اليمين الفرنسي المتطرف وإرهاب 13 نوفمبر

على الرغم من نجاح القوى السياسية الرئيسية في احتواء الخطر مؤقتًا

رئيسة حزب الجبهة الفرنسية ماريون لوبن تتحدث لوسائل الإعلام بعد الإعلان عن الجولة الثانية للانتخابات المحلية (أ.ب)
رئيسة حزب الجبهة الفرنسية ماريون لوبن تتحدث لوسائل الإعلام بعد الإعلان عن الجولة الثانية للانتخابات المحلية (أ.ب)
TT

اليمين الفرنسي المتطرف وإرهاب 13 نوفمبر

رئيسة حزب الجبهة الفرنسية ماريون لوبن تتحدث لوسائل الإعلام بعد الإعلان عن الجولة الثانية للانتخابات المحلية (أ.ب)
رئيسة حزب الجبهة الفرنسية ماريون لوبن تتحدث لوسائل الإعلام بعد الإعلان عن الجولة الثانية للانتخابات المحلية (أ.ب)

منذ الإعلان عن نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الإقليميّة الفرنسيّة وفرنسا تعيش حالة من «الصدمة»، مع تحقيق اليمين المتطرف اختراقا تاريخيّا، محتلا بلوائحه موقع الصدارة في 6 أقاليم من أصل 13 في الدورة الأولى. والواقع أنه لا يمكن فصل هذه النتائج على الإطلاق عن الهجمات التي وقعت في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في العاصمة الفرنسية باريس وتبناها تنظيم داعش، وتسببت في مقتل 130 شخصا فضلا عن مئات الجرحى الأبرياء. ولقد فرض هذا العمل الإرهابي قراءة جديدة للهجمات التي نفذها فرنسيون وبلجيكيون من أصل عربي، كما قد تكون له تداعيات كبيرة على المسلمين في فرنسا.
مع أن حزب «الجبهة الوطنية» (Front national) الفرنسي اليميني المتطرف لم يتمكن من الفوز، وبالتالي السيطرة، في أي إقليم من أقاليم فرنسا الـ13 خلال الجولة الثانية والحاسمة من الانتخابات، فإنه استطاع كسب العديد من الأصوات. والأرقام تتحدث عن نفسها بحيث حصد الحزب المعادي للمهاجرين الذي تتزعمه مارين لوبن 6 ملايين وثمانمائة ألف صوت، أي أفضل بكثير من النتائج التي حققها عام 2012.
بين الجولتين الأولى والثانية، تقدم «الجبهة الوطنية» بقيادة لوبن - وهي ابنة الزعيم السابق المؤسس جان ماري لوبن - في كل مكان ما عدا إقليمي إيل دو فرانس (محيط العاصمة باريس) وجزيرة كورسيكا، وحتى في هاتين المنطقتين جاءت النتائج أفضل من السنين السابقة، وزاد عدد الأصوات المؤيدة للحزب اليميني المتطرّف. ومن ناحية ثانية، كانت ماريون ماريشال لوبن، حفيدة الزعيم المؤسس وابنة أخت الزعيمة الحالية، قد صرّحت في مقابلة قبل الإعلان عن النتائج بأنه سيكون من «السخرية أو حتى الانتهازية» القول إن حزب «الجبهة الوطنية» قد «استفاد من الهجمات»، مضيفة مع ذلك أنه من الضروري الاعتراف بأن الحزب يحذّر منذ سنوات من «التطرف الإسلامي»، ويدعو إلى عدم التسامح مع المخلين وإلى إغلاق ومراقبة الحدود.
غير أن أحد محللي السياسة الفرنسية، وقد تحدث إلى «الشرق الأوسط» شرط التكتم على هويته، أشار من جهته إلى أن الهجمات التي وقعت الشهر الماضي في باريس أسهمت في النتائج التي أحرزها «الجبهة الوطنية» من دون أن تؤدي إلى تحوِّل جذري وشامل للفرنسيين باتجاه الحزب اليميني المتطرف، بحيث كان التقدم تدريجيا إلى حد ما. وعلى الرغم مما شهدته الجولة الثانية من الانتخابات الإقليمية من انتفاضة للشعب الفرنسي ضد الخطاب اليميني المتطرف، فإن هجمات 13 نوفمبر ونتائج الانتخابات التي تلتها عبرت خير تعبير عن الانزعاج والاختلافات الاجتماعية المتصاعدة في فرنسا، أقله في بعض المناطق.
وفي هذا السياق، يعتبر رومان كاييه، الباحث في «الحركات المتشددة باسم الإسلام»، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن ثمة نقاط تشابه واضحة وسهلة التحديد بين مرتكبي هجمات 13 نوفمبر. فأحد المتهمين وهو صلاح عبد السلام رجل فرنسي الجنسية، يبلغ 26 سنة، ويقيم في حي مولينبيك بشمال غربي العاصمة البلجيكية بروكسل، مع شقيقه إبراهيم، الذي فجر نفسه في باريس. كذلك من أبناء حي مولينبيك متهم آخر هو محمد أبرني، البلجيكي من أصل مغربي الذي يبلغ 30 سنة، والذي شوهد بصحبة عبد السلام قبل يومين من هجمات باريس الإرهابية. وحسب المعلومات المتوافرة فإن أبرني صديق لصلاح عبد السلام، وله سجل حافل من السرقات والتوقيفات في السجون البلجيكية، ويُعتقد أنه زار سوريا في صيف 2015. أما عبد الحميد أبا عود، الذي يشتبه في أنه «العقل المدبر» لهجمات باريس، فهو أيضا بلجيكي من أصل مغربي. وهناك غيرهم مثل بلال حدفي (20 سنة) وسامي عميمور (28 سنة) وإسماعيل عمر مصطفى (29 سنة) وفؤاد محمد أغاد، وكلهم من الفرنسيين والبلجيكيين المتحدرين من أصول شمال أفريقية وسبق لهم أن شاركوا في الحرب الدائرة في سوريا.
وتابع كاييه: «لفترة طويلة، وخوفا من اتهامنا بالعنصرية، كنا نردد أن الحركيين المتشددين في سوريا هم من خلفيات متعددة ويضمون فرنسيين اعتنقوا الإسلام حديثا وفرنسيين من أصول مغربية وشبانا يعيشون صراعا في مجتمعاتهم. غير أنه منذ الهجمات التي نفذها محمد مراح (المسؤول عن هجمات تولوز عام 2012) وأحمدي كوليبالي (المسؤول عن هجمات يناير - كانون الثاني، 2015 في باريس)، بتنا نلاحظ أن مرتكبي الهجمات يتشاركون كلهم صفات محددة، وهم بغالبيتهم من أصول مغاربية (أو شمال أفريقية) أو أفريقية»، وفق كاييه.
واستطرد الباحث كاييه: «كما أنه لكي تبلغ هذه الشخصيات المتشددة مرحلة النضوج القتالي الإرهابي كان عليها المرور بسوريا. ومن هنا يشكل المتشددون الذين توجهوا إلى سوريا، منذ عام 2012 مصدر القلق الرئيسي لأجهزة مكافحة الإرهاب، علما بأن فرنسا وبلجيكا هما البلدان الأوروبيان المهددان أكثر من سواهما. ذلك أن العديد من الأشخاص الذين وردت أسماؤهم على اللائحة «س» التي أعدتها المديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسية في عام 2010 والذين تتم ملاحقاتهم منذ ذلك الحين، توجهوا بالفعل إلى سوريا في عام 2014».
يكمل كاييه شارحا أن «(داعش) وبعض الفرنسيين من أصل مغربي يلتقون حول مصالح مشتركة. فـ(داعش) لديه سياسة خارجية موجهة ضد فرنسا، والمتشددون من أصل فرنسي لهم مطالب اجتماعية ضد بلدهم». ويضيف: «الفرنسيون الذين اعتنقوا الإسلام حديثا يمكنهم أن ينفذوا بسهولة أكبر العمليات الانتحارية ضد الميليشيات الشيعية في العراق (من حيث البعد الآيديولوجي). أما الفرنسيون المتحدرون من أصل عربي - ومغاربي - من ناحيتهم فيمكنهم أن يقوموا بعمليات في بلدهم، وذلك لدوافع عدة: مثل التهميش الذين يعانون منه بحيث يتعرض المواطنون الفرنسيون من أصل مغربي أو عربي في فرنسا لتمييز عنصري عشر مرات أكثر من المواطنين السود في الولايات المتحدة. كما أن بعضا من الفرنسيين من أصول مغاربية يرون أن فرنسا لديها واجب التعويض عليهم بسبب سياستها الاستعمارية، علما بأنه من المستبعد جدا أن يكون منفذو هجمات 13 نوفمبر يشعرون حقا بالانتماء إلى فرنسا»، وفق كاييه.
في المقلب الآخر، يتبنى أوليفييه روي، أستاذ العلوم السياسية والمتخصص بشؤون الإسلام، نهجا مختلفا عن كاييه في مقال نشرته صحيفة «لوموند» (Le Monde) الفرنسية بحيث يرى أن «التحاق هؤلاء الشباب بـ(داعش) تصرف انتهازي: فبالأمس كانوا مع تنظيم القاعدة (1995)، وقبل ذلك كانوا يؤيدون ولو بشكل غير علني (الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية)، أو سبق لهم أن شاركوا في القتال في البوسنة أو أفغانستان أو الشيشان. وغدا سيقاتل هؤلاء مع فريق آخر، إلا إذا كان مصيرهم الموت أثناء القتال أو التقدم بالسن أو خيبة الأمل التي ستفرغ صفوفهم كما حصل مع اليسار المتطرف في السبعينات». ووفقا لروي: «(داعش) يغرف من نبع الشباب الفرنسي المتطرف الذي، بغض النظر عما سيحدث في الشرق الأوسط، دخل في حالة من النقمة باحثا عن قضية أو شعار أو معركة كبيرة يضع عليها بصماته الملطخة بالدماء وثورته الشخصية».
في مطلق الأحوال، وبغض النظر عن الأبعاد المختلفة لهذه الظاهرة، تمكن تنظيم داعش من استغلال غضب، وفق كاييه.
إن التقدم الذي يحققه حزب «الجبهة الوطنية» مرتبط إذن بالنسيج الاجتماعي والإثني الفرنسي، وفق كاييه الذي يشرح قائلا: «إننا نلاحظ أن الفرنسيين من أبناء الطبقات الفقيرة العاجزين عن العيش في الأحياء المدينية الغنية يتفادون السكن في الأحياء المختلطة (حيث يقطن الفرنسيون من أصل عربي أو مغاربي) في الضواحي ويفضلون الأرياف.. في هذه المناطق بالذات يمكن لـ(الجبهة الوطنية) أن يحرز تقدما حيث يخيل إلينا أن الناس ما عادوا يعيشون أو يختلطون مع بعضهم البعض».



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».