روحاني ينتقد الهيمنة الحكومية على وسائل الإعلام

طالب بانفتاح الأجواء وتوفير الفرصة للكتَّاب وأصحاب الرأي للتعبير عن الحقائق

روحاني ينتقد الهيمنة الحكومية على وسائل الإعلام
TT

روحاني ينتقد الهيمنة الحكومية على وسائل الإعلام

روحاني ينتقد الهيمنة الحكومية على وسائل الإعلام

نقلت وسائل الإعلام الإيرانية عن الرئيس الإيراني حسن روحاني في حفل ختام المهرجان العشرين للصحافة المطبوعة في إيران أمس أن «تكميم الأفواه، ومنع الكتاب من الكتابة، يؤديان إلى زعزعة الثقة العامة في المجتمع وتوجه الرأي العام إلى وسائل التواصل التي توفرها الدول الأخرى». وانتقد روحاني الهيمنة الحكومية على معظم وسائل الإعلام، وطالب بالسماح للقطاع الخاص بالدخول في قطاع الإعلام، ومنح المثقفين وأصحاب الرأي مسؤولية إدارة القطاع الثقافي. تظهر هذه التصريحات التباين الحاد في وجهة نظر روحاني وتلك التي يتبناها مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله خامنئي الذي أكد خلال تصريحات أدلى بها منذ أيام على ضرورة الإشراف الحكومي على القطاع الثقافي وانتقد السياسات التي يعتمدها روحاني بهذا الشأن.
وأثارت القضايا الثقافية، وتعزيز الدور الحكومي في التوجه الثقافي خلال الأسابيع الماضية انتقادات معارضي الحكومة الإيرانية، وحتى وجه مرشد الجمهورية الإسلامية ملاحظات إلى حكومة روحاني. وأطلق روحاني خلال حملته الرئاسية قبيل الانتخابات الرئاسية وعودا باعتماد نهج الاعتدال، والتخفيف من حدة الإشراف الحكومي على القطاع الثقافي.
وقال مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله خامنئي خلال تصريحات أدلى بها يوم 6 مارس (آذار): «يتعين على الحكومة المحترمة ضرورة الاهتمام بالشؤون الثقافية، وكذلك على المسؤولين الانتباه إلى تصرفاتهم؛ لأن المسائل الثقافية لا تتحمل المزاح واللامبالاة». ويتولى مرشد الجمهورية الإسلامية مسؤولية صيانة أحكام الشريعة التابعة للمذهب الشيعي، وتمنح القوانين الإيرانية الصلاحيات للمرشد بمطالبة الحكومة أو مؤسسات حكومية أخرى بالحفاظ على هذه الأحكام.
وطالب روحاني خلال تصريحاته في حفل ختام المهرجان العشرين للصحافة المطبوعة في إيران بانفتاح الأجواء، وتوفير الفرصة للكتاب وأصحاب الرأي للتعبير عن الحقائق للشعب. وأضاف: «إذا تمتعت دولة ما بحرية التعبير، والفكر، وحرية تداول المعلومات فإنها ستحقق التطور وتبلغ مكانة رفيعة. يلتزم كل مجتمع بمجموعة من المعايير، والقيم، والمقدسات التي يتعين على الجميع احترامها».
وتابع: «يؤدي عدم التزام وسائل الإعلام بهذه المعايير إلى تضاؤل دورها في التواصل مع المجتمع والشعب. يجب على الجميع احترام المقدسات الدينية، والقيم الثقافية، والوطنية، والقومية».
وانتقد الرئيس الإيراني اعتماد الأساليب البوليسية لحلحلة القضايا الثقافية وقال: «إذا كانت الأساليب البوليسية قادرة على الخروج بحل للمسائل الثقافية، فلماذا ما زلنا نشعر بالقلق حيال الثقافة السائدة في المجتمع؟!».
وتساءل روحاني: «لماذا لم نتمكن وبعد مرور 35 سنة على قيام الثورة في 1979 من فعل شيء حيال الظروف الثقافية في المجتمع يكون محل تأييد وجهاء الثورة (في إشارة إلى مرشد الجمهورية الإسلامية، وعدد من المرجعيات الدينية المقربة من المرشد)؟ ما المشكلة بالضبط؟ إذا كانت الأساليب البوليسية وممارسة الضغوط قادرة على حلحلة المشاكل الثقافية، فلماذا ما زلنا وبعد كل هذه السنوات نشعر بالقلق من الثقافة المجتمعية؟».
وأشار روحاني إلى أن وزارة الثقافة والسلطة التنفيذية تملكان جزءا بسيطا من الميزانية المخصصة للقطاع الثقافي، وتساءل: «ما حجم المسائل الثقافية التي تتولى وزارة الثقافة مسؤولية الإشراف عليها؟ وكم تبلغ الميزانية المخصصة للقطاع الثقافي الحكومي؟ ما الجهة التي تتولى مسؤولية الإشراف على القطاع الثقافي في الوقت الراهن؟ تبلغ الميزانية المخصصة لمؤسسات أخرى في القطاع الثقافي أضعاف نظيرتها الحكومية».
وأكد روحاني أن الكمية وتقديم الإحصاءات بشأن الإنتاج الثقافي لا تكتسب أهمية مقارنة بكيفية الإجراءات الثقافية وتأثيرها على المجتمع، وقال: «لا يعدّ الاهتمام بمجرد تقديم إحصاءات بشأن عدد الكتب المنتشرة، وعدد طبعات الكتب، ثقافة. فأين ذهب تأثير كل هذه الكتب في المجتمع؟ أين ذهبت الاستثمارات في القطاع الثقافي؟ إذا كان التأثير إيجابيا فلماذا يشعر الجميع في الوقت الحاضر بالقلق والاستياء؟ يجب اللجوء إلى حل آخر واعتماد طريق آخر». وتابع روحاني في تصريحاته في حفل ختام المهرجان العشرين للصحافة المطبوعة في إيران أن «المجتمع الإيراني يواجه الفقر، الفقر اقتصاديا، وثقافيا، ويعاني من غياب الأخلاقيات، والاعتدال، في حين ينتشر في المجتمع الإفراط الذي يفرض علينا العزلة والانغلاق، والتفريط الذي يدعو إلى تجاهل هويتنا الإسلامية والإيرانية». وأضاف روحاني الذي يتولى رئاسة المجلس الأعلى للثورة الثقافية في إيران: «قد ترتكب الصحف أو وسائل الإعلام أخطاء صغيرة أو جسيمة، ولكن لماذا نلجأ إلى إغلاقها الذي يؤدي إلى تسريح كل الموظفين الذين يعملون في أجزائها المختلفة؟».
وتساءل روحاني: «لماذا يتمتع بعض الأفراد بحرية في حين يخضع عدد آخر للاعتقال؟ يتمتع وسوف يتمتع منتقدو الحكومة ومعارضوها بالحرية والأمن في حرية النقد، خاصة النقد البنَّاء الذي سيشكل مصدر فخر للحكومة».
وطالب روحاني بمساهمة فعالة للصحافيين ووسائل الإعلام في مكافحة الفساد والريعية في البلاد. وقال: «يجب أن تطلع وسائل الإعلام وليس رئيس الجمهورية فقط على قائمة الأشخاص المتورطين في قضايا الفساد وتقوم بنشر هذه القائمة لتمهد الطريق لإجراء محاكمات وإنزال عقوبات بحقهم من جهة، ولتحد من نشاطات أخرى قد يعتزم الآخرون القيام بها من خلال البث الإعلامي وفضحهم علنا».
وقال الدكتور حميد رضا جلايي بور الأستاذ الجامعي في فرع علم الاجتماع بكلية الصحافة في طهران ومدير صحيفتين إصلاحيتين جرى توقيفهما في فترة رئاسة الرئيس الأسبق محمد خاتمي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أمس (السبت) حول تصريحات روحاني: «يتحدث الكثير من الأساتذة الجامعيين في علوم التواصل والإعلاميين منذ سنوات عن ضرورة عدم اللجوء إلى التوقيف كحل للمشكلة، بل إن التوقيف هو الخيار الأخير. ولكننا لم نلاحظ بتاتا تطبيقا لهذه الأقوال على أرض الواقع».
وأضاف جلايي بور: «يبعث التفاعل الحكومي مع قضية إيقاف الصحف، والاهتمام بحرية التعبير، الأمل في النفوس، غير أن الحكومة لا تملك صلاحية إيقاف الصحف أو منع إيقافها. السلطة القضائية، وسائر الدوائر الأمنية تتولى المسؤولية في هذه الشؤون الثقافية، ويجب إقناعها بالإذعان لتلك (التصريحات الصادرة عن روحاني)».
وشهدت إيران خلال الأسبوعين الأخيرين إغلاق صحيفتين محسوبتين على الحكومة؛ إذ قال روحاني بهذا الشأن: «تعتقد الحكومة أن سياسة التوقيف والإغلاق تمثل الحل الأخير وليس الأول».



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».