دي ميستورا يعلن 25 يناير موعدًا لانطلاق المفاوضات بين فريقي النزاع السوري في جنيف

مصادر دبلوماسية غربية تتوقع اغتيال الكثير من «صقور» المعارضة والنظام خلال المرحلة المقبلة

رجل يتفحص حفرة في الأرض قرب شاحنة مدمرة تسبب بها قصف الطيران الحربي الروسي في ريف محافظة حلب (رويترز)
رجل يتفحص حفرة في الأرض قرب شاحنة مدمرة تسبب بها قصف الطيران الحربي الروسي في ريف محافظة حلب (رويترز)
TT

دي ميستورا يعلن 25 يناير موعدًا لانطلاق المفاوضات بين فريقي النزاع السوري في جنيف

رجل يتفحص حفرة في الأرض قرب شاحنة مدمرة تسبب بها قصف الطيران الحربي الروسي في ريف محافظة حلب (رويترز)
رجل يتفحص حفرة في الأرض قرب شاحنة مدمرة تسبب بها قصف الطيران الحربي الروسي في ريف محافظة حلب (رويترز)

تتسارع الأحداث الميدانية في سوريا بالتزامن مع إنهاء دوائر الأمم المتحدة تحضيراتها لاستضافة فريقي النزاع السوري في جنيف يوم 25 يناير (كانون الثاني) المقبل، كما أعلن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا يوم أمس السبت. فلقد لفت بيان صادر عن مكتبه إلى أنه «يعول على التعاون الكامل من كل الأطراف السورية المعنية»، مع تأكيده على أنه «لن يُسمح للتطورات المستمرة على الأرض بإخراج العملية عن مسارها».
في هذه الأثناء، يرى مراقبون أن المعلومات المتداولة عن اغتيال قادة إيرانيين يحاربون في سوريا، ومن ثم اغتيال القيادي في حزب الله سمير قنطار ثم قائد «جيش الإسلام» زهران علوش، ووصولا للتحضير لانسحاب «داعش» من ريف دمشق، كلها تطورات قد توحي بقرب موعد التسوية التي عادة ما تتم بعد مرحلة غير مسبوقة من التصعيد الميداني. وهذا ما يتقاطع مع ما لمّحت إليه مصادر دبلوماسية غربية قالت لوكالة الأنباء الألمانية إن «المرحلة المقبلة في سوريا ستشهد اغتيالات للكثير من صقور المعارضة والنظام».
وحقًا، لا تبدو قوى المعارضة السورية متحمسة كثيرا للعودة إلى طاولة المفاوضات نظرا للتصعيد الروسي الميداني غير المسبوق داخل سوريا والذي بلغ مراحل متقدمة مع اغتيال علوش. إذ تساءل رياض حجاب، المنسق العام لـ«الهيئة العليا للمفاوضات» المنبثقة عن «مؤتمر الرياض» لفصائل المعارضة، في رسالة وجهها إلى أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون عن «جدوى المفاوضات والحل السياسي بينما يُصعّد الطيران الروسي حملته ضد المدنيين واستهدافه للقوى الممثلة في مؤتمر الرياض قتلاً وتدميرًا». واعتبر حجاب - وهو رئيس وزراء سابق - أن ذلك يعني «استهداف الحل السياسي ومحاولة قتله في مهده حتى قبل بدء التفاوض الفعلي، وقد جاءت المجازر الأخيرة التي نفذها الطيران الحربي للنظام والجانب الروسي كبرهان دامغ على ذلك». ومما قاله حجاب أيضًا في رسالته إن «النظام السوري وداعميه في إيران وروسيا يعملون على تفويت الفرصة مجددًا، والابتعاد عن استحقاق العملية السلمية بشكل يكاد يغلق الأمل في جدية أي مفاوضات مزمعة، خصوصًا، مع قتل قادة المعارضة السورية التي تقوم بواجبها في الدفاع عن الشعب وفي محاربة الإرهاب». هذا، وأثّرت عملية اغتيال علوش كثيرا في قوى المعارضة السورية، خاصة، أنّه أحد الأطراف الرئيسيين الممثلين في «مؤتمر الرياض». وحول اغتياله قال محمد فاروق طيفور، نائب المراقب العام لـ«الإخوان المسلمين» في سوريا وعضو «الهيئة العليا التفاوضية»، إن «الروس المحتلين والغزاة يسعون لتخريب كل شيء ونسف مسار الحل السياسي الذي انطلق بجهود جبارة بذلتها السعودية لتشكيل كيان معارض موحد»، وأوضح أنه كان من المفترض بـ«الهيئة» أن تكون في اجتماعات حاليًا مع مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا للتحضير للمفاوضات التي نص عليها القرار الأخير للأمم المتحدة «إلا أن إصرار روسيا على استبدال العملية السياسية بالعمل العسكري، يهدد بالإطاحة بكل الجهود السابقة».
وأضاف طيفور في حديث لـ«الشرق الأوسط» حول آخر المستجدات «حتى الساعة لا مواعيد محددة للمفاوضات مع النظام، علما بأنه لا يمكن أن نجلس على الطاولة للبحث بالمرحلة الانتقالية قبل أن يُظهر الطرف المقابل قليلاً من حسن النية بإيقاف أعماله الإجرامية». وأوضح أن الهيئة العليا اختارت 34 اسما على أن يصار منها إلى انتقاء الوفد المفاوض بعدما يحدد دي ميستورا العدد النهائي لأعضاء هذا الوفد. وأردف «أولا يجب أن نجلس مع المبعوث الدولي لأن هناك قضايا كثيرة يجب استيضاحها قبل الانطلاق في المفاوضات المنشودة».
بدوره، أكّد منذر ماخوس، سفير «الائتلاف السوري المعارض» في باريس والناطق الرسمي باسم «الهيئة العليا للتفاوض» في تصريح أدلى به إلى «الشرق الأوسط» أن «كل شيء بات مرتبًا بالنسبة لوفد المعارضة إلى المفاوضات، لكن لن يتم الإعلان عن الأسماء المشاركة إلا في الوقت المناسب». وشدد ماخوس على أن «الآلية الدولية المعتمدة واضحة وهي تقول: إن المعارضة تشكل وفدها والنظام يشكل وفده، وليس بإمكان أي من الطرفين أن يضع (فيتو) على أي اسم في لائحة الطرف الآخر»، لكنه كشف عن أنّه «كان لدى ميستورا والروس بعض التحفظات على أسماء محددة، وكانوا يريدون إضافة بعض الأسماء أو إجراء بعض التعديلات، لكننا لن نسمح لهم بذلك». وتابع ماخوس أن «المعارضة لن تقبل بالترقيع»، معتبرًا أن «الحديث عن حكومة وحدة وطنية هي مقاربة خاطئة جدًا، فهناك ثورة شعب تريد تغيير كل الواقع، وبشار الأسد كان لديه 15 سنة للتغيير، لكن لم يحقق أي شيء، والطبعات الجديدة التي ابتدعها من تعديل للدستور وغيره كانت أسوأ من السابقة».
ومن جهته، قال أديب الشيشكلي عضو «مؤتمر الرياض» وممثل الائتلاف في مجلس التعاون الخليجي، إن «النظام السوري وأصدقاءه يسعون لممارسة الضغوط على المعارضة واستفزازها للانسحاب من المفاوضات ونسفها»، معتبرا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن اغتيال قائد «جيش الإسلام» يعد «طعنة في ظهر المعارضة باعتباره أحد الأعضاء الأساسيين الممثلين في مؤتمر الرياض، وهو وافق على بيان الرياض الذي تحدث عن دولة سورية مدنية، كما أظهر مرونة لم يتوقعها أحد خلال المؤتمر».
أخيرًا، حيال فرص نجاح التسوية، يبدي رياض قهوجي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إنيغما)، تشاؤمه حيال إتمام تسوية سياسية حقيقية في ظل التطورات المتسارعة في الميدان السوري، ويرى أن «الحديث عن مسار سياسي لم ينضج بعد كفاية، خاصة أن المحور الروسي الإيراني لا يزال مقتنعا بأنّه يستطيع أن يضغط على محور التحالف لتقديم تنازلات». وتابع قهوجي في حوار مع «الشرق الأوسط» حول هذا الجانب: «أما هذا المحور فيعوّل على متغيّرات بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية وفوز الجمهوريين، ولذلك يحاول الإبقاء على أماكن وجوده في الميدان السوري ولن يقدم على تقديم أي تنازل يُذكر». ويرجح قهوجي أنّه «في حال التوصل لأي اتفاق من أي نوع سواء كان في جنيف أو سواها سيظل مجرد اتفاق صوري غير قابل للتطبيق».
يُذكر أنّه في 19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وللمرة الأولى خلال نحو خمس سنوات من الأزمة السورية، اعتمد أعضاء مجلس الأمن الدولي الـ15 بالإجماع، بمن فيهم روسيا، قرارا يضع خريطة طريق لحل سياسي في سوريا. إلا أن المعارضة السورية اعتبرت القرار منقوصا لأنه لم يشتمل على مقررات «مؤتمر جنيف1»، لا سيما في موضوع مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد.
وينص القرار الدولي الرقم «2254» على أن مجلس الأمن «يدعم وقف إطلاق النار على كامل الأراضي السورية»، ويدخل حيز النفاذ ما إن تتخذ السلطة والمعارضة «الخطوات الأولى باتجاه عملية انتقال سياسي». ويؤكد القرار أن وقف إطلاق النار «لن ينطبق على الأعمال الهجومية أو الدفاعية» ضد التنظيمات المتطرفة على غرار «جبهة النصرة» وتنظيم داعش. ويتضمن القرار تشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر وإجراء انتخابات في غضون 18 شهرًا.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».