نيوزيلندا

نيوزيلندا
TT

نيوزيلندا

نيوزيلندا

أكتب هذا المقال من نيوزيلندا، البلد الواقع في أقصى الجزء الجنوبي من الكرة الأرضيّة في جنوب غربي المحيط الهادي على مسافة تقارب 1600 كيلومتر شرق أستراليا.
هي واحدة من الدول الحديثة، بل هي من آخر الدول التي اكتشفها الرحالة واستوطنوها، وأصبحت جزءا من العالم الجديد. وصلها أولا الماوري، السكان الأصليون في نيوزيلندا، قبل أكثر من ألف عام مضى، على متن زوارق من جنوب شرقي المحيط الهادي. بعد ذلك اكتشفها الأوروبيون في عام 1642 من قبل المستكشف الهولندي إيب تازمان، ولكن بعد أن اكتشفها الرحالة البريطاني جيمس كوك بدأ زحف الاستعمار البريطاني إليها، وارتفعت نسبة المهاجرين البريطانيين وبعض الأوروبيين، وأصبح الماوري حاليا يشكلون نحو 15 في المائة من السكان.
لذلك، فهذه الأرض الخلابة فائقة الجمال لا تملك تاريخا تفاخر به، ولا تدعي أنها أصل البشرية أو مبتكرة الأبجدية أو أم الحضارات، وليست لها صلة بشريعة حمورابي ولا أهرامات الجيزة، لكنها الدولة الأكثر تميزا على سطح الكرة الأرضيّة، خاصة في مجال التنمية البشرية وإسعاد الناس.
قبل شهور أصدرت إحدى الهيئات التابعة للأمم المتحدة في نيويورك تقريرًا لأكثر شعوب العالم سعادة على وجه الأرض لعام 2015، وشملت معايير اختيار هذه الدول: معدل الدخل القومي للفرد، بالإضافة إلى الحصول على أعلى معدل للرعاية الصحية، وحرية الرأي والتعبير وانخفاض معدل الفساد، فكانت نيوزيلندا من قائمة الدول العشر لأكثر الشعوب سعادة، وقد صنفتها دراسات أخرى في رأس قائمة مؤشر السلام العالمي، والدولة الأقل فسادا في العالم، وهي تتصدر قائمة الدول الأكثر شفافية.
النيوزيلنديون بشوشون ويظهرون ترحيبا بزائريهم، وتبدو عليهم مظاهر السعادة، وبلادهم مترفة بالجمال، ولا يعانون من أي اكتظاظ سكاني، ومع ذلك فدخل الفرد ليس عاليا بالقياس مع شعوب أخرى أقل منهم سعادة، حيث يقدر الناتج القومي بنحو 188 مليار دولار، ويبلغ نصيب الفرد نحو 42 ألف دولار. وتُعد نيوزيلندا من أوائل بلدان العالم التي تطور نظاما وطنيا للرفاه، ويعد نظام الفوائد العائلي النيوزيلندي الأكثر كرما بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن هذا الدخل المرتفع نسبيا لم يمنع الدولة من تطوير برامج التنمية المستدامة. وتمتلك نيوزيلندا كبرى بحيرات العالم، كما تحتضن سهولها ثروة حيوانية تشكل عَصب الاقتصاد المحلي، لكن توزيع نسب الدخل لا يعطي أولوية لمصدر وَاحِد من قوى الإنتاج، مع وجود برامج مكثفة لترشيد الاستهلاك خاصة في مجال الطاقة.
أما التعليم فيشكل أحد روافد التنمية، فنيوزيلندا تعتمد نظاما تعليميا متطورا مكنها من حجز موقعها عالميا بين أهم الدول التي تعتمد على اقتصاد المعرفة. وبحسب كتاب «تعلومهم» لوزير التعليم السعودي السابق الدكتور عزام الدخيل، فإن نيوزيلندا تتموضع بين الدول العشر الأولى في مجال التعليم. وصنّف تقرير «بيرسون» عن التعليم في 2012 نظامَ التعليم في نيوزيلندا في المرتبة الثامنة على مستوى العالم في المعرفة والتحصيل العلمي بعد هولندا. وجاءت نيوزيلندا في المرتبة 17 عالميا في مجال الإبداع، بحسب تقرير الإبداع العالمي الصادر عن «إنسياد» لإدارة الأعمال عام 2013. وقد انعكس تطور التعليم في نيوزيلندا على تطورها وتقدمها اقتصاديا، فنالت المرتبة 18 عالميا من حيث القدرة التنافسية الاقتصادية لعام 2013 - 2014.
ولعل كلمة السر في تطور نيوزيلندا هي التسامح والحداثة، فهذا البلد الذي بدأ متأخرا وظف طاقاته الاقتصادية والفكرية في بناء دولة حديثة قائمة على التآخي، وتعتمد نظاما ديمقراطيا ومنهجا يقوم على الحداثة. هنا نموذج لدولة متقدمة بلا تاريخ، في عالم يغوص عميقا في التاريخ ولا يملك شمعة نحو المستقبل.



«الأقلمة» و«العبور»... كتابان جديدان لنادية هناوي

«الأقلمة» و«العبور»... كتابان جديدان لنادية هناوي
TT

«الأقلمة» و«العبور»... كتابان جديدان لنادية هناوي

«الأقلمة» و«العبور»... كتابان جديدان لنادية هناوي

عن مؤسسة أبجد للنشر والترجمة والتوزيع صدر حديثاً كتاب «أقلمة سرد الحيوان» للدكتورة نادية هناوي ويأتي استكمالاً لمشروعها في «الأقلمة السردية»، وكانت قد بدأته بكتابها «أقلمة المرويات التراثية» وأتبعته بكتابين هما «الأقلمة السردية من العصور الوسطى حتى القرن التاسع عشر» و«الأقلمة السردية: مخابرها الغربية - مناشئها الشرقية».

ويدور كتاب «أقلمة سرد الحيوان» في إطار النظرية السردية وما يجري في العالم من تطور في مجال دراسات الأقلمة، بغية الإفادة منها في دراسة تراث السرد العربي بكل ما فيه من نظم وتقاليد وأساليب وتقنيات، ترسيخاً لدوره التأصيلي في السرد الحديث والمعاصر، وتدليلاً على عالميته التي ترى المؤلفة أنها قد «حجبت بستر التبعية، بكل ما في الاتباع من تقريع الذات ودفن قابلياتها والتشكيك في قدراتها».

ويدخل هذا النوع من الدراسات في إطار نزعة ما بعد الإنسان التي ساهم بعض المفكرين والنقاد في تعزيزها. وممن تناولهم الكتاب بالدراسة الفيلسوف جاك دريدا بمقالته «الحيوان الذي أكون» وفيها رأى أن الحيوان يملك وجوداً متجانساً ومتناغماً مثلنا، وأن الملايين من الكائنات الأخرى تتطلب منا أن نبدأ في التعامل معها بجدية. واستعاد دريدا ما قاله ميشال دي مونتيني (1533 - 1592) حين كتب اعتذاراً إلى ريموند سيبوند، متسائلاً عن علاقته بقطته. فالقطة كيان حقيقي وتحديقها فيه تأمل وله معنى. أما جان فرنسوا ليوتار فطرح أسئلة كثيرة حول علم الأجناس وما هو غير إنساني وتساءل: «ماذا لو كان البشر بذاك الإدراك الحسي الإنساني في عملية إكراهية لتحويلهم إلى غير البشر؟ ماذا لو كان ما نعرف أنه مناسب للبشر قد أصبح ملائماً لغير البشر؟». ومن جهته افترض فرانسيس فوكوياما في كتابه «مستقبلنا ما بعد البشري» أن الإنسان في أصل تكوينه حيوان ثقافي، ومن المستحيل أن نتحدث عن حقوق الإنسان، وبالتالي عن العدالة والسياسة والفضيلة بصورة أكثر عمومية من دون أن يكون لدينا مفهوم ما عن ماهية البشر كنوع حي. فالبشر أحرار في صوغ سلوكياتهم الخاصة لأنهم حيوانات ثقافية قادرة على تعديل الذات، ومثلما أن الحيوانات تتصارع من أجل البقاء والاعتراف بالغلبة فكذلك البشر يتصارعون.

وتؤكد المؤلفة أن تبني المدرسة الأنجلوأميركية لنزعة ما بعد الإنسان، هو الذي وسّع مدارات علوم السرد ما بعد الكلاسيكية باتجاهات بشرية وغير بشرية، ويعد علم سرد الحيوان واحداً من تلك العلوم المستجدة وميداناً بحثياً يُختبر فيه كل ما هو نظري وإجرائي له صلة بعلاقة الإنسان بالحيوان من جهة ويتقارب أو يتداخل من جهة أخرى مع ميادين علمية أخرى، لعل أهمها علم البيئة من ناحية ما للإنسان من دور رئيس في دمار الطبيعة وتهديد نظامها الإحيائي النباتي والحيواني. ويساهم في ذلك كله ظهور جمعيات ومنظمات تدافع عن البيئة وتدعو إلى الرفق بالحيوان.

في السياق نفسه، صدر حديثاً عن المؤسسة نفسها كتاب آخر للدكتورة نادية هناوي بعنوان «العبور الأجناسي: الأشكال - الأنواع - القضايا»، ويعد الكتاب السادس فيما بحثته المؤلفة في هذه النظرية من قضايا وتفريعات بعد كتبها «نحو نظرية عابرة للأجناس» 2019 و«الطائر المكدود في البحث عن اليقين المفقود لعبد الرحمن طهمازي» 2021 و«غاليانو صياد الكلام والعبور الأجناسي» 2022 و«قصيدة النثر العابرة في مطولات الشاعر منصف الوهايبي» 2024 و«السونيت في شعر حسب الشيخ جعفر» 2023.