محاولة أخرى لحرق عائلة فلسطينية تزامنت مع اعتراف أحدهم بحرق الدوابشة

مظاهرات كبيرة لمساندة الإرهابيين اليهود ومطالب بمنع احتفالات الميلاد

المنزل الذي تعرض لمحاولة الحرق أمس وقد كتب الإرهابيون على جداره عبارات تتوعد بالانتقام (أ.ب)
المنزل الذي تعرض لمحاولة الحرق أمس وقد كتب الإرهابيون على جداره عبارات تتوعد بالانتقام (أ.ب)
TT

محاولة أخرى لحرق عائلة فلسطينية تزامنت مع اعتراف أحدهم بحرق الدوابشة

المنزل الذي تعرض لمحاولة الحرق أمس وقد كتب الإرهابيون على جداره عبارات تتوعد بالانتقام (أ.ب)
المنزل الذي تعرض لمحاولة الحرق أمس وقد كتب الإرهابيون على جداره عبارات تتوعد بالانتقام (أ.ب)

في الوقت الذي كشفت فيه المخابرات الإسرائيلية (الشاباك)، أن أحد الإرهابيين اليهود اعترف بارتكاب جريمة حرق عائلة دوابشة الفلسطينية وقام بتمثيل الجريمة، أقدم إسرائيليون يعتقد بأنهم يهود، فجر أمس، على إلقاء قنبلتي غاز داخل منزل أسرة فلسطينية في قرية بيتللو قرب رام الله، أثناء وجود رضيع (9 أشهر) ووالديه فيه. وقد نجت العائلة بأعجوبة من مصير عائلة دوابشة، إذ أحست الأم بالدخان ونهضت على عجل وأيقظت زوجها، وفروا من البيت مع ابنهم الرضيع قبل أن تندلع النيران في المنزل.
وقد أدت الجريمة إلى إصابة العائلة بحالات اختناق بسيطة، بمن فيهم الرضيع. وكتب المعتدون شعارات عنصرية على جدار المنزل باللغة العبرية، جاء فيها «انتقام، تحية من معتقلي تسيون»، في إشارة إلى اليهود المعتقلين إداريا في قضية حرق عائلة الدوابشة في قرية دوما، قبل أربعة أشهر. وأكد صاحب المنزل، حسين النجار، أن الجريمة نفذت في الساعات الأولى من الفجر، حيث كسر الإرهابيون اليهود زجاج أحد النوافذ، وألقوا بقنابل الغاز داخل المنزل. ولفت إلى أن أهالي بيتللو يواجهون اعتداءات المستوطنين بشكل دائم. وقال رئيس مجلس محلي بيتللو، هشام البزاز، إن منفذي الاعتداء قدموا من ناحية مستوطنة «نحلئيل» المقامة على أراضي القرية، مؤكدا أن العائلة، وخصوصا الرضيع، نجوا بأعجوبة بعد أن انتشر الدخان بكثافة داخل المنزل.
وقالت مصادر فلسطينية، إن عشر عمليات مشابهة لإحراق عائلات فلسطينية وأفرادها نيام، تمت منذ إحراق عائلة دوابشة.
وكان المحامي والناشط اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، الذي يدافع عن أحد المجرمين في قضية دوما، قد أعلن في مؤتمر صحافي في مدينة بيتاح تكفا، قرب تل أبيب، أن المتهم المركزي في الجريمة الإرهابية، اعترف تحت التعذيب، وأعاد تمثل الجريمة. وادعى بن غفير، أن محققي «الشاباك» تمكنوا من كسر موكله، بعد التهديد بالاعتداء الجنسي عليه ومنعه من النوم لفترة طويلة، والمساس بالقيم الدينية الخاصة به.
وعلى صلة بذلك، أكد شهود عيان من قرية دوما، قضاء نابلس، يوم أول من أمس، أن أعدادًا ضخمة من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك)، اقتحمت البلدة فجرًا، وتوجهت نحو منزل عائلة الدوابشة المنكوب. وقال شهود العيان، إن الجيش جلب معه ثلاثة مستوطنين، قاموا بإعادة تمثيل الجريمة، وجرى منع أهالي البلدة من الاقتراب من منزل الدوابشة. وبعد إعادة تمثيل الجريمة، انسحب الجيش من طريق ترابي محاذٍ للمنزل، الذي شهد جريمة حرق منزل عائلة الدوابشة، في نهاية يوليو (تموز) الماضي.
ولوحظ أن قوى اليمين المتطرف، مسنودة بعدد من الوزراء والنواب في البرلمان الإسرائيلي، يصعدون من الضغوط على الحكومة، ويهددون بالانتقام من الفلسطينيين، ومن كل إسرائيلي يعمل ضدهم، على كشف منفذي الجريمة الرهيبة في دوما. فقد فرضت إدارة المحاكم في إسرائيل، أمس، حراسة على منزل القاضي ايرز نوريئيلي، من محكمة الصلح في بيتح تكفا، الذي ينظر في ملفات المعتقلين بقضية القتل الثلاثي في دوما، وذلك في أعقاب التهديد الذي نشر ضده على الشبكة. وتظاهر نشطاء اليمين أمام منزل القاضي في رأس العين، الليلة قبل الماضية، واحتجوا على قراره تمديد اعتقال أحد المشبوهين في الأسبوع الماضي، على الرغم من ادعاءاته بأنه تعرض للتعذيب خلال التحقيق. وأعلنت إدارة المحاكم أنها تنظر بعين الخطورة إلى التصريحات التي تهدد القضاة.
وفي السياق دعا رئيس حركة «لهباه» بنتسي غوفشتاين، إلى منع احتفالات عيد الميلاد في إسرائيل، ووصف المسيحيين بأنهم «مصاصو دماء»، وقال أنه يجب طردهم من البلاد. وفي أعقاب ذلك، توجهت تنظيمات مناهضة للعنصرية إلى النيابة والشرطة، وطالبت بفتح تحقيق ضده بشبهة التحريض على العنف والمس بالمشاعر الدينية. وكان غوفشتاين قد نشر مقالته في الموقع المتدين «كوكر»، تحت عنوان «لنجتث مصاصي الدماء». وكتب فيه إنه «لا يوجد مكان لعيد الميلاد في الأرض المقدسة، ويجب عدم السماح بموطئ قدم هنا للتبشيرية (المسيحية). لنطرد مصاصي الدماء من بلادنا قبل أن يمتصوا دمنا مرة أخرى. لقد شبعنا منهم بما يكفي».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.