ليبي يروي لـ «الشرق الأوسط» قصة شقيقه المراهق و«داعش»

أيوب في أحد الفيديوهات بعد دخوله سوريا
أيوب في أحد الفيديوهات بعد دخوله سوريا
TT

ليبي يروي لـ «الشرق الأوسط» قصة شقيقه المراهق و«داعش»

أيوب في أحد الفيديوهات بعد دخوله سوريا
أيوب في أحد الفيديوهات بعد دخوله سوريا

كانت رحلة مشوبة بالتوتر والصمت باتجاه الحدود. جلس محمد في مقعده وعيناه متعلقتان بهاتفه، بينما تنطلق السيارة بسرعة كبيرة خلف صف طويل من الشاحنات المتوقفة. صارت هذه الرحلة مألوفة، ودائما ما تكون حُبلى بالتوقعات. وفي نهاية الرحلة، دخل السائق بالسيارة إلى موقف بدا مزدحما عن آخره بالسيارات رغم أن الساعة كانت تشير إلى التاسعة مساء يوم الأحد، حيث كان المعبر الحدودي ما زال مغلقا منذ عدة أيام. وفي المقهى الأخير الذي ارتاده في تركيا، كان الشخص الذي اتصل بمحمد جالسا في انتظاره.
غير أن هذه الرحلات كانت دائما ما تفضي إلى نفس النتائج. وبعد دقيقتين، عاد محمد إلى السيارة وهو يطلق تنهيدة تنم عن خيبة أمل، ثم قال «ليس هو شقيقي أيوب»، ثم حل عليه مرة أخرى صمت مطبق طوال الرحلة.
كان محمد قد قضى بالفعل أربعة أسابيع في مدينة كلس التركية (تقع على الحدود مباشرة مع سوريا) يجري مكالمات هاتفية، متعقبا، ذهابا وإيابا إلى الحدود، الأشخاص الذين يتصل بهم لمساعدته في مطاردة يائسة لشقيقه «أيوب»، الذي ما زال في سن المراهقة. كان محمد يحمل بين جوانبه مشاعر عارمة بالمسؤولية تجاه شقيقه، ويشعر بأنه المسؤول عن فقدانه.
قبل ثلاث سنوات، حارب محمد، ومن حينها صار بطلا في عيون شقيقه الشاب. والآن، يسير أيوب، الذي يبلغ من العمر خمسة عشر عاما فقط، على خطى محمد. يقول محمد «كان يقول لي في بعض الأحيان (أريد أن أصبح مثلك، أريد أن أفعل مثلما فعلت أنت)».
لم يفكر أبدا محمد أن شقيقه أيوب سيضع هذه الأفكار موضع التنفيذ، لكنه تلقى اتصالا هاتفيا من والدته في أواخر ديسمبر (كانون الأول) تقول فيه إن أيوب اختفى. اتصل ابنها المراهق، الذي لم يكن لديه وثائق سفر أو أي مبلغ من المال، حينما كانت طائرته على وشك الإقلاع، ليخبر عائلته أنه في طريقه إلى سوريا، وأنه ذاهب للانخراط في القتال الدائر هناك. وبعد يوم واحد، صعد محمد على متن طائرة أخرى على أمل اللحاق بشقيقه في تركيا قبل أن يعبر الحدود إلى سوريا. لكنه وصل متأخرا جدا، فقد خطط أيوب جيدا لرحلته، حيث كان قد عبر الحدود بالفعل عندما وصل محمد إلى كلس.
دخل أيوب سوريا وهناك انضم إلى أحد معسكرات التدريب التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). وبقي محمد عند الحدود التركية مشغولا في البحث عن أي أدلة تقوده إلى أين يوجد وماذا يفعل شقيقه أيوب.
كان محمد يتصور أن العثور على أيوب قريب المنال، فقد علم بأنه موجود في حلب أو الباب أو أعزاز أو أي من المدن الواقعة في شمال سوريا، التي عُرفت بسوء السمعة خلال الحرب الدائرة هناك. غير أن المشكلة تكمن في أن أيوب لم ينضم إلى المعارضة السورية، بل انضم إلى تنظيم داعش، ذلك التنظيم المتطرف الإرهابي الذي يروع أجزاء كبيرة من مناطق سوريا الشمالية التي تسيطر عليها المعارضة، في محاولة لإقامة ما يسميه بالخلافة الإسلامية في ظل فراغ السلطة الذي خلفه نظام الأسد وراءه.
كان محمد يعرف أنه لا يستطيع دخول مناطق النزاع بسهولة للبحث عن شقيقه. يقول محمد «حتى لو عرفت أين هو، فلا يمكنني انتشاله من هناك لأنني لو سألت عنه، فهناك احتمال 80 في المائة أن يقتلوني، لأنهم سيعتقدون أنني أريد إخراجه من الإسلام».
بعد وقت قصير من وصوله إلى كلس، تناهى إلى مسامع محمد قصة تحذيرية عن رجل من السودان جاء للبحث عن ابنه، الذي تبدو قصته مماثلة تماما لقصة أيوب، حيث انضم ابن ذلك الرجل السوداني إلى إحدى مجموعات تنظيم داعش في بلدة أعزاز السورية التي تبعد بضعة أميال فقط عن الحدودي. وذهب والده للبحث عنه، لكن الرجل لم يعد. يقول محمد «لقد أطلقوا عليه النار، ومات الرجل. لقد قتلوه لأنه كان يبحث عن ابنه».
تنتشر الشائعات والقيل والقال في مدينة كلس كانتشار النار في الهشيم: وربما تكون قصة الرجل السوداني مجرد واحدة من تلك الأساطير التي تُروى في زمن الحروب. تبدو تلك المدينة، التي تمثل نقطة النهاية لكل من يأتي للبحث عن مفقود، وكأنها جزء من الغرب الأميركي. تعج الفنادق الرخيصة بالصحافيين والمتطرفين والانتهازيين، الذين يكسبون قوتهم من الحروب، مثل المهربين وتجار الأسلحة والذين يعملون في مجال المساعدات الإنسانية. جميعهم يتبادلون الأحاديث والقصص في الحانات والمقاهي، وهم من يختلقون تلك القصص شبه الحقيقية عن مقتل هذا الشخص أو ذاك. ثم تصل تلك القصة بعد فترة إلى آذان الأشخاص من أمثال محمد، الذين جاءوا إلى تلك المدينة مكرهين ثم تُركوا ليشقوا طريقهم خلال ذلك الجنون. يقول محمد «عندما يقول شخص ما إنه سينقذك من الغرق، تشعر ساعتها أنك ستخرج من المياه».
لكن محمد يجد نفسه يواصل الغرق من دون أن يجد طوق نجاة، فكلما أخبره أحدهم أنه سيساعده في العثور على شقيقه أيوب، رجع محمد بخفي حنين. ويسعى الكثير من أولئك إلى الحصول على المال مقابل تقديم خدمات لمحمد.
في غرفة فندقية مبهرجة يغلب عليها اللونان الأحمر والذهبي بشكل زاعق، جلس محمد يدخن السجائر الليبية الواحدة تلو الأخرى من دون توقف بينما يسحب بعض الصور من على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. يحاول تنظيم داعش فرض آيديولوجية تعود للقرون الوسطى، لكن على طريقة القرن الحادي والعشرين من خلال استغلال مواقع التواصل الاجتماعي: تويتر وفيسبوك وإنستغرام. وجد محمد على مواقع التواصل الاجتماعي واسع الانتشار صورة لأيوب، صبي بملامح طفل يحمل بيديه بندقية كلاشنكوف. ويظهر أيوب في الصورة مرتديا جلبابا كاكيا وسترة مموهة.
ولم يستطع محمد تحديد اللحظة التي تبدل فيها عقل شقيقه أيوب، لكنه كان على يقين أن ذلك التحول حدث بالفعل. ومنذ دخوله سوريا، أرسل المراهق إلى شقيقه رسائل عدوانية، يخبره فيه أنه لن يعود، وأنه سوف يقتله إذا رآه. خلال الأسابيع القليلة، التي قضاها أيوب في سوريا، استطاع تنظيم داعش تحويل عقله سهل التشكيل من خلال إخضاعه لأفكار متطرفة.
وفي رسائله لشقيقه، قال أيوب لمحمد، وهو شاب متدين، إنه لا يعتبره مسلما بحق. لقد استطاع أمراء داعش طبع بصماتهم سريعا وحشر نسختهم الفاسدة عن الإيمان في عقل أيوب.
ولكن محمد كان واثقا من أنه يعرف كيف جرى تجنيد شقيقه أيوب. وبالعودة إلى مدينة الخمس الليبية، كان هناك رجل أفضى بما عنده من أسرار حالما ألقي القبض عليه. كان ذلك الرجل أحد أعضاء تنظيم داعش، الذين تولوا مهمة تجنيد الشباب العطشى للقتال من خلال تسهيل حصولهم على جوازات السفر وتذاكر الطائرة، ومن ثم إرسالهم إلى سوريا حيث يبدأ هناك تلقينهم الأفكار الجديدة. عندما أُلقي القبض على ذلك الرجل، كان بصحبته ثمانية صبية جميعهم في نفس عمر أيوب، وكانوا يهمون بالسفر إلى سوريا. يقول محمد عن تلك الحادثة «لقد استطعنا على الأقل وقف ذلك الرجل عن إرسال أولئك الصبية». لكن الأوان كان قد فات بالنسبة لشقيقه.
لقد أصبحت ليبيا أرضا خصبة لتجنيد المتطرفين. فالحكومة المركزية الضعيفة لا تستطيع السيطرة على شرق البلاد. أما بنغازي ودرنة، فتسيطر عليهما جماعة إسلامية متشددة تدعى أنصار الشريعة، تهرب الأسلحة وتدرب المقاتلين الجهاديين من دون أن تتعرض لأي نوع من أنواع العقاب. ولكن حتى في مدن مثل الخمس، التي تبعد مسافة ساعة فقط بالسيارة من العاصمة طرابلس، فقد خلفت الثورة الليبية وراءها وفرة من الأسلحة وجيلا من الشباب المتعطشين لخوض الحروب.
كان أيوب يبلغ من العمر اثني عشر عاما فقط عندما كان يشاهد شقيقيه الأكبر سنا يقاتلان خلال ثورة بلاده التي كانت تسير على طريقة أفلام هوليوود. كان أيوب بالغا بما فيه الكفاية ليفهم ما الذي يجري في ليبيا، لكنه كان صغيرا جدا على المشاركة في الأحداث، وكان أقصى ما يمكن أن يفعله هو أن يشاهد بكثير من الحسد صبية يكبرونه بأعوام قليلة يرتدون الزي الكاكي ويتحولون من لا شيء إلى أبطال في غضون أشهر قليلة. لم يحضر أيوب ثورة يمكنه القتال فيها، ولكن تبقى هناك دائما سوريا - إحدى حالات الربيع العربي التي تحولت إلى كابوس من السخط، ثم تحولت بعد ذلك إلى مكان لا تحكمه أي قواعد أو قوانين، حيث يستطيع أي شاب من أي مكان يشعر بالملل أن يذهب إلى هناك حتى يحول ألعاب الفيديو القتالية، التي كان يلهو بها في يوم من الأيام، إلى حقيقة واقعة.
بعد بضعة أيام، عاد محمد إلى ليبيا، بعد أن فشلت محاولاته في البحث عن شقيقه أيوب. عاد محمد على أمل أن يكون شقيقه قد جرى اعتقاله من قبل إحدى كتائب الثوار الأكثر اعتدالا. ولكن في تلك الليلة في المقهى، الذي يقع على الحدود، تبددت آماله بسرعة وبقسوة. فقد بعث له أحد الذين اتصلوا به لمساعدته في البحث عن أيوب، صورة شاب ليبي كان محتجزا في سجن إحدى الكتائب، لكنه لم يكن أيوب. ما الذي يمكن أن يفعله في كلس إذن، إلا أن يجلس للاستماع إلى الشائعات، ويأمل في أن يجد ما هو أفضل؟
وبعد عودته إلى ليبيا، بدأ محمد في التفكير في كل ما فعله منذ ثلاث سنوات. إنه يلوم نفسه لأنه لعب دورا في صنع سلسلة يبدو أنها لن تكون لها نهاية الآن. يقول محمد «إنه خطؤنا، بدأنا هذه الثورة ولم نكملها. لقد حولت أطفالنا إلى بنادق، حتى إنهم عندما يسمعون أن هناك قتالا في مكان ما، يبتسمون ويرغبون في الاشتراك فيه. الآن، لا يستطيع العالم أن يفعل أي شيء».



مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
TT

مصر تؤكد رفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية

وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال لقاء مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط في الإمارات (الخارجية المصرية)

أكدت مصر «موقفها الثابت والرافض للمساس بسيادة لبنان ووحدة وسلامه أراضيه، فضلاً عن دعم المؤسسات الوطنية للاضطلاع الكامل بمسؤولياتها في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان». وشددت على «ضرورة منع التصعيد واحتوائه، ورفض أي انتهاك للسيادة اللبنانية».

جاء ذلك خلال لقاء وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط، كلير لوجندر، على هامش «منتدى صير بنى ياس» في الإمارات، السبت.

وثمن عبد العاطي العلاقات الاستراتيجية بين مصر وفرنسا، معرباً عن التطلع لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وزيادة الاستثمارات الفرنسية في مصر، فضلاً عن تعزيز التعاون في مختلف المجالات وفى مقدمتها قطاعات الصناعة والنقل والسياحة والثقافة والتعليم. كما رحب بقرب انعقاد الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي بين وزارتي الخارجية المصرية والفرنسية.

وفيما يتعلق بتطورات القضية الفلسطينية، رحب وزير الخارجية المصري بالموقف الفرنسي الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، مبرزاً الجهود التي تقوم بها مصر لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وأكد «ضرورة تضافر الجهود الدولية لضمان تنفيذ قرار مجلس الأمن 2803 وسرعة تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة للاضطلاع بمسؤوليتها ومهامها».

ونوه عبد العاطي بأهمية المضي في خطوات تشكيل لجنة التكنوقراط الفلسطينية لإدارة قطاع غزة. ولفت إلى أهمية ضمان نفاذ المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق إلى قطاع غزة في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية، مشدداً على أهمية خلق الأفق السياسي للتوصل إلى تسوية عادلة ومستدامة للقضية الفلسطينية من خلال تنفيذ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

الشيخ عبد الله بن زايد خلال لقاء وزير الخارجية المصري في الإمارات (الخارجية المصرية)

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، السبت، تم التطرق خلال اللقاء إلى الأوضاع في السودان، حيث أطلع الوزير عبد العاطي المسؤولة الفرنسية على الجهود المصرية في إطار الرباعية بهدف تحقيق وقف إطلاق النار بما يسمح بإطلاق عملية سياسية سودانية شاملة، مؤكداً على ثوابت الموقف المصري بشأن حماية سيادة السودان، ووحدة وسلامة أراضيه، ورفض التقسيم، ودعم مؤسسات الدولة. وشدد على ضرورة توحيد الجهود الإقليمية والدولية لدفع مسار التهدئة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار ونفاذ المساعدات الإنسانية. كما حرص وزير الخارجية على إطلاع المسئولة الفرنسية على نتائج زيارته الأخيرة للبنان.

وقال وزير الخارجية المصري خلال زيارته إلى العاصمة اللبنانية بيروت، الشهر الماضي، إن بلاده تنظر إلى لبنان بعدّه ركناً أساسياً في منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي، مؤكداً على أن صون سيادته واستقلال قراره الوطني يظلان أولوية ثابتة في السياسة الخارجية المصرية.

في سياق آخر، التقى عبد العاطي، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، مساء السبت. وتناول اللقاء آفاق تعزيز العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الشقيقين والبناء على ما تشهده من زخم إيجابي في مختلف المجالات، في ضوء ما يجمع القيادتين والشعبين من روابط راسخة وشراكة استراتيجية.

وبحسب «الخارجية المصرية»، السبت، تبادل الجانبان الرؤى حول عدد من القضايا والملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأوضاع في الضفة الغربية وتنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام في قطاع غزة، فضلاً عن تطورات الأوضاع في السودان والتنسيق القائم في إطار الرباعية، والأوضاع في اليمن وسوريا وليبيا. واتفق الوزيران على «أهمية مواصلة التنسيق والتشاور لدعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وتعزيز العمل العربي المشترك».


«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
TT

«قوة استقرار غزة»... اجتماع مرتقب بالدوحة لسد الفجوات

أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)
أحد عناصر «حماس» يحرس منطقة يبحثون فيها عن جثث الرهائن بمساعدة اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» في غزة (أ.ف.ب)

تستضيف العاصمة القطرية، الدوحة، اجتماعاً عسكرياً، الثلاثاء، لبحث «تشكيل قوة الاستقرار» في قطاع غزة التي تنص عليها خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام، التي دخلت حيز التنفيذ 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولاقت دعماً من مجلس الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت.

ذلك الاجتماع المرتقب يأتي وسط ضبابية بشأن مستقبل تلك القوات وتعثر الانتقال للمرحلة الثانية، ويراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» محاولة لسد فجوات، منها مهام تعترض عليها فصائل فلسطينية مرتبطة بالوجود داخل القطاع أو نزع السلاح، بخلاف وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة دول بينها تركيا، وسط تباين بشأن قدرة الاجتماع على تقديم حلول ناجزة، في ظل عدم اتفاق سياسي على الانتقال للمرحلة الثانية، وترقب نتائج لقاء ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أواخر هذا الشهر.

وتوقع مسؤولون أميركيون نشر هذه القوات مطلع العام المقبل، بعد بحث التفاصيل خلال اجتماع للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة عدد من الدول، في العاصمة القطرية، الدوحة، الثلاثاء، وفق ما أوردت وكالة «رويترز».

وقال مسؤولان أميركيان للوكالة، أخيراً، إنه من المتوقع أن ترسل أكثر من 25 دولة ممثلين عنها للمشاركة في الاجتماع الذي «سيتضمن جلسات لمناقشة هيكل القيادة، وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة»، لافتين إلى أن «قوة الاستقرار الدولية لن تقاتل حركة (حماس)، وأن دولاً كثيرة أبدت رغبتها في المساهمة فيها».

ونقل موقع «أكسيوس»، الجمعة، أن مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، الذي زار إسرائيل أخيراً، أبلغ نتنياهو ومسؤولين آخرين بأن إدارة ترمب ستتولى قيادة ما تُعرف باسم «قوة الاستقرار الدولية» وستعين جنرالاً قائداً لها.

ويعطي قرار تبناه مجلس الأمن الدولي في 17 نوفمبر الماضي تفويضاً «لمجلس سلام» في غزة والدول التي تتعاون معه، من أجل تأسيس «قوة استقرار دولية» مؤقتة في القطاع.

وسبق أن تحدثت القناة الـ«14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر الماضي، بأن الولايات المتحدة الأميركية حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة لإمكانية تأجيله مجدداً.

صبيَّان يحتميان من المطر وهما جالسان على عربة يجرُّها حمار في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

رئيس «المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية»، العميد سمير راغب، يرى أن اجتماع الدوحة سيركز على «سد الفجوات» مثل عدم تعيين قائد للقوة، رغم أن التسريبات تشير إلى أنه أميركي، فلا مهام محددة بشأن القوة حتى الآن، كما أنه لم يتم تشكيل «مجلس السلام» الذي صدر له التفويض الأممي بتشكيل القوة، بجانب وجود «فيتو إسرائيلي» على مشاركة تركيا، وهذا يعرقل مسار تحديد الدول، بخلاف عدم حسم قضايا سياسية مرتبطة بنزع السلاح.

وأشار إلى أن حديث انتشار القوات بداية العام يكون صحيحاً إذا كنا قد عرفنا الآن مهام وتسليح القوات، وباتت تتجمع هذه الأيام، وبالتالي نحن بصدد ترتيبات ستأخذ ربما شهرين لتحقيق انتشار لو حُسمت الملفات السياسية.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن اجتماع الدوحة بشأن تلك القوات يناقش سد الفجوات «لكنه يشكل إطاراً عاماً للتعايش معها، وليس لحلها»، موضحاً أن الفجوات تتعلق بكيفية الانتشار ومهام القوات، وهل ستنزع سلاح «حماس» وتبدأ الانسحابات. ونبه إلى أن هذا الاجتماع قد يحسم التشكيل والتمويل، و«لا يعني مشاركة 25 دولة فيه أن هناك موافقة على الانخراط في القوة؛ لكن ستتم مناقشة الخطوط الأولية».

منظر عام لمخيَّم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بغزة (أ.ف.ب)

وعلى هامش مشاركته في «منتدى صير بني ياس» بالإمارات، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، السبت: «ضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وأهمية تشكيل قوة الاستقرار الدولية»، وذلك خلال لقاء المدير العام لـ«أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية»، والمنسق الأممي الخاص السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية».

وهذا التأكيد ليس الأول من نوعه من جانب مصر؛ حيث أعلنته أكثر من مرة أخيراً.

وردت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، على الصحافيين أخيراً بشأن تطورات اتفاق غزة، قائلة إن «هناك كثيراً من التخطيط الهادئ الذي يجري خلف الكواليس في الوقت الحالي للمرحلة الثانية من اتفاق السلام... نريد ضمان سلام دائم ومستمر».

وأوضح راغب أن المرحلة الأولى لم تنتهِ بعد، وهناك أمور سياسية لم تُحَل، لافتاً إلى أن «قمة ترمب-نتنياهو» المقررة نهاية هذا الشهر ستكون فاصلة في المرحلة الثانية، وتشكيل القوات، ورفع «الفيتو»، وإنهاء الفجوات.

أما نزال فيرى أن المرحلة الثانية لم تنضج بعد، والهدوء الأميركي في المناقشات محاولة لتفادي الفشل من أي إعلان قد يُحدث ضجة عند أي طرف، في ظل ريبة فلسطينية مما يُعد في الكواليس، متوقعاً أن تزداد مساعي الوسطاء تجاه الانتقال للمرحلة الثانية بأقل تكلفة ومخاطرة، وهذا سيتضح عقب لقاء ترمب بنتنياهو.


حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

حراك سياسي وعسكري مكثف لإنهاء التوترات في شرق اليمن

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي يحرسون مدخل القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

يترقَّب الشارع اليمني أن تُكلَّل الجهود التي تقودها السعودية، بشراكة مع الإمارات، بنزع فتيل التوتر وإنهاء التصعيد في حضرموت والمهرة على خلفية التحركات الأحادية الميدانية التي قام بها المجلس الانتقالي الجنوبي في الأيام الماضية، التي أدت إلى إرباك معسكر الشرعية اليمنية، وسط مخاوف من أن يقود ذلك إلى تبعات اقتصادية وإنسانية وأمنية في ظل تربص الجماعة الحوثية بالمناطق المُحرَّرة.

جاء ذلك غداة حراك سياسي وعسكري مكثَّف في إطار الجهود السعودية - الإماراتية الرامية إلى احتواء التوتر في المحافظات الشرقية، وذلك مع وصول فريق عسكري مشترك إلى عدن، وعقد لقاءات رسمية مع قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، بالتوازي مع لقاءات في حضرموت مع قيادات محلية وقبلية، في مسعى لإعادة تطبيع الأوضاع ومنع انزلاقها إلى مزيد من التصعيد.

وجاءت هذه التحركات في وقت تشهد فيه محافظتا حضرموت والمهرة توتراً متزايداً على خلفية تحركات ميدانية للمجلس الانتقالي الجنوبي، وما أعقبها من مواجهات وأحداث أمنية، دفعت «تحالف دعم الشرعية» إلى تكثيف مساعيه السياسية والعسكرية لفرض التهدئة، والحفاظ على وحدة مؤسسات الدولة في المناطق المُحرَّرة.

الزبيدي استقبل في عدن وفداً عسكرياً سعودياً إماراتياً مشتركاً (سبأ)

في هذا السياق، استقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، وهو رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في القصر الرئاسي بعدن، قيادة القوات المشتركة لـ«تحالف دعم الشرعية»، يتقدمهم اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي، بحضور عضو مجلس القيادة عبد الرحمن المحرمي، ورئيس هيئة التشاور والمصالحة محمد الغيثي، ورئيس اللجنة العسكرية والأمنية المشتركة العليا اللواء هيثم قاسم طاهر.

ووفق مصادر رسمية، ناقش اللقاء سبل توحيد الجهود لمواجهة التحديات التي تهدِّد أمن اليمن والمنطقة، وفي مقدمتها الإرهاب، وتهريب الأسلحة، والتهديدات التي تمس المصالح الدولية وحرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز التنسيق العسكري والأمني بين القوات اليمنية والتحالف.

وأشاد الزُبيدي بالدور الذي تضطلع به دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات، مؤكداً أهمية الشراكة القائمة في دعم القوات اليمنية، بينما أكدت قيادة القوات المشتركة دعمها المستمر للقوات المسلحة اليمنية في مواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في المرحلتين الحالية والمستقبلية.

بيان رئاسي

بالتوازي مع هذه التحركات، جدَّد مصدر مسؤول في مكتب الرئاسة اليمني الإشادة بجهود السعودية لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، وذلك بعد وصول الفريق العسكري السعودي - الإماراتي إلى عدن.

وأوضح المصدر أن الزيارة تأتي ضمن جهود الرياض وأبوظبي لتعزيز وحدة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، ومعالجة تداعيات الإجراءات الأحادية الأخيرة، بما يضمن عودة الأوضاع إلى مسارها الطبيعي، وتمكين السلطات المحلية والحكومة من أداء مهامها وفقاً للدستور والقانون.

وأشار البيان إلى أن المشاورات الجارية تتناول معالجة مسألة القوات المُستقدَمة من خارج المحافظات الشرقية، وسبل مغادرتها، إضافة إلى تمكين مؤسسات الدولة من ممارسة صلاحياتها الحصرية، واحترام المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

مناصرون للمجلس الانتقالي الجنوبي خلال حشد في عدن (أ.ف.ب)

وحذَّر المصدر من أن أي تصعيد إضافي من شأنه تبديد المكاسب المُحقَّقة، وصرف الانتباه بعيداً عن المعركة ضد جماعة الحوثي، وتقويض جهود الإصلاحات الاقتصادية، ومفاقمة الأزمة الإنسانية في البلاد، مؤكداً حرص قيادة الدولة على تغليب الحلول السياسية، ودعم الجهود السعودية - الإماراتية، والعمل الوثيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين.

آليات مرتقبة للحل

أفادت مصادر مطلعة بأن الفريق العسكري السعودي - الإماراتي يبحث وضع آليات تنفيذية لخروج القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من محافظتَي حضرموت والمهرة، وإعادتها إلى مواقعها السابقة، إلى جانب ترتيبات لتسليم بعض المواقع لقوات «درع الوطن»، في إطار إجراءات منسقة تهدف إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد.

كما عقد الوفد السعودي، برئاسة اللواء الدكتور محمد القحطاني، لقاءً موسعاً في حضرموت مع قيادة السلطة المحلية برئاسة المحافظ سالم الخنبشي، وقيادات الكتلة البرلمانية ومجلس الشورى، ومرجعيات قبائل حضرموت، ومشايخ وأعيان الوادي والصحراء.

وأكد المحافظ الخنبشي أن زيارة الوفد السعودي تمثل دعامةً لأواصر الأخوة بين البلدين، مشيداً بمواقف المملكة الداعمة لحضرموت في هذه الظروف، بينما شدَّد رئيس الوفد السعودي على أن اللقاءات تأتي في إطار فرض التهدئة، ورفض أي تشكيلات عسكرية خارج نطاق الدولة، والحفاظ على أمن واستقرار المحافظة.

رئيس الوفد السعودي في حضرموت اللواء محمد القحطاني يلتقي قيادات قبلية ومحلية (سبأ)

وأشادت القيادات البرلمانية والقبلية بالموقف السعودي، عادّةً أن هذه التحركات تمثل تطميناً للمواطنين، وتؤكد الحرص على معالجة تداعيات دخول قوات من خارج المحافظة، والحفاظ على النسيج الاجتماعي.

في المقابل، نعت رئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية عدداً من منتسبي المنطقة العسكرية الأولى، الذين سقطوا خلال مواجهات وصفتها بأنها اعتداءات نفَّذتها مجاميع تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، مشيرةً إلى سقوط 32 قتيلاً و45 جريحاً، إضافة إلى مفقودين، ومؤكدة التزام القوات المسلحة بواجباتها تحت قيادة الدولة ووفقاً للدستور والقانون.

وفي موقف سياسي لافت دعا أحمد علي عبد الله صالح، وهو النجل الأكبر للرئيس اليمني الأسبق، جميع الأطراف اليمنية، إلى وقف التصعيد وضبط النفس، والعودة إلى الحوار، محذِّراً من أن استمرار التوتر في المحافظات الشرقية لا يخدم استقرار البلاد، ولا جهود توحيد الصف في مواجهة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية.