اليمين الفرنسي المتطرف وإرهاب 13 نوفمبر

على الرغم من نجاح القوى السياسية الرئيسية في احتواء الخطر مؤقتًا

رئيسة حزب الجبهة الفرنسية ماريون لوبن تتحدث لوسائل الإعلام بعد الإعلان عن الجولة الثانية للانتخابات المحلية (أ.ب)
رئيسة حزب الجبهة الفرنسية ماريون لوبن تتحدث لوسائل الإعلام بعد الإعلان عن الجولة الثانية للانتخابات المحلية (أ.ب)
TT

اليمين الفرنسي المتطرف وإرهاب 13 نوفمبر

رئيسة حزب الجبهة الفرنسية ماريون لوبن تتحدث لوسائل الإعلام بعد الإعلان عن الجولة الثانية للانتخابات المحلية (أ.ب)
رئيسة حزب الجبهة الفرنسية ماريون لوبن تتحدث لوسائل الإعلام بعد الإعلان عن الجولة الثانية للانتخابات المحلية (أ.ب)

منذ الإعلان عن نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الإقليميّة الفرنسيّة وفرنسا تعيش حالة من «الصدمة»، مع تحقيق اليمين المتطرف اختراقا تاريخيّا، محتلا بلوائحه موقع الصدارة في 6 أقاليم من أصل 13 في الدورة الأولى. والواقع أنه لا يمكن فصل هذه النتائج على الإطلاق عن الهجمات التي وقعت في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في العاصمة الفرنسية باريس وتبناها تنظيم داعش، وتسببت في مقتل 130 شخصا فضلا عن مئات الجرحى الأبرياء. ولقد فرض هذا العمل الإرهابي قراءة جديدة للهجمات التي نفذها فرنسيون وبلجيكيون من أصل عربي، كما قد تكون له تداعيات كبيرة على المسلمين في فرنسا.
مع أن حزب «الجبهة الوطنية» (Front national) الفرنسي اليميني المتطرف لم يتمكن من الفوز، وبالتالي السيطرة، في أي إقليم من أقاليم فرنسا الـ13 خلال الجولة الثانية والحاسمة من الانتخابات، فإنه استطاع كسب العديد من الأصوات. والأرقام تتحدث عن نفسها بحيث حصد الحزب المعادي للمهاجرين الذي تتزعمه مارين لوبن 6 ملايين وثمانمائة ألف صوت، أي أفضل بكثير من النتائج التي حققها عام 2012.
بين الجولتين الأولى والثانية، تقدم «الجبهة الوطنية» بقيادة لوبن - وهي ابنة الزعيم السابق المؤسس جان ماري لوبن - في كل مكان ما عدا إقليمي إيل دو فرانس (محيط العاصمة باريس) وجزيرة كورسيكا، وحتى في هاتين المنطقتين جاءت النتائج أفضل من السنين السابقة، وزاد عدد الأصوات المؤيدة للحزب اليميني المتطرّف. ومن ناحية ثانية، كانت ماريون ماريشال لوبن، حفيدة الزعيم المؤسس وابنة أخت الزعيمة الحالية، قد صرّحت في مقابلة قبل الإعلان عن النتائج بأنه سيكون من «السخرية أو حتى الانتهازية» القول إن حزب «الجبهة الوطنية» قد «استفاد من الهجمات»، مضيفة مع ذلك أنه من الضروري الاعتراف بأن الحزب يحذّر منذ سنوات من «التطرف الإسلامي»، ويدعو إلى عدم التسامح مع المخلين وإلى إغلاق ومراقبة الحدود.
غير أن أحد محللي السياسة الفرنسية، وقد تحدث إلى «الشرق الأوسط» شرط التكتم على هويته، أشار من جهته إلى أن الهجمات التي وقعت الشهر الماضي في باريس أسهمت في النتائج التي أحرزها «الجبهة الوطنية» من دون أن تؤدي إلى تحوِّل جذري وشامل للفرنسيين باتجاه الحزب اليميني المتطرف، بحيث كان التقدم تدريجيا إلى حد ما. وعلى الرغم مما شهدته الجولة الثانية من الانتخابات الإقليمية من انتفاضة للشعب الفرنسي ضد الخطاب اليميني المتطرف، فإن هجمات 13 نوفمبر ونتائج الانتخابات التي تلتها عبرت خير تعبير عن الانزعاج والاختلافات الاجتماعية المتصاعدة في فرنسا، أقله في بعض المناطق.
وفي هذا السياق، يعتبر رومان كاييه، الباحث في «الحركات المتشددة باسم الإسلام»، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن ثمة نقاط تشابه واضحة وسهلة التحديد بين مرتكبي هجمات 13 نوفمبر. فأحد المتهمين وهو صلاح عبد السلام رجل فرنسي الجنسية، يبلغ 26 سنة، ويقيم في حي مولينبيك بشمال غربي العاصمة البلجيكية بروكسل، مع شقيقه إبراهيم، الذي فجر نفسه في باريس. كذلك من أبناء حي مولينبيك متهم آخر هو محمد أبرني، البلجيكي من أصل مغربي الذي يبلغ 30 سنة، والذي شوهد بصحبة عبد السلام قبل يومين من هجمات باريس الإرهابية. وحسب المعلومات المتوافرة فإن أبرني صديق لصلاح عبد السلام، وله سجل حافل من السرقات والتوقيفات في السجون البلجيكية، ويُعتقد أنه زار سوريا في صيف 2015. أما عبد الحميد أبا عود، الذي يشتبه في أنه «العقل المدبر» لهجمات باريس، فهو أيضا بلجيكي من أصل مغربي. وهناك غيرهم مثل بلال حدفي (20 سنة) وسامي عميمور (28 سنة) وإسماعيل عمر مصطفى (29 سنة) وفؤاد محمد أغاد، وكلهم من الفرنسيين والبلجيكيين المتحدرين من أصول شمال أفريقية وسبق لهم أن شاركوا في الحرب الدائرة في سوريا.
وتابع كاييه: «لفترة طويلة، وخوفا من اتهامنا بالعنصرية، كنا نردد أن الحركيين المتشددين في سوريا هم من خلفيات متعددة ويضمون فرنسيين اعتنقوا الإسلام حديثا وفرنسيين من أصول مغربية وشبانا يعيشون صراعا في مجتمعاتهم. غير أنه منذ الهجمات التي نفذها محمد مراح (المسؤول عن هجمات تولوز عام 2012) وأحمدي كوليبالي (المسؤول عن هجمات يناير - كانون الثاني، 2015 في باريس)، بتنا نلاحظ أن مرتكبي الهجمات يتشاركون كلهم صفات محددة، وهم بغالبيتهم من أصول مغاربية (أو شمال أفريقية) أو أفريقية»، وفق كاييه.
واستطرد الباحث كاييه: «كما أنه لكي تبلغ هذه الشخصيات المتشددة مرحلة النضوج القتالي الإرهابي كان عليها المرور بسوريا. ومن هنا يشكل المتشددون الذين توجهوا إلى سوريا، منذ عام 2012 مصدر القلق الرئيسي لأجهزة مكافحة الإرهاب، علما بأن فرنسا وبلجيكا هما البلدان الأوروبيان المهددان أكثر من سواهما. ذلك أن العديد من الأشخاص الذين وردت أسماؤهم على اللائحة «س» التي أعدتها المديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسية في عام 2010 والذين تتم ملاحقاتهم منذ ذلك الحين، توجهوا بالفعل إلى سوريا في عام 2014».
يكمل كاييه شارحا أن «(داعش) وبعض الفرنسيين من أصل مغربي يلتقون حول مصالح مشتركة. فـ(داعش) لديه سياسة خارجية موجهة ضد فرنسا، والمتشددون من أصل فرنسي لهم مطالب اجتماعية ضد بلدهم». ويضيف: «الفرنسيون الذين اعتنقوا الإسلام حديثا يمكنهم أن ينفذوا بسهولة أكبر العمليات الانتحارية ضد الميليشيات الشيعية في العراق (من حيث البعد الآيديولوجي). أما الفرنسيون المتحدرون من أصل عربي - ومغاربي - من ناحيتهم فيمكنهم أن يقوموا بعمليات في بلدهم، وذلك لدوافع عدة: مثل التهميش الذين يعانون منه بحيث يتعرض المواطنون الفرنسيون من أصل مغربي أو عربي في فرنسا لتمييز عنصري عشر مرات أكثر من المواطنين السود في الولايات المتحدة. كما أن بعضا من الفرنسيين من أصول مغاربية يرون أن فرنسا لديها واجب التعويض عليهم بسبب سياستها الاستعمارية، علما بأنه من المستبعد جدا أن يكون منفذو هجمات 13 نوفمبر يشعرون حقا بالانتماء إلى فرنسا»، وفق كاييه.
في المقلب الآخر، يتبنى أوليفييه روي، أستاذ العلوم السياسية والمتخصص بشؤون الإسلام، نهجا مختلفا عن كاييه في مقال نشرته صحيفة «لوموند» (Le Monde) الفرنسية بحيث يرى أن «التحاق هؤلاء الشباب بـ(داعش) تصرف انتهازي: فبالأمس كانوا مع تنظيم القاعدة (1995)، وقبل ذلك كانوا يؤيدون ولو بشكل غير علني (الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية)، أو سبق لهم أن شاركوا في القتال في البوسنة أو أفغانستان أو الشيشان. وغدا سيقاتل هؤلاء مع فريق آخر، إلا إذا كان مصيرهم الموت أثناء القتال أو التقدم بالسن أو خيبة الأمل التي ستفرغ صفوفهم كما حصل مع اليسار المتطرف في السبعينات». ووفقا لروي: «(داعش) يغرف من نبع الشباب الفرنسي المتطرف الذي، بغض النظر عما سيحدث في الشرق الأوسط، دخل في حالة من النقمة باحثا عن قضية أو شعار أو معركة كبيرة يضع عليها بصماته الملطخة بالدماء وثورته الشخصية».
في مطلق الأحوال، وبغض النظر عن الأبعاد المختلفة لهذه الظاهرة، تمكن تنظيم داعش من استغلال غضب، وفق كاييه.
إن التقدم الذي يحققه حزب «الجبهة الوطنية» مرتبط إذن بالنسيج الاجتماعي والإثني الفرنسي، وفق كاييه الذي يشرح قائلا: «إننا نلاحظ أن الفرنسيين من أبناء الطبقات الفقيرة العاجزين عن العيش في الأحياء المدينية الغنية يتفادون السكن في الأحياء المختلطة (حيث يقطن الفرنسيون من أصل عربي أو مغاربي) في الضواحي ويفضلون الأرياف.. في هذه المناطق بالذات يمكن لـ(الجبهة الوطنية) أن يحرز تقدما حيث يخيل إلينا أن الناس ما عادوا يعيشون أو يختلطون مع بعضهم البعض».



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟