الخطاب الجديد لدواعش ليبيا: هيا بنا إلى «مثلث كولومبيا»

يسيطر عليه تجار مخدرات ومتطرفون.. ويقع على حدود الجزائر والنيجر

مسيرة عسكرية لتنظيم داعش في مدينة سرت الساحلية ({الشرق الأوسط})
مسيرة عسكرية لتنظيم داعش في مدينة سرت الساحلية ({الشرق الأوسط})
TT

الخطاب الجديد لدواعش ليبيا: هيا بنا إلى «مثلث كولومبيا»

مسيرة عسكرية لتنظيم داعش في مدينة سرت الساحلية ({الشرق الأوسط})
مسيرة عسكرية لتنظيم داعش في مدينة سرت الساحلية ({الشرق الأوسط})

بدأت قيادات تنظيم داعش المتطرف في ليبيا التفكير للمرة الأولى في الانتقال إلى المنطقة المعروفة بين مهربي المخدرات والمتطرفين في جنوب غربي البلاد باسم «مثلث كولومبيا»، حين توصل المبعوث الدولي السابق برناردينو ليون، قبل 50 يوما، إلى تشكيل حكومة وفاق وطني في ليبيا التي تضربها الفوضى، وذلك برئاسة فايز السراج، الذي تربطه علاقة قرابة بقيادي له كلمة على قسم مهم من الكتائب والميليشيات الموجودة في كل من طرابلس ومصراتة في شمال غربي البلاد.
لكن العملية توقفت مع توقف محاولات ليون لتنصيب السراج كرئيس لحكومة توافق وطني. إذ أدى ذلك التطور إلى تبديد مخاوف الدواعش من وجود سلطة قوية مدعومة دوليا، خاصة في أوساط الدواعش الذين يتمركزون في مدينة سرت المجاورة لأكبر مخزون نفطي في البلاد، والمقر المفضل للرئيس السابق معمر القذافي.
التحرك المفاجئ والسريع للمبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، مارتن كوبلر، ونجاحه في إعلان التوافق بين عدة أطراف ليبية على تنصيب السراج، مساء يوم الخميس الماضي، أعاد خطة الدواعش الليبيين للابتعاد جنوبا، خوفا من التدخل العسكري الدولي، جوا وبرا خاصة في مدن الشمال، مثل درنة وسرت وطرابلس وصبراتة.
وقبل ثلاثة أيام من إشراف كوبلر على توقيع الاتفاق في بلدة الصخيرات المغربية، بين عدد من الخصوم الليبيين، أجرت قوات أميركية قوامها عشرون جنديا، مجهزة بالعتاد الكامل، عملية إنزال في «قاعدة الوطية» العسكرية التي تخضع لسيطرة كتيبة «أبو بكر الصديق» التابعة للجيش الليبي، وذلك على بعد نحو خمسين كيلومترا من مركز «داعش» في صبراتة المجاورة لطرابلس من ناحية الغرب. وتوجد جيوب أخرى لـ«داعش» داخل العاصمة نفسها.
وقامت الكتيبة الليبية بإجبار الجنود الأميركيين على العودة من حيث أتوا. ويقول أحد مساعدي العقيد العتيري العجمي، آمر كتيبة «أبو بكر الصديق»، في اتصال مع «الشرق الأوسط» عبر الهاتف: «أعتقد أن الإنزال الأميركي كان تصرفا متسرعا من جانب الفريق الأمني للسيد كوبلر». ويرأس الفريق الأمني الأممي الخاص بليبيا الجنرال الإيطالي، باولو سيرا، المكلف من الأمم المتحدة بـ«ملف إرساء الأمن والاستقرار وتدريب الشرطة وإعادة تأهيل الجيش»، ومواجهة الدواعش أيضا.
وفي الجانب الآخر من جبهة سرت، كان من الممكن أن تستمع لشهادات لعائدين من المحاور التي يسيطر عليها التنظيم، تعكس مخاوف الدواعش من الأيام المقبلة، وانتشار لغة جديدة بين عناصره تهدف إلى إقناع المقاتلين بالتحرك إلى الجنوب. ويقول أحد العائدين من خط التماس بين مدينتي سرت وإجدابيا إن دروس وخطب الدواعش تهيئ المنتمين إليه بأنه بداية من عام 2016 سيكون هناك تحرك لقوافلها العسكرية إلى الجنوب.. «السبب وراء هذا أيضا زيادة خبرة الجيش الليبي في اقتناص قادة (داعش) هنا»، كما حدث في الأيام الأخيرة.
ويضيف المقدم عبد العزيز التباوي، المسؤول في حراسة المنشآت النفطية الموجودة جنوب شرقي سرت، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، إن الخطاب الشائع بين الدواعش في محيط منطقة الهلال النفطي هنا هو: «هيا بنا إلى (مثلث كولومبيا)»، مشيرا إلى أن هذا المثلث يقع على الحدود الليبية مع كل من النيجر والجزائر، ومعروف أنه يخضع، لهيمنة تجار المخدرات والمتطرفين منذ سنوات، ويصعب على القوات النظامية تحقيق نجاح فيه بسبب تضاريسه الجبلية والرملية.. «معروف من أيام القذافي أنه ملجأ للخارجين عن القانون وللمهربين».
وكان المقدم التباوي يعمل في حراسة المنشآت في محيط مدينة سبها في أقصى جنوب البلاد، قبل أن ينتقل إلى حقول النفط في سرت، قبل شهرين، لحمايتها من «داعش». لكنه يقول إن هذا التنظيم الدموي بدأ يخشى من الهجوم عليه من القوات الدولية، في الأيام الأخيرة. ويضيف أنه توجد طائرات من دون طيار (درون) تتحرك في السماء وتراقب المنطقة، ولا يعرف إن كانت تابعة للقوات المسلحة الليبية بقيادة الفريق أول خليفة حفتر، أم أنها تابعة لدول أخرى تراقب نشاط المتطرفين في البلاد، أو أنها تابعة للأمم المتحدة التي يقول إن لها طائرات تراقب آبار النفط في الصحراء.
ووفقا لضابط سابق في الجيش الليبي، يدعى سليمان الجابري، كان قريبا من المجموعات المتطرفة في الشمال الأوسط من البلاد، فإنه توجد معلومات لدى قيادات «داعش» في ليبيا عن إمكانية اجتياح مواقعهم «بين عشية وضحاها»، في حال تمكنت حكومة السراج من جمع شمل باقي الفرقاء، والعمل من العاصمة طرابلس. ويضيف الجابري أن قوات «داعش» في سرت لا تزيد على ألف عنصر، لكن لديهم أسلحة وسيارات ومعدات حربية، ويصل إليهم مدد من ميناء المدينة الموجود على البحر المتوسط. ثم يقول إن سبب ظهور «داعش» في سرت بشكل قوي ولافت لنظر العالم، في فترة وجيزة، منذ مطلع هذه السنة، هو أن المدينة تعرضت لنزع سلاح أبنائها في أيام الحرب بين قوات القذافي و«ثوار 17 فبراير»، في إشارة للانتفاضة المسلحة التي دعمها حلف الناتو للإطاحة بالنظام السابق في فبراير (شباط) 2011. وعلى العكس من ذلك تمكن أهالي مدينة درنة، بمساعدة مجموعات مسلحة، من كسر أنياب «داعش» في الأسابيع الماضية.
منذ مقتل القذافي فشل الحكام الجدد في تشكيل سلطة مركزية قوية. وانقسمت البلاد بين جيش وميليشيات وسياسيين يسيطر قسم منهم على الشرق وقسم آخر على الغرب. ومع تزايد هشاشة الحكومة، تمكنت التنظيمات المتطرفة بما فيها «داعش» من التحكم في عدة مدن، وإثارة مخاوف العالم من أن تتحول ليبيا الواقعة على الساحل الجنوبي لأوروبا إلى ملاذ آمن للإرهاب.
وصفق ممثلو عدة دول بحرارة للاتفاق الذي توصل إليه الليبيون في الصخيرات. ولم ينس كوبلر أن يذكِّر بأن مسألة الأمن في ليبيا على رأس أولويات حكومة التوافق. ومن جانبه، تعهد المجتمع الدولي بتقديم الدعم للجيش تحت إمرة السلطة الجديدة. وخرجت تسريبات تقول إن هناك نحو ألف جندي بريطاني جاهزين للمساعدة على فرض الأمن في هذا البلد الذي لم ينعم بالراحة منذ رحيل القذافي. كما أن إيطاليا على استعداد لتوجيه نحو ستة آلاف جندي إلى ليبيا. وستكون الأولوية لهذه القوات هي تدريب العسكريين الليبيين في الجيش والشرطة، واستهداف التنظيم المتطرف.
ويقول أحد شهود العيان ممن فروا من سرت إلى الحدود المصرية منذ يومين، وهو معلم في مدرسة سرت الابتدائية يدعى أحميدة: «الدواعش في سرت عددهم ليس كبيرا، لكن حين يتحركون بسياراتهم يفعلون ذلك بشكل جماعي لإرهاب الناس. هم بضع مئات. وقاموا في الصيف بذبح وسحل العديد من القادة والمحللين والدعاة من أهالي سرت. وحين أعلن ليون عن تشكيل حكومة برئاسة السراج في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدا لنا أنهم شعروا بالخوف من انتقام السكان، في حال استهداف مراكزهم من الجيش».
وبحسب رواية المُعلم أحميدة، قام الدواعش بمحاولة لتحسين معاملتهم للناس ونظموا مهرجانا ترفيهيا في ساحة المدينة وزعوا خلاله هدايا على الأطفال، بينما كان عدد من العناصر يحرسون المداخل والمخارج بالأسلحة الرشاشة وسيارات الدفع الرباعي المحمل عليها مدافع من عيار 14.5. وفي اليوم التالي قام التنظيم بفتح الباب لتعيين دعاة جدد للمساجد التي يسيطر عليها بمرتبات مغرية، وأدخل تعديلات على نظام المحكمة الشرعية التي يديرها. لكنه يوضح أن التنظيم بدا عليه الارتباك خلال الأسبوعين الأخيرين. المرة الأولى حين تمكنت طائرات الجيش الليبي من قصف مواقع له في المدينة، والمرة الثانية عقب توقع اتفاق الصخيرات الأخير وتسمية رئيس المجلس الرئاسي.
يملك السراج، رئيس المجلس الرئاسي وفي الوقت نفسه رئيس الوزراء، علاقات جيدة مع قيادات مقربة من الجيش في المنطقة الشرقية وأخرى مع بعض الميليشيات الموجودة في العاصمة وفي مصراتة وبعض قيادات «فجر ليبيا»، ممن أبدوا استعدادا للمشاركة في محاربة «داعش»، وفقا لنظام معين لا يتعارض مع بنيان الدولة الجديدة، تمهيدا لضم عناصر تلك الميليشيات للسلطات الأمنية أو منحهم وظائف أخرى. ينتمي السراج، وهو مهندس معماري ونائب في البرلمان عن حي الأندلس في طرابلس، لعائلة ليبية عريقة. وفي حال إظهاره قدرة على لم شمل الليبيين ووضع ترتيبات خاصة بالجيش والميليشيات، فإنه يمكنه بمساعدة المجتمع الدولي أن يحد من خطر «داعش»، ولو بإجباره على الهروب إلى الجنوب بعيدا عن المدن التي سيطر عليها التنظيم في الشمال خلال الشهور الـ18 الماضية.
ومن بين الإغراءات التي تجعل «داعش» يفضل الجنوب، وجود أوكار يمكنه الاختباء فيها. يقول أحد القادة العسكريين إن بلدة تراغن في الجنوب تعد بمثابة المركز لـ«مثلث كولومبيا»، وتحيط بها الجبال والكثبان الرملية من جميع الجهات تقريبا. وأطلق المهربون هذا الاسم على المنطقة، بسبب سهولة تحرك شحنات المخدرات فيها عبر الحدود، بعيدا عن أعين سلطات الدول المجاورة، سواء كانت الجزائر أو النيجر، والانطلاق منها إلى مالي، حيث أصبح المثلث في الأعوام الأخيرة ملاذا آمنا للتنظيمات المتطرفة، بما فيها جماعة «بوكو حرام» النيجيرية الموالية لـ«داعش».
وتوجد في المثلث الخطر قبيلتان ليبيتان كبيرتان لهما امتداد في دول الجوار، هما الطوارق (غربا) والتبو (شرقا)، إلا أن النزاع بينهما والاقتتال الذي يتفجر بين أبنائهما بين حين وآخر، يقللان من فرص التصدي للتنظيمات المتطرفة كما حدث في الشهور الماضية حين بدأت قوافل لكل من القيادي الجزائري في تنظيم القاعدة، مختار بلمختار، والقيادي المالي في «داعش»، الملقب بـ«الأنصاري»، تتحرك هناك بحرية.
وتنشط في «مثلث كولومبيا» تجارة المعدات العسكرية والأسلحة والصواريخ التي جرى نهبها من مخازن القذافي. ويضيف القائد العسكري أن هذه منطقة جبلية ووعرة، ومقر جديد لتجمع الدواعش من ليبيا وأفريقيا ومن جنسيات مختلفة.. «التنظيم، خاصة في سرت وفي صبراتة، بدأ يعد نفسه للاتجاه جنوبا، خوفا من أي ضربات دولية وخشية من انتفاضة الأهالي الذين قتل الدواعش أبناءهم».



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.