلك الفترة كانت الصوت الذي تنتظره قطاعات واسعة من أبناء الشعب في المعارك السياسية، وعلى الأخص معارك تعديل الدستور لإلغاء صلاحيات مجلس الأمة، وكان ذلك بعد حل المجلس وتعطيله لمدة أربع سنوات، للنظر فيما سُمي بـ«تنقيح الدستور».
السياسي والمفكر الكويتي، وأحد رموز التيار القومي العربي أحمد الخطيب، والذي كانت «الطليعة» تمثل خطه الفكري والسياسي، والمنبر المتبقي أمام تياره، كتب في العدد الأخير من «الطليعة»، مقالاً بعنوان: «ظُلمنا ولكن الفرج قريب»، موجهًا المقال إلى «رفيق الدرب وقائد المسيرة الشيخ عبد الله السالم»، ويعني به الشيخ عبد الله السالم الصباح، رجل الاستقلال ورمز الدستور، أول وثيقة من نوعها في الخليج.
في هذا المقال، يشتكي أحمد الخطيب لـ«رفيق الدرب»، إغلاق مجلة «الطليعة» بالقول: «نبلغك.. لقد أصبحنا في عين العاصفة، التي تجتاح المنطقة، وبدأنا نشعر بخوف شديد». ويضيف: «يا أبو الدستور، لقد أصبح دستوركَ في خبر كان، والقوانين تنمَّرت عليه وعلى روحه». وبوضوح يخاطب الرمز الكويتي الأبرز، قائلاً له: «اليوم جاء دور (الطليعة)، المنبر الحُر لكل الوطنيين، لدعم الديمقراطية والحرية، وهي في طريقها لكي تُباع بالمزاد، كالبضاعة الفاسدة.. ألا حسبي الله ونعم الوكيل!».



«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.