عشاق الشيخ مصطفى إسماعيل يتجمعون في رحابه بساقية الصاوي

احتفالاً بالذكرى الـ37 لرحيل «رئيس دولة التلاوة»

عشاق الشيخ مصطفى إسماعيل يتجمعون في رحابه بساقية الصاوي
TT

عشاق الشيخ مصطفى إسماعيل يتجمعون في رحابه بساقية الصاوي

عشاق الشيخ مصطفى إسماعيل يتجمعون في رحابه بساقية الصاوي

تعالت آهات وعبارات الإعجاب في ساقية الصاوي المطلة على نيل القاهرة أمس (الجمعة)، حيث أحيا عشاق وسميعة القارئ الشيخ مصطفى إسماعيل ذكرى وفاته السابعة والثلاثين التي تحل اليوم، وهو تقليد دأبت أسرة الشيخ الراحل على القيام به منذ عدة سنوات.
ويعد الشيخ مصطفى إسماعيل المولود في 7 يونيو (حزيران) 1905 بقرية ميت غزال بمدينة طنطا (شمال القاهرة) ورحل 26 ديسمبر (كانون الأول) 1978، أحد أعمدة التلاوة في العصر الحديث، وهو من الرعيل الأول للقراء المصريين بالإذاعة، وسجل المصحف الشريف كاملا بصوته، مرتلا ومجودا، بالإضافة إلى ما يزيد عن ألف تسجيل خارجي في مساجد ومناسبات في كثير من المحافظات المصرية، وأيضا في كثير من دول العربية والإسلامية.
وينتظر سميعة القارئ مصطفى إسماعيل احتفالية كل عام للاستماع إلى أحدث الكنوز الصوتية للشيخ الراحل والتي تناثرت بين أسرته، ومحبيه واتحاد الإذاعة والتلفيزيون المصري، وشهد الاحتفال الذي أعده وقدمه علاء حسني، حفيد مصطفى إسماعيل، عرضا لتحليل أستاذ الأصوات والنغم العراقي إبراهيم سالم لصوت القارئ الكبير والمقامات الموسيقية التي كان يستخدمها في تلاوة القرآن الكريم، وذلك خلال استضافته بأحد البرامج التلفزيونية.
وقال سالم إن مصطفى إسماعيل «ظاهرة في عالم الأصوات والمقامات، ملك العقول والقلوب»، فقد استطاع جمع ميزات كل من سبقوه في دولة التلاوة أمثال الشيخ محمد رفعت والشيخ محمد الصيفي وعبد الفتاح الشعشاعي، مشيرا إلى أن الشيخ الراحل تمكن من تحديث التلاوات المجودة عبر موهبته وقدراته في الإمساك بالمقام الموسيقي من أوله لآخره، دون أن يخل به أو يخرج عنه، فكان محل إعجاب المتخصصين بالموسيقى قبل الجمهور العادي.
ويتابع «مصطفى إسماعيل لم يكن مجرد قارئ وإنما هو معلم، يعلم مستمعيه كيف تقرأ المقامات، فكأنه يقول هكذا يكون العجم وهكذا يكون الحجاز والرست..إلخ»، ويضيف «تميز مصطفى إسماعيل بصوت غني وعُرب فريدة، ولو كان مغنيا أوبراليا لكان الأول في العالم بلا منازع».
وحضر الحفل عدد من أفراد أسرة الشيخ الراحل، وكذلك تلميذه القارئ الطبيب أحمد نعينع، والذي ورث عرشه قارئا للرؤساء المصريين منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، حيث سار على دربه، شأنه شأن كثيرين فضلوا مدرسة الشيخ مصطفى إسماعيل في التلاوة دون غيرها.
كما شهد الاحتفال عرض صور جديدة للشيخ مصطفى إسماعيل، وكلمات لبعض محبيه ومن عاصروه واستمعوا منه مباشرة، وكان لافتا تنوع أعمار الحضور بين كبار السن والشباب الصغير ومتوسطي العمر، فقد جذب القارئ الراحل بتفرده وروعته الجميع، ليكون الاحتفال أشبه بالحفلات التي كان يحيها مصطفى إسماعيل لعقود.
ويرجع الفضل بشكل كبير في تنامي عدد محبي وسمعية مصطفى إسماعيل والسميعة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يتجمع في صفحات كثيرة عليها، عشرات الآلاف من عشاقه، يتبادلون التسجيلات النادرة، ويحللون أحيانا صوت الشيخ الراحل، وهم ليسوا مصريين فقط، وإنما من دول عربية مختلفة.
وأطلقت كثير من الألقاب على الشيخ مصطفى إسماعيل، ولعل أبرزها «قارئ الملوك والرؤساء»، حيث كان يقرأ بالقصر الملكي في مصر منذ أربعينات القرن الماضي، وبعد ثورة يوليو (تموز) 1952 واصل القراءة في حضرة رؤساء الجمهورية والاحتفالات الرسمية. كما لُقب أيضا بأنه «رئيس دولة التلاوة»، وذلك لأنه أتى بما لم يأت به أحد من قبله في قراءة القرآن الكريم، وكذا لم يتكرر رغم كثرة المقلدين ومن يقرؤون على مدرسته.
وكان صوت الشيخ الراحل هو نجم الاحتفال الأول، حيث تم عرض كثير من تسجيلاته النادرة، وعلى رأسها تسجيل مصور يقرأ فيه من قصار السور والذي أذاعه التلفزيون المصري في رمضان الماضي، وكذا تسجيلات نادرة متنوعة من سور آل عمران والنجم والقمر والمائدة.



معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)
يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)
TT

معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)
يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)

ما إنْ تدخُل معرض «المجهول» للفنان التشكيلي المصري أحمد مناويشي، حتى تستوقفك وجوه لوحاته، بريشة حرّة تستكشف ملامحَ وأحداثاً غامضة. أعماله تبحث عن مشاعر عميقة وعلامات استفهام تحضّك على التحليل وفكّ الألغاز.

ينقسم معرض مناويشي في غاليري «آرت ديستريكت» بمنطقة الجميزة البيروتية إلى قسمين، من بينها ما يروي حكايات أشخاص اختبأت مشاعرهم تحت الأقنعة الواقية من جائحة «كورونا»، وأخرى رسمها حديثاً لمَن عاشوا الحرب الأخيرة في لبنان.

مع هذا المعرض، يستعيد غاليري «آرت ديستريكت» عافيته. فالحرب منعته قسرياً من إقامة نشاطات ثقافية. ومن خلال «المجهول»، يعلن صاحبه المصوّر الشهير ماهر عطّار انطلاق الموسم الفنّي في الغاليري.

الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)

في الجزء الأول من مجموعة أحمد منشاوي، تصطفُّ سلسلة لوحات صغيرة، تصوِّر جميعها وجوهاً يعتريها القلق. فالفنان المصري لفتته ملامح الإنسانية في زمن «كورونا». كان يرى الإنسان يمشي مرتدياً القناع خوفاً من الإصابة بالعدوى. وهو ما حضَّه، خلال إقامته في بروكسل، على تخيّل ملامحه الأصلية. وفي 30 لوحة يئنُّ أصحابها تحت وطأة أحاسيسهم، يُترجم أفكاره. مجموعة من النساء والرجال تصرخ بصمت، فتُخرج غضبها وقلقها وحزنها عابسةً في معظم الوقت.

تقنيته المرتكزة على الأكليريك تتدخَّل فيها أحياناً أنامل الفنان بعيداً عن ريشته (الشرق الأوسط)

يوضح مناويشي لـ«الشرق الأوسط»: «بدأتِ التجربة عندما كنتُ في بروكسل عام 2021. كانت مفاعيل الجائحة لا تزال تسيطر على حياتنا. جميعنا اعتقدنا بأنّ هذه الحقبة أبدية، كأنَّ سوادها لا حدود له. فرحتُ أتخيّل الناس الذين أراهم كأنهم خلعوا أقنعة الوقاية ورسموها. جميعهم كانوا مجهولين بالنسبة إليّ، ولا تربطني بهم أي علاقة. عندما عدتُ إلى لبنان، انتابتني الأحاسيس عينها. كانت الحرب محتدمة، وكان الناس قلقين، لا يعرفون مصيرهم. فرأيتُ بوضوح المجهول الذين يتخبَّطون فيه. حالة الترقب هذه حرّضت ريشتي على التحرُّك من جديد. ومن خلال تلك الحالتين، تناولتُ موضوع (المجهول)، إنْ من ناحية المشاعر أو المصير».

الإحساس بالتأرجُح في طريق لا رؤية واضحة لنهايتها، يُترجمه أحمد مناويشي. ويعترف من خلال ريشته بأنّ الانتظار مخيف، فكيف إذا كانت الأجواء التي يعيشها الناس غامضة؟

تحمل وجوه لوحات مناويشي أسئلة مختلفة تتعلّق بقلق المصير (الشرق الأوسط)

في واحدة من لوحاته، يشير إلى شخصيات مجموعة «أنونيموس» العاملة في مجال «النضال» عبر الاختراق البرمجي. راجت أعمالها المثيرة للجدل عام 2003، فمثَّلت مفهوماً لمستخدمي الإنترنت المجهولين. حينها، عَبَروا من العالم الواقعي إلى الوهمي في أعمال تتعارض مع الرقابة. اخترقوا مواقع حكومية عدّة، وأنظمة كومبيوتر أهم شركات الحماية. وولَّدوا «بلبلة» على أصعدة مختلفة، وهم يرتدون أقنعة تُعرَف بـ«جاي فوكس».

يتابع الرسام المصري: «قناع (الأنونيموس) كان الأشهر في القرن الحالي، فرغبتُ بالربط بينه وبين عنوان معرضي، لتُولد هذه اللوحة الوحيدة عن تلك المجموعة. مبدأ هؤلاء يرتكز على الثورة ورفض حُكم الدولة العميقة والسلطات العليا».

لم يعنون مناويشي لوحاته بأسماء معيّنة، فتركها مجهولةً. يقول: «رغبتُ في أن يسمّيها ناظرها كما يشتهي. أرنو إلى هذا التفاعل المباشر بين المُشاهد واللوحة». وهو يميل إلى المدرسة التعبيرية في الفنّ التشكيلي: «أحبُّ حالة الحركة في لمسات اللوحة وموضوعها، وأرغب في التواصل معها القائم على الشعور بأنها حيّة، فلا تكون باهتة تمرّ من دون تَرْك أثرها على ناظرها. لذلك، تسير ريشتي بشكل غير مُنتظم باحثةً عن نَفَس لا ينقطع؛ ومرات تتدخَّل أناملي مباشرة، فأبتعدُ عن ريشتي لتخرُج أعمالي من رتابتها، وتكسر تلك القدرة على التحكُّم التقليدي بمشاعر مُشاهدها».

تؤلّف الألوان التي يستعملها مناويشي حالةً بذاتها. فهو جريء باختيارها زاهيةً مرّات؛ ودافئة أخرى. يُحدِث زوبعة بألوان تبدو ثائرة، فتُعبّر عن الظلم والقلق والعنف: «مشاعر الإنسانية لا يمكن حصرها في بوتقة واحدة. وهذه الألوان تعبّر عن المشهدية المدفونة في أعماقنا، فتُبرز التنوّع في أحاسيس تنتابنا وفيها كلّ الاحتمالات. وهنا يأتي دور المتلقّي الذي يرى اللوحة من وُجهة نظره، ويُلاقي ما يمثّل تفكيره ومشاعره في أحد هذه الألوان».

ينقسم «المجهول» إلى قسمين من الأعمال التعبيرية (الشرق الأوسط)

في قسم لوحات الحرب، تأخُذ أعمال الرسام أحمد مناويشي منحى آخر، فيكبُر حجمها بشكل ملحوظ لتضع تفاصيل الوجه تحت المجهر. يعلّق: «هذه المساحات الكبيرة تزوّدنا بفرصة للتوضيح بشكل أفضل. فالعبور من زمن (كورونا) إلى زمن الحرب، كان لا بدَّ أن يحمل التطوّر. واعتمدتُ هذا التغيير؛ لئلا أقع في التكرار والتشابُه».

وأنت تتجوَّل بين أقسام معرض «المجهول»، تستوقفك ملامح وجه رجل حائر، ووجه امرأة تنظر إلى الغد بعتب. وأحياناً تلمس صلابة وجه آخر على شفير هاوية. وفي أخرى، تحملك ملامح رجل تلقّى صفعات الحياة بعينين حزينتين. لكنَّ جميع الشخصيات لا تبدو مستسلمة لقدرها، كأنها تقول: «وماذا بعد؟» على طريقتها.

يبرُز العنصر الأنثوي بوضوح في مجموعة «المجهول». وهنا كان لا بدَّ للرسام التشكيلي أن يعترف: «النساء لا يعرفن إخفاء أحاسيسهن ببراعة. مشاعرهن تخرج بقوة. لذلك نكتشفها بصورة أسهل من تلك الموجودة عند الرجل. فالأخير يحاول أن يُظهر صموداً تجاه مشاعره. ويفضّل ألا تُقرأ بسهولة».

يؤكد أحمد مناويشي أنه لا يحبّ تقييد نفسه بأسلوب رسم واحد. ويختم: «أفضّل التنويع دائماً، وعدم طَبْع لوحاتي بهوية واحدة كما يحبّ بعضهم. أُشبّه نفسي بروائي يؤلّف القصص ليستمتع بها القارئ، فلا يكرّر نفسه أو يقدّم ما يتشابه. ما أنجزه اليوم في عالم فنّ (البورتريه)، لم أقاربه مِن قبل. هو نافذة للتعبير. وهذا الاختلاف في الأسلوب يُحفزّني على دخول مدارس فنّية مختلفة. ما يهمّني هو تقديمي للناس أعمالاً يستمتعون بها فتولّد عندهم حبَّ الاكتشاف».