الدرجات العلمية العربية.. أزمة على طاولة الوزراء

خبراء يدعون إلى «هيئات موحدة».. وآخرون يشيرون إلى صعوبة التطبيق

مختصون دعوا إلى تشكيل هيئات عربية موحدة للاختبارات على مستوى الوطن العربي، خصوصا في ظل التقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم
مختصون دعوا إلى تشكيل هيئات عربية موحدة للاختبارات على مستوى الوطن العربي، خصوصا في ظل التقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم
TT

الدرجات العلمية العربية.. أزمة على طاولة الوزراء

مختصون دعوا إلى تشكيل هيئات عربية موحدة للاختبارات على مستوى الوطن العربي، خصوصا في ظل التقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم
مختصون دعوا إلى تشكيل هيئات عربية موحدة للاختبارات على مستوى الوطن العربي، خصوصا في ظل التقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم

رغم مرور الأعوام، تظل قضية عدم الاعتراف المتبادل بالشهادات والدرجات العلمية بين الدول العربية قائمة، مما يمثل عائقًا كبيرًا أمام تحرير قيود العمل والتعليم والتدريس بين دول منطقة الشرق الأوسط، وهي الأزمة التي يعاني من تبعاتها آلاف المواطنين من المشرق العربي إلى مغاربه.
ويلتقي وزراء التعليم العالي العرب غدًا في اجتماع وزراي بمدينة الإسكندرية شمال غربي مصر، وستشهد الاجتماعات التي تستمر خلال الفترة من 22 إلى 26 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، مناقشة الكثير من الملفات، وعلى رأسها بحث آليات الاعتراف بالشهادات الممنوحة من الدول العربية.
وبينما تتمتع دول عربية بكثافة سكانية كبيرة على غرار مصر، تتمتع أخرى بمستوى تعليمي مرتفع للسكان مثل تونس. ورغم عراقة كثير من الجامعات العربية، حتى إن بعضها يعد من أقدم الجامعات على مستوى العالم مثل القرويين في المغرب والزيتونة في تونس والأزهر في مصر، فإن العرب لم يستقروا على مدار سنوات طويلة على معايير موحدة تضمن جودة التعليم العالي أو ما بعد الجامعي، مما جعل قضية الاعتراف المتبادل بالدرجات العلمية قضية مستمرة.
وأوضح الدكتور أشرف الشيحي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري، الأسبوع الماضي، أن الاجتماع الوزاري العربي يهدف إلى الوصول إلى صيغة للاعتراف المتبادل بين الدول العربية بالدرجة العلمية المحددة والشهادات.
ويقول مدحت رامز، وهو طبيب حاصل على درجة الماجستير في تخصص طب الأطفال من جامعة القاهرة المصرية في عام 2005: «سعيت للبحث عن عمل في إحدى دول الخليج العربي، لكنني صدمت بأن شهادتي غير معترف بها.. والمستشفيات في هذه الدولة تطلب إما شهادة البورد الأميركي أو الزمالة البريطانية كشرط للعمل بها. أما البديل المتاح لشهادتي فهو أن أعمل طبيبا عاما وليس متخصصا، أي في الدرجة العملية والوظيفية الأقل»، مشيرا إلى أن تلك المشكلة هي ذاتها التي يعاني منها عشرات من أصدقائه.
ويوضح عدد من الحاصلين على الدرجات العلمية في مصر وبعض الدول العربية أن السبب الرئيسي الذي يدفع دولا أخرى لعدم الاعتراف بهذه الدرجات أو الشهادات هو وجود ضعف في المستوى المهني لعدد من الحاصلين عليها، أو وجود شبهات «مجاملات» في الحصول على تلك الدرجات.
وتعترف مصادر في هيئات تعليمية مصرية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» بوجود أوجه قصور في نسبة من الحاصلين على الدرجات العلمية في مختلف التخصصات، لكنها تؤكد أن تلك النسبة محدودة جدا، وأنه لا يوجد نظام تعليمي حول العالم يخلو من الخلل.
وأوضح عدد من أستاذة الجامعات المصرية، الذين طلبوا عدم تعريفهم استشعارا بالحرج، أن الإمكانات التعليمية والتدريسية في مصر خلال الحقبة التي بدأت من تسعينات القرن الماضي تراجعت بشكل كبير عن فترة الستينات والسبعينات، والتي كانت خلالها الشهادات العليا المصرية والدرجات العلمية من مصر «علامة مسجلة» على جودة المستوى التعليمي والفني.
لكن هؤلاء المختصين أوضحوا أن السنوات الأخيرة بدأت تشهد تحسنا ملموسا في جودة التعليم ومخرجاته. كما دعوا إلى تشكيل هيئات عربية موحدة للاختبارات على مستوى الوطن العربي، خصوصا في ظل التقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم وسهولة الاتصال الذي يتيح عقد لجان اختبار باستخدام تقنيات «الفيديو كونفرانس» على سبيل المثال، مما يجعل الحصول على درجة علمية في إحدى الدول كفيلا بالاعتراف بها في باقي أرجاء الوطن العربي، بل ويعطي هذه الشهادة قوة عالمية لا تقل عن مثيلاتها الغربية.
على الجانب الآخر، يرى آخرون صعوبة تطبيق ذلك لعدة أسباب، أهمها عدم توحيد المناهج التعليمية، فعلى سبيل المثال يدرس طلبة كليات الطب المناهج في بعض الدول باللغة الإنجليزية، بينما يدرس آخرون في دول أخرى باللغة العربية، بل إن ذلك التباين يحدث في جامعات داخل الدولة ذاتها أحيانًا.. مما يجعل توحيد الاختبار النهائي للحصول على الدرجة شبه مستحيل، لأن الطالب لن يستطيع الإجابة عن الأسئلة بلغة لم يدرس بها المسميات أو التركيبات وما شابه.
عائق آخر من وجهة نظر رجال التعليم يكمن في أن الشهادات الصادرة عن عدد من الجامعات الخاصة في بعض الدول العربية ربما لا تجد اعترافا كاملا داخل الدولة ذاتها، مما يعني أنها لن تجد اعترافا إقليميا أو دوليا. وشهدت مصر على سبيل المثال وقائع مماثلة خلال التسعينات ومطلع الألفية في بعض المعاهد التعليمية العليا، قبل أن يتم تسوية وتوفيق أوضاعها لاحقا.
كما أشار بعض من الخبراء أيضًا إلى ما يطلق عليه «شهادة الزمالة العربية» أو «البورد العربي»، التي شهدت تطبيقا في عدد من الدول العربية نهاية التسعينات عقب اتفاقيات عربية موسعة في عدد من التخصصات، لكن عوائق كثيرة واجهت الدرجة العلمية، لدرجة أن عددا من الدول توقفت عن الاعتراف بها، أو انسحبت في صمت من تطبيقها دون الإعلان عن ذلك.
وأكدت مصادر وثيقة الصلة بالملف في مصر لـ«الشرق الأوسط» أن الاجتماع العربي الوزاري المقبل سيشهد مكاشفة على أعلى مستوى لكل العوائق التي تؤدي إلى عدم الاعتراف المتبادل بالشهادات والدرجات العلمية، قائلة إن المصارحة هي أول الطريق الصحيح لإيجاد الحلول. كما أوضحت المصادر أن هناك رغبة عربية أكيدة لحلحلة الملف العالق، وأن الأمل كبير في أن يصدر عن اجتماعات الإسكندرية نتائج في طريق ذلك الهدف.
ومن جانبها، تسعى الجامعات المصرية إلى «رأب الصدوع» التي أصابت جودة التعليم العالي خلال الفترة الماضية، مما جعل الجامعات المصرية تخرج خارج تصنيف أفضل 500 جامعة على مستوى العالم لسنوات طويلة، قبل أن تعود لتدخلها على استحياء خلال العامين الأخيرين.. لكن الجامعات المصرية تشير إلى أنها تبذل جهودا كبيرة من أجل تحسين تصنيفها، عبر تصحيح الثغرات والتواصل مع جهات دولية من أجل تحسين الجودة.
من جهة أخرى، لا تتوقف لقاءات المسؤولين العرب عن التعليم. وأشار وزير التعليم العالي المصري خلال اجتماع أخير مع المجلس الأعلى للجامعات في مصر إلى زيارته الأخيرة إلى دولة الإمارات، لحضور مؤتمر إعلان مؤشر المعرفة الثاني، الذي عقد تحت عنوان «قمة المعرفة 2015 الطريق إلى الابتكار»، الذي يهدف إلى مناقشة الوضع المعرفي الراهن في المنطقة العربية، وعلاقته بالتنمية والتحديات والآفاق المستقبلية لتطويره نحو إنشاء مجتمع واقتصاد المعرفة كحاضنة للتنمية البشرية المستدامة في المنطقة العربية. موضحا مشاركة مجموعة متميزة من الأساتذة المصريين في إعداد تلك الدراسات، حيث قاموا بعمل دراسات على التعليم الجامعي وقبل الجامعي والبحث العلمي والابتكار على مستوى الدول العربية.
ولفت الشيحي إلى الرؤية والتنظيم الجديد لإدارة الوافدين، من حيث القواعد المنظمة والمحاور التي تقوم عليها تلك الإدارة. كما أضاف أنه تم الانتهاء من الرؤية المقترحة للتعليم المفتوح، والتي سيتم تطبيقها من العام المقبل، وكذلك الانتهاء من الرؤية المقترحة، للتعليم الفني والتكنولوجي في مصر.
كما شارك الشيحي الأسبوع الماضي في افتتاح مؤتمر علمي بعنوان «حوافز البحث والتنمية والابتكار»، نظمته الوزارة، بالتعاون مع مكتب المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) الإقليمي بالقاهرة. وهو المؤتمر الذي هدفت فعالياته إلى الاستفادة من خبرات الكثير من دول العالم المتقدمة من خلال عرض تجاربهم في هذا المجال، ووضع مصر على الخريطة العالمية لحوافز البحث والتنمية والابتكار، والتأكيد على ربط البحث العلمي بالصناعة.



جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة
TT

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

تم تصنيف جامعة ياغيلونيا في مدينة كراكوف البولندية كأفضل مؤسسة تعليمية جامعية في البلاد، إلى جانب كونها واحدة من أعرق الجامعات في العالم. بدأت قصتها عام 1364 عندما نجح الملك كازيمير الأعظم بعد سنوات طويلة في إقناع البابا أوربان الخامس بمنح تصريح لإنشاء مؤسسة للتعليم الجامعي في مدينة كراكوف، قام الملك بتمويلها بعائدات مناجم فياليتشكا الملحية القريبة.
بعد ثلاث سنوات كان الجرس يدق في أرجاء المؤسسة معلناً عن بدء الدروس والتي كانت في الفلسفة والقانون والطب. وبدأت الجامعة، التي كان أول اسم يطلق عليها هو أكاديمية كراكوف، في الازدهار والنجاح خلال القرن التالي عندما بدأت في تدريس الرياضيات واللاهوت والفلك، حيث جذبت تلك المواد الباحثين والدارسين البارزين من مختلف أنحاء أوروبا. وتطلب توسعها بخطى سريعة إنشاء حرم جامعي أكبر. وقد التحق نيكولاس كوبرنيكوس، الذي أحدث بعد ذلك ثورة في فهم الكون، بالجامعة منذ عام 1491 حتى 1495.
مع ذلك، لم يستمر ما حققته الجامعة من نجاح وازدهار لمدة طويلة كما يحدث طوال تاريخ بولندا؛ ففي عام 1939 احتل النازيون مدينة كراكوف وألقوا القبض على الأساتذة بالجامعة وقاموا بنقلهم إلى معسكري التعذيب زاكزينهاوسين، وداخاو؛ ولم يعد الكثيرون، لكن من فعلوا ساعدوا في تأسيس جامعة مناهضة سرية ظلت تعمل حتى نهاية الحرب. كذلك اضطلعت جامعة ياغيلونيا بدور في الاحتجاجات المناهضة للنظام الشمولي في الستينات والثمانينات، واستعادت حالياً مكانتها المرموقة كمؤسسة لتدريب وتعليم النخبة المتعلمة المثقفة في بولندا.
ساعد انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004 في زيادة موارد الجامعة، وفتح أقسام جديدة، وإنشاء مرافق أفضل منها ما يسمى بـ«الحرم الجامعي الثالث» أو «الحرم الجامعي للذكرى الـ600» في منطقة بيخوفيسه. وبلغ عدد الملتحقين بالجامعة في 87 برنامجا دراسيا خلال العام الدراسي 2015-2016 47.494 طالباً.
وطوال قرون التحق خلالها عدد كبير من الطلبة بالجامعة، كان التحاق أول طالبة بالجامعة يمثل حدثاً بارزاً، حيث قامت فتاة تدعى نوفويكا، بالتسجيل في الجامعة قبل السماح للفتيات بالالتحاق بالجامعة بنحو 500 عام، وكان ذلك عام 1897، وتمكنت من فعل ذلك بالتنكر في زي شاب، وكانت الفترة التي قضتها في الدراسة بالجامعة تسبق الفترة التي قضاها زميل آخر لحق بها بعد نحو قرن، وكان من أشهر خريجي الجامعة، وهو نيكولاس كوبرنيكوس، الذي انضم إلى مجموعة عام 1492، وربما يشتهر كوبرنيكوس، الذي يعد مؤسس علم الفلك الحديث، بكونه أول من يؤكد أن الأرض تدور حول الشمس، وهو استنتاج توصل إليه أثناء دراسته في الجامعة، ولم ينشره إلا قبل وفاته ببضعة أشهر خوفاً من الإعدام حرقاً على العمود. من الطلبة الآخرين المميزين كارول فويتيالا، والذي يعرف باسم البابا يوحنا بولس الثاني، الذي درس في قسم فقه اللغة التاريخي والمقارن بالجامعة.