الخطاب الجديد لدواعش ليبيا: هيا بنا إلى «مثلث كولومبيا»

يسيطر عليه تجار مخدرات ومتطرفون.. ويقع على حدود الجزائر والنيجر

مسيرة عسكرية لتنظيم داعش في مدينة سرت الساحلية ({الشرق الأوسط})
مسيرة عسكرية لتنظيم داعش في مدينة سرت الساحلية ({الشرق الأوسط})
TT

الخطاب الجديد لدواعش ليبيا: هيا بنا إلى «مثلث كولومبيا»

مسيرة عسكرية لتنظيم داعش في مدينة سرت الساحلية ({الشرق الأوسط})
مسيرة عسكرية لتنظيم داعش في مدينة سرت الساحلية ({الشرق الأوسط})

بدأت قيادات تنظيم داعش المتطرف في ليبيا التفكير للمرة الأولى في الانتقال إلى المنطقة المعروفة بين مهربي المخدرات والمتطرفين في جنوب غربي البلاد باسم «مثلث كولومبيا»، حين توصل المبعوث الدولي السابق برناردينو ليون، قبل 50 يوما، إلى تشكيل حكومة وفاق وطني في ليبيا التي تضربها الفوضى، وذلك برئاسة فايز السراج، الذي تربطه علاقة قرابة بقيادي له كلمة على قسم مهم من الكتائب والميليشيات الموجودة في كل من طرابلس ومصراتة في شمال غربي البلاد.
لكن العملية توقفت مع توقف محاولات ليون لتنصيب السراج كرئيس لحكومة توافق وطني. إذ أدى ذلك التطور إلى تبديد مخاوف الدواعش من وجود سلطة قوية مدعومة دوليا، خاصة في أوساط الدواعش الذين يتمركزون في مدينة سرت المجاورة لأكبر مخزون نفطي في البلاد، والمقر المفضل للرئيس السابق معمر القذافي.
التحرك المفاجئ والسريع للمبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، مارتن كوبلر، ونجاحه في إعلان التوافق بين عدة أطراف ليبية على تنصيب السراج، مساء يوم الخميس الماضي، أعاد خطة الدواعش الليبيين للابتعاد جنوبا، خوفا من التدخل العسكري الدولي، جوا وبرا خاصة في مدن الشمال، مثل درنة وسرت وطرابلس وصبراتة.
وقبل ثلاثة أيام من إشراف كوبلر على توقيع الاتفاق في بلدة الصخيرات المغربية، بين عدد من الخصوم الليبيين، أجرت قوات أميركية قوامها عشرون جنديا، مجهزة بالعتاد الكامل، عملية إنزال في «قاعدة الوطية» العسكرية التي تخضع لسيطرة كتيبة «أبو بكر الصديق» التابعة للجيش الليبي، وذلك على بعد نحو خمسين كيلومترا من مركز «داعش» في صبراتة المجاورة لطرابلس من ناحية الغرب. وتوجد جيوب أخرى لـ«داعش» داخل العاصمة نفسها.
وقامت الكتيبة الليبية بإجبار الجنود الأميركيين على العودة من حيث أتوا. ويقول أحد مساعدي العقيد العتيري العجمي، آمر كتيبة «أبو بكر الصديق»، في اتصال مع «الشرق الأوسط» عبر الهاتف: «أعتقد أن الإنزال الأميركي كان تصرفا متسرعا من جانب الفريق الأمني للسيد كوبلر». ويرأس الفريق الأمني الأممي الخاص بليبيا الجنرال الإيطالي، باولو سيرا، المكلف من الأمم المتحدة بـ«ملف إرساء الأمن والاستقرار وتدريب الشرطة وإعادة تأهيل الجيش»، ومواجهة الدواعش أيضا.
وفي الجانب الآخر من جبهة سرت، كان من الممكن أن تستمع لشهادات لعائدين من المحاور التي يسيطر عليها التنظيم، تعكس مخاوف الدواعش من الأيام المقبلة، وانتشار لغة جديدة بين عناصره تهدف إلى إقناع المقاتلين بالتحرك إلى الجنوب. ويقول أحد العائدين من خط التماس بين مدينتي سرت وإجدابيا إن دروس وخطب الدواعش تهيئ المنتمين إليه بأنه بداية من عام 2016 سيكون هناك تحرك لقوافلها العسكرية إلى الجنوب.. «السبب وراء هذا أيضا زيادة خبرة الجيش الليبي في اقتناص قادة (داعش) هنا»، كما حدث في الأيام الأخيرة.
ويضيف المقدم عبد العزيز التباوي، المسؤول في حراسة المنشآت النفطية الموجودة جنوب شرقي سرت، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، إن الخطاب الشائع بين الدواعش في محيط منطقة الهلال النفطي هنا هو: «هيا بنا إلى (مثلث كولومبيا)»، مشيرا إلى أن هذا المثلث يقع على الحدود الليبية مع كل من النيجر والجزائر، ومعروف أنه يخضع، لهيمنة تجار المخدرات والمتطرفين منذ سنوات، ويصعب على القوات النظامية تحقيق نجاح فيه بسبب تضاريسه الجبلية والرملية.. «معروف من أيام القذافي أنه ملجأ للخارجين عن القانون وللمهربين».
وكان المقدم التباوي يعمل في حراسة المنشآت في محيط مدينة سبها في أقصى جنوب البلاد، قبل أن ينتقل إلى حقول النفط في سرت، قبل شهرين، لحمايتها من «داعش». لكنه يقول إن هذا التنظيم الدموي بدأ يخشى من الهجوم عليه من القوات الدولية، في الأيام الأخيرة. ويضيف أنه توجد طائرات من دون طيار (درون) تتحرك في السماء وتراقب المنطقة، ولا يعرف إن كانت تابعة للقوات المسلحة الليبية بقيادة الفريق أول خليفة حفتر، أم أنها تابعة لدول أخرى تراقب نشاط المتطرفين في البلاد، أو أنها تابعة للأمم المتحدة التي يقول إن لها طائرات تراقب آبار النفط في الصحراء.
ووفقا لضابط سابق في الجيش الليبي، يدعى سليمان الجابري، كان قريبا من المجموعات المتطرفة في الشمال الأوسط من البلاد، فإنه توجد معلومات لدى قيادات «داعش» في ليبيا عن إمكانية اجتياح مواقعهم «بين عشية وضحاها»، في حال تمكنت حكومة السراج من جمع شمل باقي الفرقاء، والعمل من العاصمة طرابلس. ويضيف الجابري أن قوات «داعش» في سرت لا تزيد على ألف عنصر، لكن لديهم أسلحة وسيارات ومعدات حربية، ويصل إليهم مدد من ميناء المدينة الموجود على البحر المتوسط. ثم يقول إن سبب ظهور «داعش» في سرت بشكل قوي ولافت لنظر العالم، في فترة وجيزة، منذ مطلع هذه السنة، هو أن المدينة تعرضت لنزع سلاح أبنائها في أيام الحرب بين قوات القذافي و«ثوار 17 فبراير»، في إشارة للانتفاضة المسلحة التي دعمها حلف الناتو للإطاحة بالنظام السابق في فبراير (شباط) 2011. وعلى العكس من ذلك تمكن أهالي مدينة درنة، بمساعدة مجموعات مسلحة، من كسر أنياب «داعش» في الأسابيع الماضية.
منذ مقتل القذافي فشل الحكام الجدد في تشكيل سلطة مركزية قوية. وانقسمت البلاد بين جيش وميليشيات وسياسيين يسيطر قسم منهم على الشرق وقسم آخر على الغرب. ومع تزايد هشاشة الحكومة، تمكنت التنظيمات المتطرفة بما فيها «داعش» من التحكم في عدة مدن، وإثارة مخاوف العالم من أن تتحول ليبيا الواقعة على الساحل الجنوبي لأوروبا إلى ملاذ آمن للإرهاب.
وصفق ممثلو عدة دول بحرارة للاتفاق الذي توصل إليه الليبيون في الصخيرات. ولم ينس كوبلر أن يذكِّر بأن مسألة الأمن في ليبيا على رأس أولويات حكومة التوافق. ومن جانبه، تعهد المجتمع الدولي بتقديم الدعم للجيش تحت إمرة السلطة الجديدة. وخرجت تسريبات تقول إن هناك نحو ألف جندي بريطاني جاهزين للمساعدة على فرض الأمن في هذا البلد الذي لم ينعم بالراحة منذ رحيل القذافي. كما أن إيطاليا على استعداد لتوجيه نحو ستة آلاف جندي إلى ليبيا. وستكون الأولوية لهذه القوات هي تدريب العسكريين الليبيين في الجيش والشرطة، واستهداف التنظيم المتطرف.
ويقول أحد شهود العيان ممن فروا من سرت إلى الحدود المصرية منذ يومين، وهو معلم في مدرسة سرت الابتدائية يدعى أحميدة: «الدواعش في سرت عددهم ليس كبيرا، لكن حين يتحركون بسياراتهم يفعلون ذلك بشكل جماعي لإرهاب الناس. هم بضع مئات. وقاموا في الصيف بذبح وسحل العديد من القادة والمحللين والدعاة من أهالي سرت. وحين أعلن ليون عن تشكيل حكومة برئاسة السراج في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدا لنا أنهم شعروا بالخوف من انتقام السكان، في حال استهداف مراكزهم من الجيش».
وبحسب رواية المُعلم أحميدة، قام الدواعش بمحاولة لتحسين معاملتهم للناس ونظموا مهرجانا ترفيهيا في ساحة المدينة وزعوا خلاله هدايا على الأطفال، بينما كان عدد من العناصر يحرسون المداخل والمخارج بالأسلحة الرشاشة وسيارات الدفع الرباعي المحمل عليها مدافع من عيار 14.5. وفي اليوم التالي قام التنظيم بفتح الباب لتعيين دعاة جدد للمساجد التي يسيطر عليها بمرتبات مغرية، وأدخل تعديلات على نظام المحكمة الشرعية التي يديرها. لكنه يوضح أن التنظيم بدا عليه الارتباك خلال الأسبوعين الأخيرين. المرة الأولى حين تمكنت طائرات الجيش الليبي من قصف مواقع له في المدينة، والمرة الثانية عقب توقع اتفاق الصخيرات الأخير وتسمية رئيس المجلس الرئاسي.
يملك السراج، رئيس المجلس الرئاسي وفي الوقت نفسه رئيس الوزراء، علاقات جيدة مع قيادات مقربة من الجيش في المنطقة الشرقية وأخرى مع بعض الميليشيات الموجودة في العاصمة وفي مصراتة وبعض قيادات «فجر ليبيا»، ممن أبدوا استعدادا للمشاركة في محاربة «داعش»، وفقا لنظام معين لا يتعارض مع بنيان الدولة الجديدة، تمهيدا لضم عناصر تلك الميليشيات للسلطات الأمنية أو منحهم وظائف أخرى. ينتمي السراج، وهو مهندس معماري ونائب في البرلمان عن حي الأندلس في طرابلس، لعائلة ليبية عريقة. وفي حال إظهاره قدرة على لم شمل الليبيين ووضع ترتيبات خاصة بالجيش والميليشيات، فإنه يمكنه بمساعدة المجتمع الدولي أن يحد من خطر «داعش»، ولو بإجباره على الهروب إلى الجنوب بعيدا عن المدن التي سيطر عليها التنظيم في الشمال خلال الشهور الـ18 الماضية.
ومن بين الإغراءات التي تجعل «داعش» يفضل الجنوب، وجود أوكار يمكنه الاختباء فيها. يقول أحد القادة العسكريين إن بلدة تراغن في الجنوب تعد بمثابة المركز لـ«مثلث كولومبيا»، وتحيط بها الجبال والكثبان الرملية من جميع الجهات تقريبا. وأطلق المهربون هذا الاسم على المنطقة، بسبب سهولة تحرك شحنات المخدرات فيها عبر الحدود، بعيدا عن أعين سلطات الدول المجاورة، سواء كانت الجزائر أو النيجر، والانطلاق منها إلى مالي، حيث أصبح المثلث في الأعوام الأخيرة ملاذا آمنا للتنظيمات المتطرفة، بما فيها جماعة «بوكو حرام» النيجيرية الموالية لـ«داعش».
وتوجد في المثلث الخطر قبيلتان ليبيتان كبيرتان لهما امتداد في دول الجوار، هما الطوارق (غربا) والتبو (شرقا)، إلا أن النزاع بينهما والاقتتال الذي يتفجر بين أبنائهما بين حين وآخر، يقللان من فرص التصدي للتنظيمات المتطرفة كما حدث في الشهور الماضية حين بدأت قوافل لكل من القيادي الجزائري في تنظيم القاعدة، مختار بلمختار، والقيادي المالي في «داعش»، الملقب بـ«الأنصاري»، تتحرك هناك بحرية.
وتنشط في «مثلث كولومبيا» تجارة المعدات العسكرية والأسلحة والصواريخ التي جرى نهبها من مخازن القذافي. ويضيف القائد العسكري أن هذه منطقة جبلية ووعرة، ومقر جديد لتجمع الدواعش من ليبيا وأفريقيا ومن جنسيات مختلفة.. «التنظيم، خاصة في سرت وفي صبراتة، بدأ يعد نفسه للاتجاه جنوبا، خوفا من أي ضربات دولية وخشية من انتفاضة الأهالي الذين قتل الدواعش أبناءهم».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».