مسلحون يغتالون قياديًا حوثيًا في جنوب صنعاء.. والميليشيات تتكتم

مقتل 13 من المتمردين بمواجهات في نهم.. وصالح يستدعي عناصر «متشددة»

يمنيان يعاينان الدمار الذي لحق بمخزن للأغذية في العاصمة صنعاء تعرض للقصف أثناء المعارك بين قوات المقاومة وميليشيا المتمردين (أ.ب)
يمنيان يعاينان الدمار الذي لحق بمخزن للأغذية في العاصمة صنعاء تعرض للقصف أثناء المعارك بين قوات المقاومة وميليشيا المتمردين (أ.ب)
TT

مسلحون يغتالون قياديًا حوثيًا في جنوب صنعاء.. والميليشيات تتكتم

يمنيان يعاينان الدمار الذي لحق بمخزن للأغذية في العاصمة صنعاء تعرض للقصف أثناء المعارك بين قوات المقاومة وميليشيا المتمردين (أ.ب)
يمنيان يعاينان الدمار الذي لحق بمخزن للأغذية في العاصمة صنعاء تعرض للقصف أثناء المعارك بين قوات المقاومة وميليشيا المتمردين (أ.ب)

سجلت، أمس، أولى حالات الاختراق الأمني الواضحة في صنعاء، منذ أشهر، حيث اغتال مسلحون مجهولون القيادي الحوثي عبد الرحمن الحاكم، أحد أقرباء أبو علي الحاكم، القائد العسكري الميداني للمتمردين الحوثيين، وذلك بإطلاق النار عليه في حي الأصبحي بجنوب العاصمة صنعاء، وتشير المعلومات إلى أن الحاكم يعد قائد لجبهة المتمردين الحوثيين في منطقة الربوعة على حدود اليمن مع السعودية، وإلى أنه قتل في كمين محكم في صنعاء مع 4 من مرافقيه.
وفي حين لم تتبنَ أية جهة مسؤولية العملية، فقد تكتمت الميليشيات الحوثية على حادثة الاغتيال، التي تعد نوعية وتشير إلى أن المرحلة المقبلة سوف تشهد تطورات أمنية وعسكرية.
ومنذ أن بدأت عملية «عاصفة الحزم» بقيادة السعودية لمناصرة الرئيس عبد ربه منصور هادي، تخفت القيادات الحوثية والقيادات الموالية للمخلوع صالح في العاصمة صنعاء، وذكرت مصادر «الشرق الأوسط» أن أغلبية القيادات الحوثية لا تستخدم الهواتف العادية بقسميها الثابت والجوال، وتستخدم شبكة اتصالات خاصة، وفرتها إحدى الشركات الحكومية، وهي الشبكة ذاتها التي كان يستخدمها المتمردون في محافظة صعدة، خلال السنوات الماضية، إضافة إلى استخدامها، أيضا، من قبل القوات الحكومية، إبان الحروب الست التي دارت بين الحكومة في صنعاء والمتمردين في صعدة.
وبدأت الأوضاع السياسية والأمنية في العاصمة اليمنية صنعاء، التي يحتلها تحالف الانقلاب على الشرعية في اليمن (الحوثي - صالح)، تأخذ منعطفات جديدة، مع اقتراب قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من العاصمة صنعاء، حيث تتحدث المصادر عن ارتباك أمني يسود أجهزة الحوثيين وصالح في العاصمة، خاصة في ظل حالة الاحتقان التي ولدتها تصرفات المتمردين وميليشياتهم ضد المواطنين من نهب وسلب وانتهاكات لحقوقهم.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة في صنعاء أن الجهاز الأمني للانقلابيين يعاني التراخي وعدم الانضباط لجملة من الأسباب، أبرزها أن معظم قيادات وكفاءات الأجهزة الأمنية الموجودة في صنعاء، جرى تهميشها ومضايقتها أو ملاحقتها واعتقالها، وأنها اندمجت في إطار الميليشيات وأصبحت جزءا من عمليات الفساد والنهب المنظم وغير المنظم لموارد الدولة وممتلكات المواطنين، إضافة إلى انعدام ثقة الحوثيين في كل من يعملون معهم، وخلافاتهم المتواصلة مع الموالين للمخلوع علي عبد الله صالح، جميعها أسباب، تقول المصادر إنها جعلت من الوضع الأمني هشا في صنعاء.
وعزز المتمردون، إجراءات الأمن في صنعاء بعد أن اقتربت قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من تخوم محافظة صنعاء وباتت على بعد نحو 40 كيلوا مترا عن العاصمة (شمال شرق)، وتمثلت تلك الإجراءات في نشر المزيد من الآليات والمدرعات والدبابات في عدد من مداخل العاصمة وأمام المواقع والمنشآت الحيوية، وذلك بالتزامن مع المزيد من عمليات الاعتقالات وإجراءات التعسف بحق النشطاء السياسيين وكافة من يعتقد أنه من المناوئين للانقلاب.
وقالت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن الكثير من مشايخ القبائل والضباط في أجهزة الأمن والقوات الموالية للمخلوع علي عبد الله صالح، بدأوا في تشكيل تكتلات ضد المخلوع، وذلك بعد أن بات «منبطحا» للحوثيين، بحسب وصف المصادر، وعميلا لدولة أجنبية وهي إيران، وكذا قبوله بشن حرب على دول الجوار وتحويل اليمن إلى مركز للإضرار بأمن ومصالح المحيط الخليجي وكل الدول الإقليمية.
وفي التطورات الميدانية، في شمال شرقي صنعاء، قالت مصادر قبلية لـ«الشرق الأوسط» إن مواجهات شهدتها منطقة وادي نهم، أمس وليل أول من أمس، أسفرت عن مقتل 13 مسلحا حوثيا، وإن المقاومة الشعبية في المنطقة تمكنت من صد هجوم كبير عبر منطقة بني حشيش، وتذكر المعلومات أن المخلوع دفع بهذه المجاميع الكبيرة، في محاولة لاستعادة السيطرة على الجهة الشرقية من جبل صلب الذي سقط، قبل أيام في يد المقاومة.
من جهته، أكد القيادي عبد الكريم ثعيل، عضو المجلس الأعلى للمقاومة في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، أن تحضيرات قيادة المجلس الأعلى مستمرة لإنجاح عملية تحرير العاصمة، وقال إن المعارك تدور في محيط فرضة نهم شمال شرقي صنعاء وحتى صرواح جنوب شرقي صنعاء، وإن قوات المقاومة والجيش تتقدم 10 كيلومترات من مفرق الجوف مأرب باتجاه الجوف وتسيطر على نقطتين آخرها على أبواب الصفراء معقل الحوثيين في الجوف، مشيرا إلى أن المقاومة في صنعاء والمحافظات المجاورة والمحيطة تتصاعد، وإلى أن مقاومة ذمار تصد اعتداءات الحوثيين وميليشيات المخلوع التي لم تلتزم بالهدنة منذ يومها الأول، مؤكدا أنه «من الطبيعي أن مقاومة ذمار وقوات الجيش هناك ستحرر المحافظة وتسهم من جهة الجنوب في تحرير العاصمة صنعاء حيث تعتبر محافظة ذمار من المحافظات بمحافظها وسلطتها المحلية وقبائلها من المؤيدين للشرعية والرافضين للانقلاب والمتضررين من جرائمه».
وأضاف القيادي في المقاومة بصنعاء أن مقاومة الجوف تؤكد قيادتها أنها ستسهم في تحرير محافظة صعدة كونها محاذية لها وتتلقى القذائف منها ليل نهار من قبل الحوثيين وأتباع المخلوع علي عبد الله صالح.
على صعيد آخر، وبعد فترة هدوء نسبية في هذا الجانب، عادت مجددا عمليات النزوح من العاصمة صنعاء باتجاه المحافظات الأخرى والمناطق والقرى البعيدة عن المواجهات. وقال شهود عيان في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن الكثير من الأسر والعائلات غادرت صنعاء، هذا الأسبوع، بطريقة غير مباشرة، حيث اضطرت بعض العائلات إلى نقل احتياجاتها الرئيسية وتوزيعها على عدة حمولات متواضعة، كي لا تكون لافتة للنظر، خشية أن تمنع الميليشيات المواطنين من مغادرة صنعاء ومنع مشاهدة قوافل مغادرة العاصمة، وكذا بسبب التعرض للنهب والسلب من قبل الميليشيات التي باتت تنهب كل ما يخص المواطنين تحت مسميات مختلفة.
وقال سكان في الأحياء الشمالية للعاصمة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن معظم المباني باتت شبه فارغة، بعد مغادرة ساكنيها على وقع الأنباء المتواترة عن قرب قوات الشرعية والمقاومة من العاصمة، وذكر السكان أن الكثير من جيرانهم غادروا خشية أن تشهد صنعاء معارك دامية أثناء تحريرها، وأن البعض غادر إثر اعتداءات الميليشيات على المنازل وحرماتها ومصادرة الممتلكات الخاصة والمقتنيات وصور العائلات وكافة ما يقع تحت أيديهم من أجهزة الكومبيوتر والهواتف وغيرها، سواء للنساء أو الرجال.
على صعيد آخر، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة في صنعاء أن عددا من القيادات التي تسمى «جهادية» ومن المشاركين في القتال في أفغانستان، إبان الغزو السوفياتي الذين كانوا في صفوف تنظيم القاعدة إلى جانب أسامة بن لادن، توجد هذه الأيام في صنعاء، بعد استدعائها من قبل المخلوع علي صالح، وأشارت إلى أن الكثير من هذه الأسماء (تحتفظ بها «الشرق الأوسط»)، يعتبرها الحوثيون «دواعش» وتكفيريين.
وفي حين خلق وجود هذه العناصر في صنعاء علامات استفهام كثيرة، فإن المصادر لم تفصح عن أسباب استدعائها، خاصة في ظل المعلومات التي تؤكد ارتباط التنظيمات المتطرفة في جنوب اليمن بالمخلوع صالح ومده لها بالمال والسلاح وبتسليم مناطق كاملة ومعسكرات كانت توجد فيها قوات موالية له في الجنوب.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.